فضيلة الشيخ المجاهد الفقيه المحقق عبدالفتاح أبو غده يرحمه الله
هو شجوُ القلوبِ ياشهباءُ = فاضَ دمعًـا فعينُنا سحَّاءُ
وبصدري من الرزيَّةِ جمرٌ = أوقدَتْهُ ببوحِها الورقاءُ
و وجومٌ ألقتْ عليه المنايا = ثكلَ قومٍ في حين عزَّ اللقاءُ
كانَ يومُ الفراقِ موقفَ صِدقٍ = ليس فيه لِمُوجَعٍ إخفاءُ
يادليلَ الأخيارِ إذ دلهمَ الخطبُ = وهاجتْ بريحِها الأرزاءُ
لم تجدْ ثلمةً ـ وتسمو سجاياك = سُمُوًّا ـ عيونُها الأعداءُ
طبْتَ حيًّا وطبْتَ ميتًـا ومَدَّتْ = لكَ رضوانَهـا العلى الغرَّاءُ
ياأميرَ الأفذاذِ في موكبِ الحقِّ = وتنأى عن فضلِك الأهواءُ
عشتَ صنوَ التُّقى وربُّك أدرى = أين منك المديحُ والإطراءُ
ورضا اللهِ وحده هو منحى = ما تمنَّتْ في عيشِها الأتقياءُ
أَوَتَنْأى وفي الجوانحِ روحٌ = سابَقَتْها المسيرةُ الحسناءُ
أيُّهـا العالِمُ الجليلُ استنارتْ = بفيوضاتِ علمِكَ العلماءُ
عشْتَها ربَّانيَّ قلبٍ مَداها = في جهادٍ وسيرةٍ لاتُساءُ
* * *=* * *
أيُّها الراحلُ الحبيبُ وداعًا = لكَ منَّـا وفاؤُنا والدعاءُ
فعلى الدربِ لمحُ هِمَّتِكَ اليومَ = سيبقى على سناهُ العَزاءُ
ويموتُ الأحياءُ من غير موتٍ = إنما العيشُ أهلُه الفقهاءُ
لحياةِ الشعوبِ أنتم منارٌ = وبأيديكُمُ يرفُ اللواءُ
ذهبوا ـ ويحنا ـ لمنزلِ صدقٍ = عندِ ربٍّ سكانُه الأنبياءُ
حسنُ البنا سِفرُه بيدينا = والسِّباعي والصَّفوةُ الشهداءُ
وأبو الأعلى والفرائدُ تُنْمَى = لعلاهُـم ، وليس تخفى ذُكاءُ
جلَّ ربِّي ، وكيف تُحصى المجراتُ = وهاهم أقمارُها والبهاءُ
ورثوا العلمَ عن نَبِيٍّ حبيبٍ = فبآفاقِ زهوِها اللألاءُ
علماءٌ وفضلُهُم يتسامى = ليت شعري وليس يوفي الثَّناءُ
بذلوا العمرَ دونَ أغلى المثاني = والأحاديثِ إنَّهم أوفياءُ
لم يبالوا بسطوةِ الظلمِ ، والكفرُ = فَحَدِّثْ عجاجةٌ هوجاءُ
قامَ في وجهِه الفقيدُ أبيًّا = والشيوخُ الأفاضلُ الأولياءُ
جدَّدوا دعوةَ النبيِّ بعصرٍ = إذ عليهـا تكالبَ الأعداءُ
إنَّ مَن لم يجاهدِ الكفرَ أو لـم = يدفعِ الظلمَ مابكتْهُ السماءُ
فسنامُ الإسلامِ ماكان إلا = في جهادٍ ، وأهلُه السُّعداءُ
لم يهابوا به مقارعةَ الظلمِ = فصالوا ، وللجهادِ مضاءُ
بَسَمُوا والنُّطوعُ تجري دماء = إنـه الفخرُ بالفدا و الولاءُ
ماتناسى التاريخُ سيِّدَ قطبٍ = أو تناستْ فرسانَها الهيجاءُ
حيثُ شاءَ الطاغوتُ ماشاءَ لكنْ = ليس للكفرِ في الهدى مايشاءُ
* * *=* * *
أَوَتُجدي الشآمُ واحسرةَ القلبِ = الشَّكاوى والأدمعُ الخرساءُ
قد تلوَّتْ على المصابِ تعاني = وتباكتْ أحداقُها الدكناءُ
جمرُ آهٍ وزفرةٌ في المغاني = والرَّزِيَّةُ الثقيلةُ الرَّبداءُ
