اعترافات مواطن سوري مُعارِض !..
اعترافات مواطن سوري مُعارِض !..
بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف
بادئ ذي بدء، أشكر (الدكتور بشار الأسد) لتفضّله بالإجابة على سؤال (قناة الجزيرة) الفضائية في يوم السبت بتاريخ 1/5/2004م، المتعلّق بالإسلاميين السوريين : (ما موقفكم الحالي من الإخوان المسلمين السوريين، ومن قضية المصالحة والوحدة الوطنية في سورية) ؟!.. فقد تكرّم سيادته بأربعين ثانيةً كاملةً للإجابة على هذا السؤال الكبير، في هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها الوطن والمنطقة، واقتصر جوابه على : (ضرورة اعتراف الإخوان المسلمين بخطئهم ومسؤوليتهم عن أحداث السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي)!.. وبما أنني مواطن مسلمٌ سوري مُعارِض لسياسات النظام، فقد اكتشفت أنّ الاعتراف بالخطأ، قد يحل مشكلتي ومشكلة مئات الآلاف من أمثالي (المخطئين)، ولو كنا نعلم أن المشكلة الوطنية في سورية يمكن أن تُحَلَّ بهذا التسطيح والتبسيط، لما انتظرنا ربع قرنٍ بالتمام والكمال في ديار الغربة، لحلّ هذه المشكلة البسيطة التافهة!.. لذلك كله، فإنني سأسجّل فيما يلي اعترافاتي وإقراري (للدكتور بشار) ممثل النظام الذي أخطأتُ بحقه .. بالآثام والذنوب والجرائم التي ارتكبتُها وما أزال أرتكبها منذ ربع قرن، وألفت إلى أن اعترافاتي هذه تمثل لسان حال مئات الآلاف من المخطئين المذنبين بحق الوطن والشعب والنظام والحكومة الرشيدة (رعاها الله)!..
أولاً : أعترف يا (دكتور بشار)، بأنني (وُلِدتُ) من أبوَيْن مسلمَيْن عربيَيْن سوريَيْن قُحَّيْن، ينتميان إلى الأكثرية الساحقة السنّية غير الحاكمة في سورية، وقد نشأتُ في بيتٍ مسلمٍ ملتزمٍ بالإسلام، يواظب أفراده على العبادات، ويرتادون المساجد، ويدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة !..
ثانياً : أعترف، بأنني كنتُ طفلاً صغيراً دون سنّ المدرسة، يوم أنعم الله على وطننا وشعبنا بحزب البعث، الذي استولى على السلطة في سورية باقتراعٍ عسكري، خلّصنا من ظلمات الحياة الديمقراطية، وأتى بحكم الحزب الواحد القائد، وبدأ حملة تطهيرٍ وطنيٍ ضد معارضيه، عن طريق سنّ قوانين الطوارئ والأحكام العُرفية التي ما تزال قائمةً حتى اليوم .. أعترف يا (دكتور بشار) .. بأنني وقتها كنتُ أمرّ بأحد الشوارع الرئيسية مع والدي أثناء انتشار الدبابات الهادرة فيها، وربما (عكّرتُ) بذلك مزاج طواقمها البعثيين، فأرجو الصفح عن هذا الخطأ الجسيم الذي ارتكبته عامداً متعمّداً، بحق مُنقِذي الشعب من وباء الديمقراطية وجحيم الحريات العامة وشرور حقوق الإنسان التي كانت سائدةً قبل انقلابهم العسكريّ المظفّر !..
ثالثاً : أعترف، بأنني أحد أشقاء مواطنٍ سوريٍ مسلمٍ مستقيم، قام النظام باعتقاله والتنكيل به في سجن المزة بدمشق مع المئات غيره، يوم اقتحمت الدباباتُ البعثية الجامعَ الأمويّ بدمشق في أوائل الستينيات، للقضاء على ثلةٍ من الشباب المسلم، الذين كانوا يرتكبون جريمة الصلاة مجتمعين في الجامع المذكور .. وأقرّ، بأن نفس الشقيق وهو مفكر إسلامي وكاتب وأديب عضو في اتحاد الكتّاب العرب .. قد اختفى مرةً ثانيةً منذ ربع قرن، وكل ما نعرفه عنه أنه استُضيفَ لدى أحد أجهزة المحافظة على أمن الوطن والمواطنين، ولا نعلم هل هو في عداد الأحياء أم الأموات، على الرغم من أن بعض الأخبار أفادت، بأنه تمت تصفيته في منتجع سجن تدمر الصحراوي، بمحاكمةٍ عسكريةٍ ميدانيةٍ يرأسها جنديٌ راسب في امتحان محو الأمية !..
