سبتك من الأشعار تلك الروائع=فجئت بما لم تستطعه البدائع
أيا شاعرا بالخافقين مقامه=تبلج فإن الصبح صبحك طالع
ألم تر أن الليل يسري لأول=من الفجر يجري بالهدى وهو ساطع
وأنك لليسرى تُيسّر شاعرا=فكيف إذن لا تصطفيك المجامع؟
ألست إذا جن الظلام بوجدة=تهيم إلى ليلاك والشمل جامع
تجن بها عشقا وأنت متيم=وإن جنون العشق منها لواقع
فيا حبذا ليل بشعرك مولع=ويا حبذا شعر بأمرك ذائع
لك الليل والنجوى وفيض من الرؤى=لك الحلم لا يفنى فهل أنت قانع؟
لك الوصل من ليلى ربيعا مطرزا=فأنت بما تهوى إليه تسارع
هو الشعر من حَرّ الوقائع منزل=وما الشعر إلا ما تروم الوقائع
ألا فاكتب الأشعار عشقا مُسَجَّرا=وصغ من يقين الحلم ما أنت صانع
قصائد في مسرى الخيال محلها=ومهبطها الإلهام والليل ناصع
إذا ظهرت غراء فيما يزينها=سرت بجلال الشعر منها الطلائع
هو الشعر شعري، هل أتاك حديثه=من الكلم الموزون، أبلج بارع
معانيه بالعلياء ثمّّ مقامها=تنزّل بالإلهام فهْي جوامع
ألا إنني في ليلة الشعر بالهدى=أطوّف في الإلهام والأفق واسع
أقول من الأشعار في كل رعشة=قصائد يرويها قريب وشاسع
هو الشعر شعري بالبديع موقع=وغيره من لغو الحديث جعاجع
ولي زمن في وجدة الوجد شامخ=ولي وطن منه اللظى والفجائع
فيا زمنا أين الذين أحبهم=ويا وطنا أين الجنى والمرابع؟
مضوا ومضى ما كنت أرجوه وابلا=من الطل يجري للندى ويطالع
لعلك فيما أنت فيه من الرؤى=تروم محالا أولعلك باخع
أمن هو بالأمجاد حر مُعبقر=كمن هو في الأوغاد للذل جارع؟
لي الشعر موزونا يحن إلى الرؤى=وليل من الجنات باللحن رائع
إذا قيل من في الشعر يبدع عبقرا=أشارت إلى رب القصيد الأصابع
أنا بالقوافي الغر أشعر شاعر=وبالعشق شعري والذي هو ذائع
وأصلي وفصلي من رياح وقومتي=لها في ذرى الرايات ثم زوابع
أهيم بليلى ليلة بعد ليلة=وأقتبس الأسحار وهي سواطع
وأرحل في الإلهام وهو منوّر =وأستبق الأشعار وهي لوامع
إذا شمت من ليل الجنون صوادحا=هدتني إلى ليل المنون صوادع
أرى من زماني رجة بعد رجة=ولكن مثلي لا تهد الزعازع
ألم تر أني بالخطوب محاصر=وأني بأمر الحق لا بد صادع
فلست إذا جد الوغى بمجوّف=ولست إذا خاف الجزوع أصانع
ولست إذا قالت أسيماء من فتى=أفر ودوني في النزال قعاقع
ولي من صميم العرب نفس أبية=ولي من سيوف الهند سيف يقارع
ومن لم يصارع في أمور كثيرة=يمت في رغام الذل والذلُّ هالع
أنا وربيع الشعرنجري لثالث=من الطيف في الأسماء والليل رابع
هو الطيف يا أسماء طيفك منزلا=تخر له الأطياف والشعر راكع
أنا في زمان الشعر أول شاعر=وهذي عيون الشعر طوعا تبايع
أكر وما في النفس إلا حشاشة=وأضرب من بأسي رؤوسا تنازع
وإن حمام الموت لا شك مدركي=وليس له من شدة البأس دافع
لحا الله رعديدا هجينا مدجّنا=إذا قيل هيا قال إني قابع
وما لي من حول ولا لي طاقة=فكيف إذن أغشى الوغى وأدافع؟
فلما رأى من صولة الحرب مغنما=تقدم حرصا وازدهته المطامع
وأقدم في الأنجاس يرجو عطية=وليس له من عفة النفس رادع
يخاف إذا جن الظلام خياله=ويهرب من ظل له وهو جازع
يظن بأن الموت ليس بحاضر=وما الموت إلا ما يرى وهو سامع
فهيهات خلد بالوجود مخلد=وهيهات ما يرجوه والموت فاجع
ألا فليذق طعم المنون محنظلا=وما له في الأخرى من الحق شافع
فطوبى لمن بالغزو حدث نفسه=وتبا لمن لم تصطنعه القوارع
أعاذل مهلا لا ملامة في الوغى=وكيف يلام الليث وهو يصارع؟
ألا إن فخري بالعروبة عاربا=هوية آبائي فكيف تنازع؟
هم القوم قومي يا جهول فوارس=عيون المها أقدارهم والمعامع
فما منهم إلا عجول إلى الردى=صبور على حر الوقيعة بارع
إلى الله في الجنات قرما وسيدا=ولله بالحسنى ترد الودائع