تذكرت المنازل والديار=وجيراناً لنا كانوا خيار
وما عيش السجين سوى قيودٍ=يكبل فيها ليلاً أو نهار
ويحجب ناظريه عصابٍ جلدٍ=فلا يدري يميناً أو يسار
إذا قال الحقيقة كذبوه=وقيل مراوغ يبغي الفرار
وإن يشهد على رجلٍ بريء=يصير مصدقاً حيناً وجارا
غدا السجان أستاذ بسجني=وصار العالمون به صغار
وصار المجرمون رجال أمن=ففاقوا في جريمتهم قدار
خشيت الشيب في رأسي وقلبي=من الأهوال يعتصر اعتصار
وأقدامٌ تقرحها سياطٌ=وظهرٌ أبيض يحكي احمرار
وأهوالٌ يذوب القلب منها=وضرب لا أطيق له اصطباط
أيا يوم الخميس وكنت يوماً=مريراً لا يقدر أو يجارى
بكى أهلي لحالي واعتقالي=وما يغني البكاء عن الأسارى
وعاش الأهل أعواماً صعاباً=وبات الأقرباء لنا حيارى
وعاش الناس في حالات رعبٍ=وذاع الخوف وانتشر انتشارا
إلهي فرج الكربات عنا=وأبدل ليلنا الداجي نهار
فإن خصومنا قد طوقونا=ولفوا حول دعوتنا سوارا
وعاثوا في مساجد فساداً=فأين الطير ترميهم حجارة
وتجعلهم هشيماً مثل جيشٍ=من الأحباش نحو البيت سار
ليصرف وجهة الحجاج عنها=إلى ديرٍ تقدسه النصارى
بلاد الكفر تحيا في أمانٍ=ولا أرى فيها خلفاً واشتجارا
لأن رجالها عاشوا إليها=وما كانوا سماسرةً كبار
تباهوا في بلادهم وباهوا=شعوب الأرض وافتخروا افتخارا
فعاشوا في مناصبهم أماناً=وما خافوا اغتيالا وانفجارا
ودنيا العرب طوحها خلاف=تحليه خطة الأعداء نارا
عصابة عسكر حكموا بلادي=وسموا نكسة الذل انتصارا
وباعوا أرضنا بدريهمات=لإسرائيل واحترموا الجوارا
حزيران يجرعنا أساه=بذكراه الأليمة والمرارة
وجبهتنا المنيعة في ذراها=ستبقى في جبين البعث عاراً
تكلف جيشنا عشرين عاماً=يشيد الحصن يتبعه المضارة
فراحت في سويعات قصاء=وولوا ظهرهم عنها فراراً
أذاعوا من إذاعتهم بلاغاً=به انهارت عزائمنا انهيارا
قينطرة يطوقها الأعادي=فأصلوهم فؤوسا أو حجارة
فمهلاً يا طغاة البعث مهلاً=فإن حروبكم كانت تجارة
ضمائركم يعف الدود عنها=ويأبى أن تكون له قرارا
ولو فيكم قليل من حياء=لمتم وانتحرتم انتحارا
لمنظر لاجئ يحكي بكائر=يؤجج في ضمير الحر نارا
يسير من المصيبة في ذهول= أيبكي الأهل أم يبكي الديارا
أيبكي الطفل مبغوماً بمهد=أيبكي الأم تتبعها العذارى
ديار هاجر الكسان منها=فصارت بعد ساكنها قفارا
متى سيزول حزب البعث عنا=ويدرك من صروف الدهر ثارا
ونطرد من بلاد الشام حزباً=بأرض الشام قد لعب القمارا
وروع أهلها وعدا عليهم=ولم يرحم شيوخاً أو صغاراً
فكم من نائم قد أيقظوه=وكان الحلم غازله فطارا
ووسنان يداعبه كراه=تنبه فجأة فرأى سوارا
جنود في ظهورهم سلاح=يحيطون المنازل والديارا
وساروا فيه تبكيه البواكي=وقلب الأم ينفطر انفطاراً
وزوجته يؤرقها منام=فلا ترتاح ليلاً أو نهاراً
وكم من طالب قد خرجوه=ووالده يذوب له انتظارا
