أجنبيان يناقشان الوضع العراقي؟
الأمين العام والسيستاني
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
في التجمع السنوي للمقاومة الايرانية الذي يعقد في باريس بمناسبة الذكرى السنوية ليوم 20 حزيران نقطة انطلاق المقاومة الثورية يوم الشهداء والسجناء السياسيين، ويوم تأسيس جيش التحرير الوطني الايراني الذي برئاسة السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الايرانية، يتعلق التجمع بالدرجة الأساس بالمقاومة الإيرانية ونشاطات المنظمة على كل الصعد، لكن الكثير من الكلمات سواء بالنسبة لقيادة المنظمة او الوفود الحاضرة تتفرع إلى قضايا سيساسية أخرى مهمة، لها نكهة خاصة فلما يحظى الإنسان بها.
فبالإضافة الى الكلمات التأريخية التي تطلقها السيدة مريم رجوي في كل تجمع إرتجالا دون الإستعانة بورقة، فأن كلمات بعض الحضور من رجال السياسة والبرلمان والقادة العسكريين لها أهميتها في هذا الصدد. كتبنا العام الماضي ثلاث مقالات عن المفرقعات السياسية التي تفجرت في تجمع باريس العام الماضي، أولها تصريح الجنرال كيسي القائد السابق للقوات الأميركية في العراق في كلمته يوم 22/ 6/ 2013 بأن النظام الإيراني الحاكم "متورط بتنفيذ التفجيرات التي استهدفت مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006، مما أدى إلى إشعال الفتنة الطائفية في العراق". وإتهم كيسي طهران بأنها "مسؤولة عن أغلب الهجمات المسلحة في العراق التي تستهدف المواطنين الأبرياء". معزيا ذلك بأن "إستهداف مرقدي الإمامين العسكريين ما هو إلا جزء من مشروع لإشعال الفتنة الطائفية في العراق".
وجاءت الكارثة الكبرى بقوله" قمت بتبليغ نوري المالكي، بتورط طهران بالهجوم الذي استهدف مرقدي الإمامين العسكريين". بمعنى إن الحرب الأهلية التي حصدت عشرات الآلاف من العراقيين هي من إفتعال نظام الملالي وبمعرفة وتغاضي المالكي واقزام الولي الكريه في العراق. ومن المؤسف أن الإعلام الدولي والعربي تجاهل هذه الحقيقة رغم الإبادة الجماعية التي أعقبت التفجير وما صاحبها من القتل على الهوية وإحتلال مساجد أهل السنة ـ لحد الآن محتلة ـ صحيح أنه يفترض بالجنرال أن يكشف عن هذه الحقيقة في وقتها وليس بعد عدة سنوات من مرورها ومقتل آلاف الضحايا الأبرياء علاوة على الدمار والتخريب الذي صاحب التفجيرات. العجيب أن وزارة العدل العراقية صرحت حينذاك" نفذت الوزارة حكم الاعدام في أحد عشر شخصا الاربعاء بينهم تونسي ادين بضلوعه بتفجيرات ضريح الامامين العسكريين في سامراء عام 2006".
ربما كان الجنرال ينفذ أوامر قادته بالسكوت عن الحرب الأهلية فهو رجل عسكري ينفذ الأوامر ولا يناقشها حتى وأن تعارضت مع شرفه العسكري وضميره والقيم الإنسانية. فقد جاء في وثيقة لشبكة (سي ان ان) بعنوان " تذكير بشأن سياسة الموافقة على النصوص " على جميع المراسلين أن يرفعوا النصوص من أجل الموافقة عليها، ولا يسمح بإذاعة أي نص إلا اذا كان مختوما حسب الأصول بموافقة مدير مفوض بذلك الأمر".(كتاب عراق المسقبل/ جيف سيمونز). إنها صحوة ضمير لكن جاءت متأخرة عن موعدها عدة سنوات، ولكنه على أي حال أعلنها الجنرال فما هي النتيجة؟ الأمر سيان! فقد تجاهلتها الإدارة الأمريكية والأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وكل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان ووسائل الإعلام! مع إن مثل هكذا تصريح يفترض تشكيل لجنة تحقيق دولية بشأن دريمة الإبادة الجماعية، لكن الدم العراقي كما يبدو أرخص من الهواء. أو أن نظام الملالي نظام متضامن تماما مع الشيطان الأكبر، لذا لم يكشف الحقيقة عن الفاعل الحقيقي، ورحم الله أمرءا قدم لنا تفسيرا آخرا.
