تركيا تحدد أهداف المنطقة الآمنة في سورية
العربي الجديد
تزامن التقدم الميداني الذي تحرزه فصائل "الجيش السوري الحر" المنضوية ضمن عملية "درع الفرات" في مدينة الباب بالريف الشمالي الشرقي لحلب، وسط توقعات بأن تتم السيطرة على المدينة كلياً خلال يومين، مع رسائل سياسية وعسكرية واضحة، حرص الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على إيصالها، قبيل البدء في جولة تشمل عدداً من الدول الخليجية، أولها البحرين، وتتعلق خصوصاً بالمضي قدماً في العمليات العسكرية، وصولاً إلى مدينة الرقة السورية، معقل تنظيم "داعش"، فضلاً عن التمسك بإقامة منطقة آمنة في سورية، وتحديد أهدافها بـ"تشكيل منطقة خالية من الإرهاب بمساحة 4-5 آلاف كيلومتر مربع، ليحول هذا الأمر دون الهجرة من سورية، إضافة إلى عودة المقيمين في مخيماتنا إلى بلادهم".
وأعلن أردوغان، أمس الأحد، أن قوات تركية وقوات "الجيش السوري الحر" وصلت بالفعل إلى مركز مدينة الباب، مضيفاً أنه بعد تحرير المدينة سوف تتجه شرقاً نحو منبج والرقة. وذكر أن "الهدف النهائي لتركيا هو تطهير مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع في الشمال السوري من الإرهابيين"، مشدداً على أن القوات التركية لا تهدف "للبقاء في تلك المناطق".
وقال أردوغان، في كلمة ألقاها بإسطنبول، إن الهدف من هذه العملية "هو تشكيل منطقة آمنة خالية من الإرهاب بمساحة 4-5 آلاف كيلومتر مربع، وهذا الحل سيحول دون الهجرة من سورية، إضافة إلى عودة المقيمين في مخيماتنا إلى بلادهم"، وفق تعبيره. وأضاف أنه، ولتحقيق هذه الغاية، "نبذل جهدنا لتأسيس مدن جديدة هناك"، كاشفاً عن أنه تبادل هذه الأفكار مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وقوات "التحالف الدولي" وعلى رأسها ألمانيا، بحسب قوله. وأكد أنه "على ثقة بأن هذه الجهود ستتمخض عنها نتائج جيدة في وقت قريب". ولفت إلى عدم إمكانية إقامة منطقة آمنة في سورية من دون إعلان منطقة حظر جوي. وقال الرئيس التركي إنه تم بحث هذا الأمر مع روسيا والولايات المتحدة.
وعن لقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، والذي زار تركيا يوم السبت، قال أردوغان: "متفقون مع غوتيريس على مبدأ تدريب وتأهيل المعارضة السورية المعتدلة، وإقامة مناطق حظر للطيران". وتابع قائلاً: "هذا إضافة إلى إنشاء مناطق خالية من المنظمات الإرهابية"، معتبراً أنه "يكفي أن يصدر قرار من مجلس الأمن الدولي بهذا الخصوص، ومن الممكن بعدها الانتقال إلى مرحلة التنفيذ"، وفق تعبيره.
وجاء حديث أردوغان عن المنطقة الآمنة بالتزامن مع تأكيد مصادر سورية محلية أن قوات "درع الفرات" المدعومة من تركيا حققت تقدماً شمال مدينة الباب وقتلت 14 عنصراً من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في حين أعلن الجيش التركي عن مقتل 42 عنصراً من التنظيم خلال قصف للمقاتلات التركية استهدف 174 هدفاً في الباب وشمال سورية.
وأعلنت قوات "درع الفرات" في وقت سابق أمس، أنها سيطرت على دوار تادف في مدخل مدينة الباب من الطرف الجنوبي، إذ ذكرت غرفة عمليات "حوار كلس" أن الفصائل المقاتلة تمكنت من السيطرة على هذا الموقع والنادي الرياضي ومبنى الحزب والصوامع وشارع زمزم في مدينة الباب بعد اشتباكات مع عناصر "داعش". وتأتي أهمية دوار تادف كونه يقع في المدخل الجنوبي لمدينة الباب بريف حلب الشرقي، ومع سيطرة "الجيش الحر" عليه، يقطع بالتالي الطرق أمام تقدم قوات نظام بشار الأسد نحو المدينة.
