صرخة الصرخي في فضاء المسلمين
رأي القدس
جاءت تصريحات السيد محمود الحسني البغدادي المعروف بالصرخي الناقدة لفتوى السيد علي السيستاني بإعلان الجهاد ضد الفصائل السنية المسلحة التي تحاول اسقاط نوري المالكي كنقطة ضوء لامعة في ظلام سياسيّ حالك.
فهذه التصريحات تكاد تكون خيط العقل الوحيد الذي يسعى، من الجانب الشيعي العراقي، الى تجنب مذبحة شاملة بين طائفتي الإسلام الكبريين في العراق.
مجيء هذه التصريحات من مرجع شيعي فعل بطوليّ يعدّ الأكثر قرباً من مثال الإمام الحسين بعكس كثيرين ممن يزعمون الانتماء إلى شيعته في العراق، فقد قال كلمة حق تتحدّى السيد علي السيستاني، وهو المرجعية الشيعية الأعلى في العالم، كما أنها تتحدى النفوذ الإيراني الديني والسياسي الهائل في العراق.
ومن هنا نفهم رد الفعل المنفلت من عقاله للأجهزة الأمنية والعسكرية لـ «دولة العدالة والقانون» على طريقة المالكي، التي انهزمت شرّ هزيمة أمام «داعش»، ثم انقلبت للانتصار على شيخ واحد جريمته أنه عبّر بصدق وشجاعة عن رأيه.
يتحدّى الصرخيّ أيضا آراء المتطرفين السنّة من أمثال «داعش» وأخواتها والذين ينظرون الى الشيعة ككتلة متضامنة صلبة واحدة يجب القضاء عليها.
تنتمي آراء الصرخي الى الجانب العقلاني في التراث الشيعي، وتحاول بذلك إعطاء وجه مشرق ومنفتح لهذا التراث، ولعل أكثر ما أزعج نوري المالكي وجعله يحرك مروحياته وقواته الخاصة للقضاء على الشيخ هو كشف الصرخي لخطيئة سياسية كبرى تتمثل في رضا وسكوت المرجعية الشيعية عن احتلال أمريكا (وهي بتعريف الإمام الخميني: «الشيطان الأكبر») للعراق، بينما لم تتردد هذه المرجعية نفسها في إعلان الجهاد ضد عراقيين نازعوا المالكي سلطته.
يكشف الصرخي بذلك مفارقة كبرى لطالما أرقت المسلمين ومنطوقها: هل تجوز استعانة المسلم بالأجنبي في حرب أخيه المسلم؟
والمدهش أن كثيرا من فقهاء الإسلام، سنة وشيعة، أفتوا بذلك دون تردد، وكان أن شهد الشعور الإسلامي العام هزات تاريخية كبرى، كان احتلال العراق مرّة أيام المغول وأخرى أيام الأمريكيين من هذه الهزات.
غير أن احتلال العراق الحديث كان مشهداً غريباً اجتمعت فيه فتاوى شيوخ السنة والشيعة لتغطي واحداً من أكبر الجرائم السياسية في العصر الحديث.
ومن نافل القول أن حالة الانكسار والتحلل العضوي التي يشهدها النسيج العراقي هي نتاج هذه الجريمة الفظيعة التي وافقت على حصولها أغلب النظم السياسية العربية بتحالفها مع عدو خارجي، وتوافق شيوخها من الطائفتين على تبريرها وتغطيتها شرعيا.
فرادة صرخة محمود الحسني البغدادي (الصرخي) في كونه شيخاً شيعياً يذكّر الجميع بحقائق بسيطة وواضحة يحاول الطائفيون، من السنة والشيعة، تمويهها، ومن ذلك قوله ان ثورة السوريين هي ثورة مظلومين (وليست ثورة سنّة ضد علويين)، وأن النفوذ الإيراني في العراق يهمّش العرب والهوية العربية للعراق، وأن التحالف مع أمريكا وتهميش السنة هو الذي قاد لتحالفهم مع «داعش».
لقاء نوري المالكي الأخير مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يكشف كم أن التحالف الذي يمثله رئيس الوزراء العراقي صار خارج العقل والمعنى والتاريخ، ففي حين يقوم كيري، وهو الأمريكي، بتنبيه المالكي الى ضرورة رفع الحيف عن المحافظات السنية، يرد المالكي بأحقية ايران في حماية «المراقد المقدسة» وبأن من يواجههم طائفيون لديهم أجندات «جهات خارجية»، مشيراً بالتحديد الىالسعودية وقطر، دون أن يلاحظ المفارقة المأساوية في اعتباره أبناء بلده أعداءه الذين يجب أن «يقبرهم» وجيرانه العرب «جهات خارجية»، في حين يعطي ايران الحق في التدخل في العراق ويطلب من كيري الأمريكي (باعتباره جهات «غير خارجية») قصف عراقيين.
المبادرة التي أطلقها الشيخ الصرخي يجب أن تجد صداها في الطرف المقابل، وأن تكون مناسبة مهمة لتذكير أطراف من النخبة السياسية العربية الحديثة بعملها في ركاب الطغاة وابتعادها عن المظلومين