سرعان ما استنفرت ذاكرتي كل ما لديها عن الأخوين الشقيقين الشهيدين عصام وعبد الله القدسي بمجرد قراءتي لنبأ وفاة والدهما المهاجر الصابر كمال قدسي...على صفحة الأخ الدكتور مجد مكي، وما سطره عنهم مشكورًا..... وعادت الذاكرة بي إلى تلك الكلمات المضيئة التي كنت قد سمعتها وأنا أصغي إلى ما تتحدث به ألسن الناس عن بسالة وشجاعة هذين الشابين في المرحلة الثانية للثورة السورية المباركة في ثمانينيات القرن العشرين الميلادي.. ومطلع القرن الخامس عشر الهجري...في مدينة حلب...
والحق أني، على مستوى التراب والطين، لا أعرف عن العائلة إلا اسمها... وهذا ما دعا أحدهم إلى أن يجد غرابة حين رآني أشرع في كتابة قصيدة رثاء للأب العظيم الذي ربى ونشأ هذين الشابين.. فقلت: أما يكفي أن روحي تعرف روحه منذ زمان سحيق؟ أما تكفي رابطة الأخوة معه لأرثيه بعد معرفتي ببلائه وبلاء بنيه...قال: ونعمت الرابطة.. بلى تكفي وزيادة.. فكانت هذه الأبيات.. وأسأل الله الأجر والقبول:
لم يأتني شيء من النسيان =فيمن قضوا بعدا عن الأوطان
في إخوة روحي تعانق روحَهم=من قبلِ معرفةٍ لدى الأبدانِ
فيم الغرابةُ قارئي لو أنني=عبرت عن حبي لذي إيمانِ
فيم الغرابَة إن رثيتُ مُهجّرًا= ومُهاجرًا، عانى من الطغيان
منْ آل قدسي والكمال خدينه=واسم له من سالف الأزمانِ
فابناه عبد الله ثم شقيقه=كانا بحق خيرة الشجعانِ
وعصام كان ولم يزل أنشودة=قد أنشدت في أعذب الألحانِ
ضحَّى بفلذاتٍ له في ثورةٍ=كانوا وقود فتيلها الغضبانِ
قد كان في بحبوحة من عيشه=في أهله في أفخر البنيانِ
ترك المزارع والحقول وريعها=كي لا يُسام الظلم من شيطان
لم يرض فيها أن يعيش بذلّةٍ=كالآخرين يسير في القطعان
لم يَرض ذاك لنفسه ولأهله=في ظل طاغوت حقير الشانِ
ألفى بآي كتابه أن هاجروا=لبى وراح يجوب في البلدان
حط الرحال هناك في أرض نأت=عن داره، يحيا بظل أمانِ
كان المثالَ المحتذى في غربةٍ=ومثارَ إعجاب لدى الطليانِ
وأبى مساومة له متعاليًا=عما يُقدّمُ من متاعٍ فانِ
واليوم قد لبى نداء مليكِه =مستبشرًا بضيافة الرحمن
يا ربنا أنزلهُ جناتٍ علتْ=ومُجاورًا لنبيك العدناني