الجريمة الوحشية
جميل السلحوت
مع أن الجريمة تبقى جريمة تحمل وحشية مرتكبها، إلا أن هناك جرائم مضاعفة يصعب وصفها حتى بالوحشية، فالوحوش الكاسرة التي فطرت على افتراس غيرها تصطاد فريستها، وتحرص على قتلها بسرعة، لذا فانها بطريقة غريزية تطبق أنيابها على رقبة الفريسة لتميتها بسرعة، غير أن الوحوش البشرية التي اغتالت الطفل محمد أبو خضير لم تتعلم من وحوش البراري، فصبّت حقدها وهمجيتها على الطفولة البريئة المتمثلة بطفولة محمد أبو خضير، فكانت أكثر وحشية من الوحوش الكاسرة، وارتكبوا أكثر من جريمة بشعة باغتيالهم الطفل محمد أبو خضير، فاختطافه جريمة، وتعذيبه والتنكيل به جريمة، وقتله جريمة، وحرقه جريمة، وحرقه حيّا جريمة، وبتر يده جريمة، والجريمة الأكبر هي التكتم على القتلة، ومحاولة الاساءة للشهيد الطفل ولذويه من خلال محاولات الترويج بأن القتل نتج عن خلافات عائلية.
وهذا ليس غريبا على من يسلبون شعبا حريته وكرامته وأملاكه بل وحتى حياته، ففي 30-9-2000 اغتالت القوات الاسرائيلية الطفل محمد الدرة وهو يحتمي بوالده في قطاع غزة، واستطاع أحد الصحفيين تصوير لحظة الاغتيال، وخرجت اسرائيل بعد ذلك بروايات في محاولة منها للهروب من تبعات الجريمة، فزعمت أن الدرة سقط برصاص فلسطيني، وما لبثت أن نفت الجريمة برمتها عندما اعتبرت عملية تصوير الجريمة بأنها تلفيق من الفلسطينيين، بل إن بعض المنظمات الصهيونية دبلجت صورة للطفل الدرة وعلى رأسه "الكباة" طاقية اليهود المتدينين ووزعتها على اعتبار أنه طفل يهودي سقط برصاص الفلسطينيين. فهل يعيد التاريخ نفسه؟ واذا شاءت الأقدار أن يقوم صحفي بتصوير الشهيد الدرة لحظة اغتياله، فإن آلاف الأطفال الفلسطينيين قد جرت تصفيتهم واغتيالهم دون أن يقوم بتصويرهم أحد، ليضافوا كأرقام إلى قائمة الضحايا من شعب الشهداء.
ولكم أن تتصوروا ماذا ستكون ردود الفعل لو كانت جريمة اغتيال الطفل أبو خضير معكوسة، فكم مدينة؟ وكم قرية ؟ وكم مخيما سيتم اقتحامها والتنكيل بساكنيها؟ وكم شخصا سيجري قتلهم جراء ذلك؟ وكم بيتا سيهدم ايضا؟ أما قتلة الطفل أبو خضير فيجري التكتم عليهم، ولن يجري اقتحام أيّ مستوطنة، وربما ستجري تبرئتهم، وستزيد أعمال البناء الاستيطاني، وستفرخ المستوطنات المزيد من القتلة.