( توفيت الوالدة ــ يرحمها الله ــ وسائر أموات المسلمين منذ ثلاثين عاما . وكان بعدها ماكان من موت الأعمام والأخوال والعديد من أرحامنا ، ثم أقبلت الرزايا على المسلمين وأصابنا ما أصاب سائر الناس في بلادنا . فمنا الشهداء والمساجين ومن جرفتهم صحارى الغربة العمياء التي جاوزت الخمسين عاما . ومنذ ثلاثة أشهر توفي شقيقي الشيخ عيد قاسم ــ يرحمه الله ــ وبعده بأيام توفيت شقيقتي الكبرى أم البنين ــ يرحمها الله ــ وسائر أموات المسلمين ... وكانت رؤية الوالدة في طيف منام يشرح الصدر ، ولله الحمد والمنة ، مع ابنتها الكبرى وابنها الشيخ ... وكانت هذه الأبيات ) :
هوامش :
- الهرمزان : الهُرمُزان والهُرمُز هو الكبير من ملوك العجم حسب معجم لسان العرب ، والكلمة من أصل فارسي،وفي السياق الذي أشرت إليه فهُرمزان هو قائد الجيش الفارسي في معركة القادسية . وقد أسره المسلمون أثناء فتح فارس، وطلب الأمان من عمر بن الخطاب فأعتقه وأسكنه المدينة ، وقُتل في عام 23 هـ على يد عبيد الله بن عمر بعد أن غدر أبو لؤلؤة المجوسي لعنه الله بوالده وقتله.
- العنفوان : زهو الطغاة وغطرستهم .
رأيتُكِ نهرًا يفيض حنانْ = وظلاَّ تدلَّى عليه امانْ
رأيتُكِ أمس بطيف المنام = مع الراحلين خلال العَنانْ
شقيقة عمري التي غادرتْ = مغانيَ ذات ابتهاج وشانْ
وعاشتْ بثوبِ التٌّقى والحياء = وأوفت بصدقٍ عهودًا حِسانْ
ومات أخي قبلها فأثار = أسىً قد تلظَّى عليه الجَنانْ
وخلَّف ذكرًا حميدَ العطاء = بحبِّ النَّبيِّ الكريمِ المعانِ
نشيدًا موشَّىً بزهوِ الحروف = وصاغتْه بالشوقِ أحلى بَنانْ
فعيدٌ وأُمُّ البنين اللذان = توفَّاهُمـا اللهُ فيالزمانْ
فلله حمدٌ على ما قضى = برغمِ افتقادِ كريم الجُمانْ
رضينا وربِّك يوم المصاب = ولسنا لنجزع ممَّـا عَرَانْ
وإنَّ مطافي بعيدُ الخطا = وطول الأسى والنَّوى شاهدانْ
وأسألُ ربِّي سميعَ الدعاء = قبولَهمـا في أعالي الجِنانْ
وأن يجمع اللهُ شملَ القلوب = ولا يجعلَنَّ لقاهـا مُهـانْ
هناك المنى والنعيم المقيم = ودار بها فضلُ ربِّي مُصانْ
إليك دعائي على رفرفٍ = يجددُ شوقي بكلِّ أوانْ
إلى اللهِ أشكو مرارَ النَّوى = وقلبي يجالدُه ما استكانْ
فصبرًا وحمدًا لربٍّ كريم = وبالله تُرجى العطايا الحِسانْ
رأيتُك صبحًا وليلي طويل = بأيامِ عمرٍ لهم ما استكانْ
ودارًا بها سكنتْ مهجتي = وقد مادَ بالخطبِ مني الكيانْ
وبسمةَ وُدٍّ بهــا سلوتي = إذا ضاقَ بالكربِ رحبُ الجَنانْ
