بديعة: أمن غرامك في البطحاء والحرم
بديعة: أمن غرامك في البطحاء والحرم
لشمس الدين بن محيي الدين الأنصاري الأزهري المصري
مع شرحها: "بُلوغ مَرامِكَ بِشَرحِ أمِن غَرَامِكَ"
اختيار وشرح: سيد أحمد بن محمد السيد
1- أمِنْ غَرَامِكَ في البَطْحَاءِ و الحَرَمِ
بِتَّ اللَّيَالِيَ لم تَهْجَعْ ، و لم تَنَمِ
2- أمْ مِن حَنِينٍ إلَى رَضْوَى وجارَتِهَا
كادَتْ تُقَوِّضُكَ الذِّكْرَى مِنَ الألَمِ
3- دَعْنِي؛ فَمَا أنْتَ ذا قَلبٍ يَرِقُّ إلى
قلبِي ، ولا مَسْمَعٍ يُصْغِي إلى كَلِمِي
4- كَم مُقْلَةٍ فِي هَوَى الأحْبَابِ سَاهِرَةٍ
و كَم فُؤَادٍ مِنَ الأشْوَاقِ مُضْطَرِمِ
5- أجْرَى العَقِيقُ عَقِيقَ الدَّمْعِ مُنْهَمِرًا
و صَيَّرَ البُعْدُ نارَ الشَّوقِ في ضَرَمِ
*********
6- وهِمْتُ بِالخَيْفِ واشتاقَ الفُؤادُ مِنًى
فَأينَ مِنِّي لَيَالِي الخَيفِ و الخِيَمِ؟
7- مَهْدُ الحَنِيفِيَّةِ الزَّهْرَاءِ مِن أزَلٍ
و مَشْرِقُ الحَقِّ و التَّوحِيدِ من قِدَمِ
1
8- أرْضٌ - بِهَا عَرَفَاتُ اللهِ - يَعْشَقُهَا
قَلْبِي و يَشْدُو بِهَا فِي العَالَمِينَ فَمِي
9- إذَا تَرَنَّمَ حادِي العِيسِ ذَكّرَنِي
رَكْبَ الحَجِيجِ بِها فِي الأشْهُرِ الحُرُمِ
10- طُوبَى لِمَن حَجَّ بَيْتَ اللهِ مُعْتَمِرًا
و اسْتَقْبَلَ - الأسْعَدَ المَيْمُونَ - بِاللَّثَمِ
11- و شَاهَدَ الكَعْبَةَ الغَرَّاءَ فَارْتَفَعَتْ
كَفُّ الدُّعَاءِ ، و فاضَتْ عَبْرَةُ النَّدَمِ
12- و جَاءَ زَمْزَمَ يَشْتَقُّ الزِّحَامَ بِها
حَتَّى اسْتَقَى بَلْسَمًا مِن مائِهَا الشَّبِمِ
13- إذا كَبِرْتُ - و لَمْ أظْفَرْ بِأمْنِيَةٍ
مِنَ الحَيَاةِ - فَحَسْبِي رُؤْيَةُ الحَرَمِ
14- و أنْ تُشَاهِدَ عَينِي حُجْرَةً شَرُفَتْ
بِالسَّيِّدِ المُصْطَفَى ، و الطَّاهِرِ العَلَمِ
15- و أن أُهِيبَ بِنَفسِي و هْيَ مُشْفِقَةٌ
هذَا نَبِيُّ الهُدَى ؛ يا نَفْسُ فَاعْتَصِمِي
*********
16- ضَاءَتْ بِمَوْلِدِهِ الأكْوانُ فانْبَعَثَتْ -
وُرْقُ الخَمَائِلِ - بِالتَّسْبِيحِ و النَّغَمِ
17- واهْتَزَّتِ السِّدْرَةُ العَصْمَاءُ وابْتَهَجَتْ
والعَرْشُ يَزْهُو كَزَهْوِ اللَّوْحِ و القَلَمِ
18- فَخْرُ الوُجُودِ وخَيْرُ الخَلْقِ فِي نَسَبٍ
أسْمَى مِنَ النَّجْمِ أو أنْدَى مِن الدِّيَمِ
19- نَالت حَلِيمَةُ عِزًّا مِن رَضَاعَتِهِ
و قَومُها فِي جَدِيبِ العَيْشِ و العُدُمِ
20- تَنَاسَتِ الأجْرَ مَوْفُورًا و قَدْ رَضِيَتْ
دُونَ المَراضِعِ ، بِالإقْلَالِ و اليُتُمِ
21- فَأصْبَحَتْ في يَسَارٍ بَعْدَ عُسْرَتِهَا
و طَاوَعَتْها ضُرُوعُ الشَّاءِ و النَّعَمِ
22- آيَاتُ فَضْلٍ سَرَتْ فِيهِمْ عَجَائِبُها
