القاتل والمقاتل والقتيل !
أول درس يتعلمه الطالب بالمدرسة الابتدائية في بلادنا بعد التعرف على الأبجدية هو الفعل " زَرَعَ " ومشتقاته تعبيرا عن الرغبة في الحياة وإثرائها بالكفاية والهدوء والخضرة . في المقابل فإن أول درس في اللغة العبرية هو الفعل " قَتَلَ "وتحوّلاته ، وهو تعبيرٌ عن ثقافة عدوانية مخربة تتكئ على الكتاب المقدس الذي يكرّس العنصرية والوحشية والعنف والدم وبقر بطون الحبالى واغتصاب الأغيار الذين يعدّهم هذا الكتاب لا قيمة لهم ولا ثمن ، وهو ما تجلّى في قتل الأنبياء والشعوب الأخرى . قال تعالى : " إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم . أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين " ( آل عمران :21، 22 ) وقال تعالى : " فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا" (النساء : 155).
اليهود يقومون بدور القاتل منذ بداية تاريخهم حتى يومنا هذا . يقومون بالعدوان على من يستضعفونه أو من يرون أنه لن يصل إليهم أو ينال منهم دفاعا عن نفسه وكرامته وحقوقه " لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ" ( الحشر :14 ) .
القاتل هو من يعتدي على الآخرين ، أو من يدفعه غرور القوة إلى استباحة غيره وإيذائه ، وسلبه حياته دون حق ، واليهود أبرز القتلة على مدى التاريخ يليهم الصليبيون الغزاة ، ووكلاؤهم في الدول المستباحة ، إنهم يمارسون القتل حتى يومنا هذا !
أما المقاتل فهو الذي يدفع القاتل ويردّه ويصدّه ، وهو الذي يبذل دمه دفاعا عن النفس والمال والعرض والأرض عن طيب خاطر ، ويُستخدم مجازا لمن يخوض معارك اقتصادية واجتماعية ضد الفقر والجوع والجهل والمرض ، ويضحّي بوقته وجهده وخبرته في إسعاد قومه والانتصار لهم . هذا المقاتل الذي ينتصر فيصير بطلا ، أو يموت فيصبح شهيدا ، يسجل التاريخ اسمه بحروف من نور في أنصع صفحاته .
هناك من يعكس المسألة فبدلا من الانتصار لقومه ، ضد الأعداء الحقيقيين ـ فإنه يوجّه سلاحه إلى شعبه ويقتل الأبرياء بلا ذنب ولا جريرة ، ويظن أن أبواق الدعاية الكاذبة وشهود الزور وأذرع التضليل والتدليس سوف تحميه من حكم التاريخ وغضب الله والملائكة والناس أجمعين!
يمكننا مثلا أن نعدّ الجنرال بينوشيه ( 1915 - 2006 ) من هذا النوع الذي يندرج تحت مسمى القاتل . فقد قتل الرئيس الشيوعي المنتخب سلفادور الليندي ، وحكم تشيلي لحساب أميركا حكما مطلقا ( 1973 – 1998) قائدا لأركان الجيش ورئيسا انقلابيا، وأكثر من المفاسد السياسية والمالية، وتسلّط بالديكتاتورية، والتعذيب، والاغتيال السياسي، والإخفاء القسري، والتشويه العمدي ، وعادى الكتاب والمفكرين الأحرار، وسجن أكثر من 27 ألفا من المعارضين ونفي أضعاف هذا العدد، وقد خلعه شعبه بعد 17 عاما من رئاسته للبلاد مع قوة نظامه العسكري، وبعد خلعه ذهب إلى لندن لفحوص طبية فاعتقل لمدة عام، ُثم أطلقت المحكمة سراحه بسبب الخرف والشيخوخة. ويعده المراقبون من أسوأ الحكام الذين عرفهم العالم .
