هذا الانفلات الاستيطاني
جميل السلحوت
معروف أن اسرائيل الرسمية لا ترى الصراع الشرق أوسطي إلا بعين واحدة، فهي تقتحم المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وتقتل وتدمر وتهدم وتخرّب وتثير الرعب، وتصادر الأراضي وتستوطن، وتدمّر الأراضي الزراعية، وتفتح الشوارع الالتفافية، وتبني الجدران التوسعية، وتضع الحواجز العسكرية لتقييد حركة الفلسطينيين، وتغلق الشوارع وغير ذلك، وتخالف القانون الدّولي وقرارات الشرعية الدولية، ومن يخالف أيّا من سياساتها فإنّها تقوم بشيطنته ومهاجمته والعمل على الخلاص منه، يساعدها في ذلك الدّعم اللامحدود من الولايات المتحدة الأمريكية على مختلف الأصعدة، والهوان العربيّ الرّسميّ الذي ارتضى الاعتماد على وعود"الصديقة" أمريكا لحلّ هذا الصراع، واسرائيل التي تجيد بكفاءة عالية فنّ إدارة الصّراع، وتروّج سياساتها بطاحونة اعلام هائلة تغطي دول العالم استطاعت تضليل العالم لنجد ثمانية وسبعين دولة تصوت قبل أسابيع قليلة لاسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة لتحظى بنائب رئيس لجنة مقاومة الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، وكأنّ الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية منذ العام 1967 لا يشكلّ استعمارا! مع أنّه من أبشع أنواع الاستعمار الكولونيالي.
واسرائيل الرسمية التي تتهرب من متطلبات السلام العادل الذي تنشده دول وشعوب المنطقة، وتعمل على تنفيذ مشروعها التوسعيّ ليست بحاجة الى ذرائع للقيام بهجماتها الشرسة على أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة، فعملية اختطاف المستوطنين الثلاثة والعثور عليهم قتلى لم تحظ بتأييد أيّ فصيل فلسطيني، ولا بقبول من أيّ عاقل فلسطيني، لا حبّا في المستوطنين ولكن لما ألحقته وتلحقه من أضرار بمشروع التحرّر الفلسطيني، ومع ذلك فان الجيش الاسرائيلي استباح الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقتل أضعاف عدد المستوطنين الثلاثة، وغالبية ضحاياه أطفال فلسطينيون أبرياء، واعتقل مئات الناشطين الفلسطينيين، ومن المضحك تلك التصريحات التي صدرت عن رئيس الحكومة الاسرائلية غداة اختفاء المستوطنين الثلاثة عندما قال لوسائل الاعلام:" نحن نعالج أطفالهم في مستشفياتنا وهم يقتلون أطفالنا"! فهل يعلم نتنياهو كم ألف طفل فلسطيني قتلهم جيشه ومستوطنوه؟ وهل تساءل عن أسباب استمراية سفك الدماء من كلا الطرفين؟ ومن يتحمّل مسؤولية ذلك؟
لقد تحلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالجرأة الكافية لإدانة خطف المستوطنين الثلاثة، وكلف الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالبحث عنهم وإعادتهم لذويهم، لكننا لم نسمع إدانة واحدة من نتنياهو أو من غيره من المسؤولين الاسرائيليين لقتل المدنيين الفلسطينيين على أيدي الجيش الاسرائيلي النظامي.
والمستوطنون الاسرائيليون الذين يقومون بدهس مدنيين فلسطينيين ومحاولات خطف أطفال فلسطينيين في مناطق مختلفة، ما كانوا ليقوموا بذلك لولا الدعم الرسمي الاسرائيلي لهم، والحماية التي يوفرها لهم الجيش الاسرائيلي، وهذا الانفلات الاستيطاني ليس جديدا هو الآخر، ولم يأت كردّة فعل على العثور على جثث المستوطنين الثلاثة القتلى، فقد سبق وأن مارس المستوطنون القتل وحرق المزروعات وقطع الأشجار وحرق المساجد وتدنيسها من قبل، وكانت اسرائيل الرسمية ولا تزال توفر لهم الحماية.
إن عملية قتل المدنيين مرفوضة ومدانة بغض النظر عن جنسية ودين ولون الضحايا، لكن الحكومة الاسرائيلية وجدت في خطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم ذريعة –مع أن تاريخها يبرهن بأنها ليست بحاجة الى ذرائع- لتنفيذ سياستها الرامية الى تخريب المصالحة الفلسطينية، والانقضاض على حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، والعمل على اضعاف السطة الوطنية الفلسطينية، والتهرب من متطلبات السلام العادل الذي لن يتحقق إلا بالانسحاب الاسرائيلي الكامل من أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، وايجاد حلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية.
واذا كانت اسرائيل تستغل قضية المستوطنين الثلاثة لتمرير سياساتها التوسعية وترسيخ احتلالها، فانه بالتأكيد لن يغيب عن قيادة السلطة الفلسطينية استغلال ممارسات اسرائيل العدوانية لتجنيد الرأي العام العالمي للعمل على لجم هذه السياسات والعمل على تحقيق السلام العادل والدائم الذي يحفظ حقوق شعوب ودول المنطقة جميعها.