الأسرى والمعتقلون مطالبٌ أساسيةٌ وحاجاتٌ إنسانيةٌ 14-16
الأسرى والمعتقلون مطالبٌ أساسيةٌ وحاجاتٌ إنسانيةٌ
الحرية والكرامة "14"
اليوم العشرون للإضراب ...
ليس لإضراب الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية أية أهدافٍ أو غاياتٍ سياسية، فهم لا يفاوضون العدو على وطنهم، ولا يساومونه على حريتهم، ولا يتوقعون منه خيراً لصالحهم، ولا حريةً يمن بها عليهم، ويترفعون بأنفسهم أن يستخدمهم جسراً للوصول إلى أهدافه وتحقيق أغراضه، أو أن يستغلهم لتحسين صورته وتزيين سياسته، بل إنهم على العكس من ذلك، إذ يصبرون على الاضطهاد والتعذيب، والتضييق عليهم والمعاملة القاسية ضدهم، ولا يقبلون أن يستخدمهم العدو أداةً للضغط بها على المقاومة، أو التأثير على قرارها وجرها إلى ما يريد من مواقف وسياسات، إذ أنهم يعتبرون أنفسهم في السجون والمعتقلات جبهات مقاومة، وميادين قتالٍ متقدمة، ولا يقلون عن الأحرار غيرةً وفعلاً، ولا يترددون عن المواجهة قولاً وعملاً.
لا يتطلع الأسرى والمعتقلون في إضرابهم المفتوح عن الطعام لتحقيق أهدافٍ سياسيةٍ محددةٍ، أو الضغط على جهاتٍ فلسطينيةٍ متنفذةٍ، أو التأثير عليها وتشويه صورتها وتحريض الشعب عليها، لتتبنى مطالبهم وتدافع عنهم، أو تضغط للإفراج عن بعضهم، وتذليل العقبات أمامهم، ليكون لهم في المستقبل دورٌ وفي القيادة حضورٌ ومشاركة، فالإضراب عامٌ وشامل، وتشترك فيه جميع القوى والتنظيمات، وهو موجهٌ ضد العدو السجان، وسلطات الاحتلال الحاكمة، فلا احتجاج إلا عليه، ولا ثورة إلا في وجهه، ولا عصيان إلا لأمره، ولا تحدي إلا لسياساته، ولا نية في كسر أو هزيمة غيره.
كما لا يتطلع الأسرى أن ينالوا بإضرابهم المفتوح عن الطعام حريتهم، أو أن يفرج العدو عنهم، أو أن يخفف الأحكام الصادرة ضدهم، أو أن يتوقف عن اعتقالهم والزج بهم مجدداً في سجونه ومعتقلاته، فهم يعرفون أن الإضراب عن الطعام ليس بوابةً للحرية، التي يمكن الولوج إليها عنوةً بالتبادل أو من خلال الاتفاقيات السياسية، وهو ليس الطريق المناسب لمنع سلطات الاحتلال من اعتقال شبابهم وإنزال أقسى العقوبات بهم، إذ أن الاعتقال سيبقى ما بقي الاحتلال، وستبقى السجون مفتوحة للمقاومين والأبطال، لكن المقاومة ستستمر حتى تدحر الاحتلال، ولن تتوقف ما لم يستعد الشعب حقوقه في أرضه ووطنه، فهي السبيل الوحيد الذي يؤمن بها الشعب والأسرى طريقاً لحريتهم، وبوابةً للإفراج عنهم.
إن ما يتطلع إليه الأسرى والمعتقلون أبسط بكثيرٍ مما يتوقعه العالم، وأقل بكثيرٍ مما نصت عليه العهود والمواثيق الدولية، فهم يصرون على إنهاء سياسة العزل الانفرادي، وإعادة الأسرى المعزولين إلى العيش في الغرف والأقسام جنباً إلى جنبٍ مع إخوانهم رفاقهم، والامتناع عن إصدار أوامر اعتقالٍ إداريةٍ أو تجديدها، والتوقف عن سياسة الإهمال الطبي المتبعة منذ سنوات، والتي أدت إلى تفاقم أمراض الكثير من الأسرى، وتعرضهم لأمراضٍ أخطر بسبب تأخر العلاج أو الإهمال في الرعاية والمتابعة، ولهذا فإنهم يطالبون بإدخالِ الأدوية الضرورية والمناسبة، والمعدات والأجهزة الطبية اللازمة، وضرورة وجود أطباء مختصين بصورةٍ دائمةٍ أو دوريةٍ، على أن يتم عرض المرضى على أطباءٍ مختصين من غير التابعين لإدارة السجون.
