ليلة الانقلاب على حسني الزعيم

 14/8/1949

 زار الصحفي المصري حسنين هيكل دمشق غداة قيام انقلاب سامي الحناوي على حسني الزعيم، والتقى الصحفي نذير فنصة السكرتير الخاص لحسني الزعيم كما التقى بأرملة حسني الزعيم لحظة علمها بالانقلاب الذي تم على زوجها، يقول حسنين هيكل:

 قابلت نذير فنصة سكرتير حسني الزعيم وعديله في زنزانته في سجن القلعة، الذي اعتقل فيه منذ أول يوم من انقلاب سامي الحناوي.

أول ماقاله لي نذير حين رأى محمد يوسف كبير مصوري أخبار اليوم: إنني مريض، وأنا راقد في السرير ولست أريد أن يراني الناس هكذا وأخشى أن وهج لمبات التصوير سينبه الحراس ويخلق لنا مشكلة ويكشف الأمر.

ثم قال: أنا أقسم بالله أنني لم أسرق ولم أرتشي ولم أرتكب تهمة واحدة من عشرات التهم التي حاولوا إلصاقها بي، والمسكين الذي قتلوه (يقصد حسني الزعيم) ماذا فعل؟؟

يقولون أنه اشترى بيتاً ... وأنا أريد أن أسألهم هل دفع ثمنه ؟؟؟ لقد اشترى بيته بالدين ولم يستطع أن يسدد الدين ولو كان سرق لكان دفع ثمن البيت !!!

لقد طلبت أن أحال إلى المحاكمة وسمعت شهادتي بالفعل بواسطة لجنة من القضاة شكلت لهذا الغرض، وبالرغم أن أسعد طلس (عديل الحناوي ) كان يجتمع مع القضاة كل ليلة ويحرضهم علي فإن ضمائر هؤلاء القضاة أبت أن تخضع لوعود طلس ووعيده، وها أنا إلى اليوم لم تقدم إلى المحاكمة ... لقد نجوت من الموت مرتين أول مرة حين اعتقلوا حسني الزعيم واعتقلوني معه ... وقتلوا حسني الزعيم ولكن سامي الحناوي أجل تنفيذ القتل لسبب لا أعلمه !!!

والمرة الثانية فوجئت بفصيلة تدخل على زنزانة السجن ثم تقتادني إلى الخلاء ثم أقف أمام أفرادها ويرفعون بنادقهم وأستسلم للموت وفجأة يجيء ضابط سامي كبارة بك وزير العدل ويوقف حكم الإعدام ولو تأخر الضابط دقيقتين لكنت في غير هذه الدنيا ...

وبعد ان انتهيت من مقابلة نذير فنصة ذهبت لأقابل أرملة حسني الزعيم، كانت تظن حسني الزعيم على قيد الحياة ولم تصدق أن يمسه سامي الحناوي بأي أذى ...

ومازلت أتذكر دموعها وصوتها المتهدج ثائراً وهي تقول:

لماذا يعتقلونه؟ ومن الذي يعتقله؟ سامي الحناوي !!! سامي الحناوي دون كل الناس !!!

لقد كان رجله، وكان الرئيس يعتمد عليه، لقد كان سامي الحناوي في رتبة المقدم، ورفعه الزعيم إلى رتبة العقيد ثم قذف به إلى رتبة الزعيم وجعله قائداً للأركان .... إن الرئيس هو الذي صنع سامي الحناوي وكان دائماً يقول لي: أنا واثق ثقة عمياء في سامي الحناوي إنه رجلي.

وفي الوقت الذي كانت الأرملة البائسة تقولُ فيه هذا الكلام كان حسني الزعيم قد مات وشبع موتاً على يد "رجُلهِ" الذي يثق ثقة عمياء به ....

وكانت شقيقتها حرم نذير فنصة تريد أن تخفي عنها هذا الخبر حتى تضع الجنين الذي كانت تحملهُ في بطنها بسلام، وتركت الأرملة يومها تعيش في وهمها المروع.

وعدت بعد خمسة شهور أطرق باب البيت الذي قابلتها به في حي عين الكرش بدمشق أسأل ماذا حدث لها.

ولم تكن الأرملة البائسة به ثم علمت انها في حلب وعرفتُ قصة الأيام الهائلة التي قضتها بين الشك واليقين حتى استقرت اخيراً على الحقيقة المروعة وهي أن حسني الزعيم قتل يوم اعتقاله، وأنها أصبحت أرملة، وأن الجنين الذي تحملهُ كتب له ان يخرج إلى الدنيا يتيماً.

ولقد عرفت أن الأرملة ظلت تجهل الحقيقة حتى بعد أن قابلتها بأسبوع ... ثم حدث أن زارها بعض أفراد أسرتها من حلب ودخلوا عليها البيت وكان شقيقها في الحمام فلم يستطع تحذيرهم، ودخلوا عليها يعزوها بمصابها الأليم وحملقت فيهم الأرملة بذهول ثم وقعت على الأرض مغمياً عليها ... وقد قضت الأرملة شهراً مروعاً من الضنى والأسى والعذاب.

آخر ساعة 28/12/1949 محمد حسنين هيكل.