الحوار...عقبات وحلول
صلاح حميدة
وجهت المخابرات المصرية الدعوات للحوار لحركتي حماس وفتح، وحددت هذا الحوار بعد أيام قليلة، وقد اطلعت على العديد من المنتديات الحوارية، وشاهدت التعليقات المختلفة على هذه القضية، ولمست تشاؤماً كبيراً من إمكانية نجاح هذا الحوار، وعكس هذا التشاؤم التصويت الذي أجري على أكثر من موقع إلكتروني، بين أن الغالبية من المصوتين من مرتادي الشبكة العنكبوتية على اختلاف توجهاتهم لا يعتقدون بنجاح الحوار، بالرغم من الأمل الذي يكمن في صفوف غالبية الجمهور الفلسطيني بإنهاء حالة الإنقسام والصراع الداخلي.
من المجمع عليه أن حالة الإنقسام وما رافقها من دماء ودموع وآلام، وحرب إعلامية، وغير ذلك، تركت أثراً كبيراً في نفوس القادة والقواعد الشعبية عند الجميع، ورافق ذلك خيارات سياسية معينة زادت حدة الإنقسام وباعدت بين الفرقاء.
الإنقسام بالأساس، إنقسام خيارات سياسية، وليس انقسام مبني على صراع على مكاسب محددة، مع أن هذه المكاسب قد تشكل أحيانا جزءاً من المشكلة لارتباطها بالخيارات السياسية الإستراتيجية، فالساحة الداخلية الفلسطينية انقسمت بعد مؤتمر مدريد، وبعد توقيع اتفاقية أوسلو تعمق الإنقسام بشكل كبير، لكون هذا الإتفاق تمخض عنه إنشاء سلطة محدودة الصلاحية وطنياً، مطلقة اليد في قمع مقاومة الإحتلال داخلياً(كيان وظيفي في خدمة كيان وظيفي) ومن هذه النقطة تحديداً تشكلت أسوأ الصور للعلاقات والصراع الداخلي.
بقيت الأمور على مستوى معين من التجاذب، ولكن لم تتطور الأمور لاشتباكات داخلية عنيفة، لقرار استراتيجي اتخذته حينها حركة حماس بعدم الرد على أي استهداف لها من هذه السلطة، ولقرار عرفات حينها أيضاً بعدم استبعاد خيار العمل المسلح نهائياً في مواجهة الإحتلال، و لقناعة حماس أن الأمل بإقامة دولة فلسطينية بحدود عام1967م لن يتحقق، وتم ما توقعته حماس، وحصل نوع من التوافق الداخلي بشكل محدود ومؤقت عام 2000م، حتى كان الإنفجار الداخلي بعد أحداث غزة التي تلت الإنتخابات التشريعية.
وصلت الأمور إلى حد لم يستطع الشارع الفلسطيني تقبل أي انقسام، وشكلت نتائج (معركة الفرقان) دافعاً قوياً لإعادة اللحمة الداخلية، وبدأ الجميع يدفع في هذا الإتجاه، من دول المحيط العربي والعالم الخارجي، وهو ما أثار الإستغراب لهذا التغير المفاجىء في لغة التخاطب مع حماس، وقبول دخولها في ما أطلق عليه(حكومة وحدة)؟!.
وتجاوزت حماس عقبة احتكار النظام المصري المتحيز لحركة فتح، بتوسيع دائرة الراعين للحوار ليصل إلى سبع دول عربية، فقد كان لهذا الإحتكار والإنحياز أثر سلبي أدى لفشل الحوار قبل أن يبدأ سابقاً.
يعتبر الكثيرون أن التصريحات التي تقول بأن هدف الحوار هو تشكيل حكومة مقبولة دولياً تحضر لانتخابات تشريعية ورئاسية، إنما هو سحب للمقاومة الفلسطينية لخيارات محددة لصالح فريق تصفية القضية الفلسطينية، وما هو إلا إجهاض للنصر والصمود الأسطوري الذي تحقق، وتعبير آخر عن رغبة جامحة بقطع رأس المقاومة الفلسطينية بيد تلبس قفازاً من حرير؟!.
ويعتبر هؤلاء المراقبون أن المقاومة الفلسطينية مطالبة بالتصلب بمواقفها، واستثمار انتصارها الأخير، والتمهل والتريث بخطواتها، فالكثير من الأبواب ستفتح لها، لأن العالم لا يحترم إلا الأقوياء، وأن المقاومة مطالبة برفض أي تجزيء للملفات، ولا بد من التعامل مع الشأن الفلسطيني كرزمة واحدة، لا يؤجل ولا يجزىْ أي قضية مهما صغرت،فهم يعتبرون أن أي تجزيء ما هو إلا ترحيل للأزمة والإحتقان، وسينتج عن ذلك إنفجار أكبر بكثير من الذي تم سابقاً، وستحدث مذابح بين أبناء الشعب الفلسطيني، والمطلوب حل كل شيء، أو إبقاء الوضع على ما هو عليه.
