عيادة صابر مشهور
أقدم موقع يوتيوب منذ يومين على إغلاق قناة العالم الأسود للعسكر، برنامج الزميل صابر مشهور الذي يقدمه على اليوتيوب باستخدام أدوات إنتاج شديدة الفقر، اغلق الموقع قناة صابر مشهور التي حققت 80 ألف مشترك وستة ملايين مشاهدة؛ بحجة ارتكاب انتهاكات جسيمة.
وإذا حاولت أن تستفسر عن طبيعة تلك الانتهاكات الجسيمة، لن تجد شيئا، المطلوب فقط هو غلق القناة بعد تحقيق تلك المشاهدات؛ لأنها تفضح حقيقة العسكر وهزائمهم.
لا تستغرب إغلاق قناة على اليوتيوب، ولا تتصور من فضلك أنه بإمكانك التمتع بحرية تعبير كاملة إن تخطيت الحدود المسموحة، ولا تكن ساذجا من فضلك فتفترض أن ما تستخدمه من مواقع التواصل الاجتماعي لا يخضع لسيطرة الحكومات، فحدود مواقع التواصل الاجتماعي، وإن كانت إلكترونية، تقع كلها داخل الحدود الغربية.
البيئة الإعلامية الغربية لمن لا يعرف، شهدت الكثير من هذه التعديات على حرية الإعلاميين. حتى وإن تمتع الإعلام بقدر أكبر من الحرية مما يتمتع به الإعلام في البيئات المنغلقة التي تحكمها عصابات العسكر.
الذبح لم يقتصر على قناة يوتيوب للزميل صابر مشهور، بل تعدى ذلك إلى المعسكر الرافض للانقلاب، فصابر مشهور وقلة من الإعلاميين الرافضين للانقلاب يصرون على نقل الصورة الحقيقية للعسكر من داخل المطبخ، لا تلك الصورة المشهورة التي تتعاطاها الجماهير.
مشكلة صابر مشهور أنه يمسك بكاميرا، وينقل للمشاهد بثا حيا من داخل صناديق قمامة الجيش الذي يظنه البعض منتصرا. وهذا يزعج بالطبع بعض من تربوا أمام شاشات إعلام عبد الناصر والسادات والمخلوع، ويسبب جروحا نفسية لأولئك الذين يظنون أن الثورة كانت على نظام المخلوع فقط.
أصحاب تلك الرؤى الرومانسية الساذجة يسوؤهم كثيرا أن تنقل لهم الحقيقة، مثلهم مثل الزوج الساذج المخدوع الذي يصر على الاعتقاد أن زوجته تهيم عشقا به، بينما هي في الحقيقة تخونه مع عابري السبيل، صابر مشهور يكسر تلك الحالة وينقل تفاصيل الخيانة العسكرية لهؤلاء السذج.
حقائق لم يكن المصريون يعلمون عنها شيئا، كما لو كانوا قد أحاطوا الشعب بسور من الأسلاك الشائكة، ومنعوا عنهم الرؤية، حقائق عن هزيمة أكتوبر وعن علاقة عبد الناصر بالكيان الصهيوني وتنسيق السادات مع كيسنجر وديان، حقائق يكشفها صابر مشهور وغيره من أطباء الوعي.
صابر مشهور يزعج الكثيرين ممن ينعقون بالشعارات الساذجة السخيفة على غرار "الجيش المصري بتاعنا"، فالرجل يوضح لهم أن الاحتلال هو من بنى ذلك الجيش ليكون قوات شرطة كبيرة مسلحة بالدبابات والطائرات لقمع أي ثورة تهدف لتحرير مصر من وكلاء الاحتلال.
كتبت كثيرا أنني بعد مجزرة رابعة أعدت النظر في كل تاريخ العسكر، لأكتشف أكواما من القمامة مختبئة خلف ستار من الخداع يروجونه للبسطاء والمغفلين، وليس ذنب أصحاب الوعي أن البعض يفضل أن يعيش مغفلا.
البعض الآخر بسذاجة أشد من سذاجة معسكر المصدومين، يعتبر أن الحديث في تلك التفاصيل إهدار للوقت وعدم تركيز في الهدف الحقيقي، وهو تبرير أشد سخفا، فلن يمكنك مثلا فهم تصرفات أوباش الانقلاب في مصر ومعاداتهم للدين، دون أن تقرأ كيف نصب عبد الناصر نفسه عدوا للإسلام في بقاع الأرض، وكيف كان يصف الحج بأنه (كلام فارغ)!
لن يمكنك فهم تصريحات شاويش الجمالية المختلة في ليلة القدر عن (الذين ألحدوا ولم يخرجوا من الإسلام) كما قال، ولن تفهم استنكاره لعذاب الله لمن لم يؤمنوا به، دون أن تسمع كيف كان عبد الناصر يسأل هيكل عن الآخرة، ويصف من يؤمنون بالآخرة بأنهم (الجعان الذي يحلم بسوق العيش)، كما نقل عنه صديقه هيكل مهندس الانقلاب.
باختصار صابر مشهور حالة من حالات الوعي، وأنصح الجميع بمشاهدة حلقاته، فهو كالطبيب الماهر الذي تذهب لعيادته ليؤلمك قليلا، ولكنك في النهاية تتعافى من أوهامك.
وسوم: العدد 625