كيف دمّر صندوق النقد والبنك الدولي اقتصاد تونس ونشر الفقر والبطالة وأشعل الاحتجاجات فيها (دروس وعبر للعراقيين) (96)

(لقد وُصفت الحركة الاحتجاجية التونسية عرضا بأنها نتيجة لنظام لا ديمقراطي وسلطوي، ويتحدى قواعد "المجتمع الدولي".

لكن إبن علي لم يكن "ديكتاتورا". الديكتاتور يقرّر ويملي. في حين كان بن علي موظفا في خدمة المصالح الاقتصادية الغربية، دمية مخلصة تطيع الأوامر، بدعم فعال من المجتمع الدولي.

لم يُذكر التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية في تونس في تقارير وسائل الاعلام الغربية. وارتفاع أسعار المواد الغذائية الصارخ لم يكن "يُملى" من قبل حكومة إبن علي. لقد فُرض من قبل وول ستريت وصندوق النقد الدولي.

كان دور حكومة إبن علي هو فرض العلاج الاقتصادي القاتل لصندوق النقد الدولي، والذي عمل على مدى أكثر من عشرين عاما على زعزعة استقرار الاقتصاد الوطني وإفقار الشعب التونسي).

البروفيسور

مايكل شودوفسكي

(في أوائل عام 2013، ظهرت الاحتجاجات الاجتماعية في تونس من جديد في أعقاب محاولة الحكومة تنفيذ سياسات صندق النقد الدولي التي أدت إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، ورفع الضرائب، وخفض الدعم الحكومي. وطوال عام 2013، بلغ متوسط التضخم أكثر من ستة في المائة، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 10 في المائة. وكانت هذه الأرقام عودة مرة أخرى إلى مستويات الذروة لعام 2008 و 2010 قبل الاطاحة بالرئيس إبن علي. ومع ذلك، وعلى الرغم من استمرار الاحتجاجات، فقد قامت الحكومة المؤقتة (تنفيذاً لاتفاقها مع صندوق النقد الدولي) بزيادة أسعار الكهرباء المنزلية والغاز المنزلي بنسبة 10 في المائة، وأسعار الوقود بنسبة ستة في المائة، وضرائب السيارات بنسبة 25 في المائة وهو إجراء من شأنه أن يؤثر بشكل خاص على سائقي سيارات الأجرة والمزارعين. إن المؤشرات الاقتصادية للربع الأول من 2015 تكشف عن نفس الصورة الاقتصادية التي كانت تشهدها تونس قبل الثورة. لا يزال الدَيْن التونسي مستمرا في الارتفاع مسجلا 12.6 مليار دولار، في حين بلغ معدل البطالة 15.2 في المائة في تونس، مع تجاوز معدلات البطالة في المناطق الغربية من البلاد 25 في المائة).

الباحث الاقتصادي

محمّد مسلّم

 

المحتوى

_____

(العلاج الاقتصادي القاتل لصندوق النقد الدولي من أهم أسباب الانتفاضة التونسية - خلق صندوق النقد هذا النمط في عشرات البلدان - الحركة الاحتجاجية شعبية عظيمة ولكن أجندة واشنطن وبروكسل هي خلق الفوضى والمجىء بحكومة عميلة - خلفية تاريخية: انتفاضة الخبز في عهد بورقيبة (1984) خلقها صندوق النقد الدولي - انقلاب زين العبدين بن علي لتفكيك الهيكل السياسي القومي وخصخصة اصول الدولة - من هو الدكتاتور؟ شباب تونس يفرون من بلادهم بسبب سياسات الصندوق والبنك - الصندوق فرض التقشف ورفع الدعم عن المواد الغذائية مع ارتفاع المضاربة في أسعار المواد الغذائية العالمية - مضاربات الشركات الغربية أشعلت أسعار السلع الغذائية وخلقت المجاعات برغم وفرة الإنتاج - أكاذيب اختصاصيي البنك الدولي : تزوير الإحصائيات عن الفقر والبطالة في تونس - على عكس أكاذيب البنك الدولي، هذه هي الحقيقة : الخراب والبطالة والفقر - تونس قبل عام 2011: برامج صندوق النقد سبّبت الفساد والفقر والبطالة - برامج صندوق النقد سبّبت الإحباط الذي غذا الثورات العربية - تونس بعد 2011: صندوق النقد يصرّ على نفس سياساته التدميرية السابقة - هذه هي السياسات "الجديدة" للصندوق: الخراب الأشمل - صندوق النقد يُشعل الاحتجاجات الاجتماعية من جديد؛ هدفه تدمير المجتمعات العربية وإكمال المخطط الأمريكي الصهيوني - أعاد الصندوق نفس سياسات نظام إبن علي الدكتاتوري فقوَض الديمقراطية – مصادر هذه الحلقة)

 

في دراسته المهمة "تونس وإملاءات صندوق النقد الدولي: كيف تسبّب سياسات صندوق النقد والبنك الدولي الفقر والبطالة في جميع أنحاء العالم" يقول البروفيسور مايكل شودوفسكي في كتابه المهم : "عولمة الفقر" :   

العلاج الاقتصادي القاتل لصندوق النقد الدولي من أهم أسباب الانتفاضة التونسية

_______________________________________________

تمّ تصوير زين العابدين بن علي، الرئيس البائد والمخلوع في تونس، كديكتاتور من قبل جوقة وسائل الإعلام الغربية التي تعزف على وتر واحد عادة.  

