صمت… إننا نرتكب مجزرة
قال ستالين بعد قتل وتهجير الملايين من مواطني الاتحاد السوفييتي البائد: «إن قتل فرد يعتبر جريمة، أما قتل ملايين الأفراد فهو إحصاء».
فالمجازر التي ارتكبها جزارو البشرية كهاري ترومان في هيروشيما وناغازاكي، ونيكسون في فيتنام، وبوتين في غروزني، وبول بوت في كمبوديا، والهوتو في رواندا، وميلوسوفيتش في سريبرينيتسا، وبوش في أفغانستان والعراق، وآخرها الأسد في سورية، التي راح ضحيتها ملايين الأبرياء بقيت كأرقام إحصائية في صفحات تاريخ الإنسانية، وقلما حوسب الفاعلون على أفعالهم، بل صَيّر بعضهم أنفسهم أبطالا، والأقسى على النفس أنهم يجدون من يصفق ويدلس لهم براحات نبت عليها شعر كثيف.
اليوم في مجزرة القرن الواحد والعشرين في سوريا تقلد جزاروها من بوتين وخامنئي والأسد بعد مأساة حلب وما أدراك ما حلب وسواها، أوسمة البطولة على شعب انتفض ضد طغيان طغمة يكابده من زهاء نصف قرن اسود مرير. بعد سنوات ست من ثورة دفع السوريون دما ودموعا وتهجيرا ثمنها، في ظل صمت دولي وعربي لا نراه إلا في المقابر، بدأت بوادر انكفاءات تظهر في داريا، ومضايا، والزبداني وحمص.. وكان آخرها وربما ليس أخيرها حلب الذبيحة، حلب عار البشرية الملطخ بدماء أبطالها وأطفالها ونسائها وشيوخها، وهنا يطفح الكيل من كبوات الخيل، فما حققه النظام المجرم وأزلامه وأعوانه وشبيحته ومرتزقته من انتصارات، يطنطن فيها ويرنرن، لم تتحقق فقط بسبب خساسة فعلهم ونذالته، وتواطؤ عرب وفرنجة وعجم، وغيبوبة شعوب متفرجة على المجزرة، كأنهم أمام شاشة سينمائية في عرض هوليوودي طازج، بل بفعل عوامل داخلية أيضا، في جسد المعارضة المقاتلة، والمفاوضة المتعودة على العودة من ساحات التفاوض خاوية الوفاض، بعد جولات مكوكية مع الأخضر الابراهيمي تارة، وستيفان ديمستورا تارات، اللذين ساويا في وساطاتهما بين الضحية والجلاد، معبرين في كل محفل ومسعى وفاجعة عن قلقهما من الأعظم على عادة رئيسهما الدائم القلق بان كيمون، الذي لم تترك له دول الفيتو الجائر، صلاحيات أكثر من التعبير عن القلق.
وهنا لا بد للثائر من وقفة المحارب المتألمة المتأملة، ومن عودة على بدء للمراجعة والمحاسبة ودراسة الأسباب الكامنة خلف خذلان شعب روى أرض سورية بدماء أبنائه ودموع ثكالاه. ففي جردة متجردة، وعجلى بما تسمح به مساحة هذه الورقة، وكمعارض وعضو سابق في المجلس الوطني، ومتتبع لمسار هذه الثورة العظيمة حدثا حدثا، أرى أن التضحيات الكبرى التي قدمتها الفصائل المقاتلة في سبيل تحقيق ما أنجزته على الأرض من تحرير مدن وبلدات ومناطق بأكملها، من براثن ظلم حاكم طائفي مستبد باع الوطن لمن ليسوا من هذا الوطن، تذهب اليوم سدى بسبب تناحر قادتها على الملك وحسابات الغنائم، وتضارب العقائد. لقد اندلعت المظاهرات الشعبية في المناطق المحررة تنادي بالتوحد وبقيادات جديدة قادرة على المثابرة في طريق الثورة، وإنجاز تطلعات الشعب السوري للحرية والكرامة، قبل الخبز والماء. إنها مسؤولية تاريخية أمام هذا الشعب الذي بذل بكل ما يملك لإنجاح هذه الثورة ودحر نظام عميل، والحفاظ على وطن موحد بكل عناصره الاجتماعية. الآن.. على المعارضة ان لا تدع الظالمين يغالون في ظلمهم وطغيانهم. أما المعارضة السياسية فكانت فاشلة منذ بدايتها، فهي لم تواكب العمل العسكري التحريري على الأرض، وبسبب فشلها لم تعترف بها الفصائل التي لم تكن ترى فيها سوى معارضة فنادق من ذوي النجوم الخمس. فالمجلس الوطني الذي حاز تمثيله للشعب السوري كان خليط أطياف مختلفة لم تتفق على رأي، أو بالأحرى حاول طرف أن يسيطر برأيه على آراء الآخرين، وتم إقصاء كثيرين، وانسحب كثيرون، فكانت النتيجة أنه مات سريريا قبل أن ينجز شيئا، وتبعه الائتلاف الوطني بكل عاهاته أيضا، ليموت بدوره سريريا بعد تشكيل اللجنة العليا للتفاوض، وها هي هذه اللجنة تجر فشلا بعد فشل ولا أحد يعيرها اهتماما، وفقدت مصداقيتها، رغم وجود شخصيات معتبرة جدا فيها ولا يشك في وطنيتها وكفاءتها. لذا لا بد، ومن الضروري أن تنفتح هذه المعارضة السياسية على كل الفعاليات المعارضة وتشكل هيئة جديدة قادرة على السير بموازاة المعارضة العسكرية التي لابد منها اليوم، وإلا ستدخل سورية في نفق مظلم طويل.
وسوم: العدد 699