رابعاً : أعترف، بأنني (لم أقم بواجب التصفيق)، والاحتفال كما يجب بوالدكم الرئيس، يوم كان موكبه يمر في أحد شوارع مدينتي، وقد كنتُ طفلاً صغيراً يومها .. وسبب ذلك، هو أنّ حرّاس والدكم أصحاب الدراجات النارية الخاصة بالموكب، قد دهموني وكنتُ مع مجموعةٍ من أطفال المدرسة، التي ساقتنا إدارتها البعثية للترحيب بسيادته، وكاد الحراس يسحقوننا لاقترابنا من موكبه الكريم، وقد سالت الدماء من بعضنا آنئذٍ، ما جعلنا نتقاعس عن التصفيق لسيادة الرئيس والترحيب به الترحيب اللائق، وها نحن نفتح الآن صفحةً جديدة، ونعترف بخطئنا الكبير !..
خامساً : أعترف، بأنني كنتُ طفلاً صغيراً، يوم الخامس من حزيران عام 1967م، ولم أتشرّف بمشاركة حزبكم ونظامكم وجيشكم العقديّ .. في تحرير فلسطين آنئذٍ، ولم أساهم بشيءٍ يُذكَر لإغراق الصهاينة في البحر، وإنما اكتفيتُ (بالتسمّر) مع أهلي أمام شاشة التلفزيون (بالأبيض والأسود)، للاستمتاع بأخبار الانتصارات الباهرة، التي حققها حزبكم وجيشكم على العدوّ الصهيوني .. وأقرّ بأنني لم أكن على وعيٍ كاملٍ حين أذيعَ بيان سقوط القنيطرة، الصادر عن والدكم وزير الدفاع في ذلك الوقت، ما أدخلني في إشكاليةٍ كبيرة : هل دمشق هي التي سقطت أم القنيطرة فحسب ؟!..
سادساً : أعترف، بأنني في عام 1970م لم أكن قد تجاوزت المرحلة الابتدائية، لذلك لم أحصل على شرف المشاركة في الاستفتاء الإجباريّ الشعبيّ العارم، على المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية، الذي تحمّل عناء انقلابه العسكريّ الديمقراطيّ، في سبيل تخليص الشعب السوريّ من فساد الطغمة البعثية الحاكمة، التي كان واحداً من أركانها.. وأقرّ، بأنّ السبب في خطئي الذي اقترفته حينذاك، هو أنني لم أستوعب (لصغر سني) أنّ والدكم وزير الدفاع، قد قام بحركةٍ تصحيحيةٍ مجيدة، لتصحيح ما صحّحه من سبقوه في الحزب الواحد القائد !..
سابعاً : أعترف، بأنني في عام 1973م كنتُ فتىً صغيراً، و(لم أستوعب) كثيراً معاني الخير والعَظَمة التي تجلّت في الدستور الدائم لسورية، الذي أغفل دين رئيس الدولة، وأغفل دين الدولة (الإسلام)، (فتعاطفتُ) من غير قصدٍ مع علماء الأمة وشيوخها وأعيانها ومفكريها وأشرافها .. الذين عارضوا صدور هذا الدستور، ولم أشتمهم أو أستنكر أخطاءهم بحق الوطن، خاصةً حين اعتُقِل المئات منهم وسُجِنوا وعُذِّبوا، في سجون سورية التي أعِدَّت خصّيصاً لهم ولأمثالهم من الخارجين عن القانون البعثيّ !..
ثامناً : كما أعترف، بأنني في نفس العام (1973م)، (تعاطفتُ) إلى درجةٍ كبيرةٍ مع جيشنا الباسل، الذي خاض حرب تشرين المجيدة وحرّر الجولان وجبل الشيخ، ووصل إلى حدود بحيرة طبرية .. ثم ضعفت حماستي كثيراً، عندما تم التآمر على هذا الجيش البطل، فاضطر إلى التراجع، وخسرنا في تلك الحرب ستاً وثلاثين قريةً جديدةً من قرى الجولان المحتلّ .. وأقرّ، بأنني (كنتُ ممتعضاً) بعدها من اتفاقيات فك الاشتباك مع العدوّ الصهيوني، ومن إطلاق سراح الجواسيس الصهاينة، فيما كان بعض الأعيان من أبناء شعبنا، لا يزالون في غيابات السجون والمعتقلات !..
