((ففروا إلى الله...)) [الذاريات: 50]
جدَّ في عظمه وفي فوديه=شيبه ساخراً وفي مقلتيه
يزرع الوهن والونى وبياضاً=سارقاً عمره على حالتيه
هو كالزهر في الربيع ولكن=جاءه في الخريف عبئاً عليه
وزهور الربيع عطر وعمر=حيث وعد الشباب في شرخيه
وزهور الخريف تأتي نذيراً=فهي تبكي عليه بين يديه
ليت هذا البياض كان سواداً=مثل جنح الظلام في مفرقيه*
يا زماني كفى أعد لي شبابي=والأماني وشي على جانبيه
يوم كانت عزيمتي في الثريا=وفؤادي كالسيف في حديه
وأنا المرء قد نفى العجز عنه=ومشى فوقه إلى حُسنييه
في يقين ثبت وصبر جميل=والرضا مالئ له أصغريه
يتخطى الصعاب وهو يغني=والمنى بسمة على شفتيه
وعليه من التوكل درع=صائن عزمه شفيق عليه
قد حماه في صبحه ومساه=ووقاه الأسواء من شانئيه
ومضى مؤمناً وقد مات فيه=خوفه، والثبات في بردتيه
همُّه اللَّه جل همَّاً وجلَّت=عزمة أشرقت على وجنتيه*
قال لي الشيب يا صديقيَ دعني=من أماني وهم ودع غدرتيه
لن يعود الصبا وضيفك وهني=وهو باق وإن حقدت عليه
مشرعاً نابه حساماً مخيفاً=دامي الكف فاغراً شدقيه
فاجعل العزم لا شباباً تولى=بل غداً آتياً ترى مخلبيه
يا صديقي وإن كرهت، تذكر=نحن للَّه أمرنا في يديه
مِنَّةٌ منه، ملكه، وعبيد=وهبات حسناء من راحتيه
والذي يدرك المفازة منه=مؤمن جد في الفرار إليه
فعسانا إذا رجعنا إليه=أن ننال الفردوس من جنتيه*
قلت للشيب قد حسنت رفيقاً=فليكن همنا المفاز لديه
وأنا المرء قد عزمت فراراً=كجواد يداه في منكبيه
وهو يعدو بالصالحات حساناً=صادقات تنهل بشرى عليه
فيه من ربه كنوز رجاء=ملأته عزماً إلى أخمصيه
أنا منه أفر خوفاً إليه=أنا فيه أفر شوقاً إليه