فرشَتْ أربُعَ العزاءِ وأخوت = تخنقُ الزَّهوَ فوقَها الأرزاءُ
ماتَ ! مَن ماتَ ؟ عالِمٌ تتجلَّى = في مُحَيَّاهُ هالةٌ زهراءُ
هو عبدُالفتاحِ قطبُ رحاها = ثوبُه الطُّهرُ والنَّدى والنَّقاءُ
يتهادى وللجبينِ ضياءٌ = زادُه العلمُ رفعةً و الإباءُ
رَجُلُ العلمِ والجهادِ فَدَعْها = تتحدَّثْ عن فضلِه الأصداءُ
طافَ في الأرضِ داعيًـا فاشرأبَّتْ = لنداءاتِ نهجِه العقلاءُ
يحملُ الآيَ بينَ جنبيْهِ روحًا = وله من نَسْجِ الحديثِ رداءُ
عاشَ جذمورَ صحوةٍ هزَّتِ البغيَ = تَوَلَّتْهُ ملَّةٌ جوفاءُ
هي نورٌ يُضيءُ في عتمةِ الكربِ = فَيُطْوَى على سناهُ افتراءُ
وهو الشيخُ ماتوانى فأبلى = والثمانينُ عزَّةٌ و ارتقاءُ
* * *=* * *
فاضَ دمعي وكيفَ لم تتأججْ = لفراقِ الأحبةِ الأحناءُ
كان فينا المعلمَ البَلجَ ردَّادًا = ولم يُلوَ في البيانِ النِّداءُ
فَقَدَتْهُ الشهباءُ وجهًا سموحًا = وكميًّـا ماضرَّه السُّفهاءُ
وبكتْه البلادُ شرقًا وغربًا = وَنَعَتْهُ للأمَّةِ العلياءُ
بردى والفراتُ ماجا وضجَّتْ = بالتهاليلِ جلَّقُ الفيحاءُ
وأكبَّتْ يومَ الوداعِ عليه = واستُثيرَتْ لشجوِها اللأواءُ
وبنوهُ الأبرارُ خيرُ رجالٍ = ولهم من أبيهمُ سيماءُ
حملوا الدعوةَ الكريمةَ جندًا = للمثاني فنعمت الأبناءُ
يذهلُ المرءُ غيرَ أنَّ قلوبًا = قد حباها من دلوِه السَّقَّاءُ
سيدرُ الربيعُ منها وتسقي = من ينابيعِ بِرِّه الأحياءُ
ونجاواهُ في المجامعِ طيفٌ = ليس يُطوَى فللحضورِ انجلاءُ
إيهِ ياشيخَنا الجليلَ ونرجو = عند مولاكَ أن يطيبَ اللقاءُ
ولكَ الخلدُ في مُبَوَّأ صدقٍ = في جِنانٍ سكانُها الأصفياءُ
ولعلَّ المولى يُعَوِّضُنا اليومَ = فإنَّـا ياربَّنا ضعفاءُ
سيعودُ الإسلام دينا لدنيا = وتعودُ المنى ، وينأى الشَّقاءُ
لبلادِ الشآمِ العزيزةِ مجدٌ = يتثنَّى وللمثاني الرُّواءُ
* * *=* * *
ردِّدَي للأنامِ وابتهجي الدهرَ = فمجـدٌ ذكراهُـمُ واحتفاءُ
ردِّدِيها قد صاغها ذاتَ يومٍ = شاهِدَاها والليلةُ القمراءُ
سيرةٌ عَذْبةُ المراحلِ تهفو = لِمُحَيَّـا افترارِهـا الشعراءُ
زيَّنَتْ خطوَها الجميلَ المثاني = والأحاديثُ زهوُهـا والثَّناءُ
إنَّ مَن عاشَ للشريعةِ تدنو = من مراقي نبوغِـه الجوزاءُ
ماعناهُ تَلَفُّتٌ للدنايـا = أو تولَّتْهُ فتنةٌ بلهاءُ
رَكَلَ الزيفَ فانثنى ، وتلاشى = بينَ عَيْنَيْ إيمانِـه الإغراءُ
فرفيفُ الآياتِ في ظلمةِ الليلِ = غذاءٌ لروحِـه و شِفاءُ
ورحيقُ الأذكارِ يروي الحنايا = من طيوبٍ ، والسُّنَّةُ الغرَّاءُ
تلك من ربَّانيَّةِ القلبِ تُلفَى = في محاريبِ أهلِها الأصداءُ
فَهُمُ الصَّالحون تغشى رباهم = رَحَمَاتٌ وهالةٌ لألاءُ
لم يُلينُوا يومًا مناكبَهم للظلمِ = حاشا أو تُثْنِهِمْ بأساءُ