فأظْهَرَتْ ما لِهَذا القَدْرِ مِن عِظَمِ
*********
23- قَدْ شُقَّ صَدرُكَ تَطْهِيرًا و تَكْرِمَةً
واستُودِعَ النُّورُ مِن عِلْمٍ ومِن حِكَمِ
24- و قد تَعَهَّدَكَ - المَولَى - بِعِصْمَتِهِ
حَتَّى رُبِيتَ عَلَى الأخْلَاقِ و الهِمَمِ
25- بُعِثْتَ بِالحَقِّ ، و الدُّنْيَا مُضَلَّلَةٌ
و جِئْتَ بِالنُّورِ و الآفاقُ فِي ظُلَمِ
26- شَرِيعَةُ اللهِ ما أغْفَلْتَ نُصْرَتَهَا
و لا بَخِلْتَ - عَلَى إعْلائِها - بِدَمِ
27- يَا عَادِلًا ! شَرَعَ الأحْكامَ عادِلَةً
و شَبَّهَ الظُّلمَ - فِي مَعْنَاهُ - بِالظُّلَمِ
28- أنْجَبْتَ - لِلدِّينِ و الدُّنيَا - عَبَاقِرَةً
بِالأمْسِ كانُوا رُعَاةَ الشَّاءِ و الغَنَمِ
29- و جِئْتَ بِالعِلْمِ أمِّيِّينَ ما دَرَسُوا
فَأصْبَحُوا سادَةَ الأعْرَابِ و العَجَمِ
30- و إنَّ قلبِيَ ما جَدَّ الهِيَامُ بِهِ
في غَيرِ حُبِّكَ - بَعْدَ اللهِ - لَمْ يَهِمِ
31- وما ظَنَنْتُ - بِرَبِّي - غَيْرَ مَغْفِرَةٍ
ما دامَ حُبُّكَ في رُوحِي وبَيْنَ دَمِي
*********
32- يا رَبِّ وَحِّدْ صُفُوفَ المُسْلِمِينَ ولا
تَخْذُلْهُمُ ؛ بِاخْتِلَافِ الرَّأيِ و الكَلِمِ
33- وارْزُقْهُمُ النَّصْرَ والتَّوفِيقَ وابْنِ لَهُمْ
مِنَ التَّآلُفِ مَجْدًا ، شَامِخَ القِمَمِ
34- و زُجَّنَا في فَرَادِيسِ العُلَا كَرَمًا
فَمَا عَهِدْنَاكَ إلَّا وَاسِعَ الكَرَمِ
35- وصَلِّ رَبِّي على الهَادِي وعِتْرَتِهِ
و الآلِ و الصَّحْبِ و الأتْبَاعِ كُلِّهِمِ
36- مَا حَنَّ قلبٌ إلى ذِكْرِ الحَبِيبِ ومَا
هَزَّ المَشَاعِرَ ذِكْرُ البَيْتِ و الحَرَمِ
*********
4
*شرح غريبها ثم معانيها: المسمى: "بلوغ مَرامِكَ بِشَرح أمِن غَرَامِكَ"
(1) الغرام: شدة الحُبّ. *البطحاء: هي في مكة وتمتد من "الجِزع" من "وادي إبراهيم" بين الحجون إلى "المسجد الحرام". وما فوق ذلك إلى "المنحنى" يسمى "الأبطح"، وما أسفل منه يدعى "المَسفَلَة". *"معجم معالم الحجاز" د. عاتق البلادي 212- 213.
*الحرم: أرض مكة المكرمة. *بِتَّ: نِمتَ ليلًا، لكن هنا تعني: أمسيت، صِرْتَ. *الليالي: ج ليلة. *تهجع: تنام.
(2) حنين: شَوق. *رضوى: اسم جبل بالمدينة. "المغانم المُطابة" 156. *جارتها: ما عرفت المقصود بها؟!
*كادت: اقتربت. تُقَوِّضُك: تَهُدُّكَ، تُضْعِفُ قُواك، تُنْهِكُكَ. *ذكرى: تَذَكُّر الأماكن والمشاعر المقدسة في الحجاز. *من الألم: من وجع تذكرها.
(3) دعني: اتركني مَن لا تشعر بحالي وتحس بنار أشواقي لتلك الأماكن.
*ما: هنا حجازية تعمل عمل "ليس"، وأنت: اسمها مرفوع، وذا: خبرها منصوب. *يَرِقّ: يرحَم ويعطِف. *مسمع: أذُن. *يُصغي: يستمع باهتمام. *كلمي: ج كلمة؛ كلماتي.
