ذكرى المولد النبوي في سجن تدمر
13شباط2020
محمود الغانم الدغيم
كتبت هذه القصيدة في ذكرى المولد النبوي وألقيتها على الشباب في سجن تدمر عنبر
إليك أرفع ما لاقت مدائنها
يا سيد الخلق في ذكر آل سلواني=عن لوعة السجن في تفشي ونيران
وما أكابد من هم ومن ألمٍ=بل من همومٍ وآلام وسجان
ولاح في الأفق فجر من ضيائكم=وأي فجر أبا الزهراء نوراني
خبت له النار وانجاب الظلام به=وكم تصدع من عرمش وإيوان
والشرك أنذر حتماً في نهايته=والعنصريات من عبس وذبيان
فلا لأبيض فضلٌ في نصاعته=على الأحابيش من زنجٍ وسودان
إلا بتقوى إلى الرحمن خالصةً=والأمر بالعرف من نهيٍ ونكران
وإن طرا منكرٌ أو حل في بلدٍ=واستفحل الخطب من ظلمٍ وعصيان
استنفذ الجهد طرا في إزالته=واستفرغ الوسع من نهيٍ ونكران
ولا لحاكم فضلٌ في عيشه=بطرد ثوبٍ وفيها الكل سهيان
سادت على الكون والدنيا مبادئها=بحد سيفٍ يحاميها وقرآن
والهاشمي وأهل البيت من رحمٍ=في درجة القرب فيها مثل سلمان
وما بلال سوى العباس تحسبه=ولا صهيب بها إلا ابن عفان
حضارة الغرب شيدت عن حضارتكم=وما رقى اليوم من علمٍ وعرفان
وما بنسيتم فما زالت قواعده=رمز الحضارة من شرخٍ وبنيان
وكان من قبل في ظلم وفي ظلم=بل كان قبل هداها محض جيران
ومن يفكر في علمٍ ومسألةٍ=فالدين يحكم في قانون رهبان
وفي سبات عميق من جهالته=وللكنيسة رأيٌ ماله ثاني
يا سيدا الرسل هذا يوم مولدكم=ومن سرور ملاك الشعر وافاني
فرحت أرسل أشواقي محملة=باقات وردٍ وأزهارٍ وريحان
إليك تهدى أبا الزهراء عاطرةً=سلام حبٍ مشوق موثق عان
وفي حلول ربيع شهر مولدكم=وبالكرامات فياض وملآن
للمسلمين تحياتي أقدمها=ولك سارى سلاما عالي الشان
ممن يعيشون في قلبي وفي كبدي=وفي ضميري وأخلاقي ووجداني
ممن عرفت وكانوا مثل قسورة=في سجن تدمر بل كانوا كتعبان
إليك ما حل بالإسلام في بلدي=بدءاً من السجن واسمع صوت أحزان
في السجن جلدٌ وشنقٌ بعد محكمة=وكم تعلق من صحبٍ وإخوان
وكم دهى الشام من خطبٍ وداهيةٍ=والخطب داجٍ وهول الخطب أعياني
أشكو المصاب كما أختال من فرحٍ=بالفخر حينا وكم أشكو بأحيان
ومن دمشق عروس المجد أبدؤها=بشوق حبٍ وفي أحلام ولهان
مساجد الشام من هجرٍ ومن غلقٍ=تفراء ظمأى وكانت مثل بستان
كأنها أيكة ثم الشباب بها=ورق الحمائم تشدوا فوق أغصان
بالعلم والوعظ والإيمان عامرةٌ=والروح تسمو بإسلام وإيمان
والآن عاطلةٌ عما ذكرت وقد=كانت مراكز إشعاع وعرفان
حيث الأئمة والأعلام قد رحلوا=والرائدون عدا المسكين والفاني
والجسم بالروح ما عاشت وما سلمت=حتى إذا استل فارث حال أبدان
يا جامع الزيدان يا عنوان لهفتها=كم في رحابك من حلقات قرآن
ومن شباب بدين الله ملتزمٍ=ومن كهولٍ وأطفالٍ وفتيان
أين الجموع التي كانت يتممه=يوم الثلاثاء مثل الزهر فتيان
شباب حلق لا تنسوا جرائمهم=وليس يقبل من عذرٍ ونسيان
في شهر أيلول كم من حرقة متكوا=عنها الحجاب ورأس ثم عريان
لهفي على حمص كم حلت بها نوبٌ=على يد الذئب غازي بن كنعان