المفرقعة الثانية حول إنكار السيد أحمد غزال رئيس وزراء الجزائر قيام العراق بضرب الكيان الصهيوني بالصواريخ عام 1991! وقال بالنص إن صدام" لم يضرب إسرائيل بصواريخ، هذا كلام غير صحيح، وأني مستعد لمناقشة كل من يدعي خلاف ذلك". ويبدو أن السيد غزال قد عاد إلى رشده بعد أن عاتبه العراقيون بقسوه على جهالته وهو يشغل هذا المنصب الرفيع. فتأكد من صحة الخبر بعد مررر ربع قرن عليه، فذكر أمام الأستاذ ناجي علي حرج" وما الفائده التي جناها العراق من ضرب إسرائيل"؟ فقال له: أولا:لقد كسرنا نظرية الأمن القومي الصهيوني الذي كان يتبجح بها. ثانيا: أثبتنا بأن يدنا يمكن أن تصل الى عقر دارهم. ثالثا: فعلنا ما لم يجرأ أي رئيس عربي على القيام بها من قيام الكيان لحد الآن. رابعا: أنهينا اسطورة التفوق الصهيوني على العرب.
المفرقعة الثالثة أطلقها السيد طاهر بو مدرة في كلمته وهي" إن ممثلية الأمم المتحدة في العراق كانت متورطة في أعمال العنف الطائفية التي جرت في العراق"! وسبق للسيد بومدره أن مثل أمام الكونغرس الأمريكي، وأدلى بشهادته حول طريقة عمل اليونامي في العراق، حيث قال" أؤكد أمامكم بأن يونامي لا تعمل اطلاقاً بشكل مستقل. خصوصا في المواضيع ذات الصلة بمخيم أشرف. فإتخاذ القرارات بشأن المخيم وسكانه، تتم في مكتب رئاسة الوزراء العراقي، وفي بعض الأحيان في السفارة الايرانية ببغداد".
السيد طاهر بومدره ينتمي بومدره إلى أسرة جزائرية مناضلة قاومت الإستعمار الفرنسي وقدمت تضحيات جسيمة في مسيرة التحرر من الإستعمار الغاشم الذي حاول مسخ عروبة الجزائر وهو إستاذ جامعي شغل كرسي القانون في جامعة كنستانتين في الجزائر لعقد من الزمن قبل أن يتفرغ لرئاسة قسم الشؤون القانونية ويصبح نائبا للأمين العام للجامعة الأفريقية عام 1991. وإنتقل بومدره إلى العراق للعمل تحت مظلة الأمم المتحدة (يونامي) وهو يحمل كم هائل من العروبة والوطنية والشعور القومي علاوة على الثقافة الواسعة، فتولى مسؤولية قسم حقوق الإنسان فيها. وبعدها شغل منصب المستشار الخاص ليونامي حيث كلف بملف اللاجئين الإيرانيين في مخيم أشرف لمدة عامين تقريبا، إنتهت بإستقالته من الوكالة إحتجاجا على تصرفات ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق الثعلب الأممي مارتن كوبلر وعدم نزاهته في التعامل مع قضية الأشرفيين إضافة إلى تضليله الرأي العام بشأن مخيم ليبرتي والعراق بشكل عام. وأصدر بومدره كتابا وثائقيا مهما بعنوان(قصة أشرف المكتومة) تحدث فيه عن تجربته المريرة في العراق سيما بخصوص معسكر أشرف وأعمال العتف في العراق.
