حروب الشطرنج - 25 (تكامل العقيدة والشريعة والرسالة)

د. حامد بن أحمد الرفاعي

جاءتني رسالة يقول صاحبها:(من فضلك يا دكتور..نريد مزيداً من البيان حول مسألة الدين والدولة..لقد دخنا من قبل بشأنها واليوم نزداد دوخاناً..لقد طالبت برسائل سابقة بتجنب التداخل المخل بين العقيد والشريعة والرسالة..وقلت لنا:أن الغرب حسم أمره وأطلق عبارة"فصل الدين عن الدولة"وتخفف من جدلية الصراع بين الدين والدولة فتقدم ونهض)..فهل بهذا تدعونا لنحسم أمرنا ونفصل ديننا عن دولتنا لنتقدم وننهض..؟أفيدونا بصراحة ووضوح بدون غوص في الفلسفات الفكرية..مع شديد الاعتذار إن كنت أسأت التعبير!أولاً يا أخي أؤكد لكم:أنكم- سلمكم الله تعالى- ما أسأت التعبير بل كنت موضوعياً ومنطقياً وهذا مسلك حسن ومقدر..أما أني أدعو إلى فصل الدين عن الدولة..!فمعاذ الله أن أقول ما ليس لي بحق فأكون - والعياذ با لله- ممن يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض..وثانياً فالغرب حسب فهمي لم يفصل الدين عن الدولة..وإنما حرر نفسه من الفهم الكهنوتي المتطرف لدين..الذي حبسهم في أروقة المعابد وحرِّم عليهم العلم والانشغال بالدنيا..حيث عرَّف الوسط الكهنوتي الدين بقوله:"الدين كل أمر يتعارض مع العلم"أما الجانب العقدي والروحي فبقي قائماً في وجدانهم وسلوكياتهم الفردية..وقد بينت ذلك في كتابي (العلمانية بين الوسطية والتطرف).أما الذين أوغلوا في التطرف من الغرب فقد تمردوا على الدين كلياً  فأنكروا وجود الدين والإله وقالوا:"لا إله والحياة مادة والدين أفيون الشعوب"ومن هنا برز في الغرب نوعان من العلمانية..علمانية مؤمنة وعلمانية ملحدة..وطغىت على العلمانية صفةُ الإلحاد وأصبحت سمتها بين الناس..وتقدم الطرفان المؤمن والملحد في ميادين الحياة لكدحهم وأخذهم بأسباب الارتقاء في ميادين العلم والإنتاج..وفُتن أبناء الشعوب الأخرى بحالة الغرب ظناً منهم أن ارتقاءهم وتقدمهم ما كان إلا بسبب هجرهم للدين وتخلصهم من تكاليفه..وهذا ما سيطر على شرائح متعددة من العرب على وجه الخصوص..فتبنوا شعار(فصل الدين عن الدولة) بل وعشق بعضهم مقولة (الدين أفيون الشعب)..وهكذا ظهر في مجتمعاتنا كما هي في حالة الغرب تطرفان..تطرف ديني وتطرف مادي..والغرب يحاول اليوم إصلاح الحال فخطا الفاتيكان بهذا الاتجاه خطوة جريئة..فصدر عن المجمع المسكوني الثاني ما يصحح الأمر..فأطلقوا شعاراً يقول:"العلمانيون جند من جنود الكنيسة ولكن بوسائل أخرى"وحيث أن مجتمعاتنا تعاني - للأسف- من حالة صراع بين تطرف ديني وتطرف دنيوي..عمدت إلى تفنيد مسألة التطرف الديني التي تتناقض مع سماحة الإسلام ودعوته إلى التكامل المتوازن بين الديني والدنيوي..وبين الروحي والمادي..وبين المسجد والسوق..ومن هنا جاءت عبارتي"تجنب التداخل المخل بين مهمة العقيدة ومقاصدها..وبين مهمة الاستخلاف وشرائع أدائها"والرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا فيقول:"أنتم أدرى بشؤون دنياكم) حتى لا تُعطِّل مهمةُ جانب من الإسلام مِهمةَ الجانب الآخر..وخلاصة القول:أؤكد وحدة وتكامل العقيدةً والشريعةً والرسالةً في الإسلام..وأصر على النصح بتجنب التداخل المخل بين وظائفها ونحن ننهض بمهمة الاستخلاف في الأرض..وتفصيل ذلك في كتابي(شركاء لا أوصياء) وفي كتابي(ولكنكم غثاء) فمن يطلبها تأتيه عبر البريد الالكتروني..والله المستعان.

وسوم: العدد 684