برامج صندوق النقد والبنك الدولي لعولمة الجوع والقضاء على الفقراء (112)

ملاحظة

هذه الحلقات مترجمة ومُعدّة عن مقالات ودراسات وكتب لمجموعة من الكتاب والمحللين الأمريكيين والبريطانيين. 

(برامج التكيف الهيكلي في الثمانينات والتسعينات التي فرضها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي جاءت لتفكيك مجالس التسويق، والقضاء على ضمانات الأسعار، وإغلاق نظم البحوث والإرشاد الزراعية بأكملها، وكسر الرسوم الجمركية، وتحرير الأسواق الزراعية. وغمرت بلدان الجنوب بطوفان من الحبوب المدعومة من الولايات المتحدة وأوروبا التي تم بيعها بأسعار تقل كثيرا عن تكاليف الإنتاج. هذا المخطط دمّر الأسواق الزراعية الوطنية، وربط الأمن الغذائي الجنوبي بالأسواق العالمية التي تهيمن عليها دول الشمال الغنية)

(منذ الثمانينات، تم تحرير أسواق الحبوب تحت إشراف البنك الدولي، وبدأت فوائض الحبوب من الولايات المتحدة / الاتحاد الأوروبي تُستخدم بشكل منهجي لتدمير الفلاحين وزعزعة استقرار الزراعة الغذائية الوطنية في البلدان النامية. وفي هذا الصدد، تشترط قروض البنك الدولي رفع الحواجز التجارية على المواد الغذائية الزراعية المستوردة، مما أدى إلى إلقاء الفائض من حبوب الولايات المتحدة / الاتحاد الأوروبي على السوق المحلية للبلدان النامية. وقد قادت هذه التدابير وغيرها المنتجين الزراعيين المحليين إلى الإفلاس).

(الدعم الشمالي لقطاع الزراعة الذي يبلغ مليار دولار يوميا. هذا الرقم هو ستة أضعاف المساعدة الإنمائية السنوية المُقدمة من دول الشمال إلى الجنوب. ربع الإنتاج الزراعي في الولايات المتحدة بشكل كامل يأتي من الدعم الحكومي. في الاتحاد الأوروبي يرتفع هذا الرقم ويتضخم إلى 40٪. فلماذا تدعم حكومات الولايات المتحدة وأوروبا القطاع الزراعي لديها في حين يطلب صندوق النقد والبنك الدولي من دول العالم الثالث إلغاء الدعم الحكومي للقطاع الزراعي ؟)

(هذه الزيادات تساهم في ترسيخ شعور حقيقي جدا بأن الهدف هو "القضاء على الفقراء" من خلال "الموت بسبب الجوع". وفي هذا الصدد، كان كيسنجر قد ذكر في عام 1974 في سياق مذكرة الأمن القومي رقم 200 وعنوانها : "عواقب النمو السكاني العالمي على أمن الولايات المتحدة ومصالحها في الخارج" إن المجاعات المتكررة قد تشكل أداة فعالة للسيطرة على تزايد  السكان)

 

المحتوى

______

(تمهــــيد: عولمة الجوع والفقر هي أهم "ثمار" النظام العالمي الجديد- انتفاضات الخبز الدموية شهدها العالم بعد فرض برامج الصندوق والبنك الدولي على الدول النامية- الحكومات وعدت بالقضاء على الجوع قبل ثلاثين عاما ولكن برامج البنك الدولي أجهضتها والأرقام تتكلم- البنك الدولي: برامج القضاء على الفقراء- محوران عالميان مترابطان- الأسباب الجذرية- عامل السكان: الزيادة السكانية لم تخلق الجوع بل برامج الصندوق والبنك- عوامل تدمير النظم الزراعية في الدول النامية أغلبها أمريكية وغربيّة: (الثورة الخضراء، برامج التكيف الهيكلي، منظمة التجارة العالمية، دعم دول الشمال لزراعتها (مليار دولار يوميا) ومنع دول الجنوب من الدعم، المساعدات الغذائية من دول الشمال)-  الحبوب الرخيصة المدعمة من الشمال خرّبت زراعة العالم الثالث- ارتفاع أسعار الحبوب بسبب المضاربات- غياب التدابير التنظيمية أشعل المضاربات فالمجاعات- دور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كسبب للمجاعة- العلاج بالصدمة الذي ابتكره صندوق النقد الدولي فاقم المجاعة- رفع القيود عن أسواق الحبوب- البذور المعدلة وراثيا- كسر الدورة الزراعية- الولايات المتحدة: 35 مليون جائع- فاتورة البقالة- بنوك الطعام: محاولة يائسة لمكافحة الجوع- قانون الزراعة الأمريكي ساهم في تخريب الزراعة في العالم الثالث- مصادر هذه الحلقات).

 

تمهــــيد:

عولمة الجوع والفقر هي أهم "ثمار" النظام العالمي الجديد

________________________________

"تمر الإنسانية في عصر ما بعد الحرب الباردة بأزمة اقتصادية واجتماعية لم يسبق لها مثيل مما أدى إلى إفقار سريع لقطاعات واسعة من سكان العالم. الاقتصادات الوطنية آخذة في الانهيار، والبطالة متفشية. واندلعت المجاعات على المستوى المحلي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا وأجزاء من أمريكا اللاتينية. وقد بدأت "عولمة الفقر" هذه - التي انعكست بشكل كبير على إنجازات مرحلة التحرّر من الاستعمار ما بعد الحرب في العالم الثالث - مع أزمة الديون في الثمانينات في وقت مُبكر، ومع فرض الإصلاحات الاقتصادية القاتلة لصندوق النقد الدولي.

النظام العالمي الجديد يتغذى على الفقر البشري وتدمير البيئة الطبيعية. فهو يولد الفصل العنصري الاجتماعي، ويشجع العنصرية والصراعات العرقية، ويقوّض حقوق المرأة وغالبا ما يدفع الدول إلى مواجهات مدمرة بين القوميات. منذ التسعينات، وسع هذا النظام سيطرته على جميع المناطق الرئيسية في العالم بما في ذلك أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية ودول كتلة الاتحاد السوفييتي السابق و "البلدان الصناعية الجديدة" من جنوب شرق آسيا والشرق الأقصى.

هذه الأزمة التي تنتشر في جميع أنحاء العالم هي أكثر تدميرا من الكساد العظيم في الثلاثينات ولها آثار جيوبوليتيكية بعيدة المدى. كما ترافَق التفكك الاقتصادي مع اندلاع حروب إقليمية، وانقسام المجتمعات الوطنية، وفي بعض الحالات تدمير بلدان بأكملها. حتى الآن هذه هي أخطر أزمة اقتصادية في التاريخ الحديث".

انتفاضات الخبز الدموية شهدها العالم بعد فرض برامج الصندوق والبنك الدولي على الدول النامية

______________________________________________

المجاعة هي نتيجة لعملية إعادة هيكلة "السوق الحرة" للاقتصاد العالمي التي لها جذورها في أزمة الديون في أوائل الثمانينات. وهي ليست ظاهرة حديثة كما اقترحت عدة تقارير في وسائل الاعلام الغربية. هذه الأخيرة ركّزت بشكل ضيق على زيادة العرض على المدى القصير وارتفاع الطلب على السلع الزراعية الرئيسية، في حين أنها  تشوّش على الأسباب الهيكلية الأوسع للمجاعة العالمية.

الفقر وسوء التغذية المزمن هو حالة موجودة من قبل. وقد ساهم الارتفاع الأخير في أسعار المواد الغذائية في تفاقم أزمة الغذاء. ارتفاع الأسعار يؤثر على السكان الفقراء، والذين بالكاد يمتلكون وسائل البقاء على قيد الحياة.

