مفاجأة سقوط بشار
الديمقراطية في سوريا تجلجقت، بعدما كانت رئاسة الجمهورية مقتصرة على واحد لا منافس له من فئة خاصة جدا من الجنس البشري، فجأة صارت على قفى من يشيل.
ليس سهلا أن يغامر أحدٌ في هذه الظروف الدقيقة ويرشح نفسه للرئاسة في منافسة بشار الأسد إلا إذا كان ضامنا لفشله 100′ ومطمئنا بأنه لن يتجاوز نسبة 3′ من الأصوات في أفضل الأحوال، وبعد أن أقنعه أولو الأمر بأن السيد الرئيس راض عنه كل الرضى بل ويرحب بترشيحه ولا داعي لخوفه، ولا بد أن المجموعة المتنفذة في النظام أقنعته بأن ترشيحه لنفسه يُسجل في ميزان حسناته عند الرئيس والجهاز كله، لأنه عيب بعد كل هذه الإصلاحات أن يبقى الرئيس في الميدان مرشحا وحيدا ينافس نفسه بنفسه كما جرت العادة، فالدستور الجديد يمنع المرشح من منافسة ذاته، في الجولة الأولى على الأقل.
الوطن يستغيث ويطالب بأكثر ما يمكن من المرشحين كمساهمة شعبية لدعم الدستور ولفرك بصلة حرّاقة بعيون الأعداء مهووسي الديمقراطية، صحيح كلنا نعشق الرئيس ونريده أن يبقى فوق رؤوسنا ورقابنا إلى الأبد، ولكن ما العمل والدستور مختلف هذه المرة! صحيح أنه ممكن نسف الدستور ومن دستره مثلما نسفت دساتير من قبله، ولكن للضرورة أحكاما. ولهذا فمن يحب الرئيس حقًا عليه أن يبرهن حبه بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، ولن ينسى شعب سوريا ومحبو بشار فضله إلى الأبد، وليكن أكبر عدد ممكن من المرشحين، وإذا كانت البرازيل تقيم مهرجانا سنويا للسامبا في شوارعها فنحن سنعمل مهرجانات انتخابية رئاسية هي أقرب لحفلات الغناء والرقص الجماهيري.
المرشح المسكين أو كيس الرمل الذي سيخبطه بشار والحاشية بقبضاتهم الديمقراطية، سيقول لمن أقنعوه بالترشح إنه يحب سيادته جدا لدرجة أنه هو نفسه سيصوت له، ولا يتصور رئيسا غير بشار حتى في أسوأ كوابيسه، لأن لحم رقبته من خير سوريا وسوريا هي بشار وآل الأســـــد وأنسباؤهم، وليس له قلب ليسرق من سيادته مئات الأصوات حتى وإن كانت تمثيلية على عيون الناس! فيطمئنونه مرة أخرى بأن ما يقوم به هو مهمة نضالية ليست عادية، وأن ترشّحه للرئاسة هو من أرقى أشكال المقاومة، ولا جُناح عليه، فهو مثل من يكفر مضطرا وقلبه عامر بالإيمان.
إلى هنا تسيرالأمور والخطة على ما يرام، ولكن هبّ أن مفاجأة حدثت وحصل المنافس المحترم على 53′ من الأصوات وأسقط بشار الأسد بالضربة القاضية، ونقلت الفضائيات صورا لمركز حملة بشار الإنتخابية وهم يتلقون النتيجة بذهول، ودموعهم سكابى!
كيف سيتصرف هذا الفائز المسكين ومن دفعوه لترشيح نفسه؟ هل سيلطم وجهه أمام الفضائيات ويبكي مفجوعا، هل يهرب من البلاد! كيف سيتمكن من النجاة بروحه وتوضيح الموقف الغامض الذي حصل! ليس خوفا من بشار الديمقراطي بل من أهله وأقربائه هو نفسه، هل سيدّعي أن الشيطان لعب برأس الشعب فأغواه، هل سيقسم بالله العظيم أنه لم يقصد أن ينجح وأنه صوّت لبشار، ولا يعرف ما الذي حصل بالضبط؟ وقد يهذي ويتساءل إذا ما كان للرئيس نفسه يد بهذه النتيجة وما الهدف من هذا! ومن الذي قرر تغيير نهاية المسرحية، لا بد أن تزييفا هائلا حدث في المشهد الأخير، وهو لا يرضى أن يستلم رئاسة البلاد بالتزوير وسوف يصرخ بوجه زوجته التي تدعوه للرضى بالنتيجة طمعا منها بدور السيدة الأولى ‘كيف فزت بدون أن يعرفني الناس وبدون دعاية انتخابية! كيف أفوز على تاج راسي ومعلمي وقدوتي في السياسة وإدارة الأزمات!’ هل سيهاتف بشار شخصيا ليعتذر ويطالبه بمعاقبة المسؤولين عن هذا الموقف المحرج!
أين سيذهب بوجهه من أسرته وعائلته وأصدقائه بعد الورطة التي وضع الجميع فيها، أي تفسير سيجد لهذا الذي خبأه له القدر في الصندوق!ة لا شك أن يدا خارجية لعبت وتآمرت وهناك إثباتات بأن ملايين المهجّرين والقتلى والغرقى والجرحى والأسرى الأمنيين والمفقودين صوتوا له!
ولكنه لن يكون لعبة بيد المتآمرين، وسيعلن أن البلاد ما زالت بأمس الحاجة لقيادة السيد الرئيس! يبقى السؤال هل سيقبل الرئيس اعتذاره واعتذار لجنة الانتخابات عن هذا الخلل في الخطة الديمقراطية، هل سيتم إلغاء النتيجة، وإعادة الإنتخابات، هل سيقوم بشار نفسه بالإعتراض واتهام الأيدي الخفية المتآمرة وبشهادة المرشح المنافس نفسه! كيف سيتم التعامل مع هذه المصيبة! هل سيخرج بعض المساكين إلى الشوارع ليهتفوا أن الانتخابات كانت نزيهة 100′ وأن بشار سقط من خلال الصندوق وعليه احترام إرادة الناخبين.
ولكن لماذا لا نكون متفائلين؟ ألا يجوز أن يظهر بشار في مؤتمر صحافي ويعلن هزيمته الإنتخابية أمام العالم وأمام شعبه وقبوله للنتيجة، وببراءة يقول وهو مبتسم’لم ينجحوا بهزيمتي في ساحة القتال ولكنني راض بهزيمتي في صندوق الإقتراع، أبارك للفائز، وأعترف أن الإنتخابات جرت في عرس للديمقراطية الشاميّة، ديمقراطيتنا الله حاميها!’ ثم يتصل مع فخامة الرئيس الجديد ويهنئه بفوزه، ويعلن أنه منذ هذه اللحظة سيتفرغ لإنشاء جمعية خيرية لمساعدة المصدومين بالنتيجة.
طبعًا سيصاب كل المناوئين للنظام بصدمة، سيشعرون بالخجل وتأنيب الضمير، ويكتشفون أن النظام كان صادقا بإصلاحاته، والإنتخابات لم تكن صورية ولا عملا مسرحيا كما روّجوا، وأنهم ظلموا الرجل بسوء ظنهم وحسدهم وضيق عيونهم.