وقد وُصفت الحركة الاحتجاجية التونسية عرضا بأنها نتيجة لنظام لا ديمقراطي وسلطوي، ويتحدى قواعد "المجتمع الدولي".

لكن إبن علي لم يكن "ديكتاتورا". الديكتاتور يقرّر ويملي. في حين كان بن علي موظفا في خدمة المصالح الاقتصادية الغربية، دمية مخلصة تطيع الأوامر، بدعم فعال من المجتمع الدولي.

لم يُذكر التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية في تونس في تقارير وسائل الاعلام الغربية. وارتفاع أسعار المواد الغذائية الصارخ لم يكن "يُملى" من قبل حكومة إبن علي. لقد فُرض من قبل وول ستريت وصندوق النقد الدولي.

كان دور حكومة إبن علي هو فرض العلاج الاقتصادي القاتل لصندوق النقد الدولي، والذي عمل على مدى أكثر من عشرين عاما على زعزعة استقرار الاقتصاد الوطني وإفقار الشعب التونسي.

إبن علي كرئيس للدولة لم يُقرر أي شيء في الجانب الاقتصادي. لقد تخلى عن السيادة الوطنية. وفي عام 1987، في ذروة أزمة الديون، تم استبدال الحكومة القومية اليسارية للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة بنظام جديد، ملتزم بشدة بإصلاحات "السوق الحرة".

كانت إدارة الاقتصاد الكلي في تونس تحت مظلة صندوق النقد الدولي في أيدي الدائنين الخارجيين. وعلى مدى السنوات الـ 23 الماضية، تمّ فرض السياسة الاقتصادية والاجتماعية في تونس من قبل إجماع واشنطن.

بقى إبن علي في السلطة لأن حكومته أطاعت ونفذت بصورة فعالة إملاءات صندوق النقد الدولي، في حين تخدم مصالح كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

خلق صندوق النقد هذا النمط في عشرات البلدان

___________________________

استمرارية الإصلاحات القاتلة لصندوق النقد الدولي تتطلب "استبدال النظام"، وتنصيب دمية سياسية تضمن إنفاذ أجندة الليبرالية الجديدة بينما توفر أيضا الظروف في نهاية المطاف لإزالة حكومة فاسدة لا تحظى بشعبية والتي كانت تستفيد من إفقار شعب بأكمله.

الحركة الاحتجاجية شعبية عظيمة ولكن أجندة واشنطن وبروكسل هي خلق الفوضى والمجىء بحكومة عميلة

_______________________________________________

لم يكن وول ستريت والمؤسسات المالية الدولية في واشنطن (صندوق النقد والبنك الدولي) هي الهدف المباشر لحركة الاحتجاج الأخيرة في تونس. كانت الانتفاضة الاجتماعية موجّهة ضد الحكومة وليس ضد تدخل القوى الخارجية في إدارة السياسة الحكومية.

في البداية، كانت الاحتجاجات ليست تيجة لحركة سياسية منظمة موجهة ضد فرض الإصلاحات النيوليبرالية.

وعلاوة على ذلك، كانت هناك دلائل تشير إلى أنه تم التلاعب بحركة الاحتجاج بهدف خلق الفوضى الاجتماعية فضلا عن ضمان الاستمرارية السياسية. وهناك تقارير غير مؤكدة عن ميليشيات مسلحة كانت تقوم بأعمال قمع وترهيب في المناطق الحضرية الكبرى.

والسؤال المهم هو كيف ستتطور الأزمة؟ وكيف سيتم التعامل مع مسألة التدخل الأجنبي الأوسع هذه من قبل الشعب التونسي؟

من وجهة نظر كل من واشنطن وبروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي)، من المقرر استبدال النظام الاستبدادي الذي لا يحظى بالشعبية لتحل محله حكومة عميلة جديدة. ومن المزمع إجراء انتخابات تحت إشراف ما يسمى بـ "المجتمع الدولي" ، يتم فيها اختيار المرشحين والموافقة عليهم بصورة مسبقة.

وفي عملية تغيير النظام هذه التي يجب القيام بها نيابة عن المصالح الأجنبية، فإن الحكومة بالوكالة يجب أن تعمل بشكل لا لبس فيه على ضمان استمرارية جدول أعمال السياسات الليبرالية الجديدة التي عملت على إفقار الشعب التونسي.

الحكومة المؤقتة التي نُصّبت برئاسة الرئيس فؤاد المبزع وصلت إلى طريق مسدود، مع معارضة شرسة منبثقة عن الاتحاد الوطني لحركة الشغل. وَعَد المبزع بـ "قطيعة مع الماضي"، ولكن دون أن يحدّد ما إذا كانت هذه "القطيعة" سوف تشتمل على إلغاء الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية الجديدة التي اوصلت الأوضاع إلى هذه الهاوية.