(4) كم مُقلة: كم عينٍ، كثير من العيون. *هوى: حب وعِشق. *الأحباب: ج حبيب. *ساهرة: لا تنام ليلًا. *فؤاد: قلب. *مضطرم: مُشْتَعِل.
(5) العقيق: هو واد عظيم، عليه أموال المدينة، وهو يبعد نحو 3 أميال عن المدينة. المغانم المطابة 266.
وهذا الوادي هو الأشهر، وهو الذي تغنى به الشعراء كثيرا.
وأودية العقيق في الحجاز سبعة أشهرها عقيق المدينة. *"معجم معالم الحجاز" د. عاتق البلادي ص 1173.
*وفي عقيق المدينة يقول -"الشاعر يحيى بن حبش السهروردي المقتول 587هـ، أو: الحبيب أحمد المساوي بن أبي بكر العيدروس ت 922هـ"- في الأغنية الشهيرة:
5
على "العقيق" اجتمعنا نَحنُ ، و سُودُ العُيُونِ
أظُنُّ مَجنونَ لَيلى قَدْ جُنَّ بَعضَ جُنُونِي
*ينظر: "ديوان السهروردي" موقع "حكواتي ص 19، و"مولد الديبعي" ضمن كتاب "مجموع لطيف أنسي ... ص 171" د. عاصم الكيالي.
*عقيق الدمع: الدموع المُشْبِهة جَوهرَ العقيق. *العقيق: حجر كريم شهير.
*منهمرا: سائلا بغزارة كالمطر. *صيَّر: جعل. *ضرَم: اشتعال.
(6) هِمتُ: أولعت وأغرمت؛ عشقتُ.
*الخَيف: هو ما ارتفع من مجرى السيل وانحدر عن غِلَظ الجبل. وهو: موضع بمنى في سفح جبلها الذي يقع على يمين الذاهب إلى عرفة، وقد نزل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة وداعه يوم التروية، وضُربت قبته بهذا المكان، وصلى به مع صحبه الكرام الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر يوم عرفة. و"مسجد الخيف" في الموضع عينه معروف اليوم، وقد وُسّعت رقعته، وبُني بناية حسنة، وقد جعلت في جانب الجدار الشرقي منه قبة عظيمة "خيمة" في موضع قبة رسول الله عليه الصلاة والسلام، والصلاة في مسجد الخيف سُنَّة. *"قاموس الحج والعمرة" للأستاذ أحمد عبد الغفور عطار 112- 113. *اشتاق: حَنَّ.
*مِنًى: أحد مشاعر الحج وأقربها إلى مكة؛ فالمبيت بها واجب من تركه عليه دم عند الجمهور عدا الحنفية فالمبيت بها عندهم سنة.
ومنى مكان ومشعر ينزله الحاج يوم النحر "العاشر من ذي الحجة"- ويقيم فيه إلى اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر منه "أيام التشريق"، وبه الجمرات الثلاث التي يرجمها الحاج، ومسجد الخَيف، ومسجد المرسلات، ومسجد الكبش، ومسجد الكوثر.
وهو اليوم أيضا حي كبير من أحياء مكة فيه عمارات ترتفع طوابق عدة، وأدخلت عليه إصلاحات في عهد آل سعود لتوسعته للحجاج. *"معجم معالم الحجاز" د. عاتق البلادي 1670- 1671، "قاموس الحج والعمرة" لعطار 198- 199.
6
*فأين مني ... : هي بعيدة عني؛ يتحسَّر عليها. *الخيم: ج خيمة، خيام الحجاج في منى والخيف.
(7) مهد الحنيفية: أرض التوحيد الأصلية. *الحنيف: دين التوحيد المائل عن الشرك إلى توحيد الله تعالى. *الزهراء: المُشرِقة. *الأزل: الزمن القديم جِدًّا. *مشرق الحق: مكان ظهور نوره.
(8) عرفات الله: أرض عرفات المباركة، وهي: عرفة؛ وهي ميدان متسع خارج حدود الحرم، وهو المكان الذي ينزله الحجاج يوم التاسع من ذي الحجة، فإذا غابت شمسه أفاضوا من عرفات إلى المزدلفة. والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج يبطل بتركه وفي الحديث الصحيح: "الحج عرفة"، وفي أي مكان من عرفة يوقف يصح الحج. وميدان عرفة يشبه القوس لإحاطة الجبال به من الشرق والشمال والجنوب. ويقع "جبل الرحمة جنوبي عرفة. "قاموس الحج والعمرة" للعطار 168- 169.
