
أجل ... مات أخونا الشيخ عدنان أبو خباب ابن مدينة ديرالزور المنكوبة ، فدمعت العيون ، وحزنت القلوب ، ولا نقول إلا مايرضي ربنا سبحانه وتعالى ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ومات الكثير الكثبر من الأرحام والأحباب والجيران ، ومات الكثير الكثير في سوريا وفي غيرها من بلاد المسلمين على أيدي أعداء الإسلام ، ويعيش الكثير الكثير في ظلمات الغربة في مشارق الدنيا ومغاربها .
وموت هذا الأخ الحبيب كان فاجعة لها طعمها الخاص لدى مَن يعرفون أهله وإخوانه في دير الزور ، فهم ــ ولا نزكي على الله أحدا إلا بما رأينا بأعيننا وعايشنا أخلاقهم ومزاياهم ــ والحديث عنهم ذو شجون ــ كما يُقال ـــ ففي هذه الأسرة المباركة شهداء ومنهم معتقلون ومنهم مَن يعيش الغربة التي يعيشها الملايين من أبناء بلاد الشام . ولن أفيض في الحديث عنهم ، وأورد ماكتبه بعض محبي هذه الأسرة حيث قال : ( هوى اليوم فرع كبير من فروع الشجرة المباركة الطيبة التي استظل بظلها كثير من الشباب المؤمن المخلص( منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) ، أقصد هذه الدوحة الظليلة شجرة((حج حميداوي)) من منا لايذكرها ولا تسيل دموعه ... لذكرياتها وذكرى طيف جميل محبب وكأنه لازال يرشف من كأس تدار عليه ، وعلى الحضور ، ببسمة الشهيد هشام (أبو ربعي)وتألق الشاهد عدنان(أبوخباب)ورعاية الرجل الكريم عبدالله (أبوهاني وأبو غسان )وسلام(أبوخليل)وإطلالة الشهيد محمود...هي الشجرة المباركة التي يمتد ظلها ببراعم أبنائها الباقين... خيرخلف لخير سلف ، جبر المولى مصابنا جميعا فكلنا يوجه إلينا العزاء :(أعظم الله أجركم وغفر لميتكم ) وبقي للحديث بنان تكتب لعدد من محبي أخينا الراحل عدنان الحاج حميداوي تغمده الله بعفوه ورحمته ، وقد دُفِن في مدينة إسطنبول ، حيث شيعه إلى مثواه جمع غفير من الناس ، بعد أن وقف فضيلة الشيخ وجدي غنيم ــ حفظه الله ــ يدعو له الدعاء المأثور ، ويسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن يجعله في عليين مع عباده الصالحين ، وقد أمَّ المصلين ابن الفقيد هشام عدنان الحاج حميداوي ...
هوامش :
دير : المراد مدينة ديرالزور في سوريا . نفور : ثبوت . الحَدَثان : نوائب الدهر .
عدنانُ : فزْتَ اليومَ ياعدنانُ = هذا الرجاءُ يَزفُّـه الإيمانُ
أَمْضَيْتَهُ عمرًا يُجدِّدُ سيرةً = للصَّالحينَ ونفحُهــا الريحانُ
الحبُّ للدِّينِ القويمِ شربْتَه = صفوًا قراحُ كؤوسِه القرآنُ
والسُّنَّةُ الغرَّاءُ نهجُكَ إنَّهـا = أغنتْ خصالَكَ إذْ هي العنوانُ
آثَرْتَهـا مُتَأَنِّقًـا بصفاتِ مَنْ = لجمالِهـا وجلالِهــا مِعوانُ
الجودُ والأدبُ الرفيعُ وزهْوُ مـا = للشَّرعِ من قيمٍ بهـا تزدانُ
من دوحةِ الرجلِ الكريمِ أبيكُمُ = مَن لـم يَنَلْهُ إن سعى خِذلانُ
وثمارُها الأبرارُ من أبنائِه = منهم هشامُ الفارسُ الإنسانُ
ومضى شهيدًا دونَ شِرعةِ ربِّـه = يخشى زئيرَ صمودِه البهتانُ
وأخوه محمودُ الأبيُّ بصدقِه = قـد نالها وهو الفتى الطَّعَّانُ
هي دوحةٌ فيحاءُ في ( دير الهدى ) = شهدت لها الأشياخُ والولدانُ ( 1)
هذا (أبو هاني) أيا ذاك الذي = ديوانُه للقادمين أمانُ
