قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم : } الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُــواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْم الْوَكِيلُ 173 . َانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ 174 . إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ 175 { من سورة آل عمران
أخبر الله تبارك وتعالى عن هؤلاء المجاهدين المخلصين الصَّابرين أنهم قد صحبهم في عودتهم بعد المنازلة خمسةُ أمور ،كما أوردتها كتب التفسير لكتاب الله عــزَّ وجـلَّ، ولكلِّ أمر دلالاتُه الأثيرةُ ، وآثارُه الإيجابيةُ في سلوك هؤلاء المنافحين عن حياض الدين والأمة والمكانة التي خصَّ الله بها هذه الأمة المحمدية ،وكذلك في مواجهة التحديات المحلية والعالمية:
أولها: النعمة العظيمة: ( وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ) .وثانيها: الفضل الجزيل : ( ولولا فضلُ اللهَ عليكم لكنتم من الخاسرين ) .
وثالثها : السلامة من السوء : ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم ســــــــــــــــــوء ) ( واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ) .
ورابعها : رضوان من الله : (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله ) .
وخامسها : الخوف من الله وحده ،وليس من وساوس الشيطان الرجيم ، أو من مكر أعداء الأمة والحاقدين عليها وعلى شريعتها الغرَّاء : (بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
لم تزلْ يافــذُّ مرفوعَ الجبينْ = وسيبقى مَنْ تمادى مستكينْ
لم تزلْ تصنعْهُ مجدًا باهِيًا = قــد جلاهُ العزُّ رغم المنكرينْ
وتجدِّدْ أفقَنا رغـمَ العـدا = وبغيظٍ فَلْيعيشوا عاجزينْ
محتدُ الفخر وأنتم أهلُه = ليس يُغضي ذاك شأنُ المنجبينْ
فتقدَّمْ ليس تُخْـزَى أبدًا = منذ أن أحببتَ خيرَ المرسلينْ
وارفعِ الرايـةَ في آفاقنا = فالنَّشامى حولَهـا مستعصمينْ
ليس للأرعنِ إلا ما قضى = ربُّنـا الأعلى بدنيا المُسْنِتِينْ
فارتقبْ يومًـا عليهم لم يذرْ = شفةً تعوي بوادي الغابرينْ
في محيَّاكَ لدينا شأوَه = فوق صدرِ العزِّ للجلَّى متينْ
نازلتْنا هجمةُ الشَّرِّ وما = لقوى الشَّرِّ سوى صَفْعِ اليمينْ
والعداواتُ التي أوجدَها = صانعوهـا من أولي الحقدِ الدفينْ
ما رعــوا للناسِ إنسانيَّةً = أو رأوا في العيشِ حــقَّ الآخَرينْ
أشقياءُ العصرِ هذا دأْبُهُم = سلَّهم للغيِّ إبليسُ اللعينْ
حيثُ جابوا الأرضَ في مشوارِهم = يحملون اليوم للناسِ المنونْ
والثعالي والأفاعي حولهم = من غثاءِ الجيلِ طابور خؤونْ
يومَ نادتْهم لكفرٍ رِدَّةٌ = فَأَتَوْهَا لتبارٍ طائعينْ
ونسوا فيما لهــم من محتدٍ = إنه الإغـراءُ بالعرضِ المهينْ
بئسَ ذاك المُجْتَنَى أسكرهم = سكرةَ العيشِ بدنيا الغافلينْ
فهلوكٌ منهُمُ أو هالــكٌ = في يَــدَيْ عُمْرٍ قصيرٍ في السنينْ
إنهم ياصــاحِ من أمَّتِنا = فلهم لطفٌ وإيثارٌ ولِيــنْ
ولعلَّ اللهَ يهدي جمعَهم = ليعودوا بهُداهم آمنينْ
ويعودَ الجحفلُ الموعود في = آخــرِ العهدِ بدينِ المسلمينْ
لن يضرَّ الركبَ من بعدِ الهــدى = مجرمٌ ضلَّ طريقَ المهتدينْ
تدرأُ الذُّلَّ المثاني عنه إذْ = تجفلُ الأوهــامُ وافاها اليقينْ
ومن السُّنَّةِ مايُغني الفتى = عن دعاوى المفسدين المبطلينْ
فدعِ الإيمانَ يغسِلْ قــذرًا = ملأ الدنيا بإثــمِ الفاسقينْ
وَلْيَعُدْ للأرضِ ماتربو به = من سحابِ الخيرِ يحييها هتونْ
ربِّ باركْهـا وبارك أمَّــةً = أنتَ قــد أوفدْتَها للعالمينْ
حبذا المجدُ الذي لمَّـا يكنْ = أهلُه إلا كرامَ المسلمينْ
إذْ تراءوا في البرايا أنجمًا = في مدارِ الكونِ نورًا حائمينْ
تتغنَّى بهُداهم أُمــمٌ = ولعلياها الحماة الناصرينْ