*يعشقها: يحبها كثيرا. *يشدو: يُغنِّي. *في العالمين: بين الخلق.
(9) ترنم: تغنى، غنى. *الحادي: المُنْشِد والمُغنِّي. العيس: الإبل البيض المُخالِط بَيَاضَها شُقْرَة، الإبل الكريمة. وفي العادة لكل قافلة مُغَنٍّ يكون في أول القافلة يحدو ويغني للمسافرين فيها وللإبل كي تنشط على السير، وكان ينشد الأرجاز من الشعر وغيرها، ومن الحُداة "أنجشة" الصحابي رضي الله عنه؛ الذي كان يحدو مرة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان في القافلة نساء، فبينما هو يحدو وكان جميل الصوت مؤثرا فقال له رسول الله عليه الصلاة والسلام: "رويدك يا أنجشة! رِفْقًا بالقَوارِير"؟!
ومن الحداة الصحابة سيدنا عبد الله بن عبد نهم المزني؛ -"ذو البجادين ت 9هـ" - كان في الهجرة مع رسول الله عليه الصلاة والسلام يحدو به؛ فأنشد "عند الركوبة وهي ثَنِيَّة شاقَّة بين مكة والمدينة عند العَرج"- مُخاطبا ناقته ومفتخرا بسيد الخلق وهو معه:
تَعَرَّضِي مَدَارِجًا ، و سُومِي تَعَرُّضَ الجَوْزَاء لِلنُّجُومِ
هذا أبُو القاسِمِ فاسْتَقِيمِي
*رَ: "المغانم المُطابة" للفيروزآبادي 159.
7
*ركب الحجيج: ج راكب، قافلة الحجاج. *الأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجَّة، ومُحَرّم، ورَجَب. "ثلاثة سَرْدٌ، وواحد فردٌ".
(10) طوبى: كلمة مدح، أو شجرة في الجنة. *حج بيت الله: زار الكعبة لأداء فريضة الحج أو سنته. *معتمرا: مؤدِّيًا لِلعُمْرَة. *الأسعد الميمون: الحجر الأسود الموضوع في ركن الكعبة من الخارج من جهة الجنوب الشرقي، مُقابل "زمزم" من مغيب الشمس، وارتفاعه عن الأرض متر ونصفه. وأول من وضعه في مكانه سيدنا إبراهيم قبل زهاء 4000 سنة لدى بنائه البيت. وقد قلعه القرامطة وأخذوه عنوة معهم إلى "الأحساء؛ البحرين" سنة 317هـ، بعد دخولهم مكة عنوة ونهبها وقتل الحجاج فيها، ثم أعادوه إلى "مكة" سنة 339هـ. واستلامه وتقبيله سنة، ما لم يُزاحم الناس، وإلا فتكفي الإشارة. وقد قبَّله سيدنا رسول الله في حجة وداعه، ووضع رأسه الشريف فيه، وبَلَّله بِعَبَراته المباركة. كما يقول الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار رحمه الله في "قاموس الحج والعمرة". ص 100- 101، و"معجم معالم الحجاز" لعاتق البلادي 416- 417.
*فائدة: تسمية الحجر الأسود بـ "الحجر الأسعد" - كما في قصيدتنا للشمس الأزهري- هو مما سُمع في البادية تحاشيا لذكر السواد! *معجم معالم الحجاز د. عاتق البلادي 417. *اللثم: التقبيل، مصدر لَثَم.
(11) الغراء: المُنيرة، المُشرقة. *عبرة الندم: دمعة التوبة الصادقة.
(12) زمزم: هو ذلك الماء الطيب المبارك، وهو تلك البئر المباركة في الحرم المكي قرب الكعبة، التي قال عنها سيدنا رسول الله: "إنها مباركة؛ إنها طعام طُعْم، وشِفاءُ سُقْمٍ"، وقال فيها أيضا: "ماء زمزم لما شُرب له؛ إن شربته تستشفي شفاك الله، وإنْ لِشِبَعك أشبعك الله، وإن شربته لِقَطْعِ ظَمَئِكَ قطعه الله، وإن شربته مُستعيذا أعاذك الله، وهي هَزْمَةُ جِبْريل -(ضربة رجله على الأرض)- وسُقْيا الله إسماعيل".
وقعر بئر زمزم صخرة على هيئة الهاون، به ثقوب كثيرة ينبض منها ماء زمزم بغزارة؛ لذا فالملايين يشربون منها وهي تسعهم وتسع تزودهم منها وحملهم إياها إلى بلدانهم المختلفة.