ورثَ الشهامةَ عن أبيه فصانهـا = وبنو الفراتِ شهودُها الشجعانُ
مافارقَ الصلواتِ يرجو رحمةً = إذ جامعُ الراوي له ميدانُ
أهلُ المآثرِ والنُّهى عاشوا كما = عاشَ الكرامُ الصيدُ والفرسانُ
أما فتاهم ذا أبو خبَّاب قد = دانى العلى وكأنه كيوانُ
بيديهِ دعوتُه الأثيرةُ بندُهـا = عـالٍ ، وروحُ جهادِه نشوانُ
في الشَّامِ رفَّ بما لديه من الهدى = ومن اليقينِ وأهلُه ماهانوا
أحيا كإخوتِه الثَّباتَ فلم يعشْ = إلا وصوتُ نفورِه غضبانُ (2)
لـم يرضَ للإسلامِ أن تغتالَه . = . الأضغانُ والسفهاءُ والعدوانُ
ومضى إلى اليمنِ المجاهدِ حقبةً = وله بها مايؤثرُ الأخدانُ
من لهفةٍ ومودةٍ تُزْجَى شذىً = يخضرُّ منها للوفاءِ مكانُ
ذكرى بصنعاء الأسيرةِ زانَها = نورٌ لحكمةِ أهلِها و بيانُ
ورفيفُ روحِك يا أخي في أُفقِهـا = لمَّــا يزلْ وسحابها ريَّانُ
إنْ كانَ للوَدْقِ الذي يسقي الثَّرى = أَثَرٌ فسُقيا روحِكَ التحنانُ
فكم ارتوتْ منها قلوبٌ أقفرتْ = لمَّا قَدِمْْتَ فأزهرتْ أفنانُ
وتقودُك الأقدارُ يا بطلا رأى = أنَّ الحياةَ مهنَّدٌ ولسانُ
قد جئتَ للأُردنِّ تسعى بالذي = مايرتضيه البارئُ الدَّيَّـانُ
ومكثتَ والعزماتُ تُنْشَأُ بالتُّقى = قـد ضلَّ عنها في الورى عميانُ
تحلو ليالي الناسِ بالنعم التي = هي زينةٌ وتفاخُرٌ وجُمَـانُ
لكنَّها لـم تَحْلُ عندَكَ يا أخي = إلا بما أوحى به الرحمنُ
فنفحْتَها حُبًّـا لربِّكَ عندما = أغرى السُّمُوَ شبابُك المزدانُ !
فســلِ الطلولَ ( بديرِنا ) إذْ نابَها = صرفُ الزمانِ وأُحرقَ البستانُ !
كُنَّـا لأربُعِها الجميلةِ فتيةً = نشدو لهــا فَتُشَنَّفُ الآذانُ
أمست يبابًا موحشاتٍ بعدما = ذبلتْ مغانيها وعاثَ دخانُ
لـم ننسَ ياعدنانُ إذ أشواقُنا = ما كان يُطفئُ وَهْجَهَـا الحدثانُ (3)
كنا وما زلنا سحابَ شريعةٍ = تهفو لبوحِ ربيعِنا البلدانُ
ومضيْتَ بعدَ الوعكةِ اغتالتْ خُطَىً = لفراشِ مُكْثٍ ملؤُه الشكرانُ
لكنَّ صوتَ الروحِ لـم يخمدْ ولـم = يقدرْ على إخمادِه الطغيانُ
أبدًا فروحُ المؤمنِ الأتقى لها = أشواقُها لـم يطوِهـا خِذلانُ
فبأرضِ (إسطنبول) واراكَ الثرى = ومشتْ بطيبِ حديثِك الركبانُ
وتركتَ أسرتَك الكريمةَ : دارُها = من حُسْنِ مسعاكم لهـا أركانُ
فَلِأُمِّ خبابٍ مآثرُ جمَّةٌ = وهي الأثيرةُ زادُها الإحسانُ
وهي العزاءُ لكلِّ مَن يبكي على = والٍ تهللَ وجهُه الجذلانُ
ولها الأُمومةُ ليس تُغْضِي عينُها = إن قلَّتِ الأخواتُ والإخوانُ
تحيا وجيرتُها الفضائلُ عذبةً = ولها الهُدَى ومتونُه سلوانُ
واللهُ لن ينسَى عبادًا آمنوا = وستجفلُ الآلامُ والأحزانُ
وبقيةُ الأخواتِ والأبناءِ مـا = ذبلتْ لديهم للأسى أفنانُ
فأبوهُمُ قد نّضَّرَ المسعى هُدَىً = فَأُنيرَتِ الطرقاتُ والأعنانُ
وجلا اليقينُ قلوبَهم من هِزَّةٍ = كادتْ تنوءُ لِحَمْلِهَا الأبدانُ
ورحلْتَ باعدنانُ حيثُ تركتَنَا = تنتابُنا الحسراتُ والأشجانُ
ويلوكُنا شِدقُ المكارِهِ عُنوةً = وفؤادُنا للقائكم لهفانُ
ستزولُ دنيانا ويغلقُ بابُها = ويُصَفَّدُ الطاغوتُ والسلطانُ
وهناك لم تنفعْ زعامةُ مَن بَغَوا = أو مالُ مَن قـد غرَّه الرَّنَّانُ !
فَتَدَارَكَنْ ربي عبادَكَ إنَّهم = يجتاحُهم في ذا المدى طوفانُ