كل ثناء على الجزيرة العربية مهما تألق غثاء، لأن الله سبحانه وتعالى قال عنها: {للَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (الأنعام: 124)
***
1- قال العالم الفرنسي المشهور "غوستاف لوبون": "لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب".
يا درة الأوطان أنتِ وسامُ=في جبهة الدنيا وأنتِ حسامُ
رمزاً غدوت لديننا وبلادنا=وهما مكارم كلهن عظام
ترتد عنك الغاشيات حسيرة=فإذا بها بعد العتوِّ حطام
لتصير في التاريخ ظلمة ليلة=مثل الثواني مرُّهُن لمام
* * *=* * *
هذي الديار شهامة ونبالة=وتواضع وترفع وذمام
صحراؤها وجبالها وسهولها=والبحر والغدران والآجام
ونساؤها ورجالها وشيوخها=واليافعون جميعهم أعلام
سرت الفضائل في بنيها كالسنا=فزكت بهم وزكوا فلات ملام
يربو بها فضل وتزهر عزة=ويموت أنذال ويفنى ذام
الله أعلاها فكانت قبلة=تهفو لها الأرواح والأجسام
ومحمد والمسجدان تباركا=وهما سناً وهداية وسلام
وعروبة موروثة في فتية=طابوا فهم بين الخلائق هام
قد نمَّ عنهم فعلهم مع صمتهم= لا تعجبنْ إن الشذا نمّام
أمجادهم عظمت وهم صناعها=إن العظائم أصلهن عظام
إن عز أقوام بباهر مجدهم=فديارنا للباهرات سنام
* * *=* * *
وفتوحها فوق السماك طهارة=والشاهد المغلوب والأخصام
لوبون(1) قال وكان حقاً قوله= ومقاله كالبدر وهو تمام
لم تعرف الدنيا فتوحاً مثلها= جاءت بها مثل الشذا الأنسام
شكراً له من منصف ذي حكمة=فيه الأناة يزينها الإلهام
لا يعجبنْ مما رأى فقيادها=في حربها وسلامها الإسلام
الفعل منها والمقال عقيدة=تُفدى ولو ان الفداء حِمام
والحق فيها والحسام تحالفا= حلفاً هو الإحسان والإكرام
ووعودها وعهودها محفوظة= شرف المروءة ليس فيه سوام
وسيوفها قبل اليراع تصونها= ودماؤها حصن لها ودعام
وعهودها محروسة بدمائها=عهد المروءة ليس فيه سُوام
وبذاك ظلت أيكة ريانة= وفتوح من نكثوا العقود عُقام
* * *=* * *
في كل آفاق الدنا أفضالها=كالبدر يسطع ما عليه لثام
شهدت لها قبل الصديق عداتها=والشيخ والقسيس والحاخام
الصين في شرق البلاد رواقها=ورواقها في غربهن الشام
سعدت بها مثل البرايا أرضها=والطير في الوكنات والأيتام
والذئب آخى في الفيافي نعجة=وتفتحت عن نورها الأكمام
فكأنها من فضل ربك جنة=الناس فيها رتع وهيام
تغني وتقني والسعود معازف= أما الشداة فبلبل ويمام
ستظل ما الأفلاك ظلت نُجْعة=وطريقها رحب عليه زحام
وعلى عداها والإله يصونها= "رصَدان ضوءُ الشمس والإظلام"
"فإذا تنبه رَوَّعته وإن غفا= سلت عليه سيوفها الأحلام"
وهي الرجوم وإن عقباها له=قبر عليه وضاعة ورجام
* * *=* * *
هلكت بها الأصنام بعد علوها=والجهل والأنصاب والأزلام
ومبادئ شيطانها أزرى بها=إن المبادئ إن غوت أصنام
وجناية الأصنام إن تك مبدأً=يجثو لديه كاهن وعوام
أنكى من الزلزال فهي رعونة=في عقل راضيها قذىً وجذام
هذي وتلك ديارنا تأبى لها=إلا الهلاك يجيء وهو زؤام
قل للطغاة تأهبوا لأذاتها=فهي السها وجميعكم أقزام
وهي الحقيقة محضةً وجليةً=وبناؤكم كمقالكم أوهام
وسحابها الغيث الهتون وغيمكم=مهما فرحتم فرية وجَهام
والماء فيها كالفرات عذوبة=ومياهكم وشل وفيه سقام
وسيوفها مع عدلها بتارة=وسيوفكم مهما لمعن كهام
* * *=* * *
ما أمَّها طاغٍ يريد هلاكها=ووراءه جيشٌ ظمٍ ولُهام
تسطو به أحقاده وهي اللظى=ورغابه الحمقاء وهي أثام
إلا وعاد مضرجاً بدمائه= وبعاره تعدو به الآلام
وخياره الأسر الذليل إذا ونى= وإذا تمادى فالخيار السام
أما الندامة فهي ذئب صائل= العين نار والنيوب سهام
فإذا تمنى الموت قيل له اتئد=فالموت جام تستقيه فجام
في كل ثانية تموت مجدداً=وكأنها مما تعاني عام
فإذا رغابك صرن سما ناقعاً= وإذا جنونك دمنة وسخام