عسى ولعل تسعده الليالي=ويقطف من دراسته ثمارا
مضى للسجن يرسف في قيود=وعين أبيه تذرفه غزارا
وكم طفل سيسأل عن أبيه=وحسب السامعين به مرارا
تقول الأم مهلاً يا صغيري=فإن أباك نحو الموت سارا
شهيداً في سبيل الله أضحى=جنان الخلد نادته فطارا
هوى صرح الخيانة في بلادي=كما أن الزمان عليه دارا
وولى غير مأسوف عليه=إلى قبر سيتعر استعارا
جهنم داره وله مهاد=وحسبه أن تكون له قراراً
لعمري كم أذاق الناس رعباً=وهاجم بلدة وقرى صغارا
ودباباته تطوي الصياخ=لتهدم مسجد أو تدك دارا
وقرية معصران لا تسلها=فقد حيلت منازلها دمارا
ديار من بني العباس(2) قفر=أحالوا رهج زينتها غبارا
ألوف الناس يقتل في حماة=ويهتك عرض عذراء جهارا
ليبقى منصب وعليه قزم=وحسبي كم نظرت له احتقارا
وشعب حماة بعد قديم مجد=تضيق به الفسيحة انتشارا
مشردة تفتش عن أبيها=ولا تدري أباهم أين صارا
وعارية تسير بنصف ثوب=وتسأل من سيمنحها ستارا
حماة اليوم برلين قديما=وفاقتها بمنظرها مرارا
فلا تذكر بجانبهم مغولا=ولا تذكر بجانبهم تتارا
فدون أيها التاريخ واكتب=ولا تخجل إذا سطرت عارا
عدو كافر بالدين نذل=وعري من دعاته فاستثار
ستمضي خلفك اللعنات تجري=ترددها الأرامل والعذارى
يرددها فقير كان يأوي=إلى بيت بعثت له الدمار
وأمس لاجئا من بعد عز=ويسأل في أهالي الريف دارا
ليسكن فيها والده وأقا=ومرضقة وأطفالا صغارا
جويفظ لا أراك سوى سليل=لبيت في الخيانة لا يجارى
منحتهم بتشرين أراضي=وسميت الهزيمة انتصارا
وصرت القنيطرة باب رزق=وصار خرابها المبكي فراار
وحين مجيء مسؤول غني=تزف به لعورتكم زيارة
إلى تلك التي أشبعتموها=مساومة وتهريجا وعار
لينظر نحوكم بقليل مال=ومثلك في التسول لا يبارى
جعلتم من خيانتكم صموداً=ورفضا يا أصابع غولدمارا
وما للصدق عندكم نصيب=وقول الزور لا يحمي الذمار
وإعلام لكم أمس خبيزاً=بفن الكذب واشتهر اشتهارا
وتقطع نشرة الأخبار شوطاً=عن السيد الرئيس وأين طار
وكيف استقبل المذكور وفد=ومن حضر الوداع أو المطار
فيا حراس قبلتنا أفيقوا=وكفوا أعطياتكم الكبار
عن النذل الخؤون وجارسين=فإن الصخر في بلدي استجار
وصارا العيش في بلدي عزيزا=لمن يهوى التدين والوقار
وخفض العيش أدركه زناة=قرامطة نصيرية سكارى
أتى غورو لسوريا فكانوا=له أجناد صدق حيث سارا
ويوم جلت فرنسا ودعوها=ودمع العين ينهمر انهمارا
وتل الزعتر المحزون فساد=كأنه لم يكن يوماً ديارا
أحالوه تلالا من تراب=لكي يرضوا اليهود مع النصارى
فلسطين كفاك بهم خداعا=وأقصد شعبك المصلي نارا
وتدمر قد غدت قبراً لجيل=تربى في المساجد واستنارا
ولولا دعوة الإسلام فينا=وقرآن نرتله نهارا
وإيمان بأن النصر آت=وأن الليل قد ولد النهار
وأن الله ممهلهم قليلا=ليأخذهم بعز واقتدارا
لحطمت النفوس بما رأته=ولاقته احتسابا واصطبارا