قبل 54 عاماً.. بدأ دمار سوريا
قبل 54 عام، وفي مثل هذا اليوم بدأ دمار سوريا، وقبل 54 عام في مثل هذا اليوم نفذ حزب البعث انقلاب 8 آذار العسكري، الذي أجهض المحاولات الجادة التي كانت تحاول النهوض بسوريا، قبل 54 عاماً انصبغ هذا اليوم بالسواد، وشكل علامة فارقة بتاريخ سوريا، إذ أصبح الحكم بيد "برابرة" اقتتلوا على السلطة سنوات قليلة، لتنتهي بيد الأكثر وحشية وغدراً بينهم، حافظ الأسد.
اعتمدت طريقة حكم حافظ الأسد على مبدأ الأسرة والطائفة الحاكمة، لينقل البلد من كارثة إلى كارثة، ومن ظلم إلى ظلم، فخرجت كل النخب السورية من البلاد، ولم يبق مكان سوى للعسكريين الجهلة الذين قضوا على كل أثر لأي حراك مدني، وأجهضوا أي محاولة لخرق هذا النظام فكرياً، ووضع الأسد هدفه إفقار الشعب وتدمير النسيج الاجتماعي للإمساك بالبلد.
ينسى السوريون أن تاريخ 8 آذار عالمياً هو يوم المرأة، ذلك أن ثمة مناسبة أُجبر الشعب بكامله على "الاحتفال" بها سنوياً، فاحتفلوا بيوم 8 آذار حوالى 47 عاماً، وكأنه تقليد من الحضارات القديمة، "الاحتفال القسري" بالانقلاب الذي أسس لدمار سوريا وكان فاتحة لعصرٍ من الطغيان والقهر لم تعرفه سوريا عبر تاريخها، الانقلاب الذي أعلن حالة الطوارئ في البلاد لتبقى مستمرة دون انقطاع إلى ما بعد انطلاق الثورة ضد بشار الأسد 2011، والذي اضطر أن يصدر قرارا بإلغائها 2012 لتحل محلها حالة أكثر إجحافاً وهمجية، وبذلك استمرت حالة الطوارئ بشكلها التقليدي قرابة نصف قرن من عمر سوريا، وهي أطول حالة طوارئ في التاريخ الحديث، واحتفل السوريون على مدى 47 عاماً بيوم انقلاب 8 آذار، وهو العهد الذي بدأ بالاعتقالات والتصفيات، وإبعاد المثقفين عن المجتمع، وتقييد أقلامهم وأفكارهم، ومحاسبة المواطن على الهواء الذي يتنفسه، ليتحول السوري إلى مواطن يشك بالحائط ويخاف منه فكيف حاله مع البشر.
قبل 54 عام، وفي مثل هذا اليوم بدأ دمار سوريا، بدأت المعتقلات تغص بالسوريين، وتضاعف عدد المعتقلين عشرات المرات، وغاب آخرون دون أن يدري أحد ماذا حل بهم، ومات آخرون في المعتقلات، وأصبح الاعتقال يتم بناء على الشبهة، والكلمة الحرة تعني الهلاك، والهم الأول والأخير هو تأمين لقمة العيش، ونسيان كل ما يتعلق بالكرامة الانسانية والحقوق المنصوص عليها عالمياً، وأول تلك الحقوق حق التعبير عن الرأي.
قبل 54 عام، وفي مثل هذا اليوم بدأ دمار سوريا، رغم أن سوريا قبل ذلك العام عرفت عدة انقلابات عسكرية عقب الاستقلال لكن هذه الانقلابات لم تحاول تأسيس ديكتاتوريات حقيقية واستمرت الحياة السياسية والإعلامية في سوريا، ليأتي انقلاب البعث ويؤسس منذ البداية لحكم ديكتاتوري يقوم على مزج الدولة الأمنية بالحكم الطائفي، وسوريا التي لم تعرف قبل البعث حكم المخابرات إلا فترة قصيرة في عهد الوحدة مع مصر، قام البعث منذ اللحظة الأولى لاستيلائه على السلطة، بدأ بعملية تصفية ممنهجة لضباط الجيش غير الموالين له، (هذه التسريحات سمحت لـ"وزير الدفاع" حاقظ الأسد في 1967 إتمام صفقة بيع الجولان لضمان التأييد الأمريكي لانقلابه القادم على شركائه) وأطلق العنان للقبضة الأمنية فبدأت قصص الرعب عن التعذيب والاعتقالات التعسفية والقتل تحت التعذيب تنتشر بين المواطنين السوريين.
يقول الكاتب إلياس جوزيف في كتابه "تطور الصحافة السورية في مائة عام" أن المرحلة ما بين 1954 إلى 1958، هي أفضل المراحل وأغناها في سوريا لجهة الصحافة، وهي ذات الفترة التي كانت الانقلابات العسكرية تتلاعب بالبلد، ومن أولى المراسيم بعد انقلاب 8 آذار التي صدرت، كان المرسوم رقم 4 الذي قضى بإغلاق أكثر من 30 صحيفة ومصادرة أملاكها وإغلاق مكاتبها بالشمع الأحمر، وصدر قرار بعد أيام من المرسوم منع بموجبه عدداً كبيراً من الصحفيين والمحررين من مزاولة المهنة، وقرار يقضي بفرض عقوبة (العزل المدني) على بعض الصحفيين، ولم يبق من الصحافة سوى 3 صحف ناطقة باسم السلطة هي (البعث وتشرين والثورة)، وهي صحف رسمية متطابقة بالشعارات والتوجه وبعيدة عن حرية الصحافة وممنوعة من الانتقاد والنقد. لم تهدأ سوريا بعد انقلاب 8 آذار، ذلك أن الصراع استمر داخلياً بين الانقلابيين أنفسهم، وبدأت سلسلة من التصفيات ومحاولة احتكار السلطة، واستطاع حافظ الأسد أن يصفي أعداءه ويقوم بانقلابه في تشرين الثاني الثاني 1970 "أطلق عليها اسم الحركة التصحيحة"، قبل أن تتم إقالته من وزارة الدفاع، رغم أن قرار الإقالة كان تم حسمه، إلا أن الأسد كان أسرع باتخاذ إجراءات التصفية، والجلوس على كرسي رئاسة سوريا إلى أن مات، واستلم بعد ابنه بشار الأسد حكم سوريا في امتداد لحكم الأسد الأب.
*كاتبة سورية.
وسوم: العدد 711