8
وبئر زمزم لا تقبل التلوث والوسخ، فإذا ملأتها السيول بالتراب والحجارة والغثاء وغيرها قذفت به؛ إذ يفيض ماؤها ويفور حتى يعود إليه الصفاء.
وقصة نبع زمزم مع سيدتنا هاجر ورضيعها سيدنا إسماعيل لمَّا عطشا ونزل جبريل فضرب الأرض برجله فنبعت قبل نحو 4030 سنة. *قاموس الحج والعمرة" لعطار 127- 130.
وماء زمزم يُعَدُّ خيرَ هدية من مكة، واستهداه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سُهيل بن عمرو، ويتهاداه الخلفاء والفقهاء والعلماء والملوك، وسائر الناس لبركته.
*يشتق الزحام: يمر بين الحجاج القاصدين ماء زمزم المبارك المتزاحمين على وروده. *البلسم: هو البَلَسَان أو البَيْلَسان، هو شجر كثير الورق، زهره أبيض، دُهنُ حَبِّه "البَلْسَم" تُدَاوَى به الجُروح. وفي معجم المُعَرَّبات: أنها يُونانية تعني موادّ نباتية فيها زيوت روحية وراتينج وحوامض. *معجم متن اللغة ش أحمد رضا 1/337. *الشَّبِم: البارِد.
(13) أظفر: أنَال، أحصل على. *أمنية: شيء أطلبه وآمُل الحُصولَ عليه. *حسبي: يكفيني. *الحرم: أرض الحرمين مكة والمدينة.
(14) حجرة شَرُفت ... : المقصود بها الروضة الشريفة مثوى سيدنا رسول الله وقبره المبارك من أفضل الأماكن على الأرض، والذي قال فيه كما في الصحيح "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة".
وطول الروضة 22 مِتْرًا، وعرضها نحو 15 مِتْرًا. *"معالم المسجد النبوي الشريف". د. خالد محمد حامد 30، 40. *العَلَم: الشهير جدا.
(15) أهيب بنفسي: أدعوها وأحضها وآمرها لفعل الخير وترك الشر.
*مُشفِقة: خائفة. *فاعتصمي: تمسكي بهداه ومحبته.
(16) ضاءت بمولده الأكوان: أنارت بيوم ولادته الكائنات. *انبعثت: انطلقت. *وُرْق: ج ورقاء، وهي الحمامة لونها كلون الرَّماد. *الخمائل: ج خميلة: الشجر الكثير الملتف الذي لا يُرى الداخل فيه. *بالتسبيح: بتسبيح الله تعالى. *النغم: تغريد تلك الحمائم. (17) اهتزَّت: اضطربت وتحرَّكت فرحا بمولد النبي.
*السدرة: هي سدرة المُنتَهى؛ وهي شجرة عظيمة عند العرش ينتهي إليها علوم الخلائق، قال تعالى: (ولقد رآه نزلة أخرى*عند سدرة المنتهى*). النجم 13- 14. *العصماء: المَنِيعة القوية المحفوظة.
*ابتهجت: فرحت وسُرَّت. *يزهو: يُشرِق ويُضيء. *اللوح: هو المحفوظ.
(18) فخر الوجود: مفخرة الكائنات والخلق. *أسمى: أعلى وأرقى. *أندى: أكرَمُ. *الدِّيَم: ج دِيمة: المطر يدوم زمانه في سكون.
(19) حليمة: هي حليمة بنت أبي ذُؤيب السعدية مُرضعُ رسول الله. *جديب العيش: محل المطر وانقطاعه. *العُدْم: شدة الفقر.
(20) تناست الأجر موفورا: لم تشترط أجرة كبيرة - كباقي المراضع- على إرضاع رسول الله، بل قنعت باليسير من أهله لأنه يتيم.
*الإقلال: الفقر. *اليُتْم: مصدر يَتِمَ.
(21) اليسار: الغِنَى. *العُسْرة: الشِّدَّة والفقر والضِّيق. *طاوعتها: وافقتها وكانت سهلة معها. *ضروع: ج ضَرْع، خِلْفُ الشاة؛ ثدْيُها. *الشاء: ج شاة، واحدة الغَنَم. *النَّعَم: اسم جنس للإبل والبقر والغنم.
(22) آيات فضل: علامات ومعجزات فضل ونُبْل لهذا النبي العظيم. *سرت: مشت فيهم سِرًّا. *عجائبها: ج عجيبة؛ غرائبها. *القدر: الشَّرَف.
(23) شُقَ صدرُكَ: حادثة شق الصدر لحبيبنا المصطفى حصلت نحو أربع مرات، من بينها وهو رضيع عند حليمة، وأخرى قبيل إسرائه ومعراجه. *تطهيرا: من حظ الشيطان. *تكرمة: إكراما وتفضيلا. *استُودع النور: وُضع في صدره الشريف عليه الصلاة والسلام.