وقد اندلعت أعمال شغب بسبب الغذاء في وقت واحد تقريبا في جميع المناطق الرئيسية في العالم:

"إن أسعار الغذاء في هايتي قد ارتفعت في المتوسط ​​بنسبة 40 في المئة في أقل من سنة، مع تضاعف كلفة المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز.... في بنغلاديش، [في أواخر أبريل 2008] نزل حوالي  000،20 من عاملات النسيج إلى الشوارع للتنديد بارتفاع أسعار المواد الغذائية والمطالبة بزيادة الأجور. تضاعف سعر الأرز في البلاد خلال العام الماضي، مما يهدّد العمال، الذين يتقاضون راتبا شهريا هو 25 دولارا فقط، بالجوع. في مصر، هزّت احتجاجات عمال النسيج على أسعار المواد الغذائية مركز المحلة الكبرى شمالي القاهرة، لمدة يومين، مع مقتل شخصين برصاص قوات الأمن. وألقي القبض على المئات، وأرسلت الحكومة شرطةً بلباس مدني إلى المصانع لإجبار العمال على العمل. وارتفعت أسعار المواد الغذائية في مصر بنسبة 40 في المئة في العام الماضي ... وفي وقت سابق من هذا الشهر، في ساحل العاج، سار الآلاف إلى منزل الرئيس لوران غباغبو، وهم يهتفون "نحن جائعون" و "الحياة مكلفة للغاية، وأنت ذاهبٌ لقتلنا". 

وقد حصلت مظاهرات وإضرابات ومواجهات مماثلة في بوليفيا وبيرو والمكسيك وإندونيسيا والفلبين وباكستان وأوزبكستان وتايلاند واليمن وإثيوبيا وفي معظم أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

الحكومات وعدت بالقضاء على الجوع قبل ثلاثين عاما ولكن برامج البنك الدولي أجهضتها والأرقام تتكلم

___________________________________________

"أزمة تضخم أسعار الغذاء هي مجرد الجزء الأخير من جبل جليد كان ينمو بخطى بطيئة. في حين تصدرت التمردات الغذائية في جميع أنحاء العالم عناوين الصحف مؤخرا فقط ، فإن الحكومات قد وعدت بالقضاء على الجوع لأكثر من 30 عاما: أزمة تضخم أسعار الغذاء هو مجرد غيض من فيض العشر الأخير من جبل الجليد الذي يتراكم بخطى سريعة. بينما التمردات الغذائية في جميع أنحاء العالم تصدرت مؤخرا فقط عناوين الصحف، فإن الحكومات قد وعدت بالقضاء على الجوع لأكثر من 30 عاما دون نتيجة بل أن الجوع يتفاقم وا‘داد الجائعين تتزايد برغم كل وعودها :

• 1974- 500 مليون جائع في العالم النامي. تعهّدَ مؤتمر الأغذية العالمي بالقضاء على جوع الأطفال في 10 أعوام.

• 1996- 830 مليون شخص يعانون من الجوع. تعهدت القمة العالمية للأغذية بخفض عدد الجياع بمقدار النصف بحلول عام 2015.

• 1996- 12٪ من سكان الولايات المتحدة يعانون من الجوع.

• 2000- زعماء قمة الألفية العالمية يتعهدون بالحد من الفقر المدقع والجوع إلى النصف بحلول عام 2015.

• 2002- 850 مليون شخص يعانون من الجوع. القمة العالمية للأغذية تعترف بعدم التقدم في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.

• 2008- 862 مليون شخص يعانون من الجوع. أعلن مؤتمر منظمة الفاو الرفيع المستوى المعني بالأمن الغذائي العالمي أنه بدلا من الحدّ من صفوف الجياع الـ 400 مليون ، فإن الجوع قد زاد. البنك الدولي أعاد حساب توقعاته للفقر المدقع فرفعه من مليار إلى 1.4 مليار شخص. أكثر من ثلاثة مليارات شخص يعيشون على أقل من 2 دولار في اليوم (اي تحت خط الفقر حسب قواعد البنك).

• 2008- 12٪ من سكان الولايات المتحدة لا يزالون جائعين. وعلى الرغم من صرف 60 مليار دولار سنويا على برامج التغذية الحكومية، وانبثاق أكثر من 000،50 من بنوك الطعام والمخازن الغذائية في جميع أنحاء البلاد، فإن واحدا من كل ستة أطفال في الولايات المتحدة يعاني من الجوع في كل شهر و 35 مليون شخص لا يستطيعون ضمان الحد الأدنى من المتطلبات اليومية من السعرات الحرارية".

البنك الدولي: برامج القضاء على الفقراء

_______________________

"مع وجود قطاعات واسعة من سكان العالم تحت خط الفقر، فإن أي زيادة على المدى القصير في أسعار المواد الغذائية ستكون مدمّرة. الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم غير قادرة على شراء المواد الغذائية للبقاء على قيد الحياة.

هذه الزيادات تساهم في ترسيخ شعور حقيقي جدا بأن الهدف هو "القضاء على الفقراء" من خلال "الموت بسبب الجوع". وعلى حد تعبير هنري كيسنجر: "بالسيطرة على النفط تتحكم بالأمم؛ وبالسيطرة على المواد الغذائية تتحكم بالناس".

وفي هذا الصدد، كان كيسنجر قد ذكر في عام 1974 في سياق مذكرة الأمن القومي رقم 200 وعنوانها : "عواقب النمو السكاني العالمي على أمن الولايات المتحدة ومصالحها في الخارج" إن المجاعات المتكررة قد تشكل أداة فعالة للسيطرة على تزايد  السكان (سنتناول موقف كيسنجر والولايات المتحدة من موضوع الإبادة البشرية في حلقة مستقلة).

ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، زادت أسعار المواد الغذائية الأساسية كالحبوب بنسبة 88٪ منذ مارس 2007. وقد ارتفع سعر القمح بنسبة 181٪ على مدى ثلاث سنوات فقط. وقد ارتفع سعر الأرز بنسبة 50٪ خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

"الصنف الأكثر شعبية من الأرز في تايلاند يُباع بـ 198 دولار للطن الواحد، قبل خمس سنوات، و بـ 323 دولار للطن قبل عام. في أبريل 2008، بلغ السعر 1000 دولار. الزيادات أكبر في الأسواق المحلية - في هايتي، تضاعف سعر السوق لكيس الأرز زنة 50 كيلو غرام في أسبوع واحد في نهاية مارس 2008.

وهذه الزيادات في أسعار المواد الغذائية هي زيادات كارثية على 2.6 مليار شخص في جميع أنحاء العالم يعيشون على أقل من 2 دولار في اليوم وينفقون 60٪ إلى 80٪ من دخلهم على الغذاء. مئات الملايين لا يستطيعون الدفع للحصول على الطعام".

وعلى ذكر هاييتي ، فقد وجّه صندوق النقد الدولي ضغوطا هائلة على هايتي، كشرط لمنحها قرضا عام 1994، لفتح اقتصادها وإزالة القيود عن تجارتها. وعندما رضخت هاييتي لهذه الضغوط وأسقطت الحواجز التجارية، أغرقتها الولايات المتحدة بواردات الأرز الأمريكي المدعوم من قبل الحكومة الأمريكية، مما أدى إلى تدمير مزارعي الأرز المحليين وتحويل هاييتي من بلد مصدر للأرز إلى مستورد له.