في المقابل تجد رئيسا يطلق عليه المقاتل بحق . فقد أحبه شعبه وخرج ليلة الخامس عشر من يوليو 2016 ليدافع عنه ويحمي نظامه الديمقراطي بصدره العاري . رجب الطيب أردوغان مقاتل حقيقي من أجل الحرية والإسلام والتقدم ، ولو كره كتّاب البيادة في بلادنا . فقد حقق لشعبه إنجازات غير مسبوقة جعلت معارضيه يتمسكون به . لقد سدّد ديون تركيا (أكثر من تسعين مليارا من الدولارات) وأقام قاعدة صناعية وزراعية قوية ، وشبكة مواصلات برية وجوية وبحرية جعلت تركيا الأولى على مستوى أوربة . ورفع مستوى الدخل عشرة أضعاف ، وصارت تركيا ضمن أقوى عشرين اقتصادا في العالم بعد أن كانت في الدرك السحيق .
ولعل آخر إنجازاته الحقيقية وليس الفنكوشية ، بناء جسر "السلطان سليم".. أكبر جسر معلق في العالم . استغرق أربعة أعوام وافتتحه أردوغان في26 من أغسطس 2016 ويربط جسر "السلطان سليم" بين قارتي آسيا وأوروبا أعلى مضيق البسفور، ويبلغ عرضه59 مترا وطوله 2164 مترا، وتعد أعمدته الأعلى عالميا بارتفاع قدره 322 مترا. وقد بني من نوعية هندسية عالية ، وبلغت تكلفته نحو تسعمائة مليون دولار. ويحتوي على عشرة مسارات من بينها مساران لقطاعات السكة الحديد وسيتيح لاسطنبول التوسع نحو البحر الأسود. وسيخفف حدة الازدحام المروري في المدينة التي يبلغ عدد سكانها 14 مليون نسمة، إضافة إلى تقليل تكلفة الوقود وتوفير وقت العمال.( الكباري البسيطة عندنا تسقط عقب افتتاحها بأيام أو شهور لأن الخوازيق تم نسيانها !) .
المقاتل الحقيقي من أجل عزة شعبه وكرامته وحريته لا يسلط على شعبه سفلة الأبواق أو الأذرع الإعلامية ، ليسبّوه ويشتمُوه على طريقة الردّاحات في الأحياء الشعبية ، ولك أن تسمع بوقا سافلا سفيها يوجّه حديثه إلى المواطن المصري :
" سواء كنت تعبان في عيشتك أو مستريح، إذا كان بيت حضرتك من قزاز فمفيش داعى تحدف الـ ... بالطوب يا ننّوس عين أمك. . ...!
وعايز أقول لحضرتك: الـ ... اللي مش عاجبك دلوقتى كنت بتبوس رجليه عشان يبقى رئيسك! وعايز أقولك كمان إن الــ .... هو أحسن حاجة فيك، يا ريت بعد ما تطفح وتشرب شايك وتضربلك نفسين جوزة، تقعد مع نفسك يا حيلتها، وتحط راسك بين رجليك وشوف إنت بقى تعيش من غير شرف(؟) ولا كرامة، ولا تعيش من غير كهربا ولحمة وجوزة، تعيش وتموت راجل ولا تقضيها.. شعب يخاف ما يختشيش!!." ..
هناك فرق بين المقاتل الحقيقي سواء في الميدان العسكري أو الحياة المدنية ، وبين المقاتل الوهم الذي يتصور أنه صاحب فضل على شعبه ووطنه، وفضله لم يكن إلا الدم والخراب . المقاتل الأول أمثال سعد الدين الشاذلي ومحمد عبد الغني الجمسي وعبد المنعم واصل ومحمد على فهمي ومحمد عبد الحليم أبو غزالة؛ دخل السجن أو تم التعتيم عليه أو تشويهه ، فذهب إلى لقاء ربه في صمت بعد أن أذاق عدوّ بلاده ما لم يتوقعه ، ويحق لي أن أفخر أني كنت مجندا مستبقى تحت قيادته ، وعشت أداءه الباهر ، وإخلاصه النادر ، وزهده الفريد !
حين يكون القتيل هو الشعب المصري ، فعليك أن تطلب العوض من الله ، لأنه لن يبقى مصريّا إلا المنافقون والأفاقون وشهود الزور وأعوان الظلم والظلام والتخلف والانحطاط !
الله مولانا ، اللهم فرّج كرْب المظلومين . اللهمّ عليك بالظالمين وأعوانهم !
وسوم: العدد 685