رأيتُكِ بستانَ خيرٍ نمــا = به مُلِئتْ بالثمارِ اليدانْ
سخيَّ الحِباءِ وفيرَ النَّدى = محيَّاهُ دنيا شذًا وافتنانْ
لقلبي إذا ماشدا هِـزَّةً = إليك فأنتِ ربيعُ البيانْ
وناديثُ أُمِّي وقد أخبروا = فؤادي بموتِكِ يومَ امتحانْ
ذهلتً ولولا يقيني المكين = يطرِّزُ قلبي بأسمى المَعَانْ
لكنتُ الذي لــم ينمْ ليلَه = على شجوه فالعيونُ روانْ
فقدتُك للقلبِ أُنشودةً = إذا فاهَ بالبِــرِّ مني اللسانْ
أكبُّ عليك بفيضِ العيون = وقلبٍ وجيعٍ يفيضُ احتقانْ
فمن بعضِ مافي الحنايا هفتْ = لقبرِك روحي تزورُ المكانْ
تقبِّلُ أقدامَك الطاهرات = وترجوك عفوًا لقلبي أعــانْ
دعاؤُك مازالَ في مسمعي = يجوبُ فؤادي فما فيه رانْ
وقبل الصلاةِ وبعد الصلاة = لثغركِ يا أم تسبيحتانْ
وبعد التَّشهُّدِ لـي دعوةٌ = إلى الله فيها لقلبي أمانْ
فيا أم عذرًا فإنِّي أسيرٌ = فمِنِّي ومن أدمعي زهرتانْ
عليك تَمُرَّانِ عند الضُّحى = وفي العصرِ يا أم تستغفرانْ
ولي دعوةٌ عند ربٍّ غفور = أرجِّي بها لــكِ منه الأمانْ
رحلتِ وفي مقلتي اشتياق = لرؤياكِ مؤتلقٌ للعيانْ
وطالتْ بنــا غربةٌ مُــرَّةٌ = بليلٍ طويل الأسى مــا ألانْ
وفيها خطوبٌ ما انجلى بأسُها = وحقدُ الجناةِ أليمُ
ولمَّـا تزلْ غربةً وجهُهـــا = بغيرِ أمانٍ وغيرِ اتِّزانْ
وللباطلِ فيهــا حديثٌ يطول = ففي كلِّ يومٍ لــه مهرجان
ويرقصُ فيه الهوى والمجون = ويكتمُ حقدًا به الهرمزانْ (1)
وللظلمِ أنيابُه في الشعوب = وعنوانُه البطشُ والعنفُوانْ (2)
تكالبتِ اليومَ بين الربوع = حشودٌ على دينِنا كي يُهانْ
فكانت لنا في خضمِّ الخطوب = على الرغمٍ من صبرِنا غربتانْ
ولكنه الوعــدُ وعدُ الإله =ومَن في حِماهُ المثاني تُصانْ
سنبقى وللحقِّ شُمَّ الأنوف = فإنَّ المكابرَ دومًـا مُـدانْ
ونبقى نجاهدُ أهلَ الضلال = ونُعلي بدنيا الأنام الأذانْ
ففي العيش للمسلمين العلاء = ولـم يــكُ بالزيف في برلمانْ
إلى الله بثُّ معاناتنا = كنارِ الجوى وكطعنِ السنانْ
ونبقى وتبقى الحروفُ التي = تردِّدُ شكوى لهـا وجهتانْ
إلى الله أولاهـما في يقين = وسائلُ ربِّي الرحيمِ يُعـانْ
وثانيهما صبرُ قلبٍ سليم = رضاهُ بمـا قدَّرَ الله كانْ
إليه المآبُ فمَن قـد طغى = ينالُ العقابَ ويلقى الهوانْ
ومَن عاشَ معْ ركبِ أهلِ الهدى = سيلقى الثَّـوابَ بأعلى الجِنـانْ
فياأُم : طوبى فربي يقول = أجيبُ المنادي ومَن قد دعانْ
فَلُقْيَـا بيوم تطيب النفوس = هنالك فيه خلودُ الأمانْ