وإذا مماتك فوق ما يحصي الورى= وإذا جهنم بعد ذاك مقام
وإذا جوارك من بغوا واستكبروا= ثم امَّحووا وكأنهم أوخام
أما جنودك والهلاك يؤزهم= فهم شتات ضائع ورمام
وعلى القلوب من الهوى أقفالها=وعلى الوجوه من الذهول كِلام
ولو استطاعوا مزقوك كراهة=والحقد سيل فاتك وعرام
والنار تأكل بعضها والمعتدي= يعدو عليه أظلمٌ غشّام
إن المظالم حتفها في سعيها= والظلم والحتف الزؤام تؤام
ولرب ظلم كان محض عدالة= ولرب عدل كله إجرام
لا يحصد الإنسان إلا زرعه= والعقبيان كرامة أو ذام
كتبت على أجبالها ورمالها=درراً عليها النبل والإحكام
أبُنَيَّ كن سيفاً صؤولاً ظافراً=العدل فيه سجية وعصام
وإذا دعاك إلى المهالك واجب=فافعل فإن الهُلْكة الإحجام
فإذا غَلَبْتَ فأنت نصر باهر=وإذا غُلِبْتَ فإنك المقدام
وتظل في الحالين ترفعك الدنا= وتقول: هذا الصقر والضرغام
والدهر في رفع وخفض لا يني= قدر يدور وسنة ونظام
لكن عاقبة الأمور مفازة =للمتقين وأنعم ووئام
واجعل بُنيَّ رضا الإله لك المنى=وكأنها في أصغريك غرام
فإذا ظفرت به بلغت المنتهى=فجميع ما فوق الرغام رغام
* * *=* * *
وإذا تساءلت العلا في لهفة= وبها عجالة تائق وأوام
من هم بَنِيَّ الصيد في صهواتهم= يتبسمون إذا الردى حوّام
وإذا سطوا فالسطو منهم غالب= وإذا حبوا فالأعطيات جسام
وهم الوعود البيض تأتي كالضحى=الصدق بدء والكمال ختام
ورنا الجميع لمن يجيب وبينهم= سام أعز وسفلة ولئام
وعرا الجميع تبسم وتجهم= وتوتر الأصحاب والأخصام
حتى إذا الأوهام صالت بينهم= مثل الأفاعي صولهن سمام
أومى الزمان إلى العلا وأجابها= هذي الديار وأهلهن الهام
فهم بنوك كما عهدت وإنهم= باقون قد دُمْتِ الوفاء وداموا
الظاعنون الصِّيد حيث ترحلوا=والماكثون الغر حيث أقاموا
* * *=* * *
سكنت فضائلها دمي ومشاعري= أما البنون فإنهم أعلام
أبصرتهم فإذا بهم فوق المنى= غرٌّ ميامين الفعال شِهام
يقتادهم بطل أشم مسوَّد =ومظفر أنى مضى وهمام
هو بدرهم وهم النجوم فخارهم= خطته في سفر العلا الأقلام
وهم الليوث إذا المخاوف أقبلت= كالضاريات ومأرز وعصام
نهدوا لها جنّاً وفيهم خفة=وهم صواعق زمجرت وضرام
وتسابقوا للهول فيه أبصروا= عرساً عليه الفاتنات قيام
يحدوهم قبل الشجاعة دينهم= ومحبة الأوطان وهي إمام
السيف فيهم خالدي ظافر =والقلب منهم مفتد عزام
وإذا الأمان أتى فهم ما تشتهي=غر الخصال ووعدها البسام
وهمُ مناهل ثرَّة مورودة=ومنازل مقصودة وخيام
وإذا الجفاف عرا البلاد فإنهم= برق صدوق رعده وغمام
ينهل غيثاً يستقي منه الثرى =مثل الورى والبشريات سجام
يا بارك البَرُّ الرحيم صباحَهم= ومساءَهم ما مرت الأعوام
* * *=* * *
وعلا بها حادٍ مسامعه المدى= بعد المدى والحل والإحرام
نادى الخلائق كلهم متحدياً=ونداؤه الإعلام لا الإرغام
"يا هذه الدنيا أصيخي" واسمعي =كثرت على أبنائك الآلام
والظلم كشر بينهم عن نابه=وعتا البغاث وأغمد الصمصام
والشرك أرسل في الورى أجناده=ولهم عرام صائل وزحام
وتساءلوا في حرقة مَنْ منقِذٌ=يأتي حساماً في يديه حسام
نحن الغد الآتي لهم في همة=مقدامة يقتادها مقدام
وبها سنخرجهم من الدنيا التي=ضاقت إلى الأخرى التي تُشْتام
يحيون فيها في ضيافة ربهم=والجود فيها مترف بسّام
ومن الضلالة للهداية نورها=كالشمس لا غبش بها وقتام
ومن المظالم للعدالة حكمها=يعلو فلا بغي ولا إجرام
هذا الذي كنا عليه وإننا=سنعيده ووعودنا إلزام
* * *=* * *
صمت النداء فإذا صداه هاتفاً= أنت الرجاء الحلو والأحلام
"قم في فم الدنيا" وأذِّنْ في الورى=هذي ديار صانها العلام
ستظل ما امتد الزمان عزيزةً=محفوظةً أبداً فليس تُضام
ومثابةً للعلم تحبوه الدنا= وعرينةً دستورها الإسلام