(24) تعهَّدك المولى: رَبَّاك وصَنَعَك على عينه. *عصمته: حفظه ورعايته. *ربيت: نشأت وترعرعت. *الهمم: ج هِمَّة، النشاط والقوة.
(25) بالحق: بدين الحق "الإسلام". *الدنيا مضللة: الناس فيها تائهون عن الحق والصراط المستقيم؛ بالشرك والموبقات. *الآفاق: ج أفُق، النواحي وأطراف الأرض. *ظلم: ج ظُلْمَة.
10
(26) شريعة الله: دين الإسلام. *أغفلت: أهملت وتقاعست. *نصرتها: نشرها وتأييدها قولا وفعلا. *إعلائها: رفعها ونشرها.
(27) شرع الأحكام: سَنَّ القوانين الإسلامية. *شبَّه الظُّلْمَ بِالظُّلَم: يشير إلى قول سيدنا وقائدنا المصطفى في الصحيح: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة".
(28) أنجَبت: خَرَّجْتَ طُلَّابًا نُجباء علماء عاملين قادَةً رادَةً. *عباقرة: ج عبقري: النابغة الماهر والذكي جدا. *رعاة: ج راعٍ.
(29) أمِّيِّين: ج أميٍّ؛ من لا يعرف القراءة ولا الكتابة. *سادة: ج سَيِّد، زعيم وقائد. (30) جد الهيام به: اشتد به الحب. *لم يهم: لم يُحِبّ.
(31) ظننت بربي: علمت يقينا، ظنَّ: بمعنى علم، كقوله تعالى: (وظن أنه الفراق*) القيامة 28، وقوله: (إني ظننت أني ملاق حسابيه*) الحاقة 20.
(32) تخذلهم: تجعلهم مخذولين؛ غير منصورين. *باختلاف الرأي والكلم: كناية عن تفرقهم وعدم وحدتهم.
(33) التآلُف: الأخُوَّة والمحبة والترابُط. *مجدا: شرفا وعِزًّا. *شامخ: عالٍ. *القمم: ج قِمَّة، الذروة؛ رأس الجَبَل.
(34) زُجَّنا: ألْقِنا وارمِ بنا. وهي غير لائقة، كان الأولى أن يقول: "وجازِنا بفراديس ...". ويمكن أن تكون: "زَجِّنا: مِن زَجَّاه" بمعنى: دّفَعَه بِرِفْق.
*فراديس: ج فردوس، وهو أعلى درجة في الجنة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى". *العُلا: الدرجات العالية. *عهدناك: عرفناك. *واسع الكرَم: عظيمَه وغَزِيرَه.
(35) عترته: آل بيته الطيبون الطاهرون. *الأتباع: التابعون للصحابة.
(36) حَنَّ: اشْتَاقَ. *هَزَّ المشاعر: حرَّكَ الأحاسيس الإنسانية.
11
*الكلام عن هذه القصيدة الجوهرة وأهميتها ومكانتها وشهرتها:
القصيدة هي معارضة لقصيدة البردة الشهيرة الفائقة الرائقة للإمام البوصيري، وهي بالطبع ميمية مكسورة من البحر البسيط، ومطلعها:
أمن غرامك بالبطحاء و الحرم بت الليالي لم تهجع و لم تنم
قالها الشاعر شمس الدين خلال حجه عام 1952م، وتقع في 36 بيتا، من البحر البسيط، رَوِيُّها الميم المكسورة كالبُردة البوُصِيرِيَّة.
نالت هذه القصيدة الرائعة الساحرة شهرة واسعة في العالم العربي، وتعد من عيون الشعر العربي المعاصر عامة، ومن أهم وأجمل الميميَّات المُعارضة لميمية و"بردة الأستاذ البوصيري" خاصة.
*وفي رأيي المتواضع: فإني أعُدُّها في المرتبة الرابعة بعد بردة الإمام البوصيري و"كشف الغمة" لمحمود سامي البارودي، و"نهج البردة" لأمير الشعراء أحمد شوقي؛ بجمالها الأخَّاذ ورقتها وحلاوتها وطلاوتها، وحرارة عاطفتها وصدقها.
*مضمون القصيدة وشرحها الإجمالي:
أ- اشتملت القصيدة على مخاطبة صاحب للشاعر واستفهامه له عن عدم نومه وهجوعه ليالي عدة؛ فهل كان ذلك بسبب ولوعك بمكة وحرمها؟ أم بسبب شَوقِكَ إلى جبل رضوى بالمدينة المنورة كِدتَ تُهلك نفسك من ألم التذكر لهذه الأماكن القريبة من الحبيب، والحبيبة إلى النفس لقربها من الحبيب، أو لمروره بها، أوإقامته فيها فترة ما.
