الى اين نسير..؟
شكلت التحالفات في كل الازمنة الفاصل في اي حراك سياسي او اقتصادي او عسكري او حتى اجتماعي.. عشائري قبلي، ديني طائفي مذهبي، وحين نفتح بعض صفحات التاريخ سنجد بأن هذه التحالفات لم تتوقف عند حدود جغرافية بل استطاعت بقوتها احياناً ضم الكثير من الجغرافيات الاثنية والطبيعية بكل تضاداتها ، مما شكلت قوة عظمى على الخراب المسمى الارض، ولأن التحالفات هي الحل في وقتنا الحالي نجد بأن دول المنطقة عموما، ونحن الكورد خصوصاً نعيش في دوامة بوجهين، المرئي والذي يضم المنطوق به والمنصوص عليه ضمن هيئات دولية وتحالفات دولية واضحة المعالم والانتماءات، والوجه غير المرئي الذي بلاشك مازالت ملامحه مجهولة لدى الكثيرين منا، حتى وان ظن البعض ان الموجود الان يوضح الصورة الاجمالية، ولكن لانها تسمى تحالفات فانها بلاشك لاتعتمد على المنصوصات المرئية فحسب، لأن تلك المنصوصات قد تم صياغتها وفق معايير القبول الدولي" المقنن" بمظهره الانساني او لنقل القائم باعمال الله على الارض من حيث الفرضيات التي تنادي بالمساعدات ومحاربة الارهاب واعانة الدول الى غير ذلك من تلك الفرضيات الظاهرية التي تشكل واجهة للوجه غير المرئي.
التحالف الاكبر الحاصل الان في منطقة الشرق الاوسط هو التحالف الذي يقوده الولايات المتحدة الامريكية من جهة وروسيا من جهة اخرى، حيث ضمن القوالب المقننة دولياً هذا التحالف موجه ضد الارهاب الداعشي ومحاولة اعادة الحريات الى المنطقة لكونها تعيش حالة من الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية المذهبية الطائفية، وحين يتمعن المتابع للاحداث سيجد بأن الخيوط المرئية لهذا التحالفات تعيش نوعاً من التضاد والتناقض غير المسبوق، ومع ذلك مازالت الامال معقودة على هذا التحالف لتخليص المنطقة من شر داعش وشر الجماعات الارهابية التي هي وريثة العنف اللاانساني الديني منذ بدء الخليقة.
اما اوجه التضاد والتناقض فتظهر من خلال الصراع الامريكي الروسي، والصراع الامريكي الايراني، والصراع الروسي التركي، ومن ثم الصراعات الداخلية ضمن الجغرافيات المذكورة تلك مع الصراعات الداخلية للجغرافيات التي تتم العمليات العسكرية ضمن حدودها الجغرافية سواء أكان الامر متعلقاً بسوريا او العراق او كوردستان او حتى تركيا واليمن وتونس وليبيا ومصر وباقي الدول التي بدأت العمليات الارهابية تستقطب تحالفات دولية لمواجهتها.
والمثير في كل هذه التحالفات انها لم تزل قاصرة على العمليات الاستقصائية وذلك عبر ابراز بعض التيارات على حساب تيارات اخرى، واقصاء بعض التيارات التي تفقد صلاحيتها الاقتصادية والسياسية، وهذا ما خلق فجوة وهوة كبيرة في المنطقة حتى اصبح النظر الى الامور اشبه بالنظر الى التقنيات التي تقوم العوالم الرقمية بعرضها عبر منتجاتها التي لاتتوقف عند حد ، فايران الاسلامية اصبحت الان قاعدة حربية للجيش الروسي الشيوعي، وروسيا الشيوعية اصبحت الان حليفة قوية لحكومة سوريا العلوية الشيعية، وتركيا التي تعادي الشيعية منذ قرون وتعادي روسيا لاطماعها في المياه الدافئة عبر تركيا منذ قرون اصبحوا الان حلفاء في خندق واحد، لااحد يعلم كيف، ولماذا، وكيف يمكن جمع الاضداد فتركيا التي ترفض بقاء الاسد السوري، تتحالف مع ايران التي تدعم الاسد، وروسيا التي تقاتل باسم التحالف وتدافع عن الاسد تبحث مع تركيا الداعمة للمعارضة السورية عن حل للازمة السورية، وامريكا التي ترأس التحالف الامريكي البريطاني الفرنسي والكثير من الدول الاخرى لم تزل تحتفظ بتركيا الورقة الرابحة باعتبارها الحليفة الاكبر لها في المنطفة والاقوى بالتأكيد باعتبار ان الاخيرة لها تأييد عربي قومي و ديني سلفي سني خليجي، وامريكا نفسها تدعم الحكومة العراقية الشيعية والمدعومة من ايران بشكل واضح وبارز، وضمن هذه الخيارات والاستراتيجيات السياسية والحربية العسكرية والاقتصادية، نجد بان الكورد الحلفاء الاخرين لامريكا يعيشون حالة من التيه السياسي والاقتصادي الواضح، ففي شمال كوردستان الحرب مع تركيا حليفة امريكا مستمرة، وفي الجنوب الصراع الداخلي مع الحكومة المركزية المؤيدة من قبل