تاسعاً : أعترف، بأنه حين خرجت جماهير الشعب للاعتراض على الدستور الدائم، كنتُ خارجاً من مدرستي بعد انتهاء الدوام الرسميّ، و(تألّمتُ) لمقتل أحد زملائي الطلاب بالرصاص العشوائيّ، الذي كان يطلقه جنودكم على أبناء الشعب المتظاهرين سلمياً .. كما أعترف، بأنّ النخوة دبّت في نفسي فجأةً، (فساعدتُ) جيراننا في لملمة دماغ طفلهم الصغير (سبع سنوات)، الذي حصده نفس الرصاص الطائش في ذلك اليوم، وكنتُ فتىً صغيراً في المرحلة الإعدادية !..
عاشراً : أعترف، بأنني كنتُ متفوقاً في دراستي ومدرستي، كما أعترف، بأنني دخلتُ كلية الطب في جامعة دمشق بجهودي وعَرَقي وتعبي، ولم أضطرّ حتى أنتسب إليها، إلى واسطةٍ حزبيةٍ أو شبيبية، أو إلى الحصول على أسئلة امتحانات الثانوية العامة من وراء الكواليس !.. وأعترف يا (دكتور بشار)، بأنني ارتكبتُ ذنب (عدم التمتع) بطلّتكم البهية في كلية الطب، لأنني كنتُ قد قرّرتُ السياحة في كل أرجاء العالَم، (فقطعتُ) دراستي في جامعة دمشق مع سبق الإصرار، قبل أن يقطعَ الرفاق رأسي، و(غادرتُ) وطني قبل أن أتشرّف بزمالتكم في الكلية، لأنكم لم تكونوا قد انتسبتم إليها بعدُ .. كما أقرّ وأعترف، بأنني اقترفت ذنب متابعة دراستي الطبية في جامعةٍ أخرى خارج الوطن بعد عناءٍ كبير، على الرغم من أنّ الرفاق في وطني الحبيب كانوا فاتحين صدرهم وسجونهم الصحراوية بانتظاري وأمثالي، لأخدم وطني وأساهم في بنائه ونهضته والدفاع عنه !..
حادي عشر : أقرّ وأعترف، بأنني (اعترضتُ) في يومٍ من الأيام، على سحقكم بعض أقاربي الإرهابيين، الذين كانوا يرتكبون جرائم الصلوات الخمس الإرهابية في المساجد، ويعلّمون التلاميذ قراءة القرآن والفقه الإسلاميّ وأمور الدين الحنيف .. وكذلك سحقكم بعض قريباتي الإرهابيات، اللواتي كنّ يرتدين الحجاب الإسلاميّ، ويشجّعن الفتيات على الالتزام بأخلاق الإسلام والعفّة !.. وأنني (امتعضتُ) يوم داهم صناديد الأجهزة الأمنية مساجد دمشق، وجعلوا عاليها سافلها، ومزّقوا مصاحفها وداسوها بالبساطير !.. وأنني (حزنتُ) لأنّ العشرات من زملائي وبعض أساتذتي في كلية الطب .. قد اختفوا بليلٍ منذ أكثر من عشرين عاماً، ولا أعرف إلى الآن مصيرهم !..
ثاني عشر : أعترف بأنني (تأثّرتُ)، عندما سمعتُ أن والدي المسنّ قد حزن على أولاده وبعض أقاربه، الذين اختفوا في سجون تدمر والمزة وكفرسوسة و.. وما يزال مصيرهم مجهولاً، أو حزن على الذين تشرّدوا في أصقاع الأرض منهم، فراراً بدينهم من الرحمة الزائدة قليلاً عن الحد، التي تُبديها أجهزتكم الأمنية حامية حمى الوطن!.. كما أعترف، بأنني (حزنتُ) حزناً شديداً على وفاة والدي الإرهابيّ نفسه، الذي كان قد أشرف على التسعين من عمره، وذلك بعد جلسة تحقيقٍ رشيقةٍ قام بها أحد فروع الأجهزة العتيدة إياها !..