فكم من شباب أتى فيه وعذبه=لكي يقر له تنظيم إخوان
حتى إذا ما انتهى التحقيق صدره=إن الرمال إلى حبلٍ وعيدان
وتلك خطة خبث يا ابن زانيةٍ=نفذتها حسب توجيهات ديان
والرستن اليوم كم بيتٍ به خرب=ومن شباب بسجن الكفر عبدان
اسأل بتدمر عنهم تلق زهرتهم()=رهن الإشارة تأتي من سليمان
أم الفداء عرين الأسد من قدمٍ=وما استكانت لسفاح وعدوان
عاشت على حافة التاريخ شامخةً=وهكذا في علو مثل شلان
وما تزال وتبقى مثل ما عهدت=حصناً منيعاً بإسلامٍ وإيمان
سلوا فرنسا وكم لاقت على يدها=من المآسي وكم بارت بخسران
وراح يشكو جراحا بات يلعقها=إلى أمين وميشيل وعمران
وتلك ثورتها الأولى وكم بذلت=من الضحايا وكم جارت بقربان
ولم يفت لأخ يئلك من عضدٍ=بل كانت السيل هدرا بعد طوفان
وقام مروان يبني في طليعته=من كل أروع ماضي الغرور رباني
من الذين جنان الخلد تعشقهم=ويعشقون المنايا وسط ميدان()
بسام منهم وحدث عن خوارقه=وعن مواقف مهدي بن علوان
واقرأ على الدهر والتاريخ معجزةً=وطب حديثاً بجيل الصحبة الثاني
هذا الشباب حشى لله في غضب=وراح يضرب في سرٍ وإعلان
مواقع الشرك بل يغتال قادته=من الثعابين من أبناء حمدان
واستيقظ الكفر عما لم يكن أبداً=يدور في خلدٍ منه وأذهان
لا سيما حين إبراهيم أعلنها=حيث النصري أضحى مثل فئران()
وأدرك الكل أن الحرب دائرةً=ما بين كفرٍ نصريٍ وإيمان
واشتدت واحمرت لها حدق=وكثر البغي عن ناب وأسنان
واستنفرت الحرب هيئة الإخوان قوتها=وأطلقتها فهبت مثل نيران
تناجز المجرم الطاغي ولشيعته=من قل لقطٍ دنيء الأصل خوان
وأصبح الشعب من حنقٍ ومن غضبٍ=يفور فيها ويغلي مثل نيران
يراقب الوقت في شوق وعن كثبٍ=متى نهاية ذاك المجرم الجاني
وعندما لاح في الأيام سانحةٌ=إلى الأسر ليعلو رأس سجان
هب الأبي وما شبهته أبداً=إلا بنارٍ وزادوها بقطران
وكان ذلك في أم الفداء رجىً=واستيقظ الشعب من شيبٍ وشيبان
على دوي يهز الأرض من ثقلٍ=ويعمر الأفق من نارٍ ودخان
ووجه الكفر من جيشٍ وأسلحةٍ=ومن خبيرين كو روسٍ وألمان
إلى حماة حماة المجد يا لهفي=أم الجهاد المرير الأقدس الباني
لكي تمر على ما فيها من بشرٍ=ومن حدائق زانتها وعمران
لكي تمر على ما فيها من بشر=ومن رياض على العاصي وبستان
ولا تغادرها حتى تحولها=إلى سهولٍ كما قالوا وقيعان
فاستقبلتهم بنارٍ في صدورهم=وصرت جيشهم أفراخ جرذان
والراجمات ودباباتهم حصدت=بل أصبحت شبه أشلاءٍ وعيدان
على يد العبيد من أبنائها غضبوا=من آل نشميٍ ومن أبناء عروان
ظلت تقاوم شهرا وهي صامدةٌ=ولا مساعد من أهل وجيران
وفطر القلب أن كانت بمفردها=أمام ذاك الهجوم الكاسح الفاشي
أمام أعتى عدوٍ ضد أمتنا=لا بل وأخون مخلوقٍ وإنسان()
ضد البلاد وسل حطين في رجبٍ=وشهر تموز ينبئ عن حزيران
فاستشهد فوها وكانت ثم كارثةً=تفوق تدمر هولاكو لبغدان
بكيتها يومها في الدمع من مقلي=والقلب يغلي بجرح يارب آني
أم الحجاج في شعري أخلدها=وشعبها الفذ أهواه ويهواني