قارعُوا صولةَ الطغاةِ و ردُّوا = ماتَمَنَّتْـهُ الحِقبةُ السوداءُ
والأعادي إلى الجحيمِ فبِئسَتْ = حقبٌ في ربوعِنـا ربداءُ
فَضَحَتْهَا ألبابُ جمهرةِِ الحقِّ = فطاشتْ أوراقُها العمياءُ
والملماتُ للرجالِ ولكنْ = أوهَنَتْهَا رجالُنــا الأكفاءُ
مَن رأى اللهَ قادرًا و بصيرًا = ما أخافَتْهُ هجمةٌ رعناءُ
والطواغيتُ عندَ ربِّـك هانوا = ولهم موعدٌ وفيه القضـاءُ
أَنَسِيْتَ الفرعونَ باتَ مُسَجَّى = ثوبُه الويلُ واللظى والشَّقاءُ
أم نَسِيْتَ النمرودَ ويحك تغشى = جلدَه اليومَ نارُها الحمراءُ
لايَغُرَّنَّكَ العتاةُ إذا مـا = حَمَلَتْهُمْ إلى الأذى كبرياءُ
يوزعُ الظالمون صفًّا فَصَفًّـا = ليُساقوا ، ولن يطيبَ اللقاءُ
زخرفُ العيشِ والمباهجُ ولَّتْ = كسرابٍ ولن يكونَ هناءُ
سُنَّةُ اللهِ في الخلائقِ فاصبرْ = إنَّ دلوَ الأثيمِ مافيه مــاءُ
هكذا يُذكرُ الجُناةُ فَتَبًّـا = للجناةِ اجْتَالَتْهُمُ الأهواءُ
وتهادى بالفوزِ ركبٌ كريمٌ = أهلُـه الصِّدِّيقون والأتقياءُ
فَهُمُ الخيرةُ الحفيَّةُ بالخيرِ = فهل في الورى لهم نظراءُ !
الأجلاءُ والمآثرُ تُروَى = في البرايا كأنَّهم أحياءُ
ولهم يُذعنُ العنيدُ انكسارًا = إن تنادَوا فللعنادِ انزواءُ
عِشْتَ ياشيخُ شامخًا بالسَّجايا = والمُحَيَّـا تواضُعٌ و حَياءُ
وَسُمُوٌّ بالنفسِ لا تتدانى = من متاعٍ تشتاقُه الحوباءُ
وإباءٌ في وجهِ كلِّ أثيمٍ = لم تُرَوِّضْهُ الشِّرعةُ السَّمحاءُ
هو وجهُ الجهادِ يومَ تَغَنَّتْ = بالمزايا لأهلِهـا الهيجاءُ
فزْتَ ياشيخُ فالمحامدُ كُثْرٌ = والمآتي ومن يديْكَ الحِبــاءُ
عشْتَها للهِ العظيمِ فعاشَتْ = نفسُكَ المجدَ ماله إخفاءُ
لم تزلْ بالصِّدقِ الأثيرِ شغوفًـا =فلياليكَ رِفعةٌ و ارتقاءُ
ولكَ العلمُ بالشَّريعةِ روَّى = حيثُ طلابُك الكرامُ ظِماءُ
وبنورِ الإيمانِ عاشت قلوبٌ = أهلُها بالهدى هـم العقلاءُ
أنتَ أوقدْتَ جذوةً فأضاءتْ = وعلى نورِهـا مشى النُّجباءُ
هيضَ منها جناحُ أعدائِهم إذ = خضدَ الصَّبرُ بأسَهم والرجاءُ
وبها الخيرُ فاضَ في كنفِ الأبرارِ= فاخضَرَّتْ حوله الأرجاءُ
بوركتْ في رحابِه علماءٌ = ليس تُحصى لِعَدِِّّهم أسماءُ
فلهُم قربُهم من اللهِ يختصُّ = به من عبادِه مَن يشاءُ
أَلِفَ الناسُ وجهَهُم وأحبُّوا = مالديهم من الهدى ما شاؤوا
وَجَفَوْا وجهَ كلِّ مَن قد تَرَدَّى = يوم أغوَتْهُ نفسُه الخرقاءُ
فتعامى ولم يزلْ في خنوعٍ = مُسْتَذَلا يبيعُه السُّفهاءُ
كَبُرَ الإثمُ إنْ تَمَلَّقَ شيخٌ = لطغاةٍ ، فللطغاةِ انقضاءُ
بئسَ مَن ذلَّ للأثيمِ نفاقًـا = مُسْتَفَزًّا كأنَّه حِرباءُ
أَوَلم يعلمِ المنافقُ لمَّــا = عاشَ خِبًّــا ماذا يكون الجزاءُ ؟!