وكانت فصائل درع الفرات قد تمكنت خلال اليومين الماضيين من السيطرة على جبل الشيخ عقيل والمشفى الوطني والدوار الغربي والمحلق والسكن الشبابي غربي مدينة الباب، وذلك بعدما استقدمت تعزيزات عسكرية جديدة إلى محيط مدينة الباب.
"الخط الفاصل"
في المقابل، سيطرت قوات النظام السوري على بلدة تادف الاستراتيجية جنوبي مدينة الباب، بدعم من الطيران الروسي، وبذلك تكون تلك القوات قد وصلت إلى الخط الفاصل مع فصائل "درع الفرات"، والذي تحدثت عنه وزارة الدفاع الروسية في بيان لها يوم السبت. وذكر البيان أن قوات النظام "وصلت إلى الخط الفاصل مع تشكيلات الجيش السوري الحر"، وأنه "تم التنسيق حول هذا الخط مع الجانب التركي"، وفق الإعلان الرسمي الروسي.
وتوقعت مصادر عسكرية في المعارضة السورية أنْ تسيطر قوات "درع الفرات" بشكل كامل على مدينة الباب وتطهرها من عناصر "داعش" خلال اليومين المقبلين، لتتجه بعد ذلك جنوباً باتجاه دير حافر ومسكنة، بغية الاقتراب من مدينة الرقة، وذلك بعد دخول عمليتها يومها الـ17، والتي تم خلالها بحسب المصادر التركية تطهير 229 حياً سكنياً موزعاً على مساحة جغرافية تقدر بنحو ألفي كلم مربع. وقتل خلال العمليات العسكرية 64 جندياً تركياً، كان آخرهم ثلاثة قضوا الخميس الماضي، جراء غارة روسية.
وفي موقف يطرح تساؤلات حول مستقبل التفاهم التركي-الروسي، اتهم مدير القسم الأوروبي في وزارة الخارجية الروسية، ألكسندر بوتسان، تركيا بأنها "تسعى لتحقيق أهداف خاصة بها في سورية"، في حين اعتبر المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، أن التطورات الأخيرة في سورية "تجاوزت فكرة إنشاء المناطق الآمنة، وأن هذه الفكرة سوف تصرف الانتباه والجهد والمال عن المهمات المهمة المتعلقة بعودة المهجرين إلى منازلهم وتوفير حياة طبيعية لهم".
ويرى مراقبون أن تمكن القوات التي تدعمها تركيا، والتي يقول أردوغان إنها يجب أن تتحول إلى جيش وطني سوري، من التوجه بعد الباب إلى منبج ومن ثم الرقة يعني في المحصلة توجيه ضربة قاسمة ليس للمشروع الكردي الانفصالي وحسب، بل لرأس النظام السوري أيضاً. وأوضح أن القضاء على "داعش" في سورية سوف يوجه البوصلة تلقائياً باتجاه النظام الذي استفاد كثيراً من وجود التنظيم المتطرف، في صرف الانتباه عن جرائمه بحق الشعب السوري، وإلصاق تهمة الإرهاب بفصائل المعارضة التي تقاتله. ومن هنا، يضيف المراقبون، يأتي حرص النظام على الالتحاق بالمعركة ضد "داعش"، حتى يصبح شريكاً في القضاء عليه بعدما كان شريكاً في انتشاره، وفق تعبير بعضهم.
وفي هذا الإطار، تواصل "قوات سورية الديمقراطية" التي تحرص على أن يكون لها حضور في معارك اقتسام تركة "داعش"، الزحف باتجاه مدينة الرقة. وأعلنت السبت سيطرتها على قريتين في ريف الرقة من يد التنظيم، ضمن المرحلة الثالثة من عملية "غضب الفرات".
وسوم: العدد 707