طوائف أهل الأرض، من المؤمنين المسلمين . واليهود ، والنصارى ، والصابئين ، و المجوس، و المشركين ... وغيرهم من الملل ، سيجمعهم ربي جميعهم يوم القيامة، ويفصل بينهم بحكمه العدل، ويجازيهم بأعمالهم التي حفظها وكتبها وشهدها : ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) يقول الله تبارك وتعالى : ( إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّبِـِٔينَ وَٱلنَّصَرَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَمَةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ) 17/ الحج . وتأتي البشارة لهذه الطوائف من لدن رب العزة والجلال صريحة تبعث الطمأنينة في النفوس ، وتطوي صفحة الخوف إذا آمنت تلك الطوائف بدينه الحق ، وبما أنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ، يقول الله عـزَّ وجلَّ : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) 82/ البقرة .
وفي صحيح الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَـــــــانَ مِنْ أَصْحَــــــــابِ النَّار ) قال الإمام النووي يرحـــمه الله : فَفِيهِ نَسْـــــخُ الْمِلَلِ كُلِّهــــَا بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
َوقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّــمَ : ( لَا يَسْمَعُ بِي أَحَــــدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمّــــَةِ ) : أَيْ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَكُلُّهُـــــمْ يَجِبُ عَلَيْهـــــــِم الدُّخُـــــولُ فِي طَاعَتِهِ . وَإِنَّمَا ذَكَــرَ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُـمَا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُــــــمْ كِتَـــــــابٌ ؛ فَإِذَا كَـــــانَ هَـذَا شَأْنَهُـــــــــمْ مَعَ أَنَّ لَهـــــُمْ كِتَابًا ، فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى كما قال علماؤُنا الأبرار .
وَاللَّهُ أَعْلَم .
شريف قاسم
هوامش :
(1)الأحزام : الفرق والطوائف والأحزاب .
(2)الإجذام : السرعـة في المشي .
(3) لحوق الذام : مذمة قومه المشركين له إذا أسلم .
(4)ربقة : حبلٌ فيه عدّة عُرًى لربط الدوابّ "يربط الفلاحُ الغنمَ في الرِّبق .
(5)نحور : نرجع .
(6)التَّمتام : الذي يتأتئ في كلامه متحيرا . ومعنى تأتأَ ، يتأتئ ، تأتأةً ، فهو مُتأتِئ يكرر حرف «التاء» ويتلعثم في حديثه .
اليومَ يومُ الفصلِ في الأحكامِ = بين الورى وطوائف الأحـزامِ (1)
جاءتْ بها الآياتُ غيرَ عَصِيَّةٍ = عن منطقِ الإدراكِ والأفهامِ
هذي الطوائفُ ويحها لـو آمنتْ = باللهِ وانقادتْ بلا إحـجامِ
فهي الطوائفُ حسبُها بزماننا = لو آمنتْ بشريعةِ العـلاَّمِ
لاستبشَرَتْ بالعفوِ والأجرِ الذي = يجـري لهـا بالفوزِ والإكـرامِ
هي دعوةُ اللهِ الكريمِ ، وجودُه = إنْ خفَّ أهـلُ الأرضِ في إجـذامِ (2)