الصورة رقم (1) : الشهيد محمد بو عزيزي الذي أشعل استشهاده انتفاضة تونس

الشهيد محمد بو عزيزي الذي أشعل انتفاضة تونس

خلفية تاريخية: انتفاضة الخبز في عهد بورقيبة (1984) خلقها صندوق النقد الدولي

____________________________________________

لقد قدمت وسائل الإعلام الغربية – وحتى العربية - وفي جوقة واحدة ، الأزمة في تونس باعتبارها قضية تتعلق بالسياسة الداخلية، دون تبصّر بالخلفية التاريخية. وكان الافتراض الأساسي هو أنه مع الإطاحة بـ "الدكتاتور" وتنصيب حكومة منتخبة فإن الأزمة الاجتماعية سوف تُحل بصورة تلقائية في نهاية المطاف.

أول "انتفاضات الخبز" في تونس تعود إلى عام 1984. وكان الدافع وراء حركة الاحتجاج في يناير كانون الثاني 1984 هو زيادة بنسبة 100 في المئة في أسعار الخبز. كان هذا الارتفاع الهائل في أسعار الخبز مفروضا من قبل صندوق النقد الدولي في إطار برنامج التكيف الهيكلي الذي أعدّه لتونس. وكان القضاء على الإعانات الغذائية المُقدّمة من الحكومة شرطا أساسيا من شروط اتفاقية القرض مع صندوق النقد الدولي.

الرئيس الحبيب بورقيبة، الذي لعب دورا تاريخيا في تحرير بلاده من الاستعمار الفرنسي، أعلن حالة الطوارئ ردا على أعمال الشغب:

وفي حين بدا اطلاق النار، وجابت الشرطة وقوات الجيش في سيارات جيب وناقلات الجند المدرعة شوارع المدينة لقمع "انتفاضة الخبز" ، فإن استعراض القوة نجح أخيرا في تحقيق هدوء مشوب بالحذر، ولكن بعد مقتل اكثر من 50 شخصا من المتظاهرين والمارة. ثم، وفي خطاب إذاعي وتلفزيوني درامي لمدة خمس دقائق، أعلن بورقيبة أنه ألغى رفع أسعار الخبز. (تونس: بورقيبة يتيح لهم أكل الخبز – صحيفة تايم ، يناير 1984).

وبعد تراجع الرئيس بورقيبة، انعكس الارتفاع في أسعار الخبز. أقال بورقيبة وزير الداخلية ورفض الانصياع لمطالب إجماع واشنطن التي حاول فرضها عليه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

انقلاب زين العبدين بن علي لتفكيك الهيكل السياسي القومي وخصخصة اصول الدولة

______________________________________________

وعلى الرغم من ذلك تم فرض أجندة الليبرالية الجديدة، مما أدى إلى تفشي التضخم والبطالة الجماعية. وبعد ثلاث سنوات، تم إزالة بورقيبة وحكومته في انقلاب غير دموي ، حيث نُصّب الجنرال زين العابدين بن علي رئيسا للبلاد في نوفمبر تشرين الثاني عام 1987.

هذا الإنقلاب لم يكن موجها ضد بورقيبة، بل كان المقصود به إلى حد كبير التفكيك النهائي لبنية الهيكل السياسي القومي الذي أُنشئ منذ منتصف الخمسينات، وفي نفس الوقت خصخصة أصول الدولة أيضا.

لم يؤدي الانقلاب العسكري إلى زوال الحركة القومية ما بعد الاستعمار في تونس والتي قادها بورقيبة فقط ، بل ساهم أيضا في إضعاف دور فرنسا. أصبحت حكومة إبن علي موالية بحزم لواشنطن بدلا من باريس.

وبعد مضي بضعة أشهر فقط بعد تنصيب إبن علي رئيسا للبلاد في نوفمبر 1987 ، تم التوقيع على اتفاق رئيسي مع صندوق النقد الدولي. كما تم التوصل إلى اتفاق مع بروكسل يتعلق بإنشاء نظام للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي.

وبدأ أيضا برنامج خصخصة ضخم تحت إشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ومع تحوّل أجر الساعة الواحدة إلى 0.75 يورو / ساعة، أصبحت تونس أيضا مصدرا للعمالة الرخيصة للاتحاد الأوروبي.

من هو الدكتاتور؟ شباب تونس يفرون من بلادهم بسبب سياسات الصندوق والبنك

______________________________________________

ويشير استعراض وثائق صندوق النقد الدولي إلى أن حكومة تونس ، من تنصيب زين العابدين بن علي في عام 1987 وحتى الوقت الحاضر، التزمت بإخلاص بشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بما في ذلك تسريح العاملين في القطاع العام، والقضاء على الرقابة على أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية، وتنفيذ برنامج الخصخصة الكاسح، ورفع الحواجز التجارية التي أمر بها البنك الدولي الأمر الذي أدّى إلى إثارة موجة من حالات الإفلاس.

