على هامش الاقتتال الفصائلي بين الهيئة و الزنكي

على غير ما حرصت عليه الهيئةُ في جولاتها التي ناهزت العشرين، بدتْ صورتُها في جولتها الأخيرة مع الزنكي، التي ما يزال يشهدها ريف حلب الغربي، منذ الخميس: 9/ 11.

لقد وقف المراقبون على جملة من الأمور، التي غيرت الصورةَ النمطية، التي كانت تحرص الهيئة على التمظُّهر بها، صورةَ القوة المتماسكة، ذات العقيدة القتالية، التي لا يحول أمام عزيمتها حائلٌ، و منها:

ـ إنّ فائض القوة الذي خرجت به الهيئة من اقتتالها مع أحرار الشام، لم يمكنها من حسم جولتها سريعًا مع الزنكي، فامتدّت هذه الجولة لأكثر من عشرة أيام، عجزت فيها عن تحقيق نصر خاطف، على غرار ما كان مع الأحرار، حيث طوَتْ صفحتهم في أقل من ثمانٍ و أربعين ساعة.

ـ لقد تكبّدت الهيئة خسائر زادت على الأربعين عنصرًا، في الأيام الثلاثة الأولى فقط؛ الأمر الذي أحرجها كثيرًا، و جعلها بحسب ما يرى عدد من المراقبين، تعلن عن سقوطهم في معارك شمال حماة، تحاشيًا لردّات الفعل في صفوفها.

ـ اُضطرت الهيئة للانسحابات المتكرّرة، نتيجة المقاومة الشرسة، التي لقيتها من عناصر الزنكي، الذين كانوا عصيين على الاختراق، بشكل فوّت على الهيئة أن تكرّر تجربتها مع الأحرار، حيث كان الاختراق الأمني و الفكري فيهم على أشدّه، نتيجة الإرث القاعدي، الذي أشاعه فيهم شيوخ القاعدة من الوافدين، و تحديدًا الشيخ المحيسني.

ـ لقد اخفقت الهيئة في استنساخ تجربة الوقوف على الحياد و اعتزال القتال، مع مناصري الزنكي، فلم يحالفها الحظ فيهم، مثل ما كان في مناطق كانت تعدّ خزانًا بشريًا للأحرار.

ـ حدوث تصدُّعات في الهيئة، على غير المعتاد، طالت المستويات: العسكرية، و الشرعية، و الإعلامية، بشكل أوهن جانبها كثيرًا.

ـ لم تدخر الهيئة سلاحًا للحسم، فحشدت حتى الثقيل؛ و هو ما جلب لها كثيرًا من الحرج، و السخط الشعبي، ناهيك عن كثير من علامات التعجب، حول النتيجة المتوخاة من هكذا صراع، تستنزف فيه الأرواح، و مخازن السلاح دونما تعويض.

ـ ساد شعورٌ عام بأنّ الهيئة ماضيةٌ في جعل الحالة السورية ملكًا حصريًّا لها، و أنّها تسعى لتهميش الآخرين اعتمادًا على النظرية " التغلُّب "، ضاربة بعرض الحائط الرؤيةَ التشاركية في رسم مستقبل سورية.

ـ لقد بذلت جهودٌ و مساعٍ لحرف مسار الاقتتال من نزاع أهواء و مصالح، إلى نزاع بين المناطق و القرى، و ذلك خطيئة كبرى لن تُغتفَر في تاريخ الاقتتال الفصائلي.

ـ لقد حافظت الزنكي طيلة هذه الجولة على مواقعها التقليدية، التي تتمتع فيها بحاضنة شعبية كبيرة، فنجحت في امتلاك عنصر المباغتة، و جعلت الهجوم وسيلتها، على عكس ما حصل مع الأحرار، و حتى تلك المواقع و البلدات التي خسرتها خلال الساعات الأولى، لم يطل زمن استعادتها، و هو ما أكسبها ثقة بنفسها، و عدّ انتصارًا لها، و كسرًا لشوكة الهيئة.

ـ لقد وضح الإحساس بالانتصار في خطاب الزنكي، من خلال خروج عدد من قادتها وممثلي مكاتبها الإعلامية والسياسية عن صمتهم، الذي ساد خلال الأيام الأولى، و انعكس ذلك أيضًا على التعامل مع المبادرات و المناشدات المحلية و العشائرية لوقف القتال.

ـ لقد كثفت الزنكي هجمتها الإعلامية ضد الهيئة، بموازاة نجاحاتها العسكرية على الأرض، و راحت تلوح بولادة ائتلاف عسكري يضم الأحرار الشام، و جيش الأحرار؛ فأربكت بذلك الهيئة، ما جعلها تضاعف حواجزها، و تقطع الطرق بين المدن والبلدات في ريفي إدلب، و حلب الغربي و الجنوبي.

ـ لم تنجح دعاية الهيئة هذه المرة في إقناع جماهير مؤيديها بمشروعية قتالها، على غرار دعايتها التي رافقت حملتها ضد الفصائل الأخرى، فلم تُجدِ نفعًا الرسائل حول مظلوميتها، وكرهها للقتال الذي أجبرت عليه، و أنّ الزنكي قد اعتقلت عوائل عناصرها، و لاسيّما من المهاجرين، و فيهم نساء وأطفال عُزّل.

ـ لم تنجح الهيئة في التسويق لحربها، بوجود علاقة وتنسيق مباشر، بين الزنكي و جيش الثوار في عفرين، على غرار ما ادّعته بوجود علاقة بين فصائل الحر، أو الأحرار مع تركيا، و روسيا، لمقاتلتها كجزء من توافقات مؤتمر أستانا.

ـ لقد اعتمدت الهيئة بشكل كبير على قطاع البادية، و جلّ مقاتليه القاطع ليسوا على دراية بجغرافية ريف حلب الغربي، ذي الطبيعة الجبلية الوعرة، التي أكسبت الزنكي نقاطًا على حساب الهيئة.

ـ لقد اعتزل قسم كبير من المهاجرين القتال هذه المرّة، و غلب على القلة التي شاركت، أنّهم من الصفوف غير الأولى، و قد أثر ذلك على معنويات عناصر الهيئة، الذين شكك قسم كبير منهم في مشروعية القتال هذه المرة، هذا فضلاً على عدد من الانشقاقات فيها، ككتيبة الشهيد فراس أبو أيمن، و الشهيد محمد ياسين نجار، وشهداء الوسطاني، و الفاروق، و أسود الرحمن، و قاطع الملاحم العسكري.

ـ لقد نجحت الزنكي في الحشد الشعبي في القرى والبلدات التي تعرضت لهجوم الهيئة، فحمل المئات منهم السلاح للدفاع عن قراهم ومدنهم، و كان الاتحاد الشعبي، أحد التشكيلات الشعبية التي تشكلت قبل مدة، جزءًا من الحراك الشعبي المسلح الذي وقف في وجه الهيئة، وهو الأمر الذي لم تحسبت له الهيئة حسابًا.

ـ لقد شعرت الهيئة بخسارتها الجولة الأولى ضد الزنكي، و من المحتمل أن تتوقف حتى موعد آخر تقرره الهيئة، ريثما تعيد حساباتها، و خطط معركتها التي بدت عشوائية لا كسابقاتها من المعارك، فهل ستصمدُ الهدنةُ المعلنة منذ منتصف ليل الخميس: 16/ 11، أم أنها بانتظار من يخرقها، لتعود الحرب أشدّ ضراوة.

وسوم: العدد 747