وما مررت بها يوماً على سفرٍ=إلا ولاح العيني شجع مروان
ذاك الذي دفنت في الشام أعظمه=فضاعت الشام من روحٍ وريحان
واهتزت الشام إجلالاً لموكبه=أجل وحيت عظيم القدر والشان
أبا الفداء أتدري أن قاتلكم=قدمك من دفع دياتٍ وأثمان
ما سار إلا وطيف الموت يصحبه=وما تحرك إلا نهب أكفان
وعن قريب سنقضي منهم وطراً=ويصبحون حديث القاصي والدان
ما زلت أرسم جل الخطب في أدبي=رسم المناظر إذا لاحت الفنان
حتى وصلتك مشتاقاً معرتنا=ورحت أسأل عن صحبي وخلان
ألين الأطباء فالأمراض قد عظمت=واستفحل الداء في جسمٍ وأسنان
كما غزا الداء والجرثوم حنجرةً=وراح يفتك في أنفٍ وآذان()
وغاب من كان مختصاً بها ومضى=للسجن يصيب ابن علواني
وراح يفتح في الصحرا عيادته=في سجن تدمر ذاك المسلخ القاني
وما سألت على كرم وذي خلقٍ=إلا وكان جوابير خلف قضبان
آه سراقب لم أذكرك في خلدي=إلا غلا الدم فواراً بشرياني
وما ذكرت جميلا منك يغمرني=إلا وأطرقت في حبٍ وإذعان
قلبٌ صديعٌ وعنين ثم ذارفةٌ=من المآقي بدمعٍ جار هتان
وما تصورت يوماً ما جرى أبدا=ولم يكن أبداً يوماً بحسبان
لكنه القدر المقدور فاحتسبي=وسلمي فيه في صبرٍ وإيمان
ومن سراقب للشهبا على عجل=لكي أسطر ما لاقت بديوان
لم أعرف العيد يوماً كان مرزأةً=أو يوم شؤم وأتراحٍ وأحزان
لكنه يوم أفراح ومرحمة=ووصل رحم عرفناه وجيران
والخصم للخصم في بشرٍ يصافحه=حتى كأنهما فيه صديقان
يوم ابتهاجٍ وتكبيرٍ لخالقنا=ويوم بذلٍ وإخفاقٍ وإحسان
لكنه كان يوماً للفراق ضحىً=ما بين أملٍ وأبناءٍ وجيران
فكم شيوخ على عكازهم سقطوا=وكم شباب بعمر الزهر ريان
ذوى وصوح من الغصن محترقاً=وآل للرب جرفاً دوله أكفان
وآل عرعور كم ابن لهم فقدوا=وشيعوا ثم من رأسٍ وجثمان
يا عظم الله في الدارين أجرهم=وزاد في الأجر من صبرٍ وسلوان
واللاذقية جافاها الكرى أبداً=ولم تذق طعمه كحلاً بأجفان
بعد النجوم التي في جوها أفلت=وبعد بدرٍ مضيء النهج رباني
ثارت تزمجر كالإعصار من غضبٍ=والبحر يهدر من موجٌ وطوفان
علامة القطر ممدوح بن جولحةٍ=تلقى مصير أبي حفصٍ وعثمان
عليه في سلام الله ما هتفت=ورقاء أيك وغنت فوق أغصان
يا جسر عفواً أرجيه ومعذرةً=والخطب أعظم من شعري وتبيان
سأترك الخطب للتاريخ ينقله=عبر العصور ويروي كل إنسان
عماه جناه بنو حمدان واقترفت=عصابة البعث في آهاي وأوطاني
طوفت أرثي حضاراتي مقدسةً=وكم وقفت أناجي مثل حيران
تلك الحضارات والآثار في كمد=وأندب الربع من أهلٍ وسكان
حتى كأني ودمع العين يسبقني=والصدر يزفر من حرٍ وأشجان
أبو البقاء على أطلال شاطبةٍ=ونهر حمصٍ وشلالات جنان
وعدت للسجن أحيا في عنابره=حياة بؤسٍ وترويعٍ وحرمان
رهن الطوى والجوى أحيا ومخمصةٍ=ورهن قيدٍ وتنكيلٍ وسجان
أدعو وأقطع طول الليل من سهرٍ=بما تيسر من ذكرٍ وقرآن
أدعوا وأضرع تواقاً إلى فرجٍ=بالعز والنصر والتمكين مزدان
رباه عجل فإن الضر ألمني=والاعتقال وبعد الأمل آذاني
وسجن تدمر من إعدام إخوتنا=والبرد والخوف والتعذيب أضناني
وسوم: العدد 863