الكاتب محمد هيبي يوقّع روايته الأولى في أمسية ثقافية مميّزة في نادي حيفا الثقافي

clip_image002_b061e.jpg

حيفا - لمراسل خاص - في أمسية مميّزة أقامها نادي حيفا الثقافي والمركز الأرثوذكسي الوطني في حيفا، يوم الخميس: 6/10/2016، غصّت قاعة النادي بجمهور مميّز من المثقّفين وعشّاق الأدب، وقّع الكاتب محمد هيبي روايته الأولى، "نجمة النمر الأبيض" التي أصدرها مؤخرا. وهي تحكي قصة الإنسان العربي الفلسطيني المشرد، من منظور محمد الأعفم، بطل الرواية. وقد شارك في الأمسية، بمداخلات مميّزة حول الرواية، كل من البروفيسور إبراهيم طه، أستاذ الأدب العربي في جامعة حيفا، والدكتورة لينا الشيخ حشمة، أستاذة اللغة العربية في كلية دافيد يلين في القدس وفي الكلية العربية للتربية في حيفا.

في بداية الأمسية، استعرض المحامي فؤاد نقارة، مدير نادي حيفا الثقافي، نشاطات النادي وأهميتها في المشهد الأدبي والثقافي الفلسطيني، ودورها في دعم الكتّاب وإبداعهم على مختلف أشكاله. ثمّ دعا إلى المنصة لتتولّى عرافة الأمسية، الشاعرة أميمة محاميد، التي أبدعت في تقديمها للأمسية ولأصحاب المداخلات.

في مداخلتها، قالت د. لينا الشيخ حشمة: "يكتب محمد هيبي ليلومَ من كاد ينسى، وليذكّرَ بجرحٍ ما زال ينزف، هو جرح المنارة والمشرّدين. يكتب لينفّضَ عن ذاكرة بني الأعفم غبارَ السنوات الطّويلة، واعيًا لدور الأدب في حفظ التّاريخ والذّاكرة، مؤكّدًا أنّ المنارة، هي حكاية من اقتلع من وطنه، وحلم محمّد الأعفم، بطل الرواية، بالوطن الذي كان وسيبقى وسيعود.

الأعفم، كما يوضّح لنا الكاتب بآليّة الميتاقصّ في الإهداء: "هو رمز للإنسان العربيّ الفلسطينيّ المشرّد في الوطن والمنافي، تسكنه المنارة، ويحملها جيلا بعد جيل ... لم يولد في المنارة ولكنّها ولدت فيه، يراها عروسًا تنتظر فارسها الّذي تأخّر. أمّا هو فيأتيها فارسًا هزمه القهر والحنين". وإذا كان الصّوفيُّ يعاني غياب الحبيب إلى أن يلتحم به ويتحقّق "الاتّحاد"؛ فالأعفم صوفيٌّ يعاني غياب حبيبته، المنارة. وإذا كان واجب العاشق الصّوفيّ أن يجعل من المعشوق غايةً في ذاته، فالأعفم يجعل من المنارةِ الحقيقةَ الأسمى والغاية العليا، إلى أن تُمسيَ يقينًا وينتهي إلى أحضانها.

ويسعى د. هيبي للتّأكيد على مركزيّة حضور المرأة في الرّواية. فإذا كانت الأنوثة قد اقترنت على صعيد الوعي الجمعيّ بالضّعف والخنوع فإنّها بعيدةٌ هنا عن أن تكونَ خاضعة عاجزة. لقد وصلت المرأة الفلسطينيّة هنا قمّة التّفاعل مع الهمّ الجماعيّ والوطنيّ، بَدءًا بوالدة الأعفم، مرورًا بحمدة، وصولًا إلى سلوى الأعفم.

يتجلّى نضال المرأة في عدم رضوخ الأمّ لقرار أهلها في ترك زوجها، وفي رفضها التّخلي عن المنارة. وفي شخصية حمدة، الشابّة الفاتنة الّتي حملت محمد الأعفم إلى المنارة، وفي شخصية سلوى، تلك المرأة ساحرةُ الجمال، التي تشبهه الأعفم بالأفكار وبعشقها للمنارة. وهي نموذجٌ للمرأة المثقّفةِ، الجريئة، القادرة على الفعل. فلا يقدّم هيبي صورةً نمطيّة للمرأة المقموعة، بل يقدّمها شخصيّة أملت مكانتها واحترامها على الرّجل، لا تقلّ عنه صبرًا وتضحية ووعيًا وإبداعًا، مؤكّدًا أنّ عدم نسيان المنارة لا يقتصر على النّضال الذّكوريّ، بل إنّ للمرأة دورًا في تثبيتها في الذّاكرة".