فبشارةٌ طوبى تَفُتُّ بِعَضْْدِ مَـنْ = رغبوا لخستهم عن الإسلامِ
للعالمين من البشائرِ أقبلتْ = رغـم الجراحِ بشارةُ الإعظامِ
لايأسَ ــ أهلَ الأرضِ ــ إنْ فاضَ الأسى = واربـدَّ وجهُ الأرضِ بالآلامِ
فاللهُ ذو الرحماتِ ينقذُ خَلْقَه = من قبضةِ الإرهابِ والإجرامِ
خَلْقُ الشعوبِ مع القبائلِ إنَّمـا = لتعارف وتآلفٍ و وئامِ
لكنَّ مَنْ في الأرضِ أقحمَ أمرَهم = عصفُ الغوايةِ في دجى الأيامِ
ويشاءُ ربُّ الخَلْقِ ألاَّ ينطوي = مافي شريعتِنا من الإكرامِ
فالحقُّ في الإسلامِ يجمعُ شملَهم = ويـردُّ عنهم صفعةَ الإرغامِ
فبشارةٌ في الأفْقِ ربَّانيَّةٌ = هلَّت بنورِ الصَّفـحِ والإنعامِ
سيرونها فـوَّاحةً بينَ الورى = شّذْوَ النسيمِ العذبِ في الأكمامِ
هـي وعدُ خيرِ الخلقِ لـم يُصرَم ولم = يطمسْ مطالعَه أذى الأقـزامِ
يا أيُّهـا الناسُ الذين استعصموا = ــ رغـمَ انبلاجِ الحـقِّ ــ بالأصنامِ
أغوتكُمُ الشهواتُ في مُتَـعِ الهوى = ورمتْ مداركَكُم إلى الأوهامِ
قد كانت الأحجارُ يعبدُها الذي = أعمى بصيرَتَه لُحُوقُ الذَّامِ (3)
واليومَ للأصنامِ وجـهٌ فاتنٌ = يغري ويعمي محجرَ الضرغامِ
فترى الذين تفننوا في غيِّهم = يعدون للشهواتِ كالأنعامِ
ويسوقُهم إبليسُهم في خِفَّةٍ = للموبقاتِ بربقةِ استسلامِ (4)
أو يستفزُّ قلوبَهم لاينثني = عن نفثِه في الصدرِ للإلجامِ
فترى ابنَ آدمَ كالخروفِ يقودُه = للذبـحِ ، لكنْ في يــدِ الآثامِ
يختالُ ذا المسكينُ في ثوبِ المنى = لكنَّه كفنٌ ليومِ حِمـامِ
ولربما قد عاشَ قرنًا متـرفًا = زكأنَّـه في فسحةِ استجمامِ
ليرى مصيرًا ليس يقوى أن يرى = مافيه من هـولٍ ومن آلامِ
النارُ والغسلينُ في وادي لظى = وحريقُ وَهْجِ الجمرِ في الأجسامِ
ياربِّ عفوَك إننا في غفلةٍ = عــمَّا إليه نَحُــورُ يومَ قيامِ (5)
ياربِّ هَبْنَا يا إلهي رحمةً = ننجو بهـا يوم الحسابِ الدَّامي
لن ينفعَ الإنسانَ في ذاك اللقـا = ماكان من مالٍ ومن أرحـامِ
فالجاهُ والمٌلْكُ العريضٌ تبدَّدا = والوزنُ للتقوى وطيبُ مقامِ
وهي الموازينُ التي لنجاتنا = بصَلاةِ عبدٍ مُخبتٍ وصيامِ
وبحجِّ بيتِ اللهِ عندَ أوانِه = رغمَ ازدراءِ مقولةِ اللوَّامِ
وأداءِ حـقِّ اللهِ في أموالِنا = وبمـا لدى الميسورِ من أنعامِ
عبقُ الشريعةِ لـم يكن إيماءَةً = بل هـلَّ في الأكوانِ طيبُ غمامِ
هـو سرمديُّ النفحِ من ظلِّ الهدى = لايعتريه ــ العمرَ ــ فصلُ فصامِ
لم يلتفتْ أهلوه للملل التي = حملتْ مخازيهـا حشودُ لئـامِ
إسلامُنا للعالَمين هدايةٌ = خيريةٌ تُلفَى وحُسْنُ نظامِ
والخالقُ الـبَـرُّ الرحيمُ بخَلْقِه = أزجـى مآثرَها مدى الأيامِ
للناسِ كلِّ الناس في دنياهُمُ = فبها الهناءُ لهم ومسكُ ختامِ
قـُلْ للنصارى واليهودِ وغيرِهم = الخيرُ كلُّ الخيرِ في الإسلامِ
والآخرين من الذين تنكبُوا = هذا الصراطَ بغمرةِ الأوهامِ
ولكلِّ مَن وُلدوا بتيهِ ضلالةٍ = من عُرْبِ هذا العصرِ والأعجامِ
