اليأسُ ياشامَ المآثرِ ناءِ = عنَّا وقد جارتْ يدُ الأعداءِ
ولقد دهتْ سودُ الليالي أهلَنا = بضراوةٍ حتى على الرضعاءِ
سيعود للدنيا بهاؤُك مشرقا = فلكِ العلى شرفا من البأواءِ
ياشامُ صفحتُك القديمة لم تزل = ملأى بأعذبِ أحرفِ العلماءِ
راموا اندثارَ حنينها لأولي الهدى = ولأكرم الفقهاءِ والأمناءِ
لكنَّها لم تلتفتْ لنعيبِهم = واستطردتْ بالسَّبقِ والإعطاءِ
وهمُ الجناةُ وقد أرادوا يومها = تمزيقَها بالقهرِ والإفناءِ
هتفتْ بمعناها الجليلِ ورددتْ = عَذْبَ النشيدِ حناجرُ الشعراءِ
هي صفحة القيم الأثيرة لم تزل = تزكو بطيبِ سماحةٍ وبهاءِ
وبها ترنَّمتِ القلوبُ وأنصتتْ = آذانُ أهليها إلى القُرَّاءِ
هي بهجةُ القرآنِ طاب تلاوةً = ونضارة في السُّنَّةِ الغرَّاءِ
هيهات لم تجدِ اللئامَ ضغائنٌ = سبئيةٌ روسيةُ الشحناءِ
قل للشآمِ وأهلِها أهلِ الوفا = والصَّبرِ والإيمانِ في البأساءِ
مَن ذا الذي أدمى أيادي فضلِنا = تمتدُ بالأشواقِ للبُشَراءِ
خطِّتْ على صفحاتِ ليلٍ مقمرٍ = رغم الجراحِ وعتمةِ الظلماءِ
ماكانَ من قيمٍ ومن مجدٍ مضى = سامتْهُ من حقبٍ مُدَى البغضاءِ
حقدٌ تلظَّى كالجحيمِ ولم يزل = من غيرِ ما شرفٍ ولا استحياءِ
قصدوا الشآمَ نكايةً وعداوةً = والشَّامُ شامُ أُخوَّةٍ و وفاءِ
كانت وما زالتْ برغمِ عُتُوِّهم = ذاتَ اعتزازٍ بالفدا ومضاءِ
هي للحضاراتِ الكريمةِ موئلٌ = يرعى المزايا باليد البيضاءِ
وتصوغُها للعالمين رسالةً = لاترتضي بحضارةِ السُّفهاءِ
فالشامُ أرضٌ للفضائلِ والنَّدى = والأهلُ أهلُ الشامِ للعلياءِ
لمَّا تخيَّرت المعالي لم تجدْ = غيرَ الشآمِ بأهلِها النُّجباءِ
جاءت فرنسا ذاتَ يومِ ركنَها = بالكِبرِ والجبروتِ والإيذاءِ
لكنَّها ارتدَّتْ على أعقابِها = مدحورةً من صولةِ الأكفاءِ
هي لم تزلْ تدري ويدري غيرُها = ممَّنْ أرادوا الشَّرَّ بالغرَّاءِ
قد أرَّقَتْهم دعوةٌ هلَّتْ بما = في الخيرِ من طيبٍ وحُسنِ حِباءِ
بل أزعجتْهم قوةُ الإسلامِ في = إقبالِ عالَمنا على السَّمحاءِ
فالحقُّ يمحو باظلا مهما طغى = ويزيلُ ما في الأُفقِ من إدجاءِ
فالغالبُ الميمونُ دينُ مُحَمَّدْ = رغمَ احتدامِ ضراوةِ الأعداءِ
والفتحُ آتٍ ياشآمُ فكبِّري = واستبشري بصباحِه اللألاءِ
منذ القديمِ يقينُنا لم يندثرْ = باللهِ حيثُ تعاقب الأرزاءِ
فالقلبُ بالتوحيد ينبضُ سالما = وَتَوَهُّجُ الإيمانِ في الأحناءِ
تحثوا مكائدُهم علينا تارةً = وتهيلُ بالأُخرى على الفضلاءِ
لكنْ كما قالوا : جبالٌ أصلُها = راسٍ متينٌ محكمُ الإرساءِ
لن يغلبَ الإسلامَ مَن كفروا ومَن =جحدوا كريمَ الفضلِ والآلاءِ
ومَن ارتأوا سوءَ الأذيَّةِ للذي = قد جاءَهم بالدعوةِ السَّمحاءِ
واللهُ قد رفعَ المكانةَ في الورى = لِمُحَمَّدِ المبعوثِ بالغرَّاءِ
وَلْيَخْسَأ الأشرارُ أعداءُ الهدى = لمهانةٍ كانت لهم وشقاءِ
أما الذين تمرَّسوا بعداوةٍ = لشريعةِ الإسلامِ والصلحاءِ
باؤوا بخيبتهم ولاقوا حتفَهم = فالويلُ كلُّ الويلِ للتعساءِ