ب- ثم يُعرض عن صاحبه الخَلِيّ لأنه لا يُحس بما يحس به صاحبه الشاعرُ الشَّجِيُّ، ولا يشعر بشعوره؛ فلا يرق لألم قلبه وحُرقة كبده من الشوق، ولا يستمع إلى كلام عن مُعاناته!
ج- ثم يتحدث عن مقاساة المحب ومعاناته وضناه؛ من سهر طويل، واحتراق فؤاده بالشوق ونار البعاد، والبكاء بحرقة من ألم الشوق المُمِضِّ.
د- ثم يتكلم عن هُيامه بالخَيف، وشوقه لمِنى، ويتلهَّف على ليالي الخيف وخِيم مِنى التي يتظلل بها الحاجُّ.
12
هـ- تلك الأماكن والمشاعر المقدسة أساس الدين الحق ومَشرِق دين التوحيد ملة إبراهيم منذ القِدم.
و- إنها عرفات الله التي يعشقها قلبي، ويشدو بحبها فمي بين الكائنات.
ز- تلك الديار التي أعشقها يذكرني بها حادي العيس كلما ترنم حاديا لقافلة الحجيج في أشهر الحج "الأشهر الحرم".
ح- هنيئا لمن أدى فريضتي الحج والعمرة، وقبَّل الحجر الأسود المبارك، وشاهد الكعبة المُشرقة؛ فارتفعت كفا دُعائه المُخبِت الواجف، وفاضت دموع توبته وندمه تغسل حَوبَتَه.
ط- ثم جاء نبعَ زمزم المبارك في زحام الواردين عليه الناهلين من مائه فعَلَّ ونَهَل وعَبَّ وكَرَع من ذلك الماء الشافي البارد السلسبيل.
ي- ثم يقول: إذا كبرت سني ووهن عظمي واشتعل شيبي ولم أظفر بأي أمنية من حياتي سوى رؤيتي حرم الله المكي والمدني، فحسبي هذه الرؤية التي هي عندي أغلى وأحلى وأعلى أمنية، وحسبي رؤية مثوى حبيبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، الذي تشرفت به حجرته المباركة، وأن أدعو نفسي الخائفة من ذنوبها، بل أحُضُّها بقولي لها: هذا نبي الرشاد فاعتصمي بسنته ومحبته وسيرته.
ك- ذاك النبي العظيم الذي نور مولده الكائنات؛ فراحت الحمائم في الخمائل والبساتين تهدل وتردد أعذب الألحان والتسابيح.
ل- كما اانتشت واضطربت سدرة المنتهى الشماء فرحة بمولد المصطفى، وأضاء العرش كإضاءة اللوح والقلم.
م- إنه فخر الوجود السيد المحمود خير الورى نسبا وحسبا، وهو أرقى من النجوم النيرات، وأكرم من السحب الماطرات.
ن- إنه النبي الكريم الذي عزت وشرُفت مرضعته حليمة بإرضاعها له هي وقومها بنو سعد، وأضحوا في خصب وسعة ورخاء - بسبب هذا الطفل اليتيم المبارك وعظم قدر- بعد شدة وقحط ومتربة وفقر مدقع، كان ذلك لحليمة مكافأة إلهية لها على قبولها بهذا الرضيع اليتيم ذي الأجرة اليسيرة.
13
س- ثم تكلم عن حادثة شق الصدر لنبينا الكريم؛ التي كانت تطهيرا وتكرمة لجنابه، ليوضع في قلبه الشريف النور والعلم والحكم.
ع- لقد تكفل الله تعالى بحفظك يا رسول الله ورعايتك، وصَنَعَك على عينه؛ فنشأت على الأخلاق الكاملة، والهمم العالية، وبعثك بالحق والنور في عالم مُحْلَولِكِ الظلام، يغلب عليه القتام؛ فنورته بشريعتك الغراء التي بذلت لنشرها وتأييدها كل غال ونفس، ولم تبخل على نصرتها بدمك وجهادك.
ف- يا أيها النبي العادل الذي شرع العدل في كل أحكامه، وحذر من الظلم حتى شبهه بالظلمات يوم القيامة!
ص- أيها النبي لقد أنجبت وخرَّجتَ أصحابا عظماء قادة ورادة للدين والدنيا، بعد أن كانوا قريبا رعاة للشياه والأغنام؟ّ! كما علمت أميين لا يقرؤون ولا يكتبون؛ فأضحوا سادة كل الناس؟!