محوران عالميان مترابطان

______________

هناك نوعان من الأبعاد المترابطة لأزمة الغذاء العالمية الحالية، التي قادت الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم إلى المجاعة والحرمان المزمن، وهو الوضع الذي جعل جماعات كاملة من السكان لا تتوفر لديها الإمكانية لشراء الغذاء.

أولا، هناك عملية تاريخية طويلة الأمد من الإصلاحات لسياسات الاقتصاد الكلي وإعادة الهيكلة الاقتصادية العالمية التي أسهمت في خفض مستوى المعيشة في جميع أنحاء العالم في كل من البلدان النامية والمتقدمة والتي اضطلع بها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

ثانيا، لقد تفاقمت هذه الظروف التاريخية المسبقة للفقر الجماعي واستفحلت بسبب الارتفاع الأخير في أسعار الحبوب، والتي أدّت في بعض الحالات إلى تضاعف سعر التجزئة للمواد الغذائية الأساسية. ارتفاع الأسعار هو في جزء كبير منه نتيجة لتجارة المضاربة في المواد الغذائية.

ويبدو أن أزمة الغذاء تنفجر بين عشية وضحاها، مما عزز المخاوف من أن السبب هو أن هناك فقط عدد هائل من الناس في العالم. ولكن وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة، كان حصاد محصول الحبوب قياسيا في عام 2007. وهناك ما يكفي من الغذاء في العالم لإطعام الجميع. في الواقع، على مدى السنوات الـ 20 الماضية، ارتفع الإنتاج الغذائي العالمي بشكل مطرد إلى أكثر من 2٪ في السنة، في حين أن معدل النمو السكاني العالمي قد انخفض إلى 1.14٪ سنويا. زيادة السكان لا تفوق الإمدادات الغذائية. الناس فقراء جدا ولا يستطيعون شراء المواد الغذائية المتوفرة. "نحن نشاهد المزيد من الناس يعانون من الجوع وبأعداد أكبر من ذي قبل"، هكذا قال المدير التنفيذي للبرنامج العالمي لمكافحة الجوع وأضاف : "هناك طعام كثير على الرفوف ولكن يتم تسعيره بصورة لا ترتبط بحركة السوق".

وفي الواقع إن أزمة الغذاء كانت موجودة حتى قبل أن تبدأ وسائل الإعلام بالتركيز عليها ، ولكن كارتلات الصناعة الزراعية كانت تغطي عليها. ولكن التحوّل الكبير من المحاصيل الغذائية الي محاصيل الوقود الذي بدأ في عام 2006 جعل منظمة الأغذية والزراعة تبدأ في التحذير من النقص الوشيك في الغذاء. ولكن في فصل الشتاء من عام 2007، وبدلا من أن تنخفض، انفجر تضخم أسعار الغذاء في الأسواق العالمية - على الرغم من ناتج المحاصيل القياسي في ذلك العام. ونتيجة لذلك، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع بشكل كبير إلى 982 مليون في عام واحد فقط. في الولايات المتحدة، 57 مليون شخص (سدس سكان البلاد) من الذين صُنفوا على أنهم "قريبين من الفقر" هم الآن في حالة من انعدام الأمن الغذائي. أخذت حركات التمرد تنتشر بسرعة في جميع أنحاء العالم ليس في المناطق التي جعلت الحرب أو التهجير فيها الطعام غير متوفر، ولكن في الأماكن التي يتوفر فيها الغذاء ولكن لا يستطيع الفقراء شراءه.

في تحول دراماتيكي من الاتجاه العالمي في الغذاء الرخيص سرعان ما أصبحت لدينا أزمة تعرف باسم "أزمة الغذاء العالمية." الأسباب المباشرة معروفة جيدا:

الطقس السىّء والجفاف في البلدان الرئيسية المنتجة للقمح في 2005-2006. وسوف يستمر تغير المناخ في التأثير على الإنتاج الغذائي بطرق غير متوقعة.

انخفاض المخزون من الحبوب - تم تفكيك نظم احتياطيات الحبوب الوطنية في أواخر التسعينات. ولأن الدول تعتمد الآن على السوق العالمية للحبوب، فإن الاحتياطيات العالمية قد انخفضت من 115 إلى 54 يوما في جميع أنحاء العالم. هذا يثير تقلبات الأسعار.

ارتفاع أسعار النفط- ارتفاع أسعار النفط أدى إلى ارتفاع أسعار الأسمدة (ثلاث مرات) والنقل (مرتين) في النظام الغذائي.

زيادة استهلاك اللحوم في جميع أنحاء العالم نتيجة النمو الهائل في الحظائر الصناعية. وبصرف النظر عن ارتفاع معدلات الاستهلاك في دول الشمال الصناعية، كان هناك مضاعفة إنتاج اللحوم واستهلاكها في البلدان النامية، ومعظمه من الحظائر التي تغذيها الحبوب التي تستهلك سبعة أرطال من الحبوب لكل رطل من اللحوم المنتجة.

الوقود الزراعي- تحويل 5٪ من الحبوب في العالم إلى الوقود الزراعي أدى إلى رفع أسعار الحبوب. تزعم وزارة الزراعة الامريكية أن الوقود الزراعي هو المسؤول عن نسبة 5 - 20٪ من الزيادات في أسعار الحبوب. المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI) يرى أن النسبة هي 30٪. في حين ادعى تقرير تم تسريبه من البنك الدولي أن النسبة هي 75٪.

المضاربات – ساهم رفع القيود وضعف الرقابة في فقاعات المضاربة في أسواق العقود الآجلة. في أعقاب انهيار سوق الرهن العقاري الثانوي، بحث المستثمرون عن أماكن لوضع أموالهم. عندما رأوا أسعار المواد الغذائية ترتفع، سكبوا الاستثمارات في السلع الغذائية الآجلة، هذا الضخ رفع سعر الحبوب وفاقم التضخم في أسعار المواد الغذائية.

الأسباب الجذرية

_________

أزمة الغذاء هي أحد أعراض نظام غذائي يمر في أزمة عميقة. سوء الأحوال الجوية، وارتفاع أسعار النفط، والوقود الزراعي، والمضاربة، ليست سوى الأسباب المباشرة لمشكلة منهجية أعمق. السبب الجذري للأزمة هو نظام الغذاء العالمي الذي هو عرضة للصدمات الاقتصادية والبيئية. هذا الضعف ينبع من المخاطر، وعدم المساواة، والعوامل الخارجية المتأصلة في النظم الغذائية التي يهيمن عليها الكارتل الصناعي الزراعي العالمي. هذا الكارتل بُني على مدى نصف قرن من الزمان، وإلى حد كبير من الأموال العامة لدعم الحبوب، والمساعدات الخارجية، وتطوير قطاعات الصناعة الزراعية الدولية التي تتكون من التجار متعددي الجنسيات وشركات البذور العملاقة، والشركات الكيميائية، وشركات الأسمدة، والمعالجات، و سلاسل محلات السوبر ماركت العالمية.

عامل السكان: الزيادة السكانية لم تخلق الجوع بل برامج الصندوق والبنك

___________________________________________

لقد نما عدد السكان في أفريقيا جنوب الصحراء من 230 مليون في 1961 إلى 673 في عام 2000، أي بزيادة قدرها 292٪ خلال 39 سنة. لم يفلح الإنتاج الغذائي المحلي في ملاحقة هذه الزيادة. تراجعت الصادرات الزراعية وارتفعت الواردات الزراعية بنسبة عشرة أضعاف. لماذا؟ التربة الفقيرة، ونقص البذور، والفقر هي الإجابات الجاهزة لهذه الأسئلة. هذه التفسيرات لا تجيب على : لماذا يُضطر المزارعون الأفارقة لزراعة التربة الفقيرة، ولماذا حصولهم على البذور محدود، أو لماذا هذا العدد الكبير من الناس فقراء على مثل هذه القارة الغنية بالموارد ؟.