وبعد هذه الاضطرابات في الاقتصاد الوطني، أصبحت التحويلات النقدية من العمال التونسيين في الاتحاد الأوروبي وعلى نحو متزايد مصدرا هاما من عائدات النقد الأجنبي.

هناك أكثر من 000،650 تونسي يعيشون في الخارج. وكان مجموع تحويلات مجموع العمال التونسيين في عام 2010 هو 1.960 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 57 في المئة قياسا بعام 2003 . هذه الزيادة من عام 2003 إلى عام 2010 تعكس فرار الشباب التونسي من وطنهم بسبب الضائقة الاقتصادية التي رمى الصندوق والبنك بلادهم فيها. والأهم من ذلك أن حصة كبيرة من تحويلات العمال التونسيين تلك بالنقد الأجنبي سوف تُستخدم لخدمة الدين الخارجي للبلاد.

الصندوق فرض التقشف ورفع الدعم عن المواد الغذائية مع ارتفاع المضاربة في أسعار المواد الغذائية العالمية

____________________________________________ 

في سبتمبر 2010، تم التوصل إلى تفاهم بين تونس وصندوق النقد الدولي، الذي أوصى برفع الدعم المتبقي كوسيلة لتحقيق التوازن المالي:

تبقى الحصافة المالية تمثل أولوية رئيسية بالنسبة للسلطات التونسية، التي ترى أيضا ضرورة الحفاظ على سياسة مالية داعمة في عام 2010 في البيئة الدولية الراهنة. لا ينبغي أن تتعرض للخطر جهود بُذلت في العقد الماضي لاسقاط نسبة الدين العام إلى حد كبير عن طريق سياسة مالية متساهلة للغاية. وتلتزم السلطات بالسيطرة بحزم على النفقات الجارية، بما في ذلك الإعانات، ... (صندوق النقد الدولي تونس: 2010 مشاورات المادة الرابعة - تقرير للموظفين؛ إشعار معلومات العامة على مناقشة المجلس التنفيذي؛ والبيان الذي أدلى به المدير التنفيذي لتونس http://www.imf.org/external/pubs/ft/scr/2010/cr10282.pdf

ومن الجدير بالذكر أن إصرار صندوق النقد الدولي على التقشف المالي ورفع الدعم الحكومي عن المواد الغذائية ترافق زمنيا مع اشتعال جديد في أسعار المواد الغذائية في بورصات السلع في لندن ونيويورك وشيكاغو. ارتفاع الأسعار هو في جزء كبير منه نتيجة للمضارابات التجارية من قبل المصالح الزراعية المالية والشركات الكبرى.

وقد عملت هذه الزيادات في أسعار المواد الغذائية، والتي هي نتيجة للتلاعب المباشر (وليس بسبب ندرة المواد الغذائية) إلى إفقار الناس في جميع أنحاء العالم. الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية شكّل مرحلة جديدة من عملية الإفقار العالمي.

قامت وسائل الإعلام بتضليل الرأي العام بتحليلها أسباب ارتفاع الأسعار، مع التركيز بشكل حصري تقريبا على قضايا تكاليف الإنتاج والمناخ والعوامل الأخرى التي تؤدي إلى خفض العرض والتي قد تساهم في تضخيم أسعار المواد الغذائية الأساسية. في حين أن هذه العوامل قد تدخل حيز التأثير، فهي وحدها لا يمكن أن تفسر الارتفاع الهائل لأسعار السلع الأساسية.

تصاعد أسعار المواد الغذائية في جزء كبير منه هو نتيجة التلاعب في السوق. فهو يُعزى إلى حد كبير إلى المضاربة في أسواق السلع. وارتفعت أسعار الحبوب بشكل مصطنع عن طريق عمليات المضاربة على نطاق واسع في أسواق وبورصات نيويورك وشيكاغو التجارية.

مضاربات الشركات الغربية أشعلت أسعار السلع الغذائية وخلقت المجاعات برغم وفرة الإنتاج

________________________________________

المضاربة في أسعار القمح، والأرز أو الذرة، يمكن أن يحدث دون وقوع المعاملات الحقيقية للسلع. مضاربات المؤسسات قد تحصل في سوق الحبوب دون أن تكون منخرطة بالضرورة في بيع أو تسليم تلك الحبوب فعلياً.

قد تستخدم المعاملات صناديق مؤشرات السلع التي هي رهانات على حركة الارتفاع أو الانخفاض العام في أسعار السلع الأساسية. و "خيار البيع put option" هو رهان على أن الأسعار سوف تنخفض، أمّا "خيار الشراء call option" فهو مراهنة على ان السعر سوف يرتفع. من خلال التلاعب المنسق، يستطيع تجار المؤسسات والمؤسسات المالية جعل الأسعار ترتفع ومن ثم يضعون رهاناتهم على صعود في أسعار سلعة معينة.

المضاربات تولّد تقلبات هائلة في السوق. وبدوره ، فإن عدم الاستقرار الناتج سوف يشجّع على المزيد من النشاط التضاربي.

الأرباح تُصنع عادة عندما ترتفع الاسعار. وعلى العكس من ذلك، إذا كان المضارب يبيع على المكشوف (البيع الفارغ short-selling) في السوق، فإنه سوف يجني الأموال عندما تنهار الأسعار.

