مِنْ جِيدِ أَنْدَلُسٍ تناثَرَ عِقْدُنا
تَتَضَوَّرُ الأشواقُ شوقًا كُلّما
رُمْنا الخُروجَ من الغَيَاهِبِ
والعُروجَ إلى سَحائِبِ عِزِّنا
ولأنَّ أوَّلَنا وآخِرَنا على
طَرَفَيْ نَقيضٍ فَالوِفاقُ سَلاحِفٌ
زَحفَتْ على ظَهرِ الوَنَى
ولأنّ أسْفارَ التَّشَظِّي والضَّنَى
كُتِبَتْ بأحبارٍ يُسَوِّدُها العَنَا
ولأنّ تاريخَ الهَنَا
والنصرِ، يكتُبُهُ الذي حازَ السَّنَا
فَعلَى رُخامِ المعبدِ المهزومِ وقّعَ آمِنَا:
إنَّا هُنا:
مُذْ أحرَقُوا كُتُبَ ابنِ رُشدٍ ، فَانْثَنَى
عُودُ الحَضارةِ راغِمَا
فتساقطَ الدُّرَّاقُ والتُّفَّاحُ قُرطُبَةً فَقُرطُبَةً
وذِي غِرناطةٌ والقُدسُ والفَيْحاءُ،
بَغْدادُ الرَّشيدِ، وَجَوّعوا صنعاءَ
حتى جَفَّفُوا أطفالَكُمْ مِنْ أَجلِنا
***
ماذا يقولُ "أبو البِقاءِ" إذا رأى أحوالَنا؟
سيقولُ إنَّ القلبَ ذابَ لِمِثْلِ هذا حينَ كانَ سُقُوطُنَا
وَتَتابعتْ زَفَرَاتُنا
مِن قَصرِ باكٍ مُلْكَهُ، حتى غَدَتْ كَمَدًا هُنا
مُذْ سافَرَتْ في التَّرجماتِ الفلسفاتُ
وَحُرِّفَتْ أفكارُ نَهضتِنا لِنُلْقَى
فوقَ سِندانِ التَّخَلُّفِ، حيثُ نَبْقَى
والمَطارِقُ مِن حَديدِ القَرصَناتِ
وما اكتَفَوا بِهُزالِنا
بل عادَ "شَيْلوكْ" مِنْ رُبوعِ "البُنْدُقيّةِ"
رافعًا سِكِّينَهُ بإزائِنا
ومُقَطِّعًا مِنْ لَحْمِنا
والقُدسُ أوَّلُ قِطعةٍ تُشْوَى على جَمْرِ الغَضَى
لكنَّ أطفالَ الحِجارةِ يَطْمِسُونَ
مِن المَعَاجِمِ، ما تَرادَفَ مِنْ رِضَى.
والنَّابِلونَ تَسوَّروا مِحرابَنا
شَدُّوا الخِطامَ تَصَيَّدُوا فُرسَانَنا
والعَلْقَمِيُّونَ اسْتعادُوا مَنْ نَجَا واسْتَأْمَنَا،
تَبًّا لِمَنْ في الجُبِّ يُلْقِي حُلْمَنا
ثَمَنًا لِكُرسيِّ فَنَى؛
مَنْ قَدَّسُوهُ، وَثَبَّتوا- كَجَبائرٍ- سِيقانَهُ بِعِظامِنَا
***
وإذا بِنا:
آلافُ حَيَّاتٍ تُرَاوِدُنا بِــ هَيْتَ لِلَدغِنا
وَعِجافُ بَقْراتٍ تَنَاسَلَ جَدْبُها في أرضِنا
يا وَيْلَنا:
مِنْ جِيدِ أَنْدَلُسٍ تناثرَ عِقْدُنا
وتتابعتْ عُقْبَانُهم تَقْتاتُ مِن تَفتِيتِنا
تَجْويعِنا ولُوَابِنا
فالماءُ مِنْ أنهارِنا؛
سَرَقُوهُ حتى اسْتَنْسَخُوا مُسْتَنصِرًا في عَصرِنا
هي "شِدَّةٌ" طرَقَتْ بِكُلِّ ضَراوةٍ أبوابَنا
عاثَتْ فَسادًا في الدِّيارِ وَقَطّعَتْ أوْصَالَنا
والآنَ تَحدُونا الطريقُ لِنَقْتفي آثارَنا
هي ساعةٌ رمليَّةٌ ثارتْ على إبطائِنا ورُكودِنا
في قاعِ قِيعانِ المَهانةِ، والرَّغامُ فِراشُنا
الخَوفُ بُرْدٌ والمَباءةُ خَيْمةٌ والرِّيحُ تثقُبُها فَتُشْعِلُ بَرْدَنا
فمتى سَيَبْدأُ في الصُّعودِ المُنحنى؟
وغَزالةُ الإقْدَامِ تركُضُ بينَ أدغالِ المُنَى؟
والبَيْدَرُ النَّشْوانُ يَسْكَرُ مِنْ أناشيدِ الجَنَى؟
يا ربِّ إنَّا شَاقَنا
قَمَرُ الحَصادِ ورَنْوَةٌ للقاطِفينَ الأنجُمَا
أنْ يَصدَحَ القُمْرِيُّ، يَفرَحَ دَوحُنا:
جُرحُ البنفسَجِ رَتَّقَتْهُ سُيوفُنا،
واشْتَدَّ في قوسِ الحِراسةِ رُمْحُنا
*****
الثاني من يناير 2019
خمسةُ قُرونٍ ونَيِّفٌ،بعد الانهيار، وما زال الدمعُ يبري خُدودَ الأحرار
*لابَ/لُوابًا : استدار حول الماء وهو عطشانُ لا يصِلُ إِليه/ الوَنَى: التباطؤ والتَّأَخُّر
الغَضَى: شجرٌ صَلبٌ وجمرُهُ يبقى مُشتعِلًا زمنًا طويلًا/ القُمْريّ: حمامٌ جميلُ الصوت
وسوم: العدد 806