غباء القوّة وأنين الأسرى
استمرار معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضها الأسرى الفلسطينيّون في سجون الاحتلال منذ 17 نيسان-ابريل- 2017، يعني أنّ الأسرى لن يتراجعوا عن معركتهم قبل أن تتحقّق مطالبهم الإنسانيّة العادلة، فلم يعد لديهم ما يخسرونه دفاعا عن كرامتهم وكرامة وطنهم وشعبهم وأمّتهم، سوى أعزّ ما يملكونه، وهو الحياة، ومع أنّ لا أحد يستحقّ الحياة أكثر منهم، إلاّ أنّ الحياة تهون أمام الكرامة الانسانيّة. وواضح أنّ موقف حكومة الاحتلال من مطالب الأسرى العادلة يتّسم بالغباء السّياسيّ، تماما مثل سياساته الأخرى، وما هذا التّعنّت الغبيّ إلا مسمار جديد يُدَقّ في نعش الاحتلال الذي سيزول حتما مهما طال الزّمن. ومهما بقيت الدّولة الأعظم أمريكا منحازة إلى اسرائيل ظالمة أو مظلومة، مع أنّها لم تكن مظلومة يوما، إلا أنّه إذا كان للظّلم جولة، فإنّ للحقّ جولات. ولنتذكر النّظام العنصريّ الذي كان سائدا في جنوب افريقيا، الذي حكمت من خلاله الأقليّة البيضاء في جنوب افريقيا من عام 1948 وحتى تمّ إلغاء النظام بين الأعوام 1990 – 1993، فقد كانت أمريكا وحليفتها اسرائيل من أكثر الدّول علاقة ومساندة للنّظام العنصريّ، لكنّه جاء اليوم الذي تخلّتا فيه عن حليفهما العنصريّ، بفضل نضالات حزب المؤتمر الذي كان يقوده الزّعيم العالميّ المحنّك نيلسون مانديلا. ولا يمكن لأمريكا كدولة عظمى أن تبقى مستمرّة في دعم اسرائيل، في سياساتها المخالفة للقانون الدّوليّ، وللوائح حقوق الانسان العالميّة إلى ما لا نهاية، ولو من باب حمايتها لمصالحها في اقليم الشّرق الأوسط. وما كانت أمريكا لتستمرّ بهذا الانحياز الأعمى لاسرائيل لو كان النّظام العربيّ الرسميّ عربيّا قولا وفعلا. ولا يمكن لاسرائيل أيضا أن تحاصر نفسها بسياساتها التّوسّعيّة العدوانيّة، معتبرة نفسها جزءا من العالم الغربيّ، ورافضة أن تكون جزءا من الشّرق الأوسط إلى ما لا نهاية أيضا. تماما مثلما هي بدهيّات التّاريخ التي أثبتت أنّ القويّ لا يبقى قويّا، والضّعيف لا يبقى ضعيفا إلى ما لا نهاية، و"ما الدّهر إلا يومان، يوم لك ويوم عليك".
وإذا كان العالم العربيّ يعيد في هذه المرحلة "مرحلة ملوك الطّوائف" التي تركت المشرق العربيّ نهبا للفرنجة فيما عُرف بحروب الفرنجة، وأطلق عليها الأوروبّيّون "الحروب الصّليبيّة"، فإنّ ما يسمّى "بالرّبيع العربيّ" الذي يدمّر دولا في المنطقة، ويقتل ويشرّد شعوبها تحت شعارات طائفيّة بغيضة، وخدمة لأجندات معادية، لن يستمرّ إلى ما لا نهاية أيضا، فلم يعد للشّعوب العربيّة ما تخسره، وبعد أن وصلت هذه الشّعوب إلى قاع الهزيمة، فإنّ الصّحوة الحقيقيّة قادمة لا محالة، وعندها ستصبح كنوز أمريكا واسرائيل الاستراتيجيّة في المنطقة في خبر كان. وستدور الدّوائر على غير ما تتمنّاه أمريكا واسرائيل.
وما استمرار اضراب الأسرى ومطالبتهم أن يعاملوا كبشر إلا بوصلة ومنارة، ستفتح الآفاق واسعة أمام التّغيير خصوصا إذا وقع من بينهم ضحايا –لا سمح الله-.
وأسرانا لا يهربون من الحياة، فهم ورثة حضارة تقول:" ونعشق الحياة ما استطعنا إليها سبيلا" وتقول أيضا:
لا تسقني ماء الحياة بذلّة...بل فاسقني بالعزّ كأس الحنظل أي أنّهم يقدّمون حياتهم رخيصة فداء لمبادئ سامية. وأستذكر هنا ما جاء في الأثر:" كان الأصمعي يطوف بالبيت الحرام فشاهد أعرابياً مُمسكا بأستار الكعبة ويقول : اللهم أمتني ميتة أبي خارجة! فسأله الأصمعي: وكيف مات أبو خارجة ؟ قال الأعرابي : أكل فامتلأ ، وشربَ عصير عنب، ونام في الشّمس، فمات شبعان ريان دفيان". فإلى متى سيستطيب العربان الموائد المجلّلة بخراف كاملة، والآلاف من أبناء جلدتهم يعانون جوعا مميتا دفاعا عن الكرامة المهدورة؟ وهل ستدعو المجموعة العربيّة إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدّولي لاتّخاذ قرار ملزم بالاستجابة لمطالب الأسرى، التي تحفظها لهم لوائح حقوق الانسان، واتفاقات جنيف الرّابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكريّ؟ وهل سيتمّ التّوجه لمحكمة الجنايات الدّولية لاتخاذ قرار يتمّ التّعامل بموجبه مع الأسرى في سجون الاحتلال كأسرى حرب؟
وسوم: العدد 719