فلهم قلوبٌ كالحجارةِ أُقفلتْ = بِعَمَىً يشيرُ لبهرجِ الإغواءِ
للشَّرِّ لا للخيرِ عاشوا عمرَهم = وتنعموا بالإثمِ والصهباءِ
وبفتنةٍ منبوذةٍ بئسَ الهوى = مالُ الأثيمِ لخمرةٍ و نساءِ
قد آثروها فالليالي حُلوةٌ = بالفسقِ عندَ الحانةِ الوعساءِ
واستمرؤوها هكذا تَرَفًا حوى = يابؤسَهم من أجملِ الأسماءِ
هي ليلةٌ تمضي لذائذُها وإن = طالتْ بغنجِ الغادة الهيفاءِ
لكنَّ إثمَ الفاسقين موثَّقٌ = يلقونه كالليلةِ الليلاءِ
وهم الذين استأسدوا في شامنا = والشَّامُ صابرةٌ على الإيلامِ
يادرَّةَ القيمِ الحِسانِ وبهجةً = في الأرضِ لم تركن على الإيذاءِ
ألقى محيَّاكِ الجميلُ ظلالَه = فاستأنسَ الشاكون بالأفياءِ
وبها أقامَ الوُُّدُّ في ديوانِه = صرحًا لأهلِ الشامِ والغرباءِ
فيها الكتائبُ لم تزل توَّاقةً = لإقامةِ الإسلامِ في الأرجاءِ
فعلى مغانيها ترفرفُ رايةٌ = لشريعة الإصلاحِ في الغبراءِ
في يَلقى الدِّينُ كلُّ مناصرٍ = لبُّوا النداءَ فليس من إبطاءِ
في الشامِ أجنحةُ الملائكةِ احتفتْ = فالشَّام في زهوٍ و ومضِ سناءِ
مدَّت ثمارَ غراسِها لشعوبِهم = من غيرِ ما طلبٍ ولا استجداءِ
فهي الأبيَّةُ لم تزل أكنافُها = مأوى من النكباتِ والأسواءِ
واللهُ جلَّ جلالُه متكفلٌ = بالشَّامِ أهلِ العزةِ القعساءِ
أرضٌ مقدسةٌ يباركُها الذي = أجرى لها عذبًا دفوقَ الماءِ
لاخيرَ فيمَن أفسدوها عنوةً = ورموا بلادَ الشَّامِ بالبغضاءِ
فَهُمُ العدوُّ لربِّها ولدينِها = بهوى نفوسِ الملةِ العمياءِ
هي موطنُ الإسلامِ مانامت على = ضيمٍ ولم تركعْ لذي خيلاءِ
اللهُ باركها وبارك أهلَها = فاقرأ حديثًا عن أبي الدرداءِ
وعمودُ نورٍ قد رآهُ المصطفى = حين استقرَ بشامِنا الفيحاءِ
واختارها المختارُ لابنِ حَوالةٍ = لما أرادَ الظَّعنَ في الغبراءِ
وتكفَّل اللهُ العظيمُ بشامنا = فعلى ثراها صفوةُ النُّجباءِ
إذ يجتبي الرحمنُ خيرةَ خلقِه = من جَمْعِ أهلِ الهمَّة القعساءِ
ونبيُّ ربِّ العرشِ عيسى إن دنا = يوم القيامةِ لم يكن بالنَّائي
وهو الذي بالحق ينزلُ هاديا = للهِ بالإسلامِ في البيضاءِ
تلك المنارةُ في دمشق مكانُها = في شرقها كالدُّرَّةِ العصماءِ
فاستسقِ ربَّكِ من سحائب جودِه = نصرًا يبددُ حلكةَ الظلماءِ
فلأنتِ من أعلى الطوائف في الورى = ومعاذ يشهدُ بعدُ من أُلاءِ
وإذا لهيبُ النارِ لاحَ مزمجرًا = من حضرموت بآخرِ الآناءِ
فاهرعْ إلى الشَّامِ المباركةِ التي = فيها مكانُ الحشرِ يومَ جزاءِ
واعلمْ بأنَّ الشَّامَ يحفظُها الذي = تُطوَى بقدرتِه قُوى الأعداءِ
مهما عتوا وتجبَّروا وتفننوا = في القتلِ والتشريدِ والإيذاءِ
فالرومُ في الزمن البعيدِ تبدَّدوا = والفرسُ قد باؤوا بشرِّ الدَّاءِ
أما قوى الطاغوتِ والطغيانِ في = أيامنا فبحالة استهزاءِ !
بالحقِّ بالإسلامِ بالوعدِ الذي = قد جاءَنا في السُّنَّةِ الغرَّاءِ
لكنَّهم سيرونها إن أقبلتْ = في الأفقِ لا كالغارة الشعواءِ !