واقع الحال ومخاوف الناس تتحدث عن قضايا هامة تعتبر ممهدة للحوار واللقاء الداخلي، وتعتبر قضية المعتقلين السياسيين واستهداف حركة حماس في الضفة الغربية، أهم القضايا الملحة التي تؤرق مؤيدي حماس وعناصرها وقادتها، واعتبرت هذه القضية المفجر الرئيس للحوار السابق قبل أن يبدأ، ويعتبر التعاطي الحالي مع هذا الملف وبالطريقة التي يتم فيها مقلقاً لحد كبير، ويوحي بأن الأمور ستنفجر من جديد، ولن يتم اللقاء والوصول إلى مصالحة، فحماس تعلن أن أجهزة فتح الأمنية اعتقلت ما يقارب الثمانين عنصراً ومؤيداً لها خلال الأسبوعين السابقين، في الوقت الذي أعلنت أنها ستطلق سراح ثمانين شخصاً بعد يومين؟! وتعتبر أن ذلك يعبر عن سياسة ( الباب الدوار) وأنهم اعتقلوا ليفرج عنهم، فيما المعتقلون من القيادات التنظيمية والعسكرية للحركة لم يتم الإفراج عنهم، بل تم نقل بعضهم إلى سجن أريحا؟! وهذه الحادثة تثير قلق الأهالي والحركة على حد سواء، من أن أبناءهم سيلقون مصير أحمد سعدات والشوبكي.
ومن المثير للإنتباه أيضاً إدعاء أحمد قريع أن ملف الإعتقالات السياسية بيد سلام فياض، وليس في يد حركة فتح، ويقول أن عناصر من فتح معتقلين أيضاً في سجون فياض ولا يستطيع الإفراج عنهم؟!
يعتبر مؤيدي وعناصر حماس هذا الإدعاء مجانباً للصواب، لأن الأجهزة الأمنية هي فتحاوية بنسبة100%، وأن أحد أسباب تفجر الأوضاع في غزة، هو عدم قدرة هنية وصيام تحريك شرطي فتحاوي من مكانه، فكيف لا يستطيع قريع تحريك يد شرطي فتحاوي ليفتح باباً لسجين من حماس أو فتح؟.
قد يجادل بعض الناس بأن فياض يمسك بقرار فتح والسلطة بسبب تحكمه بقناة المال، وهنا قد أتفق مع هذا الطرح، وهناك من يقول أن عباس أعلن أنه لا يستطيع الإفراج عن سجناء حماس لأن الأمر يتعلق بالتزامات مع إسرائيل وأمريكا؟!
وهنا يطرح بعض الناس حلاً لتخطي هذه العقبة، فلماذا مثلاً لا تطالب حماس بشمول أسراها المعترض على إطلاق سراحهم أمريكياً وإسرائيلياً ضمن صفقة شاليت؟ وتريح حركة فتح من عبىء الحرج أمام فياض وأمريكا وإسرائيل؟ كما أن هناك من يقول إذا كانت فتح لا تملك قرارها، وقرارها مصادر من فياض، فلماذا تجلس معها حماس؟ ولتجلس حماس مباشرة مع فياض).
هناك من يرى أنه إذا تم تجاوز العقبة السابقة بالوصول إلى حلول خلاقة كإطلاق سراح العسكريين والقيادات عبر صفقة شاليت، فإن مشكلة جذرية ستبرز على الفور، وهي محاولة تجزيء وحصر التفاوض بالحكومة المقبولة دولياً والإنتخابات، وأن فتح ومن تحالف معها لن يقبلوا أن تحل القضايا كرزمة واحدة.
يعتبر البعض أن حماس مطالبة باختبار نوايا فتح عبر المسارعة بفتح معبر رفح قبل الحوار، وقبل قضية المعتقلين، وأن تتخاطب معها بذلك مباشرة وعبر الإعلام أيضاً، كما يرى هؤلاء أن حماس مطالبة بالإصرار على الحل كرزمة، وفي نفس الوقت ، طرح حل استراتيجي لمشكلة( البيضة والدجاجة)(الحكومة والمنظمة) بطرح قضية حل سلطة الحكم الإداري الذاتي، وكحل إستراتيجي للخروج من الأزمة، والخروج من مأزق الإرتهان المالي والإبتزاز السياسي، والصراع الداخلي ، وإعادة الصراع مع الإحتلال إلى مربعه الأول، ووضع نتنياهو وغيره من قادة الكيان أمام مأزق الدولة الواحدة، وهو ما يعتبر من أبشع كوابيسهم.
الحوار ليس هدفاً بعينه، ولكن للحوار هدف، وهو الوصول إلى نتائج لصالح الشعب والقضية، وإذا تعذرت النتائج المرجوة فلن يكون الحوار مثمراً وفعالاً، كما أنه لا حوار ومفاوضات بلا عقبات، والعقبات لها حلول في أغلب الأحيان، وعندما يضع خصمك لك عقبة، فعليك أن تفكر بإيجاد حلول ثورية،و ليس بالعيش في زاوية تحليل النيات و تخيل التمنيات، ولكن بوضع الخصم في مواجهة أسئلة جوهرية تتعدى الجزئيات لتصل إلى جوهر الصراع والتنافس، وبعدها يمكن القول إذا فشل الحوار أم نجح.