أ ليلٌ طالَ أم قَصُرَ النهارُ = سنونُ العمرِ أطولُها قصارُ
زمانُكَ فيهِ تغترِبُ اغترابًا = و توشِكُ أنْ تُعاديكَ الدّيارُ
هي الدّنيا تقلُّبُها دوامٌ = و كاذبةٌ و إنْ صَدَقَتْ مَرارُ
تُصاحبُ كلَّ خوّانٍ لئيمٍ = و ينضحُ مِن إناءِكَ ما يُدارُ
و يُنكرُها الكرامُ على تروٍّ = و تأباها الأفاضلُ و الخِيارُ
صِغارٌ إن تعاطوها سِفاهًا = وهمْ إمّا عصوْها هُمْ كِبارُ
لها سبقُ الرذائلِ إن اُطيعتْ = و إنْ تُرِكتْ على زُهدٍ نُضارُ
نطوفُ بها و نرجوها الأماني = فيسقينا على عجلٍ دوارُ
كأنّا لا نُعاني مِن هواها = و طابَ على مساوئها المسارُ
فلا دمعٌ يُكفكفُ مِن أذاها = و يكثرُ في مسالِكها البَوارُ
إذا الخنساءُ قامتْ من ثراها = بكتْ مضرٌ لها و بكتْ نِزارُ
و ما راعَ الضمائرَ غيرُ مجدٍ = يُنادينا و يمنعنا النِفارُ
نفرُّ إلى ملاهينا جهارًا = و حينَ الجَدِّ يُرهقُنا الفِرارُ
مواضينا نعيشُ بها بخوفٍ = و حاضِرُنا يُحاصرُهُ احتضارُ
و أحقرُنا بطيبِ العيشِ يحيا = و أكرمُنا يُمزِّقُهُ احتقارُ
إذا بلغَ السّقامُ بنا دمارًا = فلا كيٌّ يفيدُ و لا عُقارُ
أجيءُ إليكِ في عينيَّ دمعي = سخيٌّ في فمي هذا المَرارُ
تساءِلني و عيناها جوابي = و أسألُها و صدري فيهِ نارُ
أخانَ الأهلُ والأحبابُ خوفًا = وهم كُثرٌ إذا عُدّوا وثاروا
أمِنْ وهنِ الضمائرِ ما يعانوا ؟ = أ همْ زبدُ السنينِ ؟ أ هم خُوارُ ؟
أهُمْ في السربِ نسيٌ أم نسيءٌ ؟= أ هم ظمأُ الصحاري والجِوارُ
اُناديهم فما مِن مُجيبٍ = كأنَّ القومَ غيَّبَهم دوارُ
أناديهم بأنّي لستُ ميتًا = توافيهِ المنيّةُ و العُقارُ
كأنَّ الأرضَ تملأُها الأعادي = و أنَّ الشمسَ أطفأها انكسارُ
و أنَّ الّليلَ عاثَ به جنونٌ = و أنَّ الصمتَ يسكنُهُ النّهارُ
و أنَّ اللهَ لم يُعرفْ إلاهًا = و أنَّ المالَ يعبُدُهُ الشِّرارُ
فقلتُ لها بأنَّ اللهَ حيٌّ =و أنَّ الناسَ من ضنكٍ غُبارُ
و بالقدَرِ الّذي آمنتُ أحيا = وحكمةُ ما يشاءُ هو القرارُ
ستعلو في علوٍّ الشمسِ ناسٌ = و أمَّتُنا يُغالبُها المحارُ
لأنّا مُذ تركنا اللهَ ربًّا = يفرُّ و مِن معاصينا الفرارُ
خُطانا في دروبِ المجدِ كذبٌ = فنصلُ السيفِ يُصدِأهُ انتظارُ
يُسابقُ بعضُنا بعضًا لذلٍّ = شريفُ القومِ ينقُصُهُ اقتدارُ
فلا تأسَي لنا إنّا غُثاءٌ = بكثرَتِنا و بينَ النّاسِ عارُ
و فينا مِن دعاةِ العزِّ قومٌ = إذا امتشقوا الدّعا طلعَ النّهارُ
بليلٍ صامَ فيهِ الصمتُ دهرًا = فأوّلُهُ كآخِرِهِ منارُ
أتيتُكِ أحملُ الشطآنَ عزًّا = فما ظمٌأ يُطاوِلُ بل يُجارُ
ونحنُ نكونُ للأملِ الأماني = و تغفو في مرافئنا البحارُ
سننتظِرُ انتصارًا فيهِ عزٌّ = و لو ضاعَ الزمانُ فنحنُ دارُ
هنا مجدٌ عريقٌ في سمانا = هنا ولِدَ انتصارٌ فيهِ نارُ
هنا الأرضُ الولودُ أبتْ رحيلاً = هنا شمسٌ , و عزٌّ و انتصارُ
عليها مُذ عرفناها اُباةً = و آباءٌ بهم فَخُرَ الوقارُ
هنا وُلِدوا هنا عاشوا و ماتوا = هنا الأجدادُ تعرفُهم قفارُ
هنا مهدي يُعانقني انتسابًا = تُمنّيني على حبٍّ نوارُ
فلا يأسٌ إذا انتفضتْ شعوبٌ = ولا ليلٌ إذا غضبَ النهارُ