متى كانت الألبسة والهيآت الشخصية تلبسا يدان به الناس وتوجه التهم إليهم بسببه ؟
لا زال موضوع منع صنع وتسويق البرقع يشغل الرأي العام المغربي ، ويقسّمه إلى معارض ومتفق حسب منطلقات وقناعات المعارضين والمتفقين . والحقيقة أن ما أقدمت عليه وزارة الداخلية في غياب تشكيل حكومة ، و غياب اشتغال البرلمان عبارة عن خطوة مرتجلة غير محسوبة النتائج بالدقة المطلوبة في اتخاذ القرارات ذات الحساسية خصوصا ما تعلق منها بموضوع الحريات الشخصية التي تمس التدين. والسؤال الذي يثير اندهاش الرأي العام هو : متى كانت الألبسة والهيآت الشخصية تلبسا يدان به الناس وتوجه إليهم التهم بسببه ؟ وإذا كانت ذريعة وزارة الداخلية في منع البرقع هي استعماله للإخلال بالأمن العام بحيث قد يستتر به المجرمون لارتكاب جرائمهم ، فإن الواجب الأمني يقتضي مراقبة كل مبرقع أو مبرقعة قد تحوم حولهما الشكوك ، تماما كما يفعل مع كل من يشك أويرتاب في تصرفاته مهما كان اللباس الذي يرتديه . ألم يتنكر قاتل السفير الروسي في تركيا في زي حارس من حراس الأمن ؟ فهل عمدت الداخلية التركية بسبب ذلك إلى منع خياطة وتسويق نوع البذلة التي كان يرتديها القاتل ؟ ألم يتنكر مجرم الملهى الليلي في تركيا في زي بابا نويل ؟ فهل عمدت الداخلية التركية إلى منع صنع هذا اللباس وتسويقه ؟ ولو فعلت لقامت دنيا المجتمعات الغربية ولم تقعد لأن الأمر يتعلق بقناعة دينية لديها . وقد يرتكب المجرمون جرائمهم وهم يرتدون أنواع مختلفة من الألبسة المتراوحة بين التقليدي والعصري ، وبين المحتشم و الإباحي... ولا يمكن أن تعد الألبسة تلبسا بل التلبس يكون بالأفعال لا بالأشكال . والفرنسيون لهم مثل مشهور وهو : "اللباس لا يصنع الراهب " وقياسا على هذا المثل نقول : ّ إن اللباس لا يصنع بريئا ولا متهما "ّ . ولقد وجد العلمانيون الفرصة سانحة للإجهاز على البرقع والخمار والزي الإسلامي عموما بدافع الخلاف الإيديولوجي مع الإسلاميين خصوصا في هذا الظرف بالذات الذي يعرف تعثر تشكيل الحكومة بسبب ترأس حزب العدالة والتنمية لها ، وهو حزب ذو مرجعية إسلامية يخضع حاليا لابتزازات صارخة ومكشوفة من أجل خلق وضع سياسي لم يتيسر لمن كانوا يرغبون فيه بسبب ما أفرزته صناديق الاقتراع ،وقد جرت رياحها بما لا تشتهيه سفنهم، لهذا اخترعوا مختلف الحيل لتحويل الفشل إلى نجاح كما يحول الكيميائي المعدن الخسيس إلى ذهب ثمين . ويطرق العلمانيون الحديد الساخن قبل أن يبرد كما يقال في ظل هذا الظرف السياسي من خلال الخوض في موضوع البرقع، وذلك باعتباره غطاء للإرهاب على حد قول بعضهم ، أو باعتباره برقع فضيلة لغطاء الرذيلة على حد قول البعض الآخر . ولقد وجدت كل متبرجة متبرمة من اللباس الشرعي ضالتها في قضية البرقع لتبرير تبرجها ، كما وجد كل إباحي مكبوت ضالته في هذه القضية للتمويه على إباحيته وكبته ، وهو الذي تفترس عيناه الأجساد الأنثوية بانتقاد البرقع والحجاب وربطهما بالرذيلة و بالإرهاب مع أن هذا الأخير لا هوية له ولا لباس . ولا يملك كل من الإباحي المكبوت والمتبرجة الشجاعة للكشف عن قناعة الإباحية أو قناعة التبرج، لهذا يلجأ كل منهما إلى اختلاق خلاف مع المتدينين الغرض منه التمويه على حالهما التي تتعارض مع القيم الدينية . والمتبرجة تدعي إيمانا في قلبا لكنه لا يحملها على ستر ما ستر الله عز وجل . والإباحي المتهتك يدعي هو الآخر إيمانا في القلب يكذبه نهمه الإباحي ، ولا يغض طرفا و لا يحفظ فرجا كما أمره الله عز وجل بذلك . وعوض أن يعترف الاثنان بتقصيرهما في التزام ما ألزم الله عز وجل به عباده المؤمنين ، يكابران بادعاء الصواب والإيمان والأخلاق لنفسيهما ونسبة الخطإ للمتدينين الذين يعتبرون في نظرهما وكما يعبر عن ذلك في وسائل الإعلام مجرد أصحاب رذائل يتسترون بالتدين لباسا وهيئة وعبادة . ولا يعقل أن تزايد متبرجة على محجبة والعكس صحيح ، ولا يعقل أن يزايد إباحي على عفيف والعكس أيضا صحيح، لأن عقيدة الإسلام يحكمها مبدأ " لا تزر وازرة وزر أخرى " . ومبدأ : " من أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها " فلا المتبرجة تسأل عن برقع أو حجاب المحجبة ، ولا المحجبة تسأل عن تبرج وسفور المتبرجة ، ولا الإباحي يسأل عن عفاف العفيف ، ولا هذا الأخير يسأل عن إباحية الإباحي ، ولكل امرىء يوم القيامة شأن يغنيه ، وكل شاة تعلق من كراعها كما يقول المثل الشعبي . وأخيرا نقول مرة أخرى على وزارة الداخلية ألا تتخذ قرارات وتنفرد بذل خصوصا بالنسبة لما يمس الحريات وتحديدا حرية العبادة دون استشارة الوزارة الوصية عن الشأن الديني ، وألا تشتغل منفردة بقراراتها ،وتغرد خارج سرب الحكومة والبرلمان بغرفتيه ، وأن تحترم خطوط الثوابث الحمراء بما فيها ثابت الدين والعقيدة ، وألا تنساق وتنجر وراء مطالب الجهات ذات الحساسية ضد الدين خارج وداخل الوطن . ونذكر بأن أمهاتنا لبسن البرقع لقرون دون أن يكون هذا البرقع مصدر تهديد لأمن الوطن بل كان رمز تدين صادق وعفاف وحشمة قبل أن يغزو التهتك مجتمعنا ،حيث صار العري حرية تحترم ويطالب بها ويدافع عنها ،بينما صار اللباس الشرعي يندد به ، ويحارب ،وجناية يعاقب عليها القانون في دولة الحق والقانون .
وسوم: العدد 703