ويطالبون باحترام إنسانيتهم والتوقف عن تعريضهم للتعذيب والإهانة والإذلال أثناء نقلهم من سجنٍ إلى آخر، أو في طريقهم إلى المحكمة أو المستشفى، وتحسين شروط الزيارة والسماح لهم بمعانقة أطفالهم ومصافحة ذويهم أثناء الزيارة، التي يطالبون أن تكون مدتها أطول، وأن تكون مرتين في الشهر ودون حاجزٍ زجاجي أو شبك معدني، وأن يسمحوا بزيادة عدد الزائرين دون قيودٍ عمرية أو جنسية، وأن يوسعوا الإطار ليشمل الأهل والأقارب من غير الدرجة الأولى فقط، وأن يسهلوا وصول الزائرين إليهم، وأن يوفروا لهم الخدمات الأساسية.
ومن مطالبهم التي توفرها كل السجون والمعتقلات في غير الكيان الصهيوني، تجهيز هواتف عمومية وتخصيص أوقات محددة ودورية لجميع الأسرى لإجراء مكالماتٍ عائلية، وتسهيل إدخال الكتب العامة، والسماح لهم بالتقدم لامتحانات الثانوية "التوجيهي" والانتساب إلى الجامعة العبرية المفتوحة، وزيادة عدد المحطات التلفزيونية المتاحة، وعدم التقيد بمحطاتٍ تقررها الإدارة وحدها وتدرجها بنفسها.
استعظمت سلطات السجون والمعتقلات مطالب الأسرى والمعتقلين وغضت الطرف عنها، ولم تصغِ لأيٍ منها، رغم أنها حقوقهم المشروعة وقد كانت لهم من قبل، إلا أنها رفضتها بقوةٍ وردت على الأسرى بشن حربٍ مضادةٍ، وفتح معارك جانبية ومباشرة، للحد من ثورتهم ومواجهة عصيانهم، وإبطال احتجاجهم، وإحباط الجماهير المتضامنة معهم، ودفعهم لليأس والقنوط، وعدم مواصلة الضغط والجهود، كون مساعيهم لا تأتي بخير، واحتجاجاتهم لا تؤدي إلى تحقيق ما يريدون، وهي تعتقد أنها بسياساتها العنيفة ستفسد إضرابهم، وستبطل انتفاضتهم، وستقضي على أحلامهم ولن تحقق لهم مطالبهم.
وأقدمت على سلسلة من الإجراءات القمعية والممارسات العنيفة، ظناً منها أنها ستنجح في إجهاض حركتهم وكسر أو تعليق إضرابهم، ومنها عزل الأسرى المضربين في زنازين انفرادية، أو نقلهم إلى سجون ومتعقلاتٍ متباعدة، بحيث تضمن تفريق جمعهم، وتمزيق وحدتهم، وإضعاف صوتهم، ومنعهم من التنسيق والتنظيم، ونقل الإضراب وتعميم مفاهيمه، والحيلولة دون تأثيرهم على الخارج، أو تحريضهم للشعب والجمهور، الذي نشط في حركته، وتفاعل في حملته، ووسع إطار تضامنه شرقاً وغرباً، وأصر على مواصلة فعالياته حتى يستجيب العدو لطلبات الأسرى والمعتقلين المحقة.
مطالب الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية عادلة ومحقة، وهي ليست مهولة أو مستحيلة، كما أنها ليست كماليات أو ترف، إنها حقوقٌ أساسية وحاجاتٌ ضروريةٌ قد كانت لهم يوماً حقاً، وقد استمتعوا بها حيناً، إلا أن مصلحة السجون انتزعتها منهم خبثاً، وحرمتهم مما كان لهم حقداً، وجردتهم مما حققوه في سنواتهم الماضية غصباً، واستبدلتهم بها تعذيباً وتضييقاً، وهم لا يتوقعون من سجانهم أن يرحمهم أو أن يرأف بهم، ولا يريدون منه أن يكون معهم رفيقاً ورقيقاً، أو لطيفاً وحنوناً، فهم يدركون أنه عدوهم، الذي اغتصب حقهم واحتل أرضهم وقتل شعبهم، لكنهم يطالبونه بحقوقهم كأسرى، وامتيازاتهم كمعتقلين لدى سلطاتٍ عسكريةٍ احتلت أرضهم، ويطالبونه بالالتزام بالاتفاقيات الدولية وشرائع حقوق الإنسان المختلفة، وإلا فإن عليه أن يتوقع المزيد وأن ينتظر الأسوأ.