كنا في حيرة مقرونه بالشك من ولاء ممثلي الأمين العام للأمم المتحدة في العراق للسيستاني، وما الذي يقف وراء زيارتهم الأولى لمقر السيستاني كنهج متبع من قبل الجميع، وكذلك عزفهم عن لقاء شيوخ ومراجع أهل السنة. كنا أظن أن هدية السيستاني لهم والتي تساوي حوالي مليون دولار هي الدافع الرئيسي لزيارته(ضريح مصغر للعتبات المقدسة من الذهب والأحجار الكريمة). ولاشك أن هذه الهدية أو الرشوة بمعنى أصح كفيله بنقل ممثل الأمين العام إلى السحاب، وأن تسيل لعاب الأمين العام نفسه فحديث الملايين كهدايا ليس بالأمر الهين.
لم يلتقِ ممثلوا الأمين العام بأي مرجع لأهل السنة إلا بعد أن ومضت شرارة الإنتفاضة المباركة في الأنبار، حيث زار المبعوث الدولي مارتن كوبلر العلامة الأستاذ عبد الملك السعدي الأب الروحي لإنتفاضة أهل السنة حفظه الله ورعاه زيارة يتيمة، وقد كاشفه العلامة بكل صراحة، فلا تقية عند مراجه أهل السنة، والحمد لله بالقول" لدينا عتاب على الأمم المتحدة وعن سكوتها على ما يجري من ظلم على الشعب العراقي، ونحملها المسؤولية - لاحظ لم يخصص فضيلته أهل السنة فقط كما يفعل مراجع الشيعة في النجف بل العراقيين جمعا. وعندما طلب كوبلر نصيحة الشيخ للأمم المتحدة عما تفعله منظمته الدولية لإحتواء الأزمة؟ كان ردٌ سماحته مفحما" لم يبق شيء خافِ فيما يجري في العراق، لم يبقَ شيء مكتوم! فالحكومة العراقية الحالية موجهة من إيران، وتعمل على أساس تنفيذ رغبة إيران ومخططاتها في العراق". ولم ينبس كوبلر بكلمة!
لكن الشيخ حفظه الله لم يغلق الباب بعد بوجه كوبلر بل ذكره بتصريحه السابق" أن بعض مطالب المتظاهرين غير قانونية"! حيث قال فضيلته بأن" هذا الأمر هو شأن عراقي، وهو فقط الذي يقرر إن كانت قانونية أو لا"! لكن الثعلب دولي حاول إنكار تصريحه بالقول" أنا لم أقل ذلك بل قلت غير واقعية" - بالطبع يكذب كوبلر لأنه قال ذلك في لقاء مع القناة الحرة في13/1/2013 حيث ذكر نصا" بعض الشعارات التي رفعها المتظاهرون غير قانونية( illegality demonstrator’s demands ) وندعوهم بعدم ترديدها- ". فعاجله الشيخ بضربة قاضية" كان عليك أن تقول غير فورية ولا تقول غير واقعية"!
في المؤتمر السنوي هذا العام فجر السيد طاهر بو مدره فرقعة جديد أماطت اللثام عن زيارات مبعوثي الأمم المتحدة للسيستاني، إنها حقا فضيحة دولية بجلاجل كما يقول البعض. لم يكن أحد يظن بأن الأمين العام للأمم المتحدة ينحدر إلى هاوية الإبتذال والإنحطاط والمهانة لهذه الدرجة الرقيعة التي لا تليق بقطاعي الطرق وليس رئيسا للشرعية الدولية. وضح السيد بومدرة أسباب المارثون الأممي الى مقر السيستاني بقوله" لدينا توجيه من الأمين العام للأمم المتحدة لزيارة السيد السيستاني وأخد التوجيهات منه، ويمنع المبعوث الأممي من زيارة أي رمز من رموز أهل السنة. وان الإجتماعات التي يعقدها ممثل الأمين العام في العراق تكون بحضور (15) من السفراء فقط، ولا يجوز أن يحضرها أي سفير عربي".