من خلال سياسات التكيف الهيكلي، ضغط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على البلدان الأفريقية للتخلي عن زراعة المزارع الصغيرة، التي كان يُنظر إليها على أنها غير منتجة. دفعت سياسات التنمية هذه الناس إلى المدن حيث صاروا يوفرون اليد العاملة الصناعة. صارت الزراعة الأفريقية تنتج محاصيل التصدير (البن والكاكاو والقطن) لبيعها وجمع العملة الصعبة لسداد ديونها الخارجية، وصار الأفارقة يستخدمون عائدات الصناعة لاستيراد المواد الغذائية لتوفير طعامهم. أصرّ البنك على أن استراتيجية التنمية هذه من شأنها أن تؤدي إلى زيادة دخل الأسرة وتعزيز الأمن الاقتصادي، مما يؤدي إلى انخفاض معدلات النمو السكاني. لكن هذه الاستراتيجية فشلت فشلا ذريعا. ازداد عدد سكان الحضر سبعة أضعاف، من 18٪ إلى 33٪ من السكان. وقد ضاعف الملايين من العمال الفقراء والعمال العاطلين عن العمل عدد سكان المدن مع ثلثين منهم يعيشون في الأحياء الفقيرة. قطاع الصناعات التحويلية والصناعية "لم يقلع" في البلدان الأفريقية كما وعد البنك؛ وكان يشكل 30٪ في عام 1961 و 32٪ في عام 2000 من الناتج المحلي الإجمالي. في الريف، ومع توسّع المزارع المخصصة للصادرات الزراعية، انخفض إنتاج الأغذية ونما الفقر. على الرغم من أن عدد السكان في المناطق الريفية تناقص، إلا أن الكثافة زادت بنسبة 180٪ بسبب ازدحام المزيد من المزارعين على قطع أصغر. وفي حين أن بقية العالم النامي خفض مبالغ عائدات التصدير المخصصة لواردات الغذاء من 42% إلى 24٪، زادت البلدان الأفريقية الحصة المخصصة لواردات الغذاء من 42% إلى 54٪. لم يقلّل الانتقال الصناعي من النمو السكاني لأنه في الواقع فاقم الفقر وانعدام الأمن في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء. الزيادة السكانية ليست هي سبب الجوع، ولكن نتيجة للفقر الناجم عن التدمير المبرمج والمنهجي للأنظمة الغذائية الأفريقية.

عوامل تدمير النظم الزراعية في الدول النامية أغلبها غربيّة

__________________________________

حدث تدمير النظم الغذائية للعالم الجنوبي من خلال سلسلة من مشاريع التنمية الاقتصادية التي قادها وفرضها الشمال:

(1). كانت الثورة الخضراء (1960-1990) حملة من قبل مراكز البحوث الزراعية الدولية التي تهدف إلى تحديث الزراعة في العالم النامي. وقد رافق المكاسب المثيرة للإعجاب في الإنتاجية الوطنية احتكار مطرد للأسواق والبذور والأسمدة والمدخلات الزراعية الأخرى من قبل الشركات الشمالية. و"المعجزات" الآسيوية والمكسيكية الشهيرة للغاية التي تم الإحتفاء بها غطّت على فقدان 90٪ من التنوع البيولوجي الزراعي، وانخفاض هائل في المياه الجوفية، والملوحة وتآكل التربة، وتشريد الملايين من الفلاحين إلى التلال الهشة، والغابات المتقلصة، والمناطق الحضرية الفقيرة. وباستثناء الصين، فقد زادت الثورة الخضراء حصة الغذاء للفرد الواحد بنسبة 11٪. ومع ذلك فقد زاد عدد الجياع أيضا بنسبة 11٪.

(2). برامج التكيف الهيكلي في الثمانينات والتسعينات التي فرضها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي جاءت لتفكيك مجالس التسويق، والقضاء على ضمانات الأسعار، وإغلاق نظم البحوث والإرشاد الزراعية بأكملها، وكسر الرسوم الجمركية، وتحرير الأسواق الزراعية. وغمرت بلدان الجنوب بطوفان من الحبوب المدعومة من الولايات المتحدة وأوروبا التي تم بيعها بأسعار تقل كثيرا عن تكاليف الإنتاج. هذا المخطط دمّر الأسواق الزراعية الوطنية، وربط الأمن الغذائي الجنوبي بالأسواق العالمية التي تهيمن عليها دول الشمال الغنية.

 (3). قواعد منظمة التجارة العالمية (WTO) عززت سياسات برامج التكيف الهيكلي في المعاهدات الدولية التي تجاهلت القوانين الوطنية. قواعد منظمة التجارة العالمية، مثل الاتفاق على الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية والاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات، عزّزت بدرجة أكبر المزيد من سيطرة الشمال على الاقتصادات الزراعية الجنوبية. أُجبر الجنوب على التخلّي عن توفير الحماية الحقيقية لأصحاب الحيازات الصغيرة والمنتجين المحليين، وفتح أسواقه أمام السلع الشمالية في حين ظلت أسواق الشمال محمية إلى حد كبير من خلال مزيج من الحواجز الجمركية وغير الجمركية أو الإثنين معاً. اتفاقيات التجارة الحرة الإقليمية مثل النافتا ومنطقة التجارة الحرة، فُرضت من قبل دول الشمال، فواصلت تحرير التجارة، مما اضطر مزارعي الجنوب للتخلي عن مزارعهم ، وجعلت بلدان الجنوب تعتمد على واردات الغذاء الشمالية.

(4). الدعم الشمالي لقطاع الزراعة الذي يبلغ مليار دولار يوميا. هذا الرقم هو ستة أضعاف المساعدة الإنمائية السنوية المُقدمة من دول الشمال إلى الجنوب. ربع الإنتاج الزراعي في الولايات المتحدة بشكل كامل يأتي من الدعم الحكومي. في الاتحاد الأوروبي يرتفع هذا الرقم ويتضخم إلى 40٪. فلماذا تدعم حكومات الولايات المتحدة وأوروبا القطاع الزراعي لديها في حين يطلب صندوق النقد والبنك الدولي من دول العالم الثالث إلغاء الدعم الحكومي للقطاع الزراعي ؟

(5). المساعدات الغذائية العالمية وصلت في عام 2007 أدنى مستوى لها منذ عام 1961 (5.9 مليون طن)، أي أن المساعدات الغذائية الغربية تقل عندما تحصل المجاعات. لماذا؟ لأنه عندما تكون الأسعار مرتفعة والغذاء غير متوفر للفقراء تنخفض المساعدات الغذائية لاستغلال الفرصة وجمع الأموال. وعندما تكون الأسعار منخفضة والغذاء متوفر تزداد المساعدات الغذائية لأن الشركات تستلم الأموال من الحكومات التي تقدم المساعدات.

سيبدو هذا الكلام غريباً ومتناقضاً، أليس كذلك؟ إذن دعونا نوضّح هذه المعضلة.

إن المساعدات الغذائية تستجيب لأسعار الحبوب في السوق، وليس إلى احتياجات الدول الفقيرة من الطعام. وعليه، عندما تكون أسعار الحبوب منخفضة، فإن شركات إنتاج الحبوب العابرة للقومية في دول الشمال تسعى لبيع الحبوب من خلال برامج المساعدات الغذائية وتستلم الأموال من الحكومة. أما عندما يكون السعر مرتفعا، فإنها تفضّل بيع الحبوب في السوق الدولية. عندما يعاني المزيد من الناس من الجوع تصل مساعدات غذائية أقل. وتهيمن المساعدات الغذائية الأمريكية على المساعدات الغذائية العالمية، وهدف المساعدات الغذائية الأمريكية كما أعلن منذ عام 1954 هو "وضع الأساس لتوسع دائم لصادراتنا من المنتجات الزراعية مع الفوائد الدائمة التي تعود على أنفسنا وشعوب البلدان الأخرى".