ثالث عشر : أعترف بأنني (تعاطفتُ) مع نقابة المحامين وبقية النقابات المهنية، في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، بسبب دعوتها السخيفة لإلغاء الأحكام العُرفية، وضمان حقوق المواطن السوري، واحترام حقوق الإنسان، والإفراج عن المعتقلين والرهائن، والنساء المعتقلات اللواتي يتعرّضنَ للإذلال والإهانات، وقد كنّ رهائن عن أقاربهنّ الملاحَقين !..
رابع عشر : أعترف بأنني قلتُ (لا حول ولا قوة إلا بالله) حين سمعتُ بمجزرة سجن تدمر، التي راح ضحيتها أكثر من ألفٍ من خيرة أبناء سورية عِلماً وثقافةً وأخلاقاً، وكثير منهم كانوا من أقاربي الأصلاء والفروع، ومن زملائي وأصحابي، وتعلمون يا (دكتور بشار) أنّ عمّكم شقيق والدكم الرئيس، كان على رأس الكتائب التي أكرَمَتْهُم بتلك المجزرة الرهيبة، وأستغفر الله الآن وأعترف، بأنني ارتكبتُ خطاً كبيراً يومها، على الرغم من علمي الكامل بأنّ تلك المجزرة كانت ضروريةً لحماية الوطن من سجنائه، الذين اعتُقِلوا أصلاً خارج إطار القضاء والقانون!..
خامس عشر : أعترف بأنني في ليلةٍ من ليالي الغربة الجميلة الحالمة، (تذكّرتُ) أصدقائي وأقاربي الذين سقطوا ضحايا مجزرة حماة، التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثين ألف قتيلٍ من النساء والأطفال والرجال، و(حزنتُ) على دكّ المدينة بالطائرات والمدفعية وراجمات الصواريخ طوال شهرٍ كامل، وعلى تسوية ثلثيها بالأرض بما في ذلك عشرات المساجد وأربع كنائس، وعلى تشريد عشرات الآلاف من أهلها، واختفاء الآلاف حتى اليوم، ولم أكن أُحسِنُ التقدير، بأنّ تحرير حماة كان ضرورياً لتحرير الجولان وفلسطين، وأن دكّ مساجد حماة كان ضرورياً لتحرير المسجد الأقصى الأسير !..
سادس عشر : كما أعترف، بأنه (احتقن وجهي) يوم سمعت بمجازر حلب وحمص واللاذقية وسرمدا وجسر الشغور، التي نفّذها الرفاق البعثيون ضد أبناء الشعب وبناته، للمحافظة على الأمن في بلدنا المستقرّ الآمن.. وهي نفس حالة الاحتقان التي اجتاحتني، يوم وقوع مجزرة (تل الزعتر) في لبنان ضد إخواننا الفلسطينيين، على أيدي الأشاوس من صناديد وحداتكم الخاصة الباسلة وسرايا دفاعكم، الذين كانوا يمهّدون الطريق في لبنان، لتحرير الجولان التي ضيّعوها في حربَيْ عام 1967م وعام 1973م !..
سابع عشر : أقرّ بأنني (ترحّمتُ) على ضحايا المقابر الجماعية، الذين بلغ عددهم الآلاف من أبناء شعبي، وكانت جريمة معظمهم أنهم يرتبطون برابطة الدم والقرابة، مع بعض الفارّين من القتل والإعدام من المعارِضين السوريين !..
ثامن عشر : أعترف بأنني (أُصبتُ بأعراض النخوة الفجائية)، حين علمتُ بأنّ سراياكم ومظليّاتكم وجلاوزتكم قاموا باحتلال كل زاويةٍ من زوايا العاصمة دمشق، للاعتداء على أخواتنا المسلمات المحجّبات، وخلع حجابهنّ عن رؤوسهنّ بالقوة، وتمزيق ثيابهنّ وجلابيبهنّ .. كما أعترف، بأنني (استنكرتُ) قوانينكم بمنع الحجاب الإسلاميّ في المدارس الحكومية الرسمية، لكنني (عجبتُ) أكثر، حين وجدتُ في وسائل إعلامكم مَن يستنكر الإجراءات الفرنسية الأخيرة لمنع الحجاب الإسلاميّ، لأنه بحدود علمي أنكم قد سبقتم فرنسة العلمانية بهذا الاعتداء، وبشكلٍ أبشع بكثيرٍ .. بحوالي عقدين من الزمن !..