عرف السبب وبطل العجب! إذن لا عتب على المارثون الحكومي والبرلمان العراقي الى مقر السيستاني، طالما ان الأمين العام للأمم المتحدة يكن له مثل هذا الولاء، ويلزم قروده في بغداد بزيارة المرجع الأعلى لأخذ التوجيهات مباشرة منه. وهذا يعني أما ان الأمين العام للأمم المتحدة قد اعلن تشيعه وولائه للسيستاني مؤمنا بأن شرعية السيستاني أعلى من الشرعية الدولية، أو أن السيستاني أصبح الأمين العام للأمم المتحدة وهو الذي يصدر التوجيهات لمبعوثي الأمين العام، وكلا الحالين لا يسر عاقل. على أي حال صار العراق مثل طاولة البليارد، اللاعبان هما الولايات المتحدة وايران، ومراقب اللعبة هو الأمين العام للأمم المتخدة، والشعب هم الكرات التي تنطح بعضها البعض بعصا المتنافسين.
وجاءت الزيارة الأخيرة للأمين العام للأمم المتحدة ولقائه بالسيستاني لتثيت الحقيقة، فقد أعلن بانه اتفق مع السيستاني على ضرورة تشكيل حكومة جديدة تكون باباً للعمل الجاد لبناء العراق وتنهي انقسامات العراقيين وتواجه الإرهاب ضمن إطار الدولة وبقوات الجيش العراقي وبحسب الدستور وأعرب عن تقديريه لدعوات السيستاني بوقف الخطاب الطائفي ومطالبته للجميع بضبط النفس، مشدداً بالقول " اتفقت مع السيد السيستاني على أنّ يوقف السياسيين الخطابات المتطرفة وأشجع جميع القيادات على سماع تعاليمه". كل هذا وما يزال بعض الحمقى يدعون بأن المرجعية لا علاقة لها بالسياسة وترفض عقيدة ولاية الفقيه! ماذا نسمي هذا إذن؟
إلتقى الأمين العام المالكي والسيستاني فقط، ولم يلتق بأي ممن يدعون تمثيل أهب السنة بما فيهم رئيس البرلمان! هل هذا موقف طبيعي؟ وهل السيستاني يمثل العراقيين كلهم أم جزء من طائفة محدودة؟ اذا إستثيننا أهل السنة والاكراد ومقلدي الصدر واليعقوبي والصخري والخالصي وغيرهم.
وهل السيستاني عراقي كي يناقش موضوع العراقيين. وهل خوله العراقيون الحق للنفاوض بشأن مصيرهم؟ ولماذا لم يناقش الأمين العام مسألة القتلى الأبرياء في الفلوجة، والبراميل الحارقة التي يرسلها المالكي بمناسبة شهر رمضان لأهل الفلوجة؟
أن فضائح الأمم المتحدة صارت أكبر من إنجازاتها، فبعد تشيع الأمين العام ونوابه في العراق لم تعد هناك حاجة لوجودهم، لأنهم يمثلون مرجعية النجف وليس العراق، وسيرحلوا قريبا هم ومراجعهم الأجانب بعد إنتصار الثورة العراقية الكبرى. فالعراق للعراقيين وليس للأجانب.
أما الجامعة العربية فلا حاجة الى تقريعها لأن وجودها وعدم وجودها سيان، فمواقفها تعتمد على المزاد العلني، ويرسي الموقف على من يدفع أكثر. أما منظمة المؤتمر الإسلامي فهي أشبه بالعفاريت يتكلم عنها الناس ولا يرونها.