وبصرف النظر عن الأهداف الجيوسياسية الأخرى، فإن وظيفة المعونة الغذائية هي العمل كاسفنجة لامتصاص فائض السلع في الشمال والتخلص منها بأسعار أقل من تكلفة الإنتاج في الجنوب. واحتكار المساعدات الغذائية من قبل أربع شركات تتحكم في 84٪ من شؤون لنقل والتسليم. وعلاوة على ذلك، فإن 50-90٪ من المساعدات الغذائية العالمية يقع ضمن شروط اتفاقات التجارة الثنائية. الوكالة الأمريكية للتنمية USAID، على سبيل المثال، تفرض على البلدان المتلقية للمساعدات قبول الحبوب المعدلة وراثيا. في عام 2007، كان 99.3٪ من المساعدات الغذائية الامريكية كانت "عينية"، وهذا يعني شراء الأغذية في الولايات المتحدة وشحنها إلى البلدان المتلقية (بدلا من المساعدات النقدية أو كوبونات لشراء المواد الغذائية من أماكن أقرب إلى المستلمين).

الحبوب الرخيصة المدعمة من الشمال خرّبت زراعة العالم الثالث

____________________________________

تخريب النظم الغذائية في الجنوب فتح أبواب قارات بأكملها لتوسع الصناعة الزراعية الغذائية من الشمال. دمّر هذا التوسع التنوع البيولوجي الزراعي المحلي وأفرغ الريف من الموارد الطبيعية والبشرية القيّمة. ولكن طالما ظلت الحبوب الرخيصة والمدعمة من الشمال الصناعي تتدفق على الجنوب ، فإن كارتلات  الصناعة الزراعية الغذائية ستنمو، وستتعزز السيطرة على النظم الغذائية في العالم في أيدي عدد أقل وأقل من شركات البذور والكيمياء، والبترول. اليوم ثلاث شركات، آرشر دانييلز ميدلاند (ADM)، وشركة كارجيل، وبانج، تسيطر على 90٪ من تجارة الحبوب في العالم. عملاق الكيماويات شركة مونسانتو تسيطر على خُمس إنتاج البذور، في حين أن شركة باير للمحاصيل، سينجينتا Syngenta، وباسف BASF، تسيطران على نصف إجمالي سوق الكيماويات الزراعية.

ونظرا لارتفاع القوة الاحتكارية في النظام الغذائي، لن يكون مفاجئا لنا أن نعلم أنه عندما انفجرت أزمة الغذاء العالمية، ارتفعت أرباح ADM بنسبة 38٪، وأرباح كارجيل 128٪، وموزائيك للأسمدة Mosaic Fertilizer (وهي شركة تابعة لكارجيل) بنسبة هائلة جدا بلغت 1615%.

وقد استفادت صناعات الإنتاج الحيواني والتعبئة والتغليف فائدة كبيرة جدا أيضا. أكبر منتج ومصدر للحوم البقر في العالم هو شركة JBS S.A البرازيلية ، وقد شهدت زيادة في الإيرادات بلغت 475.4٪ منذ عام 2007. (وهذه هي أيضا من نتائج التوسع الاحتكاري. في مارس من عام 2008 استحوذت شركة JBS على شركتين أمريكيتين هما : شركة لحوم البقر الوطنية، وسميثفيلد للحوم البقر، وعلى شركة تاسمان الاسترالية).

 

ارتفاع أسعار الحبوب بسبب المضاربات

______________________

لقد ضلّلت وسائل الإعلام الرأي العام عن أسباب ارتفاع الأسعار، مع التركيز بشكل حصري تقريبا على قضايا تكاليف الإنتاج والمناخ والعوامل الأخرى التي تؤدي إلى خفض العرض والتي قد تساهم في تضخيم أسعار المواد الغذائية الأساسية. في حين أن هذه العوامل قد تدخل ساحة التأثير، إلا أنها ليست كافية وحدها على تفسير الارتفاع الهائل لأسعار السلع الأساسية.

التصاعد الهائل في أسعار المواد الغذائية يعود في جزء كبير منه إلى التلاعب في السوق. فهو يعزى إلى حد كبير إلى المضاربة في أسواق السلع. وقد ارتفعت أسعار الحبوب بشكل مصطنع عن طريق عمليات المضاربة على نطاق واسع في أسواق نيويورك وشيكاغو التجارية. ومن الجدير بالذكر أنه في عام 2007، اندمج مجلس شيكاغو للتجارة (CBOT)، مع بورصة شيكاغو التجارية (CME)، فتشكل أكبر كيان في جميع أنحاء العالم في التعامل في تجارة السلع الأساسية بما في ذلك مجموعة واسعة من أدوات المضاربة (خيارات، الخيارات الآجلة، صناديق المؤشرات، الخ).

تجارة المضاربة في القمح، والأرز أو الذرة، يمكن أن تحدث دون وقوع معاملات حقيقية للسلع. مؤسسات المضاربة في سوق الحبوب لا تتدخل بالضرورة في بيع أو تسليم تلك الحبوب.

قد تستخدم المعاملات صناديق المؤشرات للسلع التي هي الرهانات على حركة الارتفاع أو الانخفاض العام في أسعار السلع الأساسية. و"خيار وضع" هو رهان على أن الأسعار سوف تنخفض، ووضع "خيار شراء" هو رهان على أن السعر سوف يرتفع. ومن خلال التلاعب المنسق يمكن لتجار المؤسسات والمؤسسات المالية جعل سعر سلعة معينة يرتفع ومن ثم يضعون رهاناتهم على حركة صعودية في أسعار سلعة معينة.

المضاربات تولد التقلبات وعدم الاستقرار في السوق. وفي المقابل، فإن عدم الاستقرار هذا سوف يشجع على المزيد من المضاربات.

تُصنع الأرباح عندما ترتفع الأسعار. وعلى العكس من ذلك، إذا كان المضارب يراهن على البيع على المكشوف في السوق، فإن الأرباح سوف تُحصد عندما تنهار الأسعار.

وقد أفضى الارتفاع المضاربي الأخير في أسعار المواد الغذائية إلى سيرورة عالمية لخلق المجاعة على نطاق غير مسبوق.

غياب التدابير التنظيمية أشعل المجاعات

______________________

عمليات المضاربة هذه لا تؤدي عمدا إلى المجاعة.

ما يثير المجاعة هو غياب الإجراءات التنظيمية المتعلقة بالتجارة المضاربية (الخيارات، الخيارات على العقود الآجلة وصناديق مؤشر السلع). في هذا السياق، فإن تجميد المضاربة في السلع الغذائية التى تؤخذ بقرار سياسي عادة، تساهم مباشرة في خفض أسعار المواد الغذائية.

لا شيء يمنع أن يتم تحييد هذه المعاملات ونزع فتيل الأزمة من خلال مجموعة من التدابير التنظيمية توضع بعناية.

ومن الواضح تماما، أن هذا ليس ما يقرّه ولا ما يقترحه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

دور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كسبب للمجاعة

________________________________ 

جاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بخطة طوارئ، لتعزيز الزراعة ردا على "أزمة الغذاء". ولكن أسباب هذه الأزمة الحقيقية لم تتم معالجتها.