الزوندة لقتل الأسرى والمعتقلين وإفشال إضرابهم
الحرية والكرامة "15"
· اليوم الحادي والعشرون للإضراب ...
لم تصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي مع إضراب الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجونها الذي دخل يومه الحادي والعشرين إلى مرحلة التغذية القسرية، والتي هي خيارها الأخير ووسيلتها الأقوى والأخطر، إلا أنها بدأت الاستعداد العملية لهذه المرحلة، ليقينها أن الإضرابَ مستمر، وأن إرادة الأسرى ماضية وعزمهم شديد ونيتهم معقودة، والمفاوضات معهم معدومة، فلا تراجع عندهم عن الإضراب حتى تستجيب إدارة السجون لمطالبهم، وتحقق شروطهم التي ينادون بها، ولأن إدارة السجون تعرف أن صحة المضربين باتت في خطرٍ، وأن مظاهر الإعياء الشديد بدأت تظهر عليهم، وقد تحدث لهم مضاعفاتٌ أخرى خطيرة، في ظل الدوخة وزوغان البصر والقيئ والنقص الحاد في الوزن، فقد بدأت التهديد باللجوء إلى التغذية القسرية.
وقد بدأت فعلاً في مخاطبة وزارة الصحة لتأمين أطباء مختصين يشرفون على تغذية الأسرى والمعتقلين المضربين عن الطعان قسرياً، كما شرعت في مراسلة واستدراج عددٍ من الأطباء الدوليين لمشاركتهم في هذه المهمة، ولضمان إشرافهم عليها ومراقبتهم لها، لعلمهم أنها عملية خطيرة وأسلوب غير مشروع، وأنها تتناقض من مبادئ حقوق الإنسان، وتنتهك كرامة الأسرى والمعتقلين، رغم أن قضاة المحكمة العليا الإسرائيلية قد أجازوا اللجوء إليها، وسمحوا للسلطات المعنية بممارستها مع الأسرى عنوةً وكرهاً، رغم معرفتهم الأكيدة أنها قد تلحق بهم ضرراً، وقد تسبب الوفاة لبعضهم، وقد سبق أن استشهد عددٌ من الأسرى في إضراباتٍ سابقةٍ أثناء تغذيتهم قسرياً.
قد تركب مصلحة السجون الإسرائيلية في الأيام القليلة القادمة الصعب، وتعمد إلى حرق آخر أوراقها القمعية، وتلجأ إلى تغذية المضربين قسراً عبر الأنبوب، وهي التغذية التي يطلق عليها المعتقلون اسم "الزوندة"، والتي تتم بواسطة أنبوب التغذية الصناعية المطاطي، الذي يستخدم في إدخال الغذاء السائل من حليب أو غيره إلى المعدة مباشرة ودون المرور بالفم، وذلك للحفاظ على حياة الأسرى والمعتقلين، ووقف حالة التدهور الصحية المتردية بسرعة، حيث تقوم إدارة السجون بإخضاع الأسرى الذين ترى أن حالتهم الصحية قد وصلت إلى مراحل سيئةٍ، ولم يعد بإمكانهم مواصلة الحياة دون غذاء، فتغذيهم بالقوة بواسطة الأنبوب المطاطي، إلا أن إدارة السجون تهدف أيضاً إلى جانب الحفاظ على حياتهم إلى إضعاف الروح المعنوية لدى الأسرى المضربين، وكسر إرادتهم، وإجبارهم على تعليق الإضراب، إذ توهمهم أنهم قد كسروا الإضراب فعلاً ولو من باب التغذية القسرية، وأنها لا تعد تعترف بإضرابهم بعد جلسات الزوندة.