وقد أدّى هذا الارتفاع المضاربي في أسعار المواد الغذائية إلى سيرورة عالمية لخلق المجاعة على نطاق غير مسبوق.

من عام 2006 إلى عام 2008، كانت هناك زيادة كبيرة في أسعار جميع السلع الغذائية الرئيسية بما في ذلك الأرز والقمح والذرة. سعر الأرز تضاعف ثلاث مرات خلال فترة خمس سنوات، من حوالي 600 دولار للطن الواحد في عام 2003 إلى أكثر من 1800 دولار للطن الواحد في مايو 2008.

يتميز الارتفاع الأخير في أسعار المواد الغذائية الأساسية كالحبوب بقفزة كبيرة بنسبة 32 في المئة في مؤشر أسعار الغذاء المركب في منظمة الفاو الذي سُجّل في النصف الثاني من عام 2010.

ارتفاع أسعار السكر والحبوب والبذور الزيتية دفعت أسعار الغذاء العالمية الى مستوى قياسي في ديسمبر، متجاوزا مستويات عام 2008 عندما أثارت تكلفة المواد الغذائية أعمال شغب واسعة في جميع أنحاء العالم، وأثارت تحذيرات من أن الأسعار قد دخلت في "منطقة الخطر".

المؤشر الجمعي الشهري من قبل الأمم المتحدة تجاوز المستوى الشهري السابق المرتفع - يونيو 2008 - في ديسمبر كانون الاول ليصل إلى أعلى مستوى له منذ بدء الاحتفاظ بالسجلات في عام 1990 . ورصد المؤشر الذي نشر من قبل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومقرها روما، ارتفاعات عالية في أسعار سلة الحبوب والبذور الزيتية ومنتجات الألبان واللحوم والسكّر، لمدة ستة أشهر متتالية.

ومن المفارقات المريرة أنه على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية، يوصي صندوق النقد الدولي بإلغاء الدعم الحكومي عن المواد الغذائية بغية الوصول إلى الهدف من التقشف المالي.

أكاذيب اختصاصيي البنك الدولي : تزوير الإحصائيات عن الفقر والبطالة في تونس

______________________________________________

ساد جوّ من اليأس الاجتماعي في تونس ، وتمّ تدمير حياة الناس.

في حين أن الحركة الاحتجاجية في تونس هي نتيجة مباشرة واضحة وصارخة لعملية إفقار جماعية، يؤكد البنك الدولي ، وبشكل غريب ، على أن مستويات الفقر قد انخفضت نتيجة لإصلاحات السوق الحرة المعتمدة من قبل حكومة إبن علي .

ووفقا للتقرير القطري للبنك الدولي: "كان للحكومة التونسية (بدعم من مؤسسات بريتون وودز الشيطانية : الصندوق والبنك) دور فعال في خفض مستويات الفقر إلى 7٪ " (أقل بكثير من تلك التي سجلت في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي).

 ويواصل البنك أكاذيبه بالقول :

"حقّقت تونس تقدما ملحوظا في النمو العادل ومحاربة الفقر وتحقيق مؤشرات اجتماعية جيدة. لقد حقّقت متوسط ​​معدل نمو هو 5 في المئة على مدى السنوات الـ 20 الماضية مع زيادة مطردة في نصيب الفرد من الدخل وزيادة مقابلة في رفاهية سكانها يؤكدها مستوى الفقر الذي هو 7٪ اوالذي هو من بين أدنى المعدلات في المنطقة.

وكانت الزيادة المطردة في نصيب الفرد من الدخل المُحرّك الرئيسي للحدّ من الفقر. كانت الطرق الريفية ذات أهمية خاصة في مساعدة فقراء الريف على الاتصال بالأسواق والخدمات الحضرية. حسّنت برامج الإسكان الظروف المعيشية للفقراء وحرّرت الدخل والادخار للإنفاق على المواد الغذائية وغير الغذائية، مما يخلف آثارا إيجابية على التخفيف من حدة الفقر. دعم المواد الغذائية، الذي كان يستهدف الفقراء، وإن لم يكن على النحو الأمثل، ساعد أيضا الفقراء في المناطق الحضرية". (البنك الدولي - تونس - موجز قطري).

كل أرقام الفقر هذه، ناهيك عن "التحليل" الاقتصادي والاجتماعي الأساسي، هي افتراءات صريحة وأكاذيب مخزية. لقد اعتبروا ما يسمّونه بـ "السوق الحرة" كمحرك للتخفيف من حدة الفقر. واستخدم الإطار التحليلي للبنك الدولي لتبرير عملية "القمع الاقتصادي"، الذي تم تطبيقه في جميع أنحاء العالم في أكثر من 150 بلدا ناميا.

مع وجود مجرد 7 في المائة من السكان الذين يعيشون في فقر (على النحو الذي يراه "تقدير" البنك الدولي) وكون 93 في المئة السكان يحصلون على الاحتياجات الأساسية المتمثلة بالغذاء والسكن والصحة والتعليم، لن تكون هناك أزمة اجتماعية في تونس ، والشعب يعيش في بحبوحة ونعيم.