وقد وصف رئيس البنك الدولي "روبرت زوليك" هذه المبادرة بأنها "صفقة جديدة"، خطة عمل "للحصول على دفعة طويلة الأجل للإنتاج الزراعي."، والتي تتألف من جملة أمور منها مضاعفة القروض الزراعية للمزارعين الأفارقة. قال :

 "علينا أن نضع أموالنا حيث فمنا الآن ، حتى نتمكن من وضع الطعام في الأفواه الجائعة".

"الطب الاقتصادي" لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ليس "حلا" ولكنه في جزء كبير منه "السبب" في المجاعة في البلدان النامية. مزيد من قروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لـ "لتعزيز الزراعة" كما يزعمون سيعمل على زيادة مستويات المديونية وتفاقم حدة الفقر بدلا من تخفيفها.

سياسة البنك الدولي تقوم على أساس منح القروض بشرط التزام الدولة المعنية ببرامجه القائمة على السياسات الليبرالية الجديدة التي، ومنذ أوائل الثمانينات، أدت إلى انهيار الزراعة الغذائية على المستوى المحلي. في الكثير من بلدان العالم.

برامج التكيف الهيكلي التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على البلدان النامية (كشرط لإعادة التفاوض على ديونها الخارجية) قد أدت إلى إفقار مئات الملايين من الناس.

الشروط الاقتصادية والاجتماعية القاسية التي تضمنها تدخُل صندوق النقد الدولي قد أشعل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمجاعات على المستوى المحلي، والتسريح واسع النطاق للعمال وموظفي الخدمة المدنية في المناطق الحضرية، وتدمير البرامج الاجتماعية. وقد انهارت القدرة الشرائية الداخلية وأغلقت العيادات الصحية والمدارس، وحُرم مئات الملايين من الأطفال من الحق في التعليم الابتدائي.

العلاج بالصدمة الذي ابتكره صندوق النقد الدولي فاقم المجاعة

____________________________________

تاريخيا، نتج الارتفاع الناري في أسعار الغذاء على مستوى البيع بالتجزئة عن تخفيض قيمة العملة؛ هذا التخفيض الذي أسفر دائما عن ارتفاعات هائلة في معدلات التضخم. في البيرو في أغسطس عام 1990، على سبيل المثال، وبناء على أوامر من صندوق النقد الدولي، ارتفعت أسعار الوقود بين عشية وضحاها 30 مرة. وارتفع سعر الخبز اثني عشر مرة بين عشية وضحاها أيضا:

"وعلى امتداد العالم الثالث، فإن الوضع واحد من اليأس الاجتماعي ويأس السكان الذين أفقرتهم قوى السوق الحرّة. أعمال الشغب والانتفاضات الشعبية المناهضة لبرامج التعديل الهيكلي التي فرضها صندوق النقد الدولي تُقمع بوحشية: في كراكاس، 1989. الرئيس كارلوس أندريس بيريز بعد أن أدان (شفويّاً) صندوق النقد الدولي الذي يمارس "ديكتاتورية اقتصادية لا تقتل بالرصاص ولكن بالمجاعة" حسب قوله، أعلن حالة الطوارئ وأرسل وحدات نظامية من المشاة ومشاة البحرية إلى المناطق الفقيرة على التلال المطلة على العاصمة. أعمال الشغب في كراكاس المضادة لصندوق النقد الدولي اشتعلت من جراء زيادة بنسبة 200 في المائة في أسعار الخبز. أُطلقت النيران على الرجال والنساء والأطفال على نحوٍ عشوائي .. وذكرت تقارير ان مشرحة كراكاس استلمت ما يصل الى 200 جثة لأشخاص قتلوا في الأيام الثلاثة الأولى ... وحذرت من قرب نفاد التوابيت". قُتل أكثر من ألف شخص. في تونس، يناير 1984: اندلعت مظاهرات الخبز من قبل الشباب العاطلين عن العمل احتجاجا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية. نيجيريا، 1989: أعمال شغب طلابية مناهضة لبرامج التعديل الهيكلي لصندوق النقد الدولي مما أدى إلى إغلاق ست من جامعات البلاد من قبل القوات المسلحة التابعة للمجلس الحاكم؛ المغرب، 1990: إضراب عام وانتفاضة شعبية ضد اصلاحات الحكومة برعاية صندوق النقد الدولي".

رفع القيود عن أسواق الحبوب

________________

منذ الثمانينات، تم تحرير أسواق الحبوب تحت إشراف البنك الدولي، وبدأت فوائض الحبوب من الولايات المتحدة / الاتحاد الأوروبي تُستخدم بشكل منهجي لتدمير الفلاحين وزعزعة استقرار الزراعة الغذائية الوطنية في البلدان النامية. وفي هذا الصدد، تشترط قروض البنك الدولي رفع الحواجز التجارية على المواد الغذائية الزراعية المستوردة، مما أدى إلى إلقاء الفائض من حبوب الولايات المتحدة / الاتحاد الأوروبي على السوق المحلية للبلدان النامية. وقد قادت هذه التدابير وغيرها المنتجين الزراعيين المحليين إلى الإفلاس.

"سوق الحبوب الحر"، الذي فرضه صندوق النقد والبنك الدولي دمّر الاقتصاد الفلاحي وأضعف "الأمن الغذائي". كانت ملاوي وزيمبابوي من البلدان المزدهرة زراعيا وذات الفائض من الحبوب، وكانت رواندا تقريبا مكتفية ذاتيا من الغذاء حتى عام 1990 عندما أمر صندوق النقد الدولي بإلقاء فائض الحبوب من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على السوق المحلية الأمر الذي دفع صغار المزارعين إلى الإفلاس. في 1991-1992، ضربت المجاعة كينيا، وكانت أنجح سلة غذاء في شرق أفريقيا. كانت حكومة نيروبي قد وُضِعت سابقا على القائمة السوداء بسبب عدم إطاعة أوامر صندوق النقد الدولي. كان رفع القيود عن سوق الحبوب قد طُلب من كينيا كأحد شروط إعادة جدولة الديون الخارجية لنيروبي مع نادي باريس للدائنين الرسميين.

في جميع أنحاء أفريقيا، وكذلك في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، كان نمط "التكيف القطاعي" في الزراعة تحت وصاية مؤسسات بريتون وودز المالية (الصندوق والبنك) يؤدي بشكل لا لبس فيه نحو تدمير الأمن الغذائي. وقد تعززت التبعية السافرة على السوق العالمية مما يؤدي إلى زيادة في واردات الحبوب التجارية، وكذلك زيادة في تدفق "المساعدة الغذائية".

وجرى تشجيع المنتجين الزراعيين على التخلي عن الزراعة الغذائية والتحول إلى زراعات التصدير ذات "القيمة العالية". وحصل ذلك في كثير من الأحيان على حساب الاكتفاء الذاتي من الغذاء. وقد دعمت المنتجات ذات القيمة العالية وكذلك المحاصيل النقدية الموجهة للتصدير بقروض البنك الدولي.

المجاعات في عصر العولمة هي نتيجة للسياسة. المجاعة ليست نتيجة لندرة الطعام ولكن في الواقع عكس ذلك تماما: تستخدم الفوائض الغذائية العالمية لزعزعة استقرار الإنتاج الزراعي في البلدان النامية.

