في أحد الأيام أقام الشباب مسرحية إسلامية عن سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا عام 1924 وطلب مني الأخ الكريم عبد الرزاق شواف وهو القائم على المسرحية قصيدة وفق الأدوار التي ستقدم وتمشياً مع اللقطات فكتبت هذه القصيدة:
دمع يسح على الخدين مدراراً=على الخلافة والأمجاد تنهار
في يومٍ اجتاح تركيا وزلزلها=وهدم الملك والآمال إعصار
من آل صهيون قد هبت زوابعه=وكان للعرب ممن خان أدوار
ممن يسمونهم في عصرنا شهداً=زوراً وفي كتب التاريخ ثوار
ومن لهم عند ذكرى تظللنا=في كل عامٍ إذا ما حل أيار
وهم تلاميذ قرصوه وهرتزلٍ=ومنبرٌ لهم من باريس هدار
قومية الترك والطوران زائفةٌ=يدعو إليها عدو الدين ختار
ويقظة العرب جوفاءٌ وكاذبةٌ=نادى بها خائن للعرب جزار
والشرق والغرب يرعاها ويكلؤها=وللرعاية أهدافٌ وأوطار
هدت أزالت عن الدنيا خلافتنا=تفرنجت بل خلت من أهلها الدار
خليفة الله استنبول مركزه=وفي الخلافة للأوطان أسوار
وجاء قرصوه يبغي عنده وطناً=وما يشاء لقاء العرض دولار
وفي فلسطين خصصاً فإن لهم=ذكرى مضت ولهم في القدس آثار
هب الخليفة مذعوراً ومنتفضاً=هذا هو الذل يا قرصوه والعار
أخرج فما كنت خواراً وأمعةً=كلا ولا أنا اليوم يا مأفون خوار
هذي الحقيقة ما قبلت ولا ذكرت=كلا ولا طرفٌ منها وإشعار
بل صوروه لنا ملكاً ذوي طربٍ=له من الغيد أخدان وسمار
كنا بها أمةً يحمي حمايتها=جيش عظيم شديد البأس جرار
والشرق والغرب يخشانا ويحذرنا=والعز تاج لنا والمجد زنار
وإن يسافر إلى روما خليفتنا=تهتز روما وفم الشعب قيسار
حتى النواقيس عطلاً في كنائسها=فقد أتانا من استنبول زوار
ويوم مات نعي في عمرٌ=هزم وعزم وإقدام وإصرار(1)
وإن تر الناس لا حصراً ولا عدداً=فيها وللنعش إيراد وإصدار
تظن رضوى على الأكتاف مرتفعاً=والبرماج وفم وأهوالٌ
وهم بأمن وحرزٍ من عدوهم=إذا محمد عثمان لهم جار وأخطار
أجل حومت الأعلام ناكسةً=سبعاً مداداً وذا في القدر إقتار
وجاء يسعى ويمشي في جنازته=بابا الكنيسة والدمعات مغزار
فما علينا شباب المسلمين وقد=ساد البلاد وقاد الناس جزار
بعد الخلافة بل حلت بنا محن=وراج للفكر الدهماء أفكار
وصار أتفه خلق الله منزلةً=له من الشأن بين الناس أخبار
يا من شربتم كؤوس الذل مترعةً=والكأس علقم والساقون فجار
ومن توالت عليكم في سجونكم=من المصائب أهوال وأمطار
مما تزول جبال الألب من ثقلٍ=لهولها والصخور ألطم أحجار
الخلافة تدعوكم لعودتها=وكم قلوبٍ لها تهفوا وأنظار
يا فتية الجيل أنتم في مرابعنا=المورقات ينابيع وأنهار
وأنتم اليوم دون الناس قاطبةً=عند الشدائد إخوان وأنصار
إن الأماني فيكم لا حدود لها=وكلكم روض آمال وأزهار
رصوا الصفوف أعيدوها موحدةً=وفي اتحادكم نصر وإظهار
لدولةٍ صار من شوق القلوب لها=ولوعة القلب أن ضجت به النار
ومن حضارة أجدادٍ لنا سلفت=يضيء منها على التاريخ أنوار
يا فتية الجيل إياكم وتفرقةً=حصادها أن يزول الأهل والدار
كما جرى قدماً في أرض أندلسٍ=وما لنا عبرةٌ فيه وإنذار
يا فتية الجيل يبني المجد مجتمعٌ=أفراده في طريق العلم قد ساروا
ووحدة الصف والأخلاق شيمتهم=وابشر بخيرٍ إذا الإخلاص معمار
وينقض الصرح هذا ثم يهدمه=ما كان عكساً وطبال وزمار
وهل أخي بعد ما ذقنا يفرقنا=حكم الفروع بذا قلنا كذا اختاروا
قالوا ضعيف وقلنا إن حسن=وقال قوم به في المتن إنكار
وبين أعدائنا في كل زاويةٍ=وبين حكامنا حب وإيثار
لأن ثمة الإسلام خصمهم=طراً وكيف يصفونا قد احتاروا
وفي الختام وكلي فيكم أملٌ=والقلب مني لكم حب وإكبار
أرجوك رجاءً عظيماً من سيادتكم=إذا خرجنا وساق السعد أقدار
بأن يكون جميعاً نصب أعيننا=عود الخلافة يا إخوان والثأر
وأن تربوا من الأجيال ما فقدت=ومن كوادر علمٍ في الثرى غاروا
ومن مساجد شدناها وقد هدمت=أنتم بها سكن في الليل عمار
ولليتامى نصيب في قلوبكم=أولاد من لجنان الخلد قد ساروا
إما بحربٍ مع الأعزاء طاحنةٍ=أو في المشانق شاءت ثم أقدار