وهـو الإسلامُ أعلى شأنَها = وبَنُوها ماتوانوا ظافرينْ
خدمتْ قوَّتُهم أيامَهم = فمغانيها ابتهاجُ النَّاظرينْ
ما انثنى إقدامُهم من وجلٍ = أوْ وَنَتْ نصرتُهم للائذينْ
وطووهـا صفحاتٍ آلَمَتْ = مهجًـا ذاقتْ مــرارَ الحانقينْ
وأتوها عونَ مَن لــم يسعدوا = وعن السَّعي تراهم عاجزينْ
ماشكتْ منهم وقد طالَ المدى = أيُّ نفسٍ في صفوف القاطنينْ
إنَّـه دينُ النَّبيِّ المصطفى = هــلَّ بالرَّحْمَاتِ في وُدٍّ و لينْ
أينما حــلَّ : فخيرٌ يُجْتَنَى = وإخاءٌ ليس يبلى في الوتينْ
فالمزايا وارفاتٌ بالمنى = والسَّجايا من لباس المتقينْ
نسيَ الأعداءً أنَّـا أمَّــةٌ = سخَّرتْ آلاءَها للعالمينْ
وبنتْ للناسِ صرحًـا لم يزلْ = شاهدًا يروي حكايا الصَّالحينْ
حرَّمتْ ما حرَّم اللهُ الذي = بـرأ الخلقَ وأوفى بالثَّمينْ
طيِّباتُ الأرضِ زادٌ لم تزل = ونهانا عن خبيثِ ومَهينْ
أوردَ القرآنُ نهجًا واضحا = لااحتياجِ الآكلين الشَّاربينْ
ودعا للسترِ أولاتِ الهدى = من صبايا ونساء كلَّ حينْ
ونهانا عن سفورٍ فاضحٍ = وفجورٍ ذاك فعلُ المُبلسينْ
إنَّـه عصرُ انفلاتٍ للهوى = ولشرٍّ قد تراءى للعيونْ
وانتقامٍ من جحودٍ ذهبتْ = بمآسيهِ ليالي الفاجرينْ
تلك أقوامٌ وقد أهلكهـا = ربُّنا الديَّانُ من تلك القرونْ
وبهذا العصرِ أقوامٌ بغوا = إيْ وربي واستهانوا هازئينْ
وتراهم بالدنايا شُغِفوا = والمعاصي قارفوها شامخينْ
ما أصاخوا لنداءٍ لــم يزل = من وراء الغيبِ للخلقِ يَبِيْنْ
هـزَّ منهم نفرًا فاستسلموا = للهدى الأسمى فعاشوا تابعينْ
واستجابوا يالها من نعمةٍ = يوم نادى الأنبياءُ المرسلونْ
يالهم من عصبةٍ قد آمنتْ = في زمانِ المفترين العابثينْ
فلهم أجــرٌ وفضلٌ ولهم = من ثوابٍ ما لأصحاب اليمينْ
شرفٌ ماناله إلا الذي = عافَ لهوَ الناسِ والزيفَ المشينْ
وتعالى بالهدى في رِفعةٍ = لايبالي بِفعالِ الخادعينْ
شهدَ الحـقَّ فلبَّى فرِحًـا = دعوةَ الرحمنِ صوتَ المصلحينْ
ورمى ما كان في أحنائـه = من فسادِ العصرِ شأن المترفينْ
نعمةُ اللهِ جناهـا قلبُه = وعن السوءِ تناءى والقرينْ
ومن الفضلِ تدلَّى فاجتنى = حيثُ لايرضى بفعلِ الخاسرينْ
وهـو الرضوانُ من ربِّ الورى = نهلَ الشربةَ من ماءٍ معينْ
لـم يخف من أحـدٍ بين الورى = بعدَ أن ذاقَ شرابَ العارفينْ
ربحَ الدنيا التي تُطوَى غــدًا = مع مَن يبقى بهـا في الغابرينْ
كنْ مع الله ولا تخشَ الذي = عاث فيها لِهَـَـواهُ مُستكينْ
لايغرَنَّـكَ أقوامٌ لهم = قــدمٌ في مهرجانِ المفلسينْ
واستعذ باللهِ من أعمالهم = ومن الطيش وممَّـا يمترونْ
زادُنا الإيمانُ لن نهجرَه = رغـم أنفِ الحاقدين المفترينْ
يازمانَ المكرِ في دنيا الورى = نحــنُ مازلنا لربِّي مدلجينْ
قل لأربابِ الهـوى أيامُنا = عـزُّها في الناسِ وضَّاحُ الجبينْ
يَتَثَنَّى صبحُها في بهــجـةٍ = برضـا المعـبودِ ربِّ العالمينْ
إنَّـه الفتـحُ لدينٍ لم يزلْ = يملأُ الآفاقَ بالنُّورِ المــبينْ
وسنطويهــا عشيَّاتِ الأسى = والمـآسي وجراحاتِ السنينْ
نِعَــــمٌ تترى وفضلٌ بـاذخٌ = وتناءى السُّوءُ عنَّا والشُّجونْ
وبدربِ المصطفى سِرنا ولم = نخشَ إلا اللهَ في سودِ القرونْ
وصبرنا فإذا الــوعدُ انجلى = في هـلاكِ المجرمين الظالمينْ
أمتي أحيا لهـا قرآنُها = ماتمنَّتْ وأحاديثُ الأمينْ
فلديهـا من لَدُنْ ربٍّ كريم = وعــدُ حــقٍّ للرجالِ الصَّادقينْ
مالوى عـزَّتَها مَن ناجزوا = دونَ نيـــلِ المبتغى في العـالمينْ
النكاياتُ لهـا مصحوبةٌ = بمكيداتِ المعتدين المبطلينْ
كم لهم أخزاهُمُ الله الذي = أنزلَ القرآنَ والنُّورَ المبينْ :
من عُتُوٍّ وفسادٍ وهــوىً = وضلالٍ وانحلالٍ كلَّ حينْ
فــدع الظالمَ يلقى حتفَه = إنما المغترُّ في الدنيا رهينْ