على عكس أكاذيب البنك الدولي، هذه هي الحقيقة : الخراب والبطالة والفقر

_________________________________________

البنك الدولي يشارك بنشاط في طبخ البيانات وسلق الإحصائيات وتشويه المحنة الاجتماعية التي يعاني منها الشعب التونسي. معدل البطالة الرسمي هو 14٪، أما المستوى الفعلي للبطالة فهو أعلى بكثير. ومعدل البطالة المسجل بين الشباب يقترب من 30 في المئة. وقد انهارت الخدمات الاجتماعية، بما في ذلك الصحة والتعليم تحت وطأة إجراءات التقشف الاقتصادي التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

ما يحدث في تونس هو جزء من العملية الاقتصادية العالمية التي تدمّر حياة الناس من خلال التلاعب المتعمّد بقوى السوق.

وبصورة أكثر عمومية، فإن الوقائع الاقتصادية والاجتماعية القاسية الكامنة وراء تدخل صندوق النقد الدولي وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمجاعات على المستوى المحلي، والتسريح الواسع النطاق للعمال وموظفي الخدمة المدنية في المناطق الحضرية ، وتدمير البرامج الاجتماعية ، قد أدّى إلى انهيار القدرة الشرائية الداخلية، وإغلاق العيادات الصحية والمدارس، وحرم مئات الملايين من الأطفال من الحق في التعليم الابتدائي.

ما هو مطلوب هو توجيه حركة الاحتجاج ليس فقط ضد الحكومة فقط ، بل ضد السفارة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبعثات القطرية للبنك الدولي في تونس أيضاً".

______________________________________________

أمّا الباحث الإقتصادي الاستاذ "محمد مُسلم" في بحثه المهم : " صندوق النقد الدولي في العالم العربي: دروس غير مستفادة" وفي القسم الخاص بتونس ، فيقول :

تونس قبل عام 2011: برامج صندوق النقد سبّبت الفساد والفقر والبطالة

__________________________________________

"بشّر البنك الدولي بتونس كنموذج عربي للمحاكاة خلال حكم زين العابدين بن علي (1987-2011) . خلال تلك المرحلة التزمت تونس بشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، بما في ذلك تقليص عدد موظفي القطاع العام، والقضاء على الرقابة على أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية، وتنفيذ برنامج الخصخصة الكاسح ورفع القيود التجارية.

ومع ذلك، فقد نما الاقتصاد بصورة إجمالية وانخفضت مستويات الفقر من حيث القيمة المطلقة، هذه الأرقام تُخفي ليس فقط التباين في مستويات الفقر بين المناطق التي ظلت عالية جدا، بل الزيادة الفعلية في الفوارق في دخول الأفراد أيضاً في مرحلة الاستقرار الاقتصادي.

بين 1987-2001 وقّع صندوق النقد الدولي تسع اتفاقيات قروض مختلفة مع تونس ، وفي برامج التكيف الهيكلي التي فرضها على تونس، استمر صندوق النقد الدولي في سياسة التقشف المالي وإلغاء الدعم الحكومي حتى عندما تزامن ذلك زمنيا مع التصاعد المتجدد في أسعار المواد الغذائية وعدم وجود نظام للرعاية الاجتماعية المتقدمة.

وفقا لذلك، فشلت الإصلاحات الهيكلية في تونس في تحقيق النمو الشامل. وعلاوة على ذلك، فإن تحرير التجارة والخصخصة والتقشف ساهمت جميعها في تفاقم فجوة عدم المساواة، وتعطيل تنمية القطاعات الإنتاجية (وبالتالي خلق فرص العمل). وأخيرا وليس آخرا زاد من ضعف الفقراء نظرا لعدم وجود خطط الحماية الاجتماعية الصلبة للتعويض عن إلغاء الدعم وخفض الإنفاق الحكومي.

ونتيجة للسياسة غير المتوازنة في تعزيز الصادرات حصل النمو دون ربطه باحتياجات الاقتصاد التونسي، فبقي أكثر من 90 في المائة من الصادرات التونسية صناعات كثيفة العمل؛ هي المنسوجات إلى حد كبير، وقطع غيار السيارات، ومكوّنات الآلات الكهربائية ، والسلع الزراعية المتخصصة المعدة للتصدير ، على الرغم من أن قوة العمل أصبحت أكثر مهارة.

وبالإضافة إلى ذلك، ولإن جميع المدخلات صارت مستوردة، أصبحت المصانع المحلية غير قادرة على نحو متزايد على منافسة المنتجات الأوروبية الشرقية والصينية الرخيصة ، وتضاءلت الروابط في الاقتصاد التونسي، وتقزّم خلق فرص العمل.

وعلاوة على ذلك، فإن تدابير الخصخصة التي رُوج لها من قبل صندوق النقد الدولي وتم تنفيذها في عهد زين العابدين بن علي أدّت في النهاية إلى تركيز السلطة الاقتصادية من خلال الفساد واحتكار الثروة من خلال "الجماعة" المقرّبة من نظام إبن علي.