لكنها القَدَرُ الإلهيُّ انجلى = فإذا هُمُ في الحالةِ الشَّلاءِ
هيهات تنفعُهم قنابلُهم وإن = قد هُيِّئَتْ ياويلهم لفناءِ
اللهُ أكبرُ لم يزالوا في يَدَيْ = ضعفٍ ليفضحَ غارةَ الجبناءِ
الشَّامُ أبكتها مواجعُ أمَّةٍ = فاستنفرت للنجدة العصماءِ
واليوم شامُ المجدِ في لأوائها = والناسُ في الغفلاتِ والأهواءِ
وكأنَّ أيامَ الأُخوَّةِ أغربتْ = عنها شموسُ الوُدِّ والإيواءِ
بل إنَّ أبناءَ الشآمِ أذاقهم = أهلُ الإخاءِ مرارة اللأواءِ !
لكنها لم تبتئسْ من جفوةٍ = ومن القطيعةِ بعدُ والإيذاءِ
إن كنتِ في ضيقٍ فكم من مرجفٍ = أغراهُ بغيُ النفسِ لاستهزاءِ
إنَّ الإباءَ هو الرسالةُ لم تزل = شاميَّةَ النبراتِ والإنشاءِ
قمْ وانهرِ المأفونَ مات ضميرُه = واسودَّ وجهُ السِّحنةِ البلهاءِ
وَلْيَعْلُ صوتُك فوق صوتِ فسادِهم = في الرأي والتفكيرِ والإبداءِ
وَلْيَغْشَ وجهُ الكونِ نورُ مُحَمَّدٍ = بشريعةٍ جاءت إلى الأحياءِ
حملت رسالتَها الشآمُ عزيزةً = إذْ فاحَ عطرُ المجدِ بالأشذاءِ
لمَّا تزلْ شامُ الملاحمِ قوَّةً = رغمَ اضطرامِ الغُمَّةِ العجفاءِ
ستعود للدنيا وينبجسُ الهدى = نورًا يضيءُ معالمَ الأرجاءِ
فالجمرُ تحت رمادِ ماحرق العدا = جمرٌ توهَّجَ ومضُه بسناءِ
ترنو إليه عيونُ أفئدةٍ لها = صبرٌ على ماكان في الإدجاءِ
مَن قالَ : إنَّ اللهَ جلَّ جلالُه = ترك الشآمَ لفتنةٍ وفناءِ
أزرى بهذا القول كلُّ مخاتلٍ = لم يدرِ إذ يرمي القضا بهُراءِ
فالعمرُ يمضي والليالي تنقضي = والباقياتُ لذي الهدى لهناءِ
ما ضرَّ أنَّ الكربَ أثقلَ قلبَه = أو وطأة البأساء والضَّرَّاءِ
تُزجي صحائفَه ملائكةُ السَّما = للهِ ترفعها بلا استثناءِ
يستبشرون بما لهم يومَ اللقا = باللهِ ذي الرحماتِ والآلاءِ
فاصبرْ على وجعِ الفؤادِ وعشْ له = أعني لربِّ العرشِ في الآناءِ
فاللهُ يعلمُ ماجرى ويرى وقد = جارَ الطغاةُ وطالَ طولُ ثواءِ
لكنَّها الأيامُ حبلى فانتظرْ = مولودَها في الصبحِ والإمساءِ
إنَّ البريَّةَ كلَّها قد أيقنتْ = أنَّ الخلاصَ يطلُّ بعدَ عناءِ
فاستسقِ مولاكَ الكريمَ وكنْ على = ثقةٍ به مستبشرًا بالماءِ
سيُغيثُ بارئُنا العظيمُ رحابَنا = وتعودُ أرض الشَّامِ للعلياءِ
وترفُّ أجنحةُ الطيورِ بحقلنا = مختالةً جذلى بِحُسنِ رُواءِ
وغدًا تعشوشبُ الأرضُ التي = جفَّتْ لسوءِ أذيَّةِ السُّفهاءِ
ياشامُ يابلدَ المروءاتِ التي = أغنتْ ظلامَ الأرضِ بالأضواءِ
وأتتْ إليه سحابة تروي الظِّما = يازهوَ ودقِ الغيمةِ الوطفاءِ
فالغوثُ من ربِّ الأنامِ وإنَّه = بالفتحِ إذْ يأتي وبالأنواءِ
والبُشرياتُ تميسُ في صحفٍ لنا = لم تُروَ عند القومِ للأبناءِ
ولعلها تهفو بأوراقٍ لنا = عبر الحديثِ وليس بالإيماءِ
ما آمنتْ بعضُ النفوسِ بصدقِها = فتصدعتْ باللؤمِ والبغضاءِ
إنا لنؤمنُ بالكتاب وما به = من نورِ آيِ اللهِ للأحياءِ
وبِسُنَّةِ المختارِ طه ما خبتْ = أنوارُها في قِمَّةِ الجوزاءِ
لألاؤُها فرحٌ لنا وبشارةٌ = لم تُبقِ من شجنٍ ولا لأواءِ
للناسِ بل للمعتفين تقطعتْ = بهم الدروبُ بقيعةِ الضَّرَّاءِ
والله يدرك بالقبولِ عبادَه = ويردُّ عنهم سطوةَ البلواءِ