تاسع عشر : أعترف، بأنني (استنكرتُ) وقوع إحدى مجموعات المخابرات السورية .. بخللٍ تقنيٍ أدى لاغتيال المرأة السورية المسلمة المؤمنة (بنان الطنطاوي) في آخن بألمانية، بدلاً عن اغتيال زوجها الشيخ الفاضل الأستاذ (عصام العطار)!.. وكذلك (استنكرتُ)، ولم أكن أعرف أنني بذلك أرتكب خطأً بحق أمن الوطن .. استنكرتُ اغتيال بعض الشخصيات السورية في عددٍ من العواصم العالمية .. من قبل أجهزتكم الأمنية العاملة في الخارج !..
عشرون : أعترف بأنني (تزوّجتُ) في بلاد الغربة من فتاةٍ سوريةٍ كانت قد فرّت بدينها من سورية مع كل أفراد عائلتها ومعظم أقاربها، خوفاً من تهديدات الأجهزة المختصة لهم بالاعتقال والتنكيل، إذا لم يسلّم رب الأسرة الملاحَق نفسَه ليكون أحد ضيوف سجن تدمر الصحراوي .. كما أعترف، بأنني (قلقتُ) يوم كنتُ أسمع أنّ ضباط المخابرات اللصوص كانوا يستولون على بيوت الفارّين والملاحَقين، وعلى أملاكهم، بعد تشريد عائلاتهم في جهات الأرض الأربع !..
الحادي والعشرون : أعترف، بأنّ أولادي وبناتي، قد ارتكبوا (جريمة صلة الرحم) معي، على الرغم من معرفتهم التامة بأنني معارِض مسلم سوري محروم من كل حقوق المواطَنة، وهم كذلك يعترفون بهذه الجريمة البشعة، علّكم تصفحون عنهم فتمنحوهم حقوق المواطنة، وتعترفوا بأنهم مواطنون سوريون، ولا داعي لمحاربتهم وقمعهم لارتكابهم تلك الجريمة الرهيبة .. بعد اعترافهم الكامل، فهم إلى الآن لا يعرفون وطنهم، ولا يُسمَح لهم بنيل حقوقهم، ولا يُعتَرَف بهم مواطنين سوريين !..
الثاني والعشرون : أعترف، بأنني (تأمّلتُ) قليلاً بأحوال شعبنا السوريّ المرفّه، الذي يعيش أكثر من نصفه تحت خط الفقر، فيما تنتفخ أرصدة المسؤولين والمتنفّذين بالمليارات، وتذهب أرصدة النفط إلى جيوب الأسرة الحاكمة، بدل أن تذهب إلى خزينة الدولة !..
الثالث والعشرون : أعترف، بأنني (أُصِبتُ بالذهول) حين تحوّلت الجمهورية في بلادي إلى وراثيةٍ عائلية، وأنه تم تعديل الدستور (الدائم) خلال عشر دقائق ليستوعب هذه الحالة الغريبة، وأنه تم ترفيعكم إلى رتبة (فريق) خلال أقل من خمس دقائق، وإلى منصب القائد العام للقوات المسلحة خلال ربع ساعة، وإلى رئيسٍ وارثٍ للجمهورية خلال بضعة أيام .. وأقرّ، بأنني لم أكن أملك الخيال الواسع وسعة الأفق، لاكتشاف حكمة كل هذه الإجراءات التي بدت لي غريبة، لكنني اكتشفتُ أنها إنما كانت للمحافظة على استقرار الوطن وأمن الشعب العربيّ السوريّ بكل فئاته وشرائحه !..
الرابع والعشرون : أعترف، بأنني (أُصاب بالأرق والغثيان) كلما استمعتُ إلى وسائل الإعلام السورية الرسمية أو شاهدتُ برامجها، التي تركّز منذ أكثر من عشر سنواتٍ على السلام والصلح مع العدوّ الصهيونيّ، بدل أن تركّز على الصلح مع الشعب السوريّ وقواه الوطنية، ولم أكن أعلم بأنّ الانفراج في وطني لا يمكن أن يتمّ إلا بالانفراج مع العدو الصهيوني، فقد أسأتُ التقدير !..