إذْ لانجاةَ من الحسابِ إذا انتهى = عمرُ الحياةِ وجاءَ يومُ زحامِ
فالملكُ يومئذٍ لربِّك فاتَّعِظْ = واحذرْ عِنادَ الحائرِ التَّمتامِ (1)
لم يـدرِ أين مصيره بل لم يزلْ = في حالِ أوهامٍ وفي أسقامِ
كم من يهوديٍّ أتى متأففًا = من حقدِ أمته بلا أفهامِ
ورأى لدينِ مُحَمَّدٍ ماقد أتى = بالحقِّ في التوراةِ من إعظامِ
وكذلك الأعدادُ زادَ قبولُها = عند النصارى في مدى أعوامِ
كم عالِمٍ فــذِّ أتى مستسلمًا = لله بعدَ البحثِ في الأجرامِ
وبما رأتْ فيها بصيرتُه وما = قـد بانَ في الإبداعِ والإحكامِ
سبحانك اللهم مَن هذا الذي = يقوى لرصدِ السرِّ في الآجامِ
أو يُدْرِكَنْ فحوى إذا ماقلتَ كُنْ = ليكون ما قد شئتَ باستسلامِ
سَجَدَتْ لـك الأكوانُ في أعنانها = وتخبطَ الإنسانُ بالإحجامِ
فبعثْتَ ركبَ الأنبياءِ هدايةً = لِبَنِي البريةِ مـدةَ الأعوامِ
بالمعجزاتِ وبالبيانِ لعلهم = ينجون من تَبٍّ أتى والذَّامِ
والمصطفى المبعوث رحمتك التي = أجلتْ عن الأفهـامِ شؤمَ قتامِ
فبدا به وجـهُ الممـالك مشرقا = بأُخُــوَّةٍ و مودةٍ وســـلامِ
وطوتْ غثاءَ الجاهليةِ دعـوةٌ = للــهِ إسلاميةُ الأحكامِ
وكبا طواغيتُ الضَّلالة والهوى = وهوى لهم ماكان من أصنامِ
واعتـزَّ أهـلُ الأرضِ بالله الذي = لم يرضَ حالَ البؤسِ والإرغامِ
وحباهُـمُ بكرامةٍ ليست لِمَن = قد سامهم بمجاعةٍ و أُوامِ
ورمى أبا جهلٍ صناديدُ الهدى = بالصَّارمِ الممشوق والصمصامِ
أما أبو لهبٍ فماتَ ويالهــا = من ميتةٍ قد أفزعتْ ورَغـامِ
ولمرحب ذاك اليهوديُّ الذي = أرداهُ سيفُ الفارسِ المقدامِ
وانسابَ جندُ الحقِ في أرجائها = مستبشرين بِنُصرةِ العلاَّمِ
وترفُ فوقَ رؤوسهم في عـزةٍ = بين الدروبِ عُذوبةُ الأعـلامِ
والخَلْقُ في كلِّ البلادِ استبشروا = بقدومِ قومٍ للفتوحِ عِظامِ
لم يظلموا أحدا ولم يطغوا ولم = يؤذوا كرامَ الناسِ بالإرغامِ
هو شَذْوُ بُشْرانا يعودُ كمـا بدا = للعالمين بجنَّةِ الإسلامِ
ولعلهم بعدَ العداوةِِ قد صحـوا = من غفلةٍ طالتْ ومن إحجـامِ
فَبِشرعةِ اللهِ الكريم تَراحُـمٌ = بين الشعوبِ ودعوةٌ لوئامِ
إنَّ السعادة لم تكنْ بصناعةٍ = وتجارةٍ ربحتْ وحُسنِ قَـوامِ
والنفسُ غافلةٌ ولم تعرفْ غـدًا = بـمَ تستجيرُ لزلَّةِ الأقدامِ !
وهي الخطوبُ إذا أتتْ لاتُزدَرى = هيهاتَ يومئذٍ ومـا من حـامِ
الملكُ للديَّانِ يقضي بينهم = والويلُ يومَ الحشرِ للظُّلاَّمِ
وتقطعتْ سُبُلُ التواصلِ بينهم = فالفوزُ للقوَّامِ والصَّوَّامِ
ولمَن رأى في الدِّينِ خيرًا للورى = لا في رؤى السفهاءِ والأقزامِ
هي سكرةٌ أعمتْ بصائرَ مَن أتَوا = عبثا لحشدِ مسيرةِ الأعلامِ
أو صحوةُ النَّفَسِ الأخيرِ لميِّتٍ = هيهاتَ لم يُدْركْ يــدَ استعصامِ
صبرًا أحـبَّةَ أحمدِ الهادي فلن = يقوى على الأبرارِ حقدٌ دامِ
هي أمتي إن طالَ وقتُ سُباتها = فطلوعُ فجرِ الفتحِ في إبرامِ
اللهُ يحفظُها وينصرُها فلا = خوفٌ عليها من أذى الإيلامِ