برامج صندوق النقد سبّبت الإحباط الذي غذا الثورات العربية

__________________________________

ووفقا لتحليلات الكثير من الباحثين الاقتصاديين ، فشلت برامج التعديل الهيكلي التي فرضها صندوق النقد الدولي على تونس في معالجة ارتفاع معدلات البطالة التي شهدتها البلاد بين 1985-2000. خلال تلك الفترة كان معدل البطالة في تونس 14 في المائة، وكان مرتفعا بشكل غير متناسب بين الفقراء (22 في المائة من العاطلين عن العمل). ارتفاع معدل البطالة ارتبط بانخفاض مستويات الاستثمار والفجوة الواسعة بين خلق فرص العمل في المناطق الحضرية بالمقارنة مع المناطق الريفية . والنتيجة الصارخة هي أن المزيد من تحرير الاقتصاد والتجارة أدى فقط إلى زيادة عدم المساواة وتفاقم اتجاهات الفقر.

وكما استنتج وزير المالية التونسي السابق حكيم بن حمودة (2012) :

"إن سياسات إجماع واشنطن [برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي] تسببت في الإقصاء السياسي، وعدم الكفاءة الاقتصادية، وزيادة عدم المساواة. هذا الكوكتيل المتفجر هو قام بتغذية مشاعر الإحباط والغضب وكان مصدرا للثورات العربية".

تونس بعد 2011: صندوق النقد يصرّ على نفس سياساته التدميرية السابقة

___________________________________________

جدّد صندوق النقد الدولي تعامله مع تونس بعد وقت قصير من قيام الثورة في يناير 2011. تحدّث ديفيد ليبتون، النائب الأول لمدير صندوق النقد الدولي، في مؤتمر صحفي خلال زيارته لتونس في نوفمبر تشرين الثاني عام 2012 ، وقال :

"لقد حان الوقت لتنفيذ الإصلاحات التي يمكن أن تحقق نمواً أعلى وأكثر شمولا وتخلق فرص عمل جديدة لملايين من الناس".

في سبتمبر 2012، نصح خبراء صندوق النقد الدولي الحكومة التونسية بـ "تمهيد الطريق لمجموعة شاملة من الإصلاحات لتحقيق نمو أعلى وأكثر شمولا وللحد من البطالة بطريقة مستدامة.

مقتطفات مأخوذة من تقرير لموظفي صندوق النقد الدولي لعام 2012 عن تونس تشير إلى اختلاف كبير عن المواقف السابقة لصندوق النقد الدولي :

"ستكون هناك حاجة لمعالجة جيوب الفقر وتنفيذ سياسات هادفة لحماية الفئات الأكثر ضعفا بين السكان. وتشير تقديرات الفقر المنقحة أن معدلات الفقر وعدم المساواة هي أعلى مما ذُكر سابقا. في الوقت نفسه، تحسين نوعية الإنفاق من خلال وضع شبكة أمان اجتماعي محكمة ، وتحويل موارد الميزانية نحو الاستثمار في البنية التحتية، والتعليم، والصحة ، والتي يجب أن تحسّن آفاق النمو والنتائج الاجتماعية".

ومع ذلك، فإن تحليل ما تم إنجازه على أرض الواقع يكشف عن صورة مختلفة جدا. . مشاورات المادة الرابعة 2012 ركّزت في الواقع على التوصية بإدخال تحسينات على "بيئة الأعمال"، وإصلاح سوق العمل وتعزيز القطاع المالي. ربط التقرير بين تحقيق النمو وضرورة الانفتاح على "التمويل الخارجي الكبير بما في ذلك تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر والاقتراض الحكومي وقطاع الشركات. ووفقا لتشخيص صندوق النقد الدولي ، فإن التحديات الرئيسية التي تواجهها تونس تتضمن السيطرة على فاتورة الأجور، والحد من الإعانات الحكومية والاستعاضة عن ذلك بالإنفاق على شبكات الأمان الاجتماعية المستهدفة، وتشجيع وتنمية القطاع الخاص ، بما في ذلك إصلاح الضريبة على الشركات وإصدار قانون استثمار جديد.

هذه هي السياسات "الجديدة" للصندوق: الخراب الأشمل

_______________________________

في يونيو حزيران 2013 وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على قرض لتونس مقداره 1.74 مليار دولار مرهون بالإصلاح الاقتصادي ، مما جعل تونس رابع دولة في المنطقة تحصل على مساعدة من صندوق النقد الدولي منذ عام 2011، بعد اليمن والأردن والمغرب. كان يجب أن يتم صرف المبلغ الإجمالي على فترة 24 شهرا، مع جعل دفع شرائح الدين (الأقساط) يعتمد على ثماني مراجعات لبرامج الإصلاح يقوم بها صندوق النقد الدولي خلال هذه الفترة. وكانت المقترحات التي قدمها صندوق النقد الدولي تتضمن ما يلي:

