هذي الحضارةُ في أدنى معانيها=تعطي الجسومَ وتنسى جوهراً فيها
تقيمُ للجسمِ سلطاناً وهيمنةً=وتنبري لعذابِ الروحِ تشقيها
وآزَرَتْها نفوسٌ ضلَّ هاجِسُها=فَزَيّنَتْ في دَهاءٍ سوءَ حاديها
وشقوةُ الناسِ مذ كانوا نفوسهمُ=تَؤزُّ أجسادَهُم شرّاً فتُرديها
بئسَ الحياة ُ إذا كانت توجّهُها=تلك النفوسُ وقد نامَتْ نواهيها
فتستحيلُ حياةُ الناسِ مجزرةً=ويمخرُ الشرُّ في شتّى نواحيها
يا حسرتاهُ على الإنسانِ قد عَميَتْ=منه البصيرةُ وامتدّت غَواشيها
يعمى عن الرّشدِ في القرآنِ واأسفا=ويبصرُ الغيَّ في دنياهُ تنزيها
سمّى الفواحشَ فنّاً من سفاهته=وراح يسفكُ طهرَ الغيدِ حاميها
ومسلمو اليومِ قد ضلّوا صِراطَهُمُ=فبدّلوا بجمالِ الوَجهِ تشويها
لمْ تبْقَ مَفْسَدَةٌ في الغربِ قد وُلِدَتْ=إلا فشا بربوعِ الشرقِ فاشيها
أين التَفَتَّ وجَدْتَ الفُحشَ منتشِراً=كأنّما لعنةٌ هبّتْ سوافيها
ففي الشّوارعِ فِسْقٌ عمَّ مظهرُهُ=وفي المكاتبِ أعراضٌ نُدَمّيها
وفي المحافلِ أخلاقٌ ممزَّقَةٌ=وفي المعاهدِ نارُ الجنسِ نُذكيها
وفي البيوتِ شريطُ العُهْرِ تأكلُهُ=منا العيونُ فما تَنْدى مآقيها
وفي المسابحِ قطعانٌ قد انبَعَثَتْ=منها النتانةُ حتى فاضَ طاميْهَا
في سوقِ شَهْوَتِنا بِعنا طَهارَتَنا=ونَدّعي أننا نَحْمي غَواليها
بَناتُنا في دكاكينِ الهَوى لُعَبٌ=كيف الحرائرَ للذؤبانِ نلقيها ؟
تَبَخَّرَت غَيْرَةٌ منا قد اشتَهَرَتْ=فيما مضى أين منا اليومَ زاكيها ؟
وأينَ أجنحةٌ طِرْنا بها شُهُباً=فدانت الأرضُ قاصيها ودانيها ؟
أينَ الأُلى حملوا القرآنَ في رَشَدٍ=فعمَّ نورُهُمُ الدُّنيا وما فيها ؟
همُ الأباةُ وربُّ الكونِ أرْسَلَهمْ=ليغسلوا الأرضَ من أدرانِ طاغيها
شقّوا الطريقَ ونور اللهِ مُرْشِدُهُم=وسُنّة المصطفى تجلو خوافيها
هذا قتيبةُ شرقُ الأرضُ حرّرَهُ=وطارق الفتحِ أرضُ الغربِ يَهديها
حتى استقامَ لهم ما شاءَ ربُّهُمُ=من الأمورِ تعالى اللهُ مجريها
فأينَ نحن من الماضي المجيدِ ؟ وهلْ=صُنّا الأمانةَ ؟ أم ضاعت غواليها ؟
خُنّا الأمانةَ والأخلاقَ واأسفا=فاجتاحَ دوْلَتَنا الإعصارُ منهيها
وأصبحَ الناسُ أنعاماً تسَيِّرُها=في كلّ ناحيةٍ أهواءُ راعيها
فاستَفْحَلَ الخَطبُ حتى لا ترى فَرَجاً=كيف الخلاصُ وللأقدارِ مُجريها ؟
وما الرُّعاةُ بِدُنيا الغافلينَ سِوى=جندٍ لإبليسَ صالي النارِ داعيها
لو غَيَّر القوم ما في النفسِ لانكشَفَتْ=هذي المفاسدُ وانجابت طَواغيها
وبُدِّلوا بهبوط العيشِ أجنحةً=تسمو بأمَّتنا والله ُ راعيها
فبالصلاحِ يظلُّ القومُ في شَمَمٍ=وبالذنوبِ يُذِلُّ اللهُ جانيها