واشنطن وخطوات إسرائيل أحادية الجانب...!
د.هاني العقاد
لم يكن بمقدور إسرائيل صناعة السلام منذ أكثر من عشرون عاما مع الفلسطينيين ولم يكن بمقدورها أن تسارع إلى إنهاء الصراع بينها وبين الفلسطينيين والعرب لأنها لا ترغب في هذا وليست إستراتيجيتها الأولى بل أنها تعيش على التطرف والعداء والحرب والكراهية والتميز العنصري , و لعل فرص عديدة أتيحت لإسرائيل منذ اتفاق كامب ديفيد بينها وبين مصر في العام 1978 لتنهي الصراع وتتخلى عن أيدلوجيتها العدائية وسلوكها الاحتلالي, وتقنع بأن تعيش ضمن مشروع يتيح لجميع شعوب المنطقة التمتع بالأمن والاستقرار يتمتع فيه الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصلية بحق تقرير المصير في قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على أرضهم التي احتلت عام 1967 , ولم يعد بمقدور واشنطن قول كلمة الحق في الصراع وحماية مسيرة السلام بنوع من العدل والتدخل الايجابي لصالح استقرار المنطقة بعيدا عن تحالفاتها من إسرائيل , لهذا فإن إسرائيل لا تكترث كثيرا بما يقوله العالم لأنها ماضية في مشروعها الاحتلالي التهويدي العنصري عبر العديد من الخطوات التي لا تشرك فيها احد حتى حلفائها من الأمريكان والبريطانيين الذين يقدموا لها الأموال والدعم على اختلاف أنواعه.
يكثر الحديث الدولي هذه الأيام عن خطوات أحادية الجانب قد تتخذها إسرائيل خلال المرحلة الحالية وهناك من يتحدث عن الفلسطينيين أيضا دون أن يأخذ بالاعتبار أن الشعب الفلسطيني شعب محتل ويحق له أن يدافع عن وجودة وهويته الوطنية ويعمل على حمايتها من الطمس بكل الأدوات المتاحة على المستوي الدبلوماسي والمستوي الوطني والشعبي الجماهيري , لكن الخطوات التي تنفذها إسرائيل على مدار الساعة ومنذ إنشاء هذا الكيان على الأرض الفلسطينية هي خطوات أحادية الجانب لا يعنيها أن يرض العالم أو لم يرضي ,لا يعنيها أن يغضب الفلسطينيين أو يحتجوا ويعبروا عن غضبهم اتجاه تلك السياسة الإسرائيلية ويرفضوا هذه الخطوات عبر المؤسسات والهيئات الدولية, وباتت إسرائيل لا تفكر في غير إجبار الفلسطينيين على قبول خطوات الاحتلال الأحادية والتعامل معها على أنها أمر واقع يجب التعايش معها , وصمت العالم وخاصة واشنطن يجعل إسرائيل تجيد استخدام الخطوات الأحادية ضد الوجود الفلسطيني دون اعتبار العالم هذه الخطوات جرائم منافية للقانون الدولي والإنساني , فعندما تصادر إسرائيل الآلاف الدنمات وتهدم بيوت الفلسطينيين كأمر احتلالي فإن هذا عمل عنصري متطرف يأتي من طرف معاد ومحتل حرمته الشرائع الدولية , وعندما تقوم بإنشاء الآلاف الوحدات السكنية على أراضي الفلسطينيين في القدس كخطوات فرض سياسة الأمر الواقع يتنافي مع اتفاقيات جنيف الأربع , وعندما تصادر بيوت الفلسطينيين في القدس لتوسيع محيط المدينة وإقامة حدائق يهودية فإن هذا ضمن إستراتيجية إسرائيل لتغير واقع المدينة المقدسة وهذه جريمة دولية , وأي تغير لواقع القدس يعتبر خطوات أحادية الجانب يعترض عليها العالم الحر فقط لكي تغمض واشنطن عينيها وتصم أذنيها وتكتفي بالقول خجلا انه بات على الطرفين الامتناع عن اتخاذ خطوات أحادية الجانب...!
كان الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية "ماري سارب" قالت "أن الولايات المتحدة تري أن على الطرفين تجنب اتخاذ خطوات أحادية الجانب لان من شانها أن تمس بالجهود المبذولة لبناء الثقة لاستئناف المفاوضات" , وكأن وزارة الخارجية الأمريكية أدركت الآن فقط أن إسرائيل اتخذت وتتخذ كل يوم خطوات من شأنها عرقلة طريق التفاوض سعيا للوصول لاتفاق تاريخي ينتهي معه الصراع ومع إدراكها هذا فأنها مازالت تفتقد إلى الشجاعة السياسية والمسؤولية الدولية لتقول أن خطوات إسرائيل أحادية الجانب من شانها أن تفسد عملية السلام بالشرق الأوسط دون الجمع بين خطوات الفلسطينيين في التوجه لمنظمات المجتمع الدولي وخطوات إسرائيل على الأرض , وليس لديها الشجاعة لتقول أن إسرائيل تخاطب الفلسطينيين بلغة الاحتلال والعمل كقوة محتلة وتنفذ ما تريد من برامج ومشاريع احتلالية استيطانية عنصرية متطرفة , ولا تدين فعل إسرائيل عندما تغلق المدن الفلسطينية وتحاصرها وتجرف مزارع الفلسطينيين ,وتقيم مناطق عازلة وتحاصر المناطق المأهولة بالسكان ,وتمنع الماء والكهرباء ,وتقتحم المدن والمخيمات ,وتقتل بدم بارد من يحتج من الشباب الفلسطيني على هذه الممارسات العنصرية على مرآي و مسمع من العالم ,كما وتقصف غزة بالصواريخ والقنابل التي تزن أكثر من طن , وتترك العصابات التي تسمي بعصابات "تدفيع الثمن" تبث كراهيتها علنا بخط عبارات عنصرية على مساجد وكنائس الفلسطينيين , بل يتعدي الواقع أمر العبارات المكتوبة لإعمال عنصرية تخريبية متطرفة كالحرق والتدمير .
لعل جمع واشنطن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في موضوع الخطوات أحادية الجانب التي من شانها أن تؤثر على بناء الثقة بين الطرفين يعتبر جمع مغرض وخارج مبادئ العدل الدولي والتدخل النزيه في الصراع فكان أولى لوزارة الخارجية الأمريكية أن تصمت كصمت الباقي ولا تعيد اسطوانة الانحياز الأمريكي لإسرائيل دون أن تعي أن انحيازها هذا يجعل من الثقة في واشنطن ذاتها لرعاية الصراع كالثقة في المحتل ذاته , لهذا بات ضروريا علي واشنطن أن تبذل كل طاقتها وتستخدم كل أدواتها لتوفير الثقة الكافية بمسيرة التفاوض عبر إجبار إسرائيل وقف كل الخطوات أحادية الجانب كالاستيطان والتهويد والقتل والاعتقال اليومي ومصادرة الأراضي و الحصار المفروض على غزة و محافظات الضفة وهرولة نتنياهو وحكومته المتطرفة لوضع مخططات لضم الكتل الاستيطانية بالضفة الغربية والقدس لإعاقة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والمتواصلة جغرافيا وإقرار القوانين التي تطلق أيدي اليهود في المقدسات الإسلامية و المسيحية وتستبيح هذه المقدسات بالهدم والتقسيم الزماني والمكاني.