ياسر عرمان وبريق السلطة
الطيب عبد الرازق النقر
الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
لا لن يحدث شيء كهذا إلا إذا جهدت العزائم، وتراجعت العقول، وضفعت الإرادة، فقطاع الشمال الذي لا يرى الأشياء كما هي، ولا يقدرها كما ينبغي أن تقدر، طرح رئيس وفده ياسر عرمان شراكة ثنائية مع المؤتمر الوطني في الحكم، واقامة فترة انتقالية تعقبها عملية انتخابية، ولعل الشيء الأدعى إلي العجب، والأبلغ في الغرابة، أن هذه المفاوضات ليست مراميها مبسوطة إلي غير غاية، وممتدة إلي غير نهاية، فمفاوضات أديس أبابا معنية بالمنطقتين فقط، ولكن أنى لعرمان أن يحرر عقله من أغلال الأضاليل، وكيف لنفسه التواقة للسلطة آلا تهفو لذلك الحظ الجزيل، لقد أظهر لنا عرمان ما كان يضمر، وأبان لنا ما كان يخفي، فهو وعصبته يتوقون إلي السلطة التي تنبه الخامل، وترفع الوضيع، فالسلطة التي تخشع أمامها العيون، وتعنو لها الجباه، هي وحدها كما نعلم التي تحقق لكل فرد ما يبتغي من منافع، وتنجز له ما يود من آمال، لأجل ذلك يتهافت الناس عليها، ونرى بعض صرعاها يبقون ويطيلون البقاء بعد أن ألقت إليهم الأقدار أعنة الحكم وأزمته، بل أبصرنا من حاز من الرتب أبهاها، ومن المعالي منتهاها، يفتح على رعيته أبواب الظلم، ويطلق عليها عِقال الجور، إذا أبدت امتعاضا من سياساته، أو ثارت في الطرقات تبرما من اخفاقاته، إن الحقيقة التي لا يرقأ إليها شك، والواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن الوصول لصولجان الحكم غاية ينشدها من كانت الولاية متأصلة في ذهنه، مختلجة في مهجته، متصلة بخاطره، ولقد انتظم لياسر عرمان ما حاول، واتسق له ما أمّل، ففي حقبة حالكة عجّت بالفوضى، واتسمت بالاضطراب، اعتلى عرمان وعقار وغيرهم من الخناذيذٍ مرتقا وعرا، وحمي منيعا، ولم تؤهلهم لذلك صنوف جدلهم، ولا ضروب نضالهم، ولكنها الإتفاقية المقيتة التي بوأتهم مقر ذوي الحرمة، وأنفت بهم على القصور واليفاع، نعم عاش عرمان مُكّرما بالطاف، مقرّبا باتحاف، معهوداً بحفاوة، طيلة تلك السنوات العجاف التي أكدى فيها الحق في مسترفده، وخُذِل في مبتغاه، وضؤل في مرامه، حقبة أبتهل فيها السود للمولى عزّ وجلّ أن يرفع عنهم شرها، ويكشف عنهم ضرها، وما زال يبتهل ويتضرع حتى أذهب الله بهجتها، وأخلق ديباجتها، وأراحه من ذلك المتعنت الذي يتصدر كل مجلس، ويتصدى لكل حديث، كان ياسر في تلك الفترة ناضر الكلمة، صخاب العزيمة، تراه في كل محفل ومكان، تكثر فيه الريح العاصف، والزعزع القاصف، فينبري في أحاديث ممجوجة لا يدحض فيها الشبهات، أو يحتج فيها بالبينات، أو يحذر فيها بصادق الآيات، أو يخوف فيها بالمثلات، ففارسنا المغوار لا يكترث لكل هذا، وكيف لرجل عصى الرحمن، وخذل الإيمان، ونصر الشيطان، أن يحفل بالبسملة ويعتني بها، وأنا هنا أتحدث عن واقعة فاضت بها المجالس في ذلك العهد، فصاحبنا يرى أن البسملة ليست خليقة بكل هذا الاعزاز والإكبار، كما أن الكتاب الذي أتى بعدها خال من وحي الطبع، وفيض الوجدان، وهاهو الأسد الخادر، والفارس البهمة، الذي يريد أن يرفع عن هوى السود هذه الأغلال والقيود، يقول في غير شيء من الاحتياط والاستحياء، أن عقوبة الزنا يجب الا تطبق على القاصي والداني، لأن هناك بعض القبائل التي تقطن في أصقاع شتى تفني نفسها في اللذة والمتاع، كما أنها لا تمت للإسلام بصلة، ولا تصل إليه بسبب، وهي بحكم العادات المغروسة، والتقاليد الموروثة، تسرف في الزنا، وتغالي في فعله واتيانه، هذا ما جنته علينا الذلة، ورمانا به الهوان، قطاع قمئ يريد أن يقنعنا بأن يده التهتبت من شدة الهيجاء والصيال، وهو في واقع الامر أس البلاء، وأصل الخلاف، ومنبع الجحود، وروبيضة مولع بالقصور المشيدة، والصروح الممردة، والأحاديث التي تذهل عقل الحصيف، ما زال ياسر ينشد ما ينشده من تقدمت بهم السن، وأدركهم الهرم، وبلغوا ساحل الحياة، فهو وهم من ضاعفوا حظنا من المشقة والعناء، فهل جهلنا بعد علم، وافتقرنا بعد غنى، وتباغضنا بعد مودة، وتواضعنا بعد رفعة، إلاّ بفضل هؤلاء.