يرفض الأسرى والمعتقلون عادةً اللجوء أو القبول بالزوندة خشية ضياع أو فقدان ما تمكنوا من إنجازه وتحقيقه خلال فترة الإضراب، علماً أن التغذية بهذه الطريقة لا تكسر الإضراب، ولا تعتبر إطعاماً بقدر ما هي تغذية مباشرة، فهي طريقة تعافها النفس ولا تقبل بها، فضلاً عن أنها مؤذية، وليس فيها شيء من المتعة أو الشهوة، وقد تؤدي إلى الإقياء، وعلى الرغم من أن الأسرى يعتقدون أنها آلية لا تفسد الإضراب ولا تكسره، إلا أن الكثير من المضربين يرفضون الانصياع إلى هذا الخيار، ويشعرون بأنه يخالف قواعد إضرابهم، لكن السلطات الإسرائيلية ترغمهم عليه قسراً، الأمر الذي يسبب ويلحق أضراراً صحية خطرة قد تهدد حياة المعتقلين، علماً أن هذه العملية قد أدت سابقاً إلى استشهاد عددٍ من المعتقلين.
تلجأ إدارة السجون الإسرائيلية إلى استخدام هذا الأسلوب بعد أن مضي أسابيع على إضراب المعتقلين، إلا أن هذا الأسلوب في التغذية يشكل خطورة كبيرة على حياة المعتقلين، واحتمال دخول الغذاء في مجرى التنفس، وهو ما يحذر منه الأطباء في العادة في ظل الظروف العادية، خاصةً أن الذين يقومون بعملية التغذية القسرية ممرضون عديمو الخبرة، أو أطباء لا تجربة عندهم، وأحياناً يشاركهم الجنود والحراس في تنفيذها.
تعتبر عملية التغذية القسرية للأسرى والمعتقلين غاية في الخطورة، كون الممرض أو الطبيب الذي يشرف على إدخال الأنبوب في معدة المعتقل، يتعامل بحقدٍ وكرهٍ، ويقوم بدوره بقسوةٍ وعنفٍ، ويتجاهل معاني الإنسانية والرحمة والأمانة في مهمته، ويتعمد عندما يخرج الأنبوب من جوف الأسير جرح المعدة وإيذاء الأسير، خاصة أن العملية تتم بينما الأسير يقاوم ويرفض لأنه مصر على الإضراب، وقد تسبب هذا الأمر في استشهاد عددٍ من الأسرى نتيجة دخول الغذاء في مجرى التنفس، الأمر الذي أدى إلى اختناقهم واستشهادهم، وقد أصبح هؤلاء الشهداء رموزاً للحركة الوطنية الأسيرة، يذكرون دوماً عند كل إضرابٍ يخوضه المعتقلون.
تنفذ سلطات الاحتلال التغذية القسرية بطريقةٍ مؤذيةٍ للجسد ومهينة للنفس، حيث يجلبون الأسرى من زنازينهم تباعاً، وتوضع كؤوس ماء وملح ولبن ورز بحليب أمامهم، ويُضربون ويعذبون ويركلون بالبساطير على الوجه والرأس والمناطق الحساسة لدفعهم للطعام، وبعد فشل ذلك وهو ما يحدث غالباً، يقوم السجانون بإدخال بربيش "الزوندة" في "فتحتي أنف المعتقلين، حتى يسيل الدم منهما، ويصبون فيه المواد الغذائية، وبعد ذلك يسحبون البربيش مع ما يصاحب ذلك من أذى وجرحٍ ونزفٍ، وأحياناً يتسرب الغذاء إلى الرئتين، فيدخل الأسير في نوبةٍ شديدةٍ من السعال وحالةٍ من الاختناق، مما يؤدي إلى استشهاد بعضهم.
تعلم سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي شرعت التغذية القسرية أنها تخالف القانون الدولي، وتعتدي على حرمة الأسير الفلسطيني، وترغمه على أشياء تتنافى مع الأخلاق الطبية وتتعارض مع شرائع حقوق الإنسان الدولية، إلا أن محاكمهم التي تحكم على الفلسطينيين بعشرات المؤبدات ومئات السنين، لا تتورع عن إجازة التغذية القسرية التي هي في حقيقتها عذاباً وليست تغذية، وتقود إلى الموت ولا تعين على الحياة.
إضراب الأسرى مسؤولية دولية ورقابة أممية
الحرية والكرامة "16"
· اليوم الثاني والعشرون للإضراب ....