وفي مداخلته، قال بروفيسور إبراهيم طه: "نجمة النمر الأبيض"، رواية الدكتور محمّد هيبي، تتميّز بمبنى مأنوس وثابت، وهو مبنى كلاسيكي معروف ينهض على فلسفة الفقد أو الغياب. ولا شكّ في أنّ الكاتب قد أحسن توظيف هذه الفلسفة في هيكلة الرواية وبنائها على نحو يجعلها رواية تقليديّة. وفي مسألة الحبك استطاعت الرواية أن تصل الحدث بالحدث وتشدّ الشخصيّة إلى الشخصيّة بأدوات كثيرة منها البعد الذاتي الصادق المقنع، والضمير الأول الذي يقرّب القارئ من السرد، والمشاعر الجيّاشة الدافقة في الحبّ والحنين والحزن والأمل والألم والرجاء ... وهذه كلها بطبيعة الحال تجعل الرواية حركيّة دافقة دراميّة. يصوّر الكاتب في روايته مأساة الشعب الفلسطينيّ كلّه من خلال قصّة أمّه وأبيه وعمّه، فيها يتّجه من الميكرو إلى الماكرو في توصيف الحالة الفلسطينيّة.

إلى جانب الفصول الجميلة في الرواية ثمّة فصول تكثر فيها الثرثرة والمونولوجات المطوّلة والمبالغات والاقتحامات البوليسيّة. وهي في الحقيقة آفةٌ عامّة، مرض طال أدبَنا الفلسطينيّ بصفة أو بأخرى في كلّ مراحل تطوّره. وفي المحصّلة الأخيرة، مشكلة الرواية مع هذه الاقتحامات في: (1) الكثرة. الوتيرة السريعة التي يظهر فيها القول السياسيّ في الرواية. (2) المبالغة. تجاوز كلّ حدّ معقول ومنطقيّ. (3) الموقع. وغالبًا ما تقطع الطريق أمام تدفّق الأحداث المتخيّلة الكافية في ذاتها لأن توصل القارئ إلى ما يسعى إليه الكاتب من قول أيديولوجي.

أما مفاجأة الأمسية فقد قدّمها المحامي حسن عبّادي حين دعا إلى المنصة السيدة عبير عزّات بقاعي التي تزوّجت بعد صدور الرواية، فتحدّثت عن تحقيق حلمها بالزواج في منارتها، قرية الدامون المهجّرة، رغما عن أنف كل من لا يروقه تحقيق هذا الحلم، من السلطة وغيرها.

واختتم الأمسية الكاتب محمد هيبي فشكر الحضور وكل من ساهم في خروج روايته إلى النور، وكذلك منظمي الأمسية القائمين على نادي حيفا الثقافي والمركز الأرثوذكسي الوطني. ثم تحدّث عن روايته مبيّنا دوافع كتابتها. ومما جاء في مداخلته: "رواية "نجمة النمر الأبيض" هي ليست سيرتي الذاتية، رغم أنني متحتها من ذاتي. ومحمد الأعفم ليس أنا، ولكنّه قد يكون أنا، وقد يكون أنتَ أو حتى أنتِ. إنّه نحن جميعا ... ولست أدعي أنّ روايتي هي عمل أدبي فنيّ كامل الأوصاف، فهي كغيرها تحتمل النقد، ولم أنشرها إلّا بعد أن قرّرت أنّي جاهز للنقد بكل أشكاله وأبعاده. وسأكون سعيدا وممتنّا لكل كلمة تتوخّى الموضوعية والنقد البناء". وعن محمد الأعفم، بطل الرواية، قال: "راح يتفكّر في هذا الكون الضيّق على سعته، ويبحث عن خلاص. فهداه الله إلى "نجمة النمر الأبيض"، تلك المرأة التي لا يُقاوم سحرها، لتكون عونه ورفيقة دربه إلى المنارة التي شرّد منها كل إنسان فلسطيني. حتى أولئك الذين ظلّوا في أرضهم، وعجزت يد الغدر عن اقتلاعهم، ظلوا يعيشون منفاهم القسري في أرضهم ووطنهم، ينتظرون أن يتحقّق الحلم. وهم يؤمنون أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وذات يوم، جميعا سيصعدون الجبل، إلى المنارة، مع محمد الأعفم و"نجمة النمر الأبيض". 

وسوم: العدد 689