الخامس والعشرون : أعترف، بأنني (انزعجتُ) حين سمعتُ أنّ نظامكم يا (دكتور بشار)، يتعاون من وراء الكواليس مع الإدارة الأميركية واستخباراتها فيما يسمى بمكافحة الإرهاب، على الرغم من أنكم تستيقظون وتنامون على شتيمة أميركة لاضطهادها العرب والمسلمين، وأعترف، بأنني (انزعجتُ) أكثر حين سمعتُ بأنكم قمتم بتسليم أميركة عشرات الآلاف من الملفات الأمنية الوطنية الخاصة بالمواطنين السوريين والمعارضين، بهدف الإيقاع بهم على أنهم إرهابيون !.. ولم أكن أعرف أنكم بذلك تهدفون إلى تضليل أميركة الإمبريالية ولا شيء سوى ذلك!..
السادس والعشرون : أعترف، بأنني (لم أنم قلقاً وأرقاً)، ليلة اطلاعي على مقابلةٍ مع أحد المواطنين العراقيين، الذي أُفرِجَ عنه من أحد السجون السورية، وقد سرد خلالها قصصاً أغرب من الخيال عما يحصل في السجن القمعيّ الذي استُضيفَ فيه بدمشق في عهدكم الميمون، وأعترف بأنني (قلقتُ) بسبب ورود بعض قصص النساء السجينات، وبعضهنّ قد تجاوزن السبعين عاماً من العمر، وعلى الطفلات السجينات وبعضهنّ لم تتجاوز خريفها الرابع، وعلى بعض الفتيات الصغيرات السجينات الحافظات للقرآن الكريم (11-16 سنة)، وعلى شباب بلدي الذين اعتُقلوا ويعذَّبون أشد أنواع التعذيب ولا يَعرفون فيمَ اعتُقِلوا أو سُجِنوا .. وأعترف، بأنني (حزنتُ) كثيراً على المواطن العراقيّ، المدرِّب الرياضيّ المحترف الذي خرج بعد سنةٍ من السجن في عهدكم، من غير أن توجّه إليه أية تهمة، وقد خرج مصاباً بمجموعةٍ من الأمراض النفسية والجسدية، لشدة ما لاقاه وما شاهده من أمورٍ مخزية في ذلك السجن الرهيب !..
أعترف .. أنا الموقع أدناه .. وأقرّ .. ثم أعترف .. وأعترف ثم أقرّ .. بأنني اقترفتُ كل الأخطاء السابقة الذكر، وربما اقترفتُ غيرها أيضاً من الأخطاء المماثلة، ولا أعلم إن كان هذا يكفي للاعتراف بي وبأمثالي على أننا مواطنون سوريون أقحاح مسلمون، لنا حقوق وكرامة وشرف وهوية !..
أعلم يا (جلالة الرئيس) أنّ كل اعترافاتي لن تنفع، ولن تؤثّر في ضميركم (الحيّ) لإحقاق الحق .. لكنني أَعِدُكَ أنّ هذا الحق سيتحقّق بإذن الله، طال الزمن أم قَصُر، ولئن عجزنا نحن عن تحصيل حقوقنا اليوم لا سمح الله.. فإننا لن نعجز عن أن نجعل من أبنائنا وبناتنا وأحفادنا المضطهَدين .. زلزالاً يقلب صفحة الظلم الرهيب الذي تمارسونه مع أجهزتكم القمعية، وأن نجعل في كل خليةٍ من خلايا أجسامهم بركاناً متفجّراً بوجه ظالمينا وظالميهم، من الذين يعيثون فساداً بالوطن ويرتكبون الفظائع بحق الشعب، وينهبون خيراتهما ومواردهما .. فالضعيف لن يبقى ضعيفاً، والقويّ لن يبقى قوياً متسلّطاً، فهذه سنّة الله عز وجل في أرضه، فنحن على يقينٍ أنّه [مِن اقتراب الساعة، أن تُرْفَعَ الأشرارُ وتوضَعَ الأخيار ..] (أخرجه الطبراني والحاكم)، وأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويُكَذَّب فيها الصادق، ويؤتَمَن فيها الخائن، ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطِق فيها الرُّوَيْبِضَة، قيل : وما الرُّوَيْبِضَة ؟.. قال : الرجل التافه ينطِق في أمر العامّة] .. وأنّ الله عز وجل قال في محكم التنـزيل : (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (العنكبوت: 22) .. كما قال عز وجل أيضاً : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (النور: 55).
وإنّ غداً لناظره قريب !..
3 من أيار 2004م