هذا الفائض من المنتجات الغذائية المنظم بإحكام والذي تسيطر عليه شركات الأعمال الزراعية التجارية الدولية، هو الذي يفضي في نهاية المطاف إلى ركود كل من الإنتاج والاستهلاك من المواد الغذائية الأساسية وإفقار المزارعين في جميع أنحاء العالم. وعلاوة على ذلك، في عصر العولمة، يحمل برنامج التكيف الهيكلي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي علاقة مباشرة مع عملية تشكيل المجاعة لأنه يقوض وبصورة منهجية كل أنواع النشاط الاقتصادي، سواء في المناطق الحضرية أو الريفية، التي لا تخدم مباشرة مصالح نظام السوق العالمي.

أرباح المزارعين في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء عرضة للتقليص من قبل حفنة من الشركات العالمية الزراعية الصناعية التي تتحكم في أسواق الحبوب، والمدخلات الزراعية والبذور والأغذية المصنعة. شركة واحدة عملاقة مثل شركة كارجيل الأمريكية الي لها أكثر من 140 فرعا وشركة تابعة لها حول العالم تسيطر على حصة كبيرة من التجارة الدولية في الحبوب. ومنذ الخمسينات، أصبحت كارجيل المقاول الرئيسي للـ "المساعدة الغذائية" التي تقدمها الولايات المتحدة والممولة في إطار القانون العام.

الزراعة في العالم لديها - وللمرة الأولى في التاريخ - القدرة على تلبية الاحتياجات الغذائية للكوكب برمته، لكن طبيعة نظام السوق العالمي يمنع هذا من الحدوث. القدرة على إنتاج الغذاء هائلة، لكن تبقى مستويات استهلاك المواد الغذائية منخفضة جدا لأن نسبة كبيرة من سكان العالم يعيشون في ظروف من الفقر المدقع والحرمان. وعلاوة على ذلك، أدّت عملية "التحديث" في الزراعة إلى نزع ملكية الفلاحين ورفع مستوى عدم امتلاك الأراضي، والتدهور البيئي. وبعبارة أخرى، القوى ذاتها التي تشجع الإنتاج الغذائي العالمي على التوسع هي أيضا التي توصل بطريقة معاكسة إلى انكماش مستوى المعيشة للبشر وانخفاض الطلب على الغذاء.

البذور المعدلة وراثيا

___________

تزامنا مع إنشاء منظمة التجارة العالمية (WTO) في عام 1995، حدث تغير تاريخي هام آخر في بنية الزراعة العالمية.

تحت بنود اتفاق منظمة التجارة العالمية  (WTO)، فإن عمالقة شركات الطعام لديهم حرية غير مقيدة لدخول أسواق البذور في البلدان النامية. الحصول على "حقوق الملكية الفكرية" الحصرية على الأنواع النباتية لصالح شركات الصناعة الزراعية الدولية، يؤدي أيضا إلى تدمير التنوع الحيوي.

وفي إجراء لصالح حفنة من تكتلات التكنولوجيا الحيوية، تم فرض البذور المعدلة وراثيا على المزارعين، وذلك في سياق "برامج المعونة الغذائية". في إثيوبيا، على سبيل المثال، تم تسليم كميات من البذور المعدلة وراثيا للمزارعين الفقراء بهدف إعادة تأهيل الإنتاج الزراعي في أعقاب جفاف كبير. زُرعت البذور المعدلة وراثيا، فقدمت محصولا أسفر عن حصاد. ولكن بعد ذلك تأكد المزارعون أن البذور المعدلة وراثيا لا يمكن إعادة زراعتها دون دفع الإتاوات لشركات مونسانتو، وآرش دانيال ميدلاند وغيرها. ثم اكتشف المزارعون حقيقة أخرى وهي أن هذه البذور لا تنتج محصولا إلا إذا عوملت بالأسمدة والمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب، التي تنتجها تلك الشركات التي أنتجت البذور. وهكذا سقط الاقتصاد الفلاحي كله في قبضة التكتلات الزراعية.

كسر الدورة الزراعية

____________

مع اعتماد واسع النطاق على البذور المُعدلة وراثيا، حدث تحولٌ كبير في بنية وتاريخ الزراعة المستقرة منذ تأسيسها قبل 000،10 سنة.

تعطلت عملية إعادة إنتاج البذور على مستوى القرية في المشاتل المحلية بسبب استخدام البذور المعدلة وراثيا. والدورة الزراعية، التي كانت تمكّن المزارعين من تخزين البذور العضوية وإعادة زراعتها لجني المحصول المقبل تم كسرها. هذا النمط المدمّر الذي يؤدي دائما إلى المجاعة يتم نسخه في البلدان النامية الواحد تلو الآخر مما يؤدي إلى زوال الاقتصاد الفلاحي في جميع أنحاء العالم.

الولايات المتحدة: 35 مليون جائع

___________________

ارتفعت أسعار التجزئة للمواد الغذائية في الولايات المتحدة بنسبة 4٪ في العام الماضي، وفقا لمؤشر أسعار المستهلك. وتزعم وزارة الزراعة أن من المتوقع أن تزداد هذه الأسعار مرة أخرى 3-4 نقطة مئوية خلال العام التالي، في أكبر ارتفاع في الأسعار منذ 17 عاما. كثير من الـ 35 مليون أمريكي الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في الولايات المتحدة يعيشون في "صحارى الغذاء"، حيث  يجب عليهم أن يسافروا لمسافات طويلة لشراء الأغذية الطازجة. ولأن كلاً من أسعار الوقود والمواد الغذائية آخذة في الارتفاع، فإن هؤلاء الناس هم الأكثر تأثرا بالأزمة، ويمكن أن ينضم إليهم ملايين آخرين يعيشون تحت أو بالقرب من مستوى الفقر. أزمة الغذاء تزداد سوءا. وفي حين لم يتم التصدي لها من قبل السياسيين أو المرشحين للرئاسة، فإن هذه الضربة الثلاثية من تراجع الاقتصاد والتضخم في أسعار الغذاء والطاقة تضغط على الفقراء والطبقة الوسطى على حد سواء. أكثر من 28 مليون شخص – حسب السجل الوطني - سُجّلوا في برنامج طوابع الغذاء الوطني.

فاتورة البقالة

_______

ارتفاع أسعار السلع، وتحديدا الذرة والقمح والحليب وفول الصويا، إلى جانب ارتفاع تكاليف الطاقة، هي السبب الرئيسي في أن أسعار المواد الغذائية ترتفع بشكل أسرع من المعدلات الطبيعية. اثنا عشر بيضة تكلّف 50 سنتا أكثر من العام الماضي، رغيف من الخبز يكلف 20 سنتا أكثر من العام الماضي أيضا. معظم تجار التجزئة الصغار يعملون على هامش ضئيل من 1-3٪، ولا يمكنه استيعاب هذه الزيادات في التكاليف. ونتيجة لذلك يتم تمرير هذه التكاليف إلى المستهلكين. ومع ذلك، ولأنهم يحصلون على  أموالهم من الحجم الكبير والهامش المنخفض ، ولأنهم لا يستطيعون الحصول على المنتجات من منتجيها المباشرين، فإن المتاجر الكبرى حققت أرباحا كبيرة من أزمة الغذاء. أظهر التقرير السنوي لشركة سوفتواي Safeway لمتاجر التسوق لعام 2007 زيادة بنسبة 15.7٪ في صافي الأرباح ما بين عامي 2006 و 2007. وهذا فاق أرباح متاجر تيسكو Tesco ومقرها المملكة المتحدة، والتي وصلت في الاونة الاخيرة إلى سوق الولايات المتحدة بزخم عالٍ، ، وصول عالي الطاقة في السوق الأمريكية، حيث ارتفعت أرباحها بنسبة قياسية بلغت 11.8٪ في العام الماضي. شركات تجارة التجزئة الرئيسية الأخرى، مثل وول مارت، قالت أن مبيعاتها الغذائية قد ارتفعت أرباحها.