ايران من جهة والمدعومة من امريكا من جهة اخرى مستمر والتحالف الكوردي الامريكي ايضا مستمر، وفي غرب كوردستان التحالف الامريكي مع الكورد ظاهرياً موجود حيث تقوم امريكا بدعم وحدات حماية الشعب بالسلاح والاستشارات، ولكن مع ذلك امريكا متحالفة مع تركيا التي تحارب الجماعات الكوردية في شمال كوردستان وغرب كوردستان، ومن ناحة اخرى ايران تحارب وبشراسة الكورد في شرق كوردستان ولكن لديها حضور مؤثر في بعض الجماعات الكوردية الاخرى، والعلاقات الكوردية الايرانية تأخذ مستويات وحالات اخرى بين استقرار واستفزاز، وضمن الصراعات الدولية هذه نجد بأن الجماعات الشيعية والسنية داخل العراق يتصارعون هم ايضا من جهة اخرى لأخذ نصيبهم في هذا الصراع المحتدم فنجد بأن مشعان الجبوري السني الذي يعرف عنه بانه انسان مهزوز سياسياً حيث لايستقر على حال او مع جهة، يزور اربيل ويستقبل من قبل شخصيات بارزة ناهيك عن وجود اغلب الشخصيات السنية البارزة الاخرى كالنجيفي واخرين في اربيل ايضا.. ومن جهة اخرى نجد بان الجماعات الشيعية تحاول التقرب من السليمانية حيث المالكي رئيس وزراء العراق السابق والمعروف بانه من حارب الكورد وقطع عنهم الميزانية بدوافع سياسية وشخصية طائفية يزور الشخصيات البارزة هناك وسط رفض شعبي، ومن ثم تأتي حنان الفتلاوي ( الفتناوي) والمعروفة باثارتها للفتن المذهبية والطائفية والتي تعادي الكورد في البرلمان وفي كل الاماكن نجدها هي الاخرى تزور السليمانية وتستقبل من قبل شخصيات بارزة هناك وسط رفض شعبي بالاخص اهالي حلبجة باعتبار ان حنان الفتلاوي كانت رفيقة حزبية بعثية في عهد المقبور الدكتاتوري صدام حسين، واذا اخذنا بنظر الاعتبار الانتماءات العرقية والمذهبية والقومية والدينية فسنجد بأن التيار السني يتقارب مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني وهذا الحزب له علاقات طيبة مع تركيا.. في حين سنجد بان التيار الشيعي يتقرب الى السليمانية وذلك عن طريق حركة التغيير والاتحاد الوطني الكوردستاني، والحزبين لهما علاقات طيبة مع ايران، وضمن الاشكاليات الداخلية والصراعات المتعلقة بالسلطة والمال والادارة المالية الاقتصادية في جنوب كوردستان يوجد الان تحالفات داخلية بين احزاب سياسية ضمن مؤشرات سابقة الذكر، والتي تتعلق بالعلاقات الخارجية لها، ولكن ضمن هياكلها تظهر بين فترة اخرى انتقادات رافضة لسياسات الخضوع تلك، او محاولات لتجنب التجربة الكوردية المزيد من اسباب الفشل الدولي،كما يحدث مع كل من حركة التغيير والاتحاد الوطني حيث هناك اصوات داخل البيت الكوردي ضمن نطاق هذه الاحزاب التي تطالب باعادة هيكلة القرار والسلطة في الحزب بالاخص الاتحاد الوطني الكوردستاني، عموما سنجد بان التحالفات الضمنية غير المرئية تظهر باوجه مختلفة ربما لايمكن حصرها في الاحزاب انما في الانتماءات الدينية المذهبية والطائفية، وبالتالي ان استمر الوضع على هذا الحال فاننا سنعيش حقبة صراعات سياسية خانقة وستسبب فوضى عارمة على الصعيدين الداخلي والاقليمي وربما الدولي ايضاً.. ولكن اعتقد بانها ستبقى فوضى خلاقة لن تصل كما يحدث في الجوار التركي والعربي الى صراعات دموية او اقتتال بين الاطراف المتصارعة.
على هذه الشاكلة نجد بأن التحالفات بدات تتخذ مسارات عديدة لتمكن نفسها اولا في المنطقة بهدف محاربة الارهاب ومساعدة اجنداتها وهذا هو الوجه المرئي، ولاهداف اقتصادية وسياسية اخرى لم تزل الحفريات مستمرة للكشف عن وجهها الحقيقي وبلاشك هذا هو الوجه غير المرئي، ونحن الكورد ضمن هذه السياقات والمصوغات المرئية وغير المرئية لم نزل نعيش حالة من التيه الذاتي، وفقدان الامل الخارجي، باعتبار ان البيت الكوردي المشتت سواء في الشمال او الجنوب او الغرب او الشرق لم يصل الى حالة توحيد النوايا والاهداف والقوى، وهذا التشتيت والذي يسببه الفوضى السياسية والاقتصادية والمحركات الخارجية المبتكرة والمتجذرة في الوقت نفسه ستؤدي في النهاية الى طمس معالم الحلم الكوردي، بالطبع ان لم يتم كشف النقاب عن التماثل الذي صنعته القوى المتحالفة للمنطقة وللكورد بوجه الخصوص.
وسوم: العدد 685