"التعهّد بالحد من الضرائب على قطاع الشركات من خلال السعي لخلق التقارب بين الضرائب في الداخل وفي المناطق الحرّة [ما يريده ذئاب صندوق النقد هو خلق الملاذات الضريبية للتهرب الضريبي وغسيل الأموال] ، زيادة الضرائب على المستهلكين (بما في ذلك، وهو الأكثر إثارة للجدل، زيادة في الضريبة على السيارات؛ إصلاح المؤسسات العامة ونظام التقاعد. تحرير بيئة الاستثمار من خلال تقديم الحوافز للقطاع الخاص؛ قطع الإعانات الحكومية وفرض زيادات في أسعار الكهرباء والغاز والوقود ؛ اللامركزية في الإدارة العامة إلى حدّ مستوى الإدارات المحلّية . تحرير سوق العمل؛ وتجميد مرتبات عمال الخدمة المدنية حتى نهاية عام 2014. وتكون الخطوات الأولى نحو الخصخصة في البنوك العامة من خلال استبعادها من القانون الذي يحكم المؤسسات العامة".

صندوق النقد يُشعل الاحتجاجات الاجتماعية من جديد؛ هدفه تدمير المجتمعات العربية وإكمال المخطط الأمريكي الصهيوني

_____________________________________________

في أوائل عام 2013، ظهرت الاحتجاجات الاجتماعية في أعقاب محاولة من الحكومة لتنفيذ هذه السياسات، مع التركيز بصورة خاصة على ارتفاع تكاليف المعيشة، والجدول الزمني للرسوم والضرائب الجديدة ، وخفض مستويات الدعم الحكومي . وطوال عام 2013، بلغ متوسط التضخم أكثر من ستة في المائة، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 10 في المائة في ديسمبر كانون الأول 2013. وكانت هذه الأرقام عودة مرة أخرى إلى مستويات الذروة لعام 2008 و 2010، قبل الاطاحة بالرئيس إبن علي. ومع ذلك، وعلى الرغم من استمرار الاحتجاجات، فقد قامت الحكومة المؤقتة (تنفيذاً لاتفاقها مع صندوق النقد الدولي) بزيادة أسعار الكهرباء المنزلية والغاز المنزلي بنسبة 10 في المائة في يناير كانون الثاني عام 2014، كما رفعت أسعار الوقود بنسبة ستة في المائة في يوليو تموز 2014 . كما تضمنت ميزانية عام 2014 أيضا تدابير لزيادة بنسبة 25 في المائة في الضرائب على السيارات، وهو إجراء من شأنه أن يؤثر بشكل خاص على سائقي سيارات الأجرة والمزارعين.

أعاد الصندوق نفس سياسات نظام إبن علي الدكتاتوري فقوّض الديمقراطية

___________________________________________

واصل صندوق النقد الدولي رعاية وتنفيذ نفس السياسات التي روّج لها خلال مرحلة نظام إبن علي من خلال خصخصة موارد الدولة، وأسواق راس المال المفتوحة، وتخفيض قيمة العملة الوطنية ، وتخفيض الأجور، وإلغاء الإعانات الحكومية ، وخفض الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية [طبعا هذه كلّها لا يروّج لها في الولايات المتحدة ولا في الرغب !!]. اصلاح قانون حوافز الاستثمار، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، فضلا عن "مرونة" سوق العمل وتحرير قطاع الطاقة ؛ كلها كانت إصلاحات تتفق مع إطار إجماع واشنطن الذي وجّه حُزم السياسة السابقة لصندوق النقد الدولي في تونس. في الواقع يعود تاريخ هذا الخط من التوصيات إلى عام 2001 ، عندما شجع تقرير خبراء صندوق النقد الدولي تونس على التسريع بالتحرير الاقتصادي والتنمية التي يقودها القطاع الخاص، بما في ذلك إلغاء التعريفات الجمركية على الواردات من الاتحاد الأوروبي وتسريع وتيرة تحرير التجارة.

وعلى الرغم من التغيير في الخطاب والبيانات، ظلت سياسات صندوق النقد الدولي دون تغيير في تونس، وفعلت القليل جدا لمعالجة االمشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتأصّلة التي أدت إلى الانتفاضة في عام 2011. لقد أثبتت تجربة ما قبل عام 2011 كم هو ضار للاقتصاد التونسي تحرير التجارة وخفض الدعم الحكومي في ضوء غياب القطاعات الإنتاجية / التنافسية وعدم وجود نظام رعاية اجتماعية متطوّر. ومع ذلك، فإن صندوق النقد الدولي لا يزال يختار ويروّج ويعيد تبنّي نفس السياسات التي أثبتت عدم فاعليتها سابقا. ونتيجة لذلك، فإن المؤشرات الاقتصادية للربع الأول من 2015 تكشف عن نفس الصورة الاقتصادية التي كانت تشهدها تونس قبل الثورة. لا يزال الدين التونسي مستمرا في الارتفاع مسجلا 25 مليار دينار (12.6 مليار دولار) في مارس آذار 2014، في حين بلغ معدل البطالة 15.2 في المائة في تونس ، مع تجاوز معدلات البطالة في المناطق الغربية من البلاد 25 في المائة. 

وسوم: العدد 668