بنوك الطعام: محاولة يائسة لمكافحة الجوع

________________________

الأسعار ترتفع، ولكن ما هي درجة سوء أزمة الغذاء في الولايات المتحدة؟

الاتجاهات الحديثة في بنوك الغذاء في البلاد هي مؤشر جيد: هناك كمية أقل متاحة من الطعام، وهي أكثر تكلفة، والطوابير خارج البنوك الغذائية تتزايد. وبنوك الطعام في الولايات المتحدة هي جمعيات خيرية غير ربحية توزع الطعام على من لا يستطيعون شراءه لتجنب الجوع. وهي منتشرة في أكثر من 25 بلدا في العالم منها الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وآسيا (سنغافورة والهند مثلا) وأفريقيا.  

بدأ الدعم الاتحادي لبنوك الطعام خلال أزمة الغذاء في السبعينات كإجراء لمكافحة الفقر في حالات الطوارئ لإغلاق ما كان يعتقد أنه فجوة مؤقتة في الأمن الغذائي. في الثمانينات، وعلى الرغم من التباطؤ في الاقتصاد، خفضت إدارة ريغان الدعم لشبكات الأمان الاجتماعي، فدُفع الفقراء الى الشارع وإجبروا بنوك الغذاء على اللجوء إلى القطاع الخاص لجمع التبرعات. واجهت بنوك الطعام الجوع من خلال جمع الطعام غير المرغوب فيه من الموزعين والأسر الفردية. مجموعة المؤسسات الدينية، والمنظمات غير الربحية، وجيش من المتطوعين ، قاموا بتأسيس مطابخ الحساء، والمخازن الغذائية، وبنوك الطعام، مما أدى إلى النمو السريع لحركة تغذية طارئة. بين عامي 1980 و 1982، زاد طلب مخازن المواد الغذائية لجيش الخلاص بنسبة  400٪.

مع تزايد عدد الجياع في الولايات المتحدة، بدأت بنوك الطعام ، وبشكل متزايد، تملأ الفراغات التي تتركها طوابع الغذاء الحكومية والمدرسة الاتحادية وبرامج التغذية. اليوم، أكبر بنك طعام في البلاد، وهو تغذية أمريكا (واسمه الحصاد الثاني سابقا)، يوزع ملياري دولار من الغذاء سنويا على 200 من بنوك الغذاء الوطنية.

وكشف الاستطلاع الذي قام به تغذية أمريكا في عام 2008 أن 99٪ من بنوك الطعام شهدت زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين خدمتهم المؤسسة منذ العام الماضي. على الرغم من أن الطلب على المواد الغذائية قد زاد، فإن مخزونات الغذاء تتناقص. وقد تناقص مخزون وزارة الزراعة الأميركية بمقدار 200 مليون دولار وانخفضت التبرعات الغذائية المحلية حوالي 9٪. (وزارة الزراعة تقوم بتوزيع الفائض عند ارتفاع المخزونات أو عندما تنخفض أسعار السلع دون مستوى معين، وهذا يشابه ما يحصل في المعونة الغذائية الدولية، فهي تستجيب لاحتياجات سوق الحبوب أولاً، فتميل إلى الانخفاض في التوزيع عندما يكون الطلب على الغذاء كبيرا، وتزداد عندما يكون الطلب على الطعام قليلا). قالت جمعية بنك الطعام في ولاية نيويورك إلى أن التقارير تفيد بأن مخزون وزارة الزراعة الأميركية من السلع قد انخفض بنسبة 60 في المائة هذا العام وبمقدار 67 مليون جنيه من المواد الغذائية. ولأن العديد من بنوك الطعام في جميع أنحاء البلاد تعتمد بشكل كبير على فائض وزارة الزراعة الأمريكية، فإن انخفاض منحة السلع من وزارة الزراعة الأميركية قد أجبر البنوك على البحث عن موردين آخرين ومصادر بديلة للغذاء. العديد من البنوك الغذائية خلقت بدائل عن المصادر التقليدية للبروتين ومنتجات الألبان، والبعض الآخر أعاد تنظيم الهياكل التشغيلية الخاصة بها.

وتؤكد جمعية كاليفورنيا لبنوك الغذاء أن البنوك الغذائية في "بداية أزمة". المخاوف لدى بنوك الطعام في كاليفورنيا ليست معزولة، فالتوتر والقلق يدوّي في جميع أنحاء مجتمع بنوك الطعام، لأنها تتعامل مع أزمة غذاء حقيقية. تعاني بنوك الغذاء أيضا بسبب انخفاض التبرعات النقدية من الطبقة المتوسطة في أميركا والتي تشد أحزمتها استجابة للأزمة المالية الوطنية، وبسبب انخفاض التبرعات الغذائية من الشركات الغذائية بسبب ظهور "الأسواق الثانوية" المُربحة.

قانون الزراعة الأمريكي ساهم في تخريب الزراعة في العالم الثالث

______________________________________

أزمات الغذاء وأزمات الزراعة لا يمكن فصلها عن بعضها البعض. في السبعينات، كانت الحكومة تدير امدادات الحبوب وتقلبات السوق من خلال الحفاظ على المخزونات الوطنية والدفع للمزارعين للتبطّل والكسل وإضاعة الوقت في أراضيهم. ولكن عندما دفع نقص النفط والتضخم بأسعار الغذاء إلى الإرتفاع (خارج أمريكا نشرت هذه العوامل الجوع على نطاق واسع)، دعا وزير الزراعة الامريكية إيرل بوتز المزارعين في الولايات المتحدة لإنقاذ العالم من الجوع عن طريق زرع أراضيهم بكثافة ووضع محاصيلهم في السوق بالكامل. تم استبدال السياسات التي تكبح زيادة الإنتاج وتحمي المزارعين من تقلبات الأسعار بسياسات تشجّع الحد الأقصى من الإنتاج وانخفاض الأسعار.

عندما اتضح ان البشر الجياع في العالم الفقير لا يستطيعون شراء جميع ما ينتجه  المزارعون في الولايات المتحدة من منتجات غذائية ، انخفضت الأسعار. هنا قال الوزير بوتز للمزارعين: "أما أن تصبح كبيرا أو تغادر". وكانت النتيجة الإفلاس على نطاق واسع ونزوح مؤلم لأكثر من نصف الأسر الزراعية من الريف الأمريكي. زاد متوسط مساحة المزرعة من 200 إلى 400 فدان، مما يعكس تحولا مطّردا في حجم المزارع.  الآن تسيطر مزارع الشركات والمزارع غير الأسرية على 75٪ من الإنتاج الزراعي في الولايات المتحدة.

تحت السياسة الزراعية الجديدة، ضمن المزارعون الحد الأدنى ثمنا لمحاصيلهم. ووفاء  بكلمتها، دفعت الحكومة الأمريكية ، على مدى العقدين التاليين، مليارات الدولارات للحفاظ على فائض الحبوب الرخيصة. كانت الحبوب الرخيصة الحصن ليس فقط للتسمين الانفجاري فحسب ، ولكن للسياسة الخارجية للولايات المتحدة أيضا. تم دمج هذه السياسة في وقت لاحق مع قواعد منظمة التجارة العالمية التي منعت البلدان النامية من رفع الرسوم الجمركية لحماية زراعتها من الواردات الأجنبية الرخيصة.

مصادر هذه الحلقات

___________

مصادر هذه السلسلة من الحلقات عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سوف تُذكر في الحلقة الأخيرة من السلسلة إن شاء الله.

وسوم: العدد 682