لا تتحمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي وحدها المسؤولية القانونية عن حقوق الأسرى والمعتقلين المضربين عن الطعام في سجونها ومعتقلاتها، وإن كانت تتحمل بصفتها دولة الاحتلال المسؤولية الأكبر، وهو ما نصت عليه اتفاقيات جنيف المتعلقة بالشعوب الخاضعة للاحتلال، ولكنها تضرب عرض الحائط بكل القوانين والأعراف، وتتنكر لكل القيم والشرائع، ولا تعترف إلا بما تنص عليه وتقره مؤسساتها، ولا تلتزم إلا بما ترى أنه يخدم مصالحها، ويصب في أهدافها، ويحقق الأمن لكيانها ومستوطنيها.
وتتحمل المؤسسات الدولية والحقوقية وفي المقدمة منها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، المسؤولية الكبرى عن قضايا الأسرى والمعتقلين، فهي المسؤولة أخلاقياً عنهم، والمعنية بإثارة شؤونهم ودراسة همومهم وحل مشاكلهم والاطلاع على ظروفهم، والضغط على سلطات الاحتلال للاستجابة إلى شروطهم وتلبية مطالبهم وضمان وصيانة حقوقهم، والتعهد بتحسين شروط اعتقالهم، وعدم المساس بحياتهم وصحتهم وكرامتهم، فهي الوحيدة القادرة على زيارتهم واللقاء بهم والاستماع إلى شكواهم، والتعرف على معاناتهم، فلتقم بالدور الملقى على عاتقها، ولتؤدِ الأمانة الإنسانية التي تعهدت بها، ولا تكتفي بنقل الرسائل من الأسرى إلى ذويهم والعكس، ولا تخضع تقاريرها للعدو ولا تستجيب إلى تعليماته، ولا تقبل منه إملاءاته، ولتكن أمينةً في مهمتها، وجادةً في وظيفتها، ومهنيةً في تقاريرها.
إلا أن المجتمع الدولي يشاطرها المسؤولية، ويتحمل معها وزر ما آلت إليه أوضاع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجونها المخالفة للقوانين، التي ربما ساهم في إنشائها، وقدم المساعدات لتأمينها، ولهذا ينبغي أن يحاسب على تقصيره، وأن يسأل عن إهماله، وأن يعرف حجم الجريمة التي يشارك فيها، فهو قد صمت طويلاً عن الانتهاكات الإسرائيلية لهم، ووقف يتفرج على سلطات الاحتلال وهي تقمعهم وتصادر حقوقهم وتضيق عليهم، وكان بإمكان دوله وحكوماته وما زالت أن تضغط عليهم أو أن تعاقبهم، وأن تطلب منهم وتصر عليهم، إلا أنها تقبل بالمبررات الإسرائيلية، وتسكت عن خروقاتها اليومية.
وهي تسكت عن المظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها بلادهم تنديداً بالممارسات الإسرائيلية، وتعرف لماذا يخرج مواطنوهم إلى الشوارع ويعتصمون في الميادين، وما الشعارات التي يرفعون والمطالب التي يريدون، في الوقت الذي ترصد فيه وتراقب صفحات التواصل الاجتماعي وما يتداوله مواطنوهم واللاجئون إليهم، وما ينشرونه من صورٍ يومية وتعليقاتٍ قاسيةٍ ومعبرة عن أوضاع الأسرى ومعاناتهم في السجون والمعتقلات الإسرائيلية.
وإضافةً إلى ذلك فإنها تغض الطرف عن تقارير لجان حقوق الإنسان، وتقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي يعترف بها المجتمع الدولي كله، ويدعو لتسهيل عملها والاهتمام بتوصياتها والعمل باقتراحاتها، إذ أن أغلب العاملين فيها هم من مواطنيها، كما أنها تسكت عن تقارير لجانها الوطنية ومؤسساتها الحقوقية التي تشهد على حجم الاعتداءات الإسرائيلية السادية على الأسرى وأسرهم وذويهم، والانتهاكات الجسيمة التي تقترفها بحقهم يومياً، أفلا يكون المجتمع الدولي بعد ذلك شريكاً في هذه الجرائم النكراء، أم يظن أنه نفسه بريءٌ من هذه التهمة وغير مسؤولٍ أخلاقياً وقانونياً عنها.
