ثقافة ردة الفعل غربيا وعربيا عند الخسارة

بأسلوب " صدق أو لا تصدق " تناقلت وسائل الإعلام العربية مقاطع فيديو ترقص فيها مارين لوبان مرشحة الجبهة الوطنية بعد خسارتها أمام منافسها إيمانويل ماكرون الذي كان بدوره يرقص مع مقربيه وأنصاره في حفل آخر . الخاسر يرقص والفائز يرقص . مفهوم أن يرقص الفائز ، فلماذا يرقص الخاسر ؟! هذا أيضا مفهوم ، لكن ليس في ثقافتنا العربية ، وإنما في الثقافة الغربية وإلا لما رقصت مارين مع أنصارها ومقربيها . إنه الفرق الواسع العميق بين نظرتنا العربية للخسارة والإخفاق والنظرة الغربية لهما . في النظرة الغربية هما ليسا نهاية الدنيا ، في نظرتنا العربية هما نهاية كل شيء . في النظرة الغربية هما سانحة مناسبة لإعادة درس سببهما ، وفي النظرة العربية سقوط لا نهوض بعده ، واتهام للآخرين بالتسبب فيه ، والعمل للانتقام من هؤلاء الآخرين المتوهمين الذين قد يتجسدون ويتحددون في ضحية ما . هذه الثقافة العربية جعلتنا عدو الديمقراطية وتداول السلطة عداوة تظهر من قوتها وترسخها كأنها في تكوين مورثاتنا . وإن أجريت انتخابات ما من باب المسايرة والمنافقة أو استجابة لضغوط خارجية أجنبية لها نواياها البعيدة عن الديمقراطية الحقة ؛ وفازت جهة ليست على توافق مع مراكز الدولة العميقة حوربت هذه الجهة ، وانتزعت منها السلطة من بدايتها ، وربما لا تتولاها ولو ليوم واحد . وإذا قدر لها أن تدوم فيها بعض الوقت وضعت في وجهها كل المعوقات ، وأرغمت على أن تفضل التخلي عن فوزها وويلاته .حدث هذا بعد فوز حماس في انتخابات تشريعي 2006 حيث ما زال الشعب الفلسطيني كله يقاسي ويلات هذا الفوز ؛ فالذين خسروا في الانتخابات ، أي فتح ، لم يقروا نفسيا وعمليا وقانونيا بفوز حماس ، وظلوا يتصرفون حتى الآن ، بعد 11 عاما ، بوصفهم الشرعيين الفائزين ،  وبوصف حماس بلا شرعية يبررها فوزها . ووقع في مصر ما هو أسوأ وأقسى . مرسي الذي فاز بالرئاسة رمي في السجن ، وله الآن 4 سنوات فيه محروما حتى من زيارة أسرته له ، وحظرت حركته ، حركة الإخوان المسلمين ، واعتبرت حركة إرهابية .الخاسر الغربي يعود بعد خسارته إلى حياته الطبيعية مواطنا آمنا على نفسه وأسرته وماله وعمله كامل الحقوق المدنية كأنه ما نافس ولا خسر . والخاسر العربي ، ورأينا حال الفائز وبؤسه ، تتركز عليه عيون أصحاب السلطان باعتباره خطرا قائما أو منتظرا ، وتتواصل مهاجمته والتعرض له جهرا وسرا . والنهاية لهذه الثقافة مجتمع من الخوف والشك والتسلط والاستبداد والخسارة الوطنية الشاملة ، وهذه حال المجتمعات العربية ، ولا فرق بين مجتمع وآخر . ويواصل المجتمع الغربي حياته وحركته مع الفائز الجديد بحيوية وأمل والكل مطمئن وحر في التعبير عن رضاه أو سخطه ، عن اطمئنانه أو قلقه ، بالوسائل المشروعة . نحن العرب محرومون من هذه النعمة الكبرى ، من هذه الثقافة البانية للمجتمعات ، المسعدة للإنسان ، المنتجة للحضارات . ولا نغفل أن أكثر من 600 عام من تاريخنا انقضت في الخلافات الدامية على السلطة بين قبيلة واحدة هي قبيلة قريش ، أي من خلافة أبي بكر الصديق _ رضي الله عنه _ حتي سقوط بغداد وخرابها على يد المغول في 656 هجرية ( 1258م ) .

وسوم: العدد 719