دعوة ترامب للرئيس عباس
من البدهيّات السّياسيّة أنّ الدّعاية الانتخابيّة تختلف عن الموقف السّياسيّ الحقيقيّ لأيّ مسؤول، وهذا ما ينطبق على الرّئيس الأمريكي رونالد ترامب، الذي لم يعاقر السّياسة قبل ترشّحه للرّئاسة الأمريكيّة كممثّل للحزب الجمهوريّ، وترامب المعروف كرجل اقتصاد والمعروف بأنّه من اليمين المحافظ المتصهين في أمريكا، مدافع عن اسرائيل أكثر من قادتها، لكنّه أيضا كسابقيه ليس رئيسا مطلق الصلاحيّات، فأمريكا دولة قانون تحكمها المؤسّسات التي تقرّر سياساتها الخارجيّة بناء على مصالح الولايات المتّحدة الأمريكيّة نفسها. وبالتّأكيد فإنّ مصالح أمريكا في الشّرق الأوسط قائمة على اسرائيل قويّة وعرب ضعفاء، وقد ارتضى العرب ذلك دون نقاش، تماما مثلما ارتضت اسرائيل أن تكون قاعدة عسكريّة أمريكيّة متقدّمة في الشّرق الأوسط، ويلاحظ أنّ كلّ رئيس أمريكيّ -بمن فيهم باراك أوباما الذي اختلف مع حكومة نتياهو- يفاخر بأنّه قدّم مساعدات لاسرائيل أكثر من سابقيه، وبالطبع فإنّ الرّئيس ترامب ليس استثناء.
والرّئيس ترامب الذي أعلن في حملته الانتخابيّة أكثر من مرّة أنّه سينقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس خلال 24 ساعة من تولّيه لمنصبه، ولم ينفّذ ذلك، كما أعلن عن عدم موافقته على حلّ الدّولتين، ودعمه للاستيطان اللا محدود في أراضي الدّولة الفلسطينيّة العتيدة، تراجع عن ذلك أيضا، وصار مع حلّ الدّولتين ومع تحديد الاستيطان.
فكيف يمكن تفسير اتصاله بالرّئيس محمود عبّاس ودعوته له لزيارة أمريكا للاجتماع به، وما نشر عن نيّته طرح صفقة كبيرة لحلّ الصّراع؟
وهنا لا بدّ من التّأكيد مرّة أخرى على أنّ الرّئيس الأمريكيّ لا يستطيع تقرير السّياسة الخهارجيّة الأمريكيّة دون الرّجوع إلى رأي عدّة مؤسّسات أمريكيّة مثل وزارتي الدّفاع والخارجيّة، ووكالة المخابرات الأمريكيّة "الس أي إيه"، وقد تكون المؤّسّسات الأمريكيّة أكثر وعيا وادراكا لمصلحة اسرائيل، من حكومة اليمين الاسرائيليّ التي يرأسها نتنياهو حاليّا، وتدرك أنّ التّخلي عن حلّ الدّولتين لن يكون في صالح اسرائيل، ولا في صالح حليفتها الكبرى أمريكا، وتدرك أيضا أنّ الشّرق الأوسط برمّته لن يشهد أيّ استقرار ما لم يتمكّن الشّعب الفلسطيني من حقّه في تقرير مصيره على أرضه وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس. وتدرك أيضا أنّ بقاء حالة اللاسلم واللا حرب كما هي الآن مستحيلة. وأنّ أيّ مسّ بالسّلطة الفلسطينيّة سيفجّر المنطقة برمّتها، خصوصا وأنّ العمل على خلق قيادات بديلة باء وسيبوء بالفشل.
ولا شكّ أنّ دعوة الرّئيس الأمريكي للرّئيس الفلسطينيّ جاءت قبل انعقاد مؤتمر القمّة العربيّة المزمع عقده في العاصمة الأردنيّة عمّان بأيّام قليلة، تحمل في طيّاتها رسائل للقادة العرب بأن لا يتّخذوا أيّ قرارات ذات أهمّيّة ولو كانت شكليّة بخصوص القضيّة الفلسطينيّة، كي لا يغضب"الأصدقاء" الأمريكيّون.
ويجب أن لا يغيب عن البال أنّ أيّ مسؤول في الادارة الأمريكيّة لم يدع لتطبيق قرارات الشّرعيّة الدّولية لحلّ الصّراع، بل سيترك ذلك للمفاضات بين الطّرفين! والطّرف الاسرائيلي لم تعد نواياه برفض حلّ الدّولتين والتّوسع الاستيطاني خافية على أحد، وما قبوله للعودة إلى المفاوضات إلا من باب العلاقات العامّة أمام الرّأي العام العالميّ، خصوصا وأنّ الحراك السّياسيّ الذي يقوده الرّئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس قد عرّى السّياسة التّوسّعية الاسرائيليّة أمام العالم، واكتسب مؤيّدين للحقوق الفلسطينيّة والاعتراف بالدّولة الفلسطينيّة.
ويبقى الرّهان على حلّ اقليميّ لصراعات المنطقة، خصوصا وأنّ روسيا قد عادت إلى لعب دورها العالميّ على السّاحة الدّوليّة، فهل ستفرض إدارة ترامب التي تعنى بالوضع الدّاخليّ الأمريكيّ حلّا بالتّوافق مع روسيا؟ وكل الاحتمالات قائمة حتّى وإن بدت بعيدة، فلا أخلاق في السّياسة، ولنتذكر تشّدّد زعيم الليكود السّابق مناحيم بيغن كيف وقّع اتفاقات كامب ديفيد مع مصر وانسحب من سيناء.
وسوم: العدد 711