صَدَحَ الزَّمانُ بحُسنِها وجَمالِها=لمَّا أضاءَ ظلامَها الإسراءُ
وترَنَّمتْ فيها البَلابلُ بَهْجةً=وشدَتْ بفضلِ أثيرِها الشُّعراءُ
وتمايَلَتْ فيها الغصونُ برقَّةٍ=وشذتْ بها الأوْرادُ والأجواءُ
يا لَيْلَةَ الإسراءِ أعْجَزْتِ الوَرى=فتقزَّمَ الفُصَحاءُ والبُلَغاءُ
فلَأنْتِ أكبَرُ من حروفِ لُغاتِنا=وكأنَّ كلَّ لغاتِنا خَرْساءُ
ولَأنْتِ مُعجزةُ السَّماءِ جلِيَّةً=لمَّا بَغى الباغونَ والكُبَراءُ
لمَّا ثقيفٌ سلَّطتْ سُفهاءَها=وعدا على خيْرِ الوَرى الدَّهماءُ
عادَوْا رسولَ اللهِ وامْتهَنوا الأذى=فقلوبُهُمْ وعقولُهم جَوْفاءُ
والعامُ عامُ الحزنِ بَعْدَ خديجةٍ= والعَمُّ ماتَ وعزَّتِ النُّصَراءُ
وهي الرَّؤومُ وكمْ فدَتْهُ بمالِها= وهي العَطوفُ وما لَها نُظَراءُ
وقفَ الرَّسولُ مُناجيا ربَّ الوَرَى=وَيَدُ الزَّمانِ مَكيدةٌ وجَفاءُ
وشكا إليْهِ الضَّعفَ شَكْوَى ضارعٍ= فكأنَّ آذانَ الوَرى صَمَّاءُ
ما عادَ فيهِمْ من قريبٍ مُشفِق=ما عادَ في تلكَ القلوب وفاءُ
ماتتْ مَشاعِرُهُمْ وأجدَبَ حِسُّهُمْ=فحُروبُهُمْ في رَدْعِهِ شَعْوَاءُ
والمُسلِمون على الأذيَّةِ أصبحوا=وكأنَّهُمْ في دارهِمْ غُرَباءُ
واللَّيْلُ طال على النَّبيِّ وصَحبهِ= لمْ يَتْلُهُ بَعْدَ الظَّلامِ ضِياءُ
فتوَجَّهَ القلبُ الصَّبورُ لربِّهِ= ما كانَ عِندَ سِوى الإلهِ عَزاءُ
فحباهُ بالإسراءِ ربٌّ قادرٌ=والمعجزاتُ من الإلهِ عطاءُ
أسرى بهِ في ليْلةٍ مَيْمُونةٍ=هِيَ ليْلةٌ في دينِنا غرَّاءُ
أسرى به جَسَدًا وروحًا أُثبِتَتْ=وتواترَتْ في صدقهِ الأنباءُ
طُوِيَ الزَّمانُ فليْسَ ثَمَّ مسافةٌ=طُوِيَ الطَّريقُ فليْسَ فيهِ عَناءُ
سُبحانَ مْن أسرى بهِ مِن مَكَّةٍ=للمَسْجِدِ الأقصى ففيهِ رَجاءُ
صلَّى بهِ بالأنْبياءِ وأمَّهُمْ= وتنزَّلَتْ عن قلبهِ البُرَحاءُ
فالمَسجدُ الأقصى عقيدةُ أمَّةٍ= مهما اليَهودُ على الزَّمانِ أساؤوا
قدْ كان أولى القبلتيْنِ وثالِثُ =الحَرَمَيْنِ منه النُّورُ والأضواءُ
منه ابتدا المِعراجُ نحو المُنتهى=فتبارَكَ المِعراجُ والإسْراءُ
وهناكَ أهْدى الله من تشريعهِ=فرْضَ الصَّلاةِ وإنَّه لَسخاءُ
فهي الَّتي تنهى عن الفحشاءِ ما=صدَقَ التَّقيُّ بها وطابَ دُعاءُ
ورأى من الآياتِ كُبراها وما=كذبَ الفؤادُ ولا عَراهُ شقاءُ
قد كان أوَّلَ رائدٍ صَعدَ الفضا= قد كانَ أوَّلَ مَن رأته سَماءُ
مِن بعدِ آدمَ والجنانُ كأنَّها=حنَّتْ إليْهِ وشاقها العُظماءُ
فاستبشرَتْ بمُحمَّدٍ وتهلَّلتْ=بقدومه الأملاكُ والنُّزلاءُ
وا فرْحَةَ القلبِ الكسيرِ وأُنسَهُ=لمَّا له تتزيَّنُ الحَسناءُ
هي سِدرةٌ ليْستْ كأيَّةِ سِدرةٍ=في فيْئِها ضمَّ الحبيبَ لِقاءُ
فاهْنأ مُحمَّدُ بالوِصالِ فإنَّه=للرُّوحِ بَلْسَمُها وفيه شِفاءُ
وانْسَ العذابَ من الطُّغاة ومُرَّهُ=(فبضِدِّها تتميَّز الأشْياءُ)
قد كانَ في المِعراجِ قصَّةُ رحلةٍ=خُطَّتْ بها الأرقامُ والأسْماءُ
وصَفَتْ بها نفسُ النَّبيِّ من الأذى=قدْ حفَّها بالمَكْرُماتِ بهاءُ
ولنا على الأيَّامِ من مِشكاتِها=مصباحُ نورٍ زيْتُهُ وَضَّاءُ
صلَّى عليْهِ اللهُ ما هبَّتْ صَبا=أوْ لاحَ نورٌ أوْ شَدَتْ وَرْقاءُ