تدرك دول العالم وخاصةً الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية أن الكيان الصهيوني في حاجةٍ لهم، وهو لا يستغني عن حمايتهم الدولية ولا عن مساعداتهم الدورية، ولا يستطيع أن يعيش طويلاً بعيداً عن مظلتهم الوارفة، التي شكلت له على مدى السنين الماضية حاضنةً لكيانه، وراعيةً لشؤونه، وهم الذين يحولون دون صدور قراراتٍ دولية تدينهم، أو توصياتٍ إقليمية بالضغط عليهم، ولهذا فإن المسؤولية عليها تتعاظم، والأمل في أن تبذل جهوداً أكبر يزداد، فربما أنها أقدر من غيرها على إلزام حكومة الكيان الصهيوني بحقوق الفلسطينيين الخاضعين لاحتلاله عموماً، وللأسرى والمعتقلين في سجونه بصورةٍ خاصةٍ.
يريد الفلسطينيون من المجتمع الدولي تدويل قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الفلسطينية، والتعامل معها على أنها قضية دولية وجريمة ضد الإنسانية، وأن يخرجها من إطارها الفلسطيني الضيق إلى الإطار الإنساني العام، ومن الدائرة الإقليمية المحدودة إلى الإطار الأممي الكبير، ليشعر الأسرى بالحماية الدولية، ويطمئن ذووهم على سلامتهم وصحتهم، ذلك أن جرائم الكيان الإسرائيلي بحقهم إنما هي جرائم موصوفة بحق البشرية جمعاء والإنسان عموماً.
ونريد مؤتمراً دولياً برعاية الأمم المتحدة، بصلاحياتٍ تنفيذيةٍ وقدراتٍ عالية، يكون قادراً على ملامسة قضايا الأسرى والمعتقلين والتغلغل إلى عمقها ومعرفة حقائق أوضاعهم وظروفهم، تنتج عنه محكمة دولية تقوم بملاحقة الضباط الأمنيين والمسؤولين الإداريين في مصلحة السجون الإسرائيلية، الذين يمارسون القمع والتنكيل ويعتدون على الأسرى، علماً أنهم معروفون لدى الشعب الفلسطيني، الذي يوثق كل جرائمهم، ويحفظ أسماءهم ويعرف عناوينهم، ويرصد جرائمهم وأفعالهم.
يرفض الفلسطينيون عبارات القلق والاستنكار، وبيانات الإدانة الشكلية والشجب الخجول، وكلمات التأييد الإعلامية والمساندة الشكلية، فهذه الردود لا تؤتي خيراً، ولا تفي مع العدو بالغرض، الذي لا يلقي لها بالاً ولا يعيرها اهتماماً، إن ما يريده الفلسطينيون من المجتمع الدولي إنما هو تحرك فاعل ومباشر وصريح ومؤثر، تفهم منه سلطات الاحتلال أن ما ترتكبه بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين إنما هو جريمة لا يقبل بها المجتمع الدولي، ولا يرضي عن سياسة الإهمال التي تمارسها إزاء مطالبهم، وعلى دول العالم الحر أن تلزم حكومة الكيان الإسرائيلي بوجوب احترام كافة الاتفاقيات والعهود الدولية، وفي المقدمة منها اتفاقيات جنيف المختلفة.
تستطيع هذه الحكومات أن ترسل مبعوثين من طرفها، ووفوداً تعبر عنها، لتطلع على أوضاع الأسرى والمعتقلين، وتتعرف على حقيقة ظروفهم وكيفية معاملتهم، ولتسمع منهم معاناتهم وشكواهم، وتدرس طلباتهم واحتياجاتهم، فهذا أقل جهدٍ يمكنها أن تقوم به، لتشعر حكومة الكيان بأنها غير حرةٍ فيما تتصرف، وأنها مسؤولة عما ترتكب، ومحاسبة عما تخطئ وتجرم، رغم أن ما ترتكبه سلطات الاحتلال بحق الأسرى واضحٌ وجليٌ، ولا يحتاج إلى دليلٍ ولا إلى بينةٍ، كما أن مطالب الأسرى والمعتقلين واضحة ومباشرة، وهي إنسانية ومحقة، وعادلة ومنصفة، يقر بها العاقل ولا يجحد بها ويرفضها إلى كارهٌ حاقدٌ.
وسوم: العدد 719