ق- هذا، وإن فؤادي طيلة تجديده بالهيام أو ما صدق الهيامَ فلن يخفق - بعد هيامي بحبيبي وخالقي- بغير حبك؟!
ر- وما علمت بل ما تيقنت بربي سوى مغفرته لي وعفوه عني طيلة مخالطة حبك لروحي ودمي.
ش- ثم يتوجه إلى باريه وخالقه بالدعاء المخبت الخاشع المخلص بأن يوحد صفوف المسلمين، وينصرهم ويوفقهم ويؤلف بينهم بمجد باذخ؛ بوحدتهم واستقامتهم، ولا يخذلهم بتفرقهم وفسوقهم وذهاب ريحهم.
ت- وأن يدخلنا ربنا الجواد الوهاب الذي نعرفه واسع العطايا والكرم – نحن جميع المسلمين- يُدخلنا في الفراديس العلى مع الأبرار تفضلا وكرما منه سبحانه وتعالى.
ث- يا رب صل على نبينا الهادي وآل بيته الطاهرين وصحبه الأخيار وتابعيهم بإحسان كلهم، ما اشتاق قلب إلى حبيبنا ورسولنا المصطفى، وما تحركت مشاعرنا بذكر الكعبة المعظمة والحرم الشريف، آمين، آمين.
14
المراجع
أ- الكتب:
1- "الموسوعة القرآنية الميسرة: القرآن الكريم مع التفسير الوجير د. وهبة الزحيلي وكتب أخرى". ط 10، دار الفكر دمشق، 1432هـ - 2011م.
2- "تكملة معجم المؤلفين لكحالة". لمحمد خير رمضان يوسف، ط2 موسعة، منتدى العلماء - إسطنبول، 1439هـ - 2018م.
3- "معجم متن اللغة". للشيخ أحمد رضا العاملي ت 1953م، ط1، دار مكتبة الحياة - بيروت، 1958م.
4- "المعجم الوسيط". لنخبة لغويين باحثين، مجمع اللغة العربية - القاهرة، ط2، 1972م.
5- "جامع النفحات القدسية في الأناشيد الدينية والقصائد العِرفانية والمُوشحات الأندلسية". للشيخ محمد عربي القباني رحمه الله. ط1، دار الخير- دمشق، 1993م؟
6- "ديوان السهروردي المقتول". ليحيى بن حبش السهروردي القتيل على الزندقة سنة 587هـ، نشر موقع "حكواتي".
7- "مجموع مبارك في المولد الشريف نثرا وشعرا، وفتوى في إباحة الضرب بالدفوف ... ". للمحدث الكبير ش عبد الرحمن بن علي الديبعي الزبيدي ت 944هـ ، مطبوع ضمن "مجموع لطيف أنسي ..." الآتي.
8- "مجموع لطيف أنسي في صيغ المولد النبوي القدسي، نثرا ونظما". يضم 30 مولدا نبويا، اعتنى به د. عاصم إبراهيم الكيالي الحسيني، ط 1، دار الكتب العلمية بيروت، 1426هـ - 2005م.
9- "قاموس الحج والعمرة؛ من حجة النبي وعُمَرِه". للأستاذ أحمد عبد الغفور عطار، ط3، دار العلم للملايين - بيروت، 1408هـ - 1988م.
10- "المغانم المُطابة في معالم طابة". لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ت 817 هـ، تح العلامة ش حمد الجاسر، ط1، منشورات دار اليمامة الرياض، 1389هـ - 1969م.
11- "معجم معالم الحجاز". د. عاتق بن غيث البلادي، ط2، دار مكة - مكة المكرمة، مؤسسة الريّان - بيروت، 1431هـ - 2010م.
12- "معلوماتي الشخصية".
ب- مواقع الشابكة:
1- شمس الدين الأزهري ت 1982م، مع قصيدته (أمن غرامك). موقع "فقه النفس" على الشابكة على "التليغرام".
2- منتدى "منارة دشنا"، مقالة "فضيلة الشيخ شمس الدين الأزهري" لمؤسس المنتدى علي عبد الله، وفيها نماذج لشعره نشر في 5/2/2009م.
3- صفحة الشيخ شمس الدين الأزهري على "فيس بوك"، فيها ترجمة منقولة للشيخ كتبها خالد هلال في 22/4/2020م، مع صورة للشيخ، وصورة الشيخ هذه لا توجد سوى في هذا الموقع.
الشيخ شمس الدين الأزهري ت 1982م
صاحب جوهرة "أمين غرامك"، رحمه الله تعالى
وسوم: العدد 990