غزة العتيدة لن تضيع أبداً
غزة العتيدة لن تضيع أبداً
غسان مصطفى الشامي
أعان الله غزة وأهلها الصابرين الصامدين، هذا القطاع الساحلي الصغير، الذي ذاق على مدار تاريخه الكثير من الابتلاءات، والمحن، وصنوف العذابات.
إن تاريخ غزة العتيدة يشهد انتصارها دوما في المحن والخطوب، والامتحانات الصعبة كافة، غزة التي قدمت آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، وتحملت العناء والآلام الكبيرة لن تهزمها التهديدات الهوجاء، ولن تهزمها الحروب، ولن يهزمها جنون الأعداء؛ فهي تواجه كل المحن بصبر وثبات وصمود، كيف لا وهي القطعة العزيزة المحررة من أرض فلسطين؟!، وهي محطة عبور الجيوش العربية والإسلامية لتحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك بإذن الله، فهي مضرب الأمثال في العزة والكرامة الصمود.
تتكالب في هذه الأيام وتزداد المؤامرات على قطاع غزة، خاصة بعد الإنجاز الكبير وتحقيق المصالحة الفلسطينية، بدأ العدو يشدد الخناق على قطاع غزة، هذا الإقليم الذي حارب اليهود منذ عشرات السنين، هذا الإقليم الذي واجه في السنوات الأخيرة حربين، الأولى كانت في أواخر عام 2008م وبداية عام 2009م، وكبدت القطاع الصامد خسائر كبيرة، استطاع بعدها أن يلملم جراحه وينهض من جديد، واستطاعت المقاومة الفلسطينية وكتائب القسام أن تلجم العدو الصهيوني، وتجبره على إعلان الهدنة وإنهاء الحرب دون تحقيق أية نتائج، سوى قتل الأبرياء وتدمير الآلاف من المنازل، فقد خاض العدو الصهيوني حربًا كبيرة في المرة الأولى، وكثف جهود البحث عن الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط، إلا أنه لم يجد له أثرًا وبقي جنود القسام يحتفظون بالجندي على مدار 5 سنوات، إلى أن عقدت صفقة تبادل أسرى مشرفة في أكتوبر 2011م، خرج بموجبها أكثر من 1000 أسير فلسطيني من سجون الاحتلال. وبعد أشهر قليلة حشدت قوات الاحتلال جنودها، وسوقت أسباب الحرب التدميرية الثانية على قطاع غزة، وبدأتها باغتيال القائد الفلسطيني أحمد الجعبري، الرجل العنيد والمفاوض الشرس في صفقة الأسرى، الذي أجبر العدو الصهيوني على الخضوع لشروط كتائب القسام في صفقة التبادل، وعاش قطاع غزة أيام الحرب الثانية عام 2012م، إذ استخدمت قوات الاحتلال الصهيوني خلال الحرب أطنانًا من القنابل والمواد التفجيرية، ودمرت الآلاف من المنازل، ولكن هذه الحرب لم تطل كثيرًا واستمرت مدة ثمانية أيام، واستطاعت المقاومة التصدي بقوة كبيرة لهذه الحرب، وأن تفرض معادلة جديدة في الحرب مع الاحتلال الصهيوني، إذ تمكنت المقاومة من إسقاط طائرات، وكبدت العدو خسائر كبيرة على أكثر من صعيد، منها السياسي والعسكري، لتصبح مسألة الحرب على غزة تحتاج إلى دراسة تفصيلية قبل بدء الحرب.
وبعد انتهاء الحرب الصهيونية الثانية على غزة لم يهدأ لغزة ليل ولا نهار، وهي تعيش منذ 7 سنوات في حصار كبير، وإغلاق متواصل للمعابر، وانقطاع دائم للأدوية، وتباغت الطائرات الصهيونية سماء غزة بين الفنية والأخرى، وتضرب عددًا من الأهداف، وتغتال قيادات عسكرية عندما يتاح لها الفرصة.
لذلك لم نستبعد أن يتهم الاحتلال غزة بأنها تقف وراء اختفاء الجنود الثلاثة؛ فقطاع غزة على الدوام في دائرة الاتهام الصهيوني، وعلى الدوام يعده الاحتلال إقليمًا خطيرًا ومتمردًا، وعلى الدوام يوجه له العقوبات دون أن يصرخ أو يستغيث الأمم المتحدة، حتى إن المتابع لوسائل الإعلام الصهيوني يجد الحديث عن غزة وفصائل المقاومة فيها يكثر، وتتناول الكثير من القضايا بالتحليل والتفصيل، حتى لو أن طفلًا غزيًّا اجتاز الحدود مع الأراضي المحتلة تجد لذلك عند الصهاينة تحليلًا واستفسارات وتساؤلات.
لذا إن القادم على غزة بإذن الله سيكون خيرًا؛ لأن هذه المنطقة العتيدة تلقت من الضربات والابتلاءات الكثير الكثير، ولم يتبق للاحتلال سوى أن يقذف غزة بالبحر ليبتلعها، وبذلك تتحقق أماني المجرم الصهيوني (رابين) الذي كان يتمنى أن ينام ويصحو من نومه فيجد البحر ابتلع غزة.
لقد شكلت غزة كابوسًا مرعبًا للقادة الصهاينة، خاصة أن غزة بين الفينة والأخرى تكشف للصهاينة مفاجآت من العيار الثقيل، فقد ذهل العدو الصهيوني من نفق العين الثالثة شرق خان يونس، كما ذهل من (فيديو) قصير بثته كتائب القسام لرئيس الأركان الصهيوني وهو في مرمى المقاومة، وفوجئ الصهاينة برصد كتائب القسام قطاراً (إسرائيليًّا)، والعدو الصهيوني يدرك التطور الكبير في القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية في غزة، واستعداداتها لصد أي عدوان جديد على القطاع.
إن غزة اليوم تعيش الآلام والمعاناة والحصار الشديد، وإغلاق المعابر المتواصل، وانقطاع الوقود والغاز، وغيرها من أبجديات المعاناة والآلام، لكن التاريخ يشهد لهذه المنطقة الصامدة جبروتها وقدرتها على مواجهة الآلام والمؤامرات والانتصار عليها، ولن تضيع غزة إذا استمرت الأزمات والإغلاقات، ولن تضيع غزة إذا اشتدت الأزمات والتضييق عليها، ولسان حال المواطن الغزي الصامد يقول: "ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت"