هوامش :
(1)الفاجع : اللهفان المتأسف .
(2)المعرقين : أعرق الرجل : صار عريقا في الشرف والمكانة .
(3)السُّها : ( أو السُّهى ) نجم في كوكبة الدب الأكبر (بنات نعش الكبرى) .
(4)الوزين : مسحوق حبِّ الحنظل .
(5) الجَحْشَمُ: البعيرُ المُنْتَفِخُ الجَنْبَيْنِ
لاتسلْني عن ليالي الصَّالحينْ = إذْ رأى الفاجعُ حـالَ المعرقينْ ! (1/2)
والأباةَ الصِّيدَ فرسانَ الوغى = والطَّريدَ الـبـَرَّ مَن يحمي العرينْ !
أو درى فعلَ الليالي إذ طـوتْ = في مغانيهم بساطَ السَّامرينْ !
تلك أيَّامُ سجايا رفرفتْ = فـوق هامات الأُباةِ القادمينْ
يقرأُ التاريخُ عنها صُحُفًا = مزهراتٍ في جبين الفاتحينْ
لـم تدعْ للريبِ في تطوافِهـا = أثـرًا يؤذي قلوبَ السَّامعينْ
إنَّـه الإٍسلامُ للدنيا فـلا = يرتضي العاقلُ زورَ المفترينْ
فبـه العـزُّ الذي أجنادُه = ما أهمَّتْهُم حشودُ المجرمينْ
فالمثاني خالداتٌ نورُها : = يغمرُ الآفاقَ لايُبقي الظنونْ
وطيوبُ السُّنَّةِ الغرَّاءِ لا = تـدع الحيرانَ للبلوى خـدينْ
وهـو الَّلهُ الذي أكرمنا = بالرضا الميمونِ بينَ العالَمينْ
ولأهـواءِ نفوسٍ أُبعِدَتْ = عن حياضِ الدينِ أوهاها الأنينْ
فتردَّتْ في متاهات الهـوى = واسْتُذِلَّتْ للطغاةِ الفاسقينْ
أهي الأُمَّـةُ مَن أكرمها = ربُّها الأعلى بثوبِ المصطَفينْ !
أهي المختارةُ استخرجها = مالكُ الملكِ من الجهلِ المهينْ
أَوَمَـا كانت لدنياهـم يـدًا = بالهدى تزجي المنـى للسَّائلينْ
أوَمـا زالتْ على عهدٍ لهــا = في عداد الأكرمين المعرقينْ !
ليس في الأرضِ كما في أرضِهم = من كآباتِ وجوهِ السَّاكنينْ
سلبَ البغيُ سُويعاتِ المنى = إنَّ وحشَ البغيِ في الدنيا لعينْ
والطَّريدُ الفـذُّ من أهلِ الهدى = باتَ في أُفْقِ السُّها لايستكينْ (3)
يتثَنَّى وفـمُ المجدِ لــه = يتغنَّى اليومَ بالحرفِ الرَّصينْ
وكنـورِ الصُّبحِ في وجـهِ العلى = ما نأى الملهوفُ عن فيضِ الحنينْ
تنطوي اللُّجةُ في إقـدامِه =لايبالي فمثانيـه السَّفينْ
ربُّـه مـولى الورى يحفظُه = من رزايا وهـو الحفظُ يقينْ
في جهادِ لم يزلْ يؤثرُه = وسيبقيهِ سبيلَ المخلصينْ
فالسلامُ العذبُ يبقى ساعةً = ويواريه فسادُ المعتدينْ
للبطولاتِ حديثٌ يُجتَنَى = من رفيفِ النَّقعِ شذوِ الظافرينْ
هكذا كان أخـو دعوتِنا = يرخصُ العمرَ ، يضحِّي بالوتينْ
يزرعُ الدربَ شجيراتِ المنى = لكرامِ الناسِ عاشوا واجفينْ
بدَّدَ الطغيانُ عنهم أمنَهم = وهو الباغي شقيٌّ وضنينْ
وأخـو الإسلامِ فيها فارسٌ = ليس يرضى بجناياتٍ الخؤونْ
ومحيَّاهُ به شوقٌ إلى = جنَّةِ الخلدِ مآلِ الصَّالحينْ
وإخـاء لم تزل أفياؤُه = تملأ الصَّدرَ بطيبِ المنجبينْ
فالطريدُ اليومَ رمــزٌ للنَّـدى = إذ تخلَّى عن غواياتِ السنينْ
لايـوالي مَن يبيعون الهدى = ويصدُّون عن النهجِ الثَّمينْ
يخدعُ الأمَّــةَ تزييفُ الذي = يخلطُ الماءَ بمسحوقِ الوزينْ (4)
يا أخـا الأبرارِ في ساحِ الفدا = تهبُ الثَّوبَ الموشَّى باليقينْ
لأولي الهمَّـةِ أبنــاءِ الأُلى = لم يعيشوا إيْ وربِّي واجفينْ
قـد رموا زينةَ دنياهم لِمَـنْ = غـرَّهُ العيشُ بزهـوِ المترفينْ
وهـو العيشُ كما عاينتُه = لـم يكنْ دنياهُ للمستَضعفينْ
كأسُه العذبـةُ تشكو من أذى = غـدرِ هذا الخِبِّ صنوِ المفترينْ
والفتى الجـوَّابُ في مغنى الرضا = أُبعِدَتْ عنه وغابتْ لاتبينْ
ومـرامي الخيرِ لـو أنطقَها = ربُّهـا الأعلـى عن السِّرِّ الدفينْ
لااستقلَّتْ بمآتي فضلِهـا = وهفتْ آلاؤُهـا للمتَّقينْ
نعمت الدنيا التي آلمَهـا = وجـعُ القلبِ الذي يأبى الركونْ
لُعِنَتْ دنيا بهـأ الشَّرُّ طمى = ومع الظلمِ تآخـى والمجـونْ
فالغواياتُ التي ينكرُها = وحـتيُ ربِّ العرشِ في دنيا الفتونْ
يتلاشى ما بهــا من سفهٍ = بهوان المسرفين العابثينْ
فالملاهي أطربتْ أفواجَهم = وَهْيَ ترعى هرطقاتِ المحتفينْ
وهي النُّذْرُ تناديهم إلى = عبثِ الشيطانِ هـلاَّ يستحونْ
عاجلتْهم نقمةُ اللهِ فلـم = تـــَرَ فيهم غيرَ واهٍ مستكينْ
حقبٌ تمضي وأخرى أهلُهـا = في تبابِ الإثمِ امسوا هامدينْ
مـا تَخَطَّتْهم رَحَى غفلتهم = إذْ أتى الفاجـعُ يُنْبِي المرجفينْ
فتـلا آياتِ ربِّ الناسِ في = أُذُنِ النَّاسِ عساهم يسمعونْ
ويـلَ مَن بارزَ بالإثـمِ الذي = برأ الخَلْقَ ، وفـازَ المدلجونْ
هـم بمحرابِ الذين استأنسوا = بمناجاةِ إلــهِ العالمينْ
فتراهم ركَّعًـا أو سجَّدًا = في عِدادِ الأتقياءِ الصَّالحينْ
قد رأوا نورَ الطريقِ المجتبى = فتناءَوا عن طريقِ العابثينْ
وارتضوا نهجًا بدينِ المصطفى = لينالوا العفوَ تلقاهُ اليمينْ
هـو ذاك المسلمُ الصَّدَّاحُ في = غمرةِ اللاهين في الدنيا سنينْ
بـذلَ النفسَ ومن في يده = في سبيلِ اللهِ والشَّرعِ المبينْ
قـد يعاني من أذيَّاتٍ وقـد = يُحـرمُ الراحـةَ في ليلِ السجونْ
إنَّـه الملاَّحُ في لجَّتِهـا = ولــه المجدافُ يحنو والسَّفينْ
أيُّهـا الملاحُ لاتخشَ اللقــا = إنَّـه الطوفانُ يطوي المحنقينْ
إنَّه الطوفانُ نادى أمَّةً = هجعتْ بينَ عروشِ الظالمينْ
حسبتْ فيهم بقايا نخـوةٍ = أو أثاراتِ حديثِ الأولينْ
إنَّمـا خابتْ ظنونٌ وخبتْ = جذوةُ الأمسِ بصدرِ الغابرينْ
إنها الأيامُ يا أُمَّتنا = فضحتْ من خفايا الهالكينْ
أنتِ من روحِ زمانِ المصطفى = ولـكِ الأمجادُ فحواها مبينْ
وبك الآمـالُ ماكانت سُدى = فالبشاراتُ بعهدِ الرَّاشدينْ
إنَّـه جيلُ المثاني مـا ونى = أو توارى مثل جيلِ الحائرينْ !
يرفـعُ الجيلُ لـواءً لم يكنْ = يخفقُ اليوم بأيدي الخانعينْ
هـاهم الأبرارُ في شامِ الهدى = وبمصر العلماءِ العاملينْ
وفلسطين وكم تحلو بها = غـزوةُ الفرسانِ رغمَ المقعدينْ
ناصرتْ غزوتَهم إذ مُزِّقتْ = بمناقيرِ طيورٍ بيقينْ
ورأينا الكلبَ إذ أنيابُه = قطَّعتْ وجهَ شعارِ المجرمينْ
لاأماري إن أتتْ من ربِّنا = نجدةٌ تفني وجودَ المجرمينْ
هـم غثاءٌ أعلنوها عنوةً = يقتلون المسلمين الآمنينْ
هـم وربي جبناءٌ ماوعوا = مالدينا إنْ غزونا مدلجينْ
قـد نفضنا العارَ لا نرضى به = وأتيناهم أباةً محنقينْ
وكفانا ما رأينا من أذى = إذ تداعتْ أممٌ منذُ قرونْ
إنَّه الجيلُ الذي أكرمَـه = ربُّنا الأعلى بأخلاقٍ و دينْ
وبحب لجهـادٍ صفُّه = جاءَه مشبوبَ عزمٍ لايلينْ
وبفرسانِ مغاني أُمَّــةٍ = ماتخطَّاهم نداءُ المكتوينْ
بارك اللهُ مساعيهم على = مدرجِ الإيمانِ هاهـم قادمونْ
رغـمَ نـارِ الكربِ في أرضِ الوغى = رغم حقدِ المجرمين الخاسرينْ
رغمَ مَن يعوي بلا فائدةٍ = رغـمَ آراءِ الطغاةِ الجاثمينْ
رغـمَ قيظِ الشَّرِّ في جعبته = من جحيمِ البأسِ والحقدِ الدفينْ
فهـي الرايةُ رفَّتْ بالهدى = في المدى معلنةً عمَّـا يكونْ
دعـوةٌ للهِ لا يُنكرُها = غيرُ مرتدّ أثيمٍ مستكينْ
لـم تصنْها غيرُ أيـدٍ عاهدتْ = ربَّهـا القاصـمَ ظهرَ الماكرينْ
وهـي الأُمَّـةُ لم تعبأ بمَنْ = خذلـوها في البرايا عاجزينْ
مِللُ الباطلِ ضلَّتْ دربَها = فتصدَّتْ للهدى في كلِّ حينْ
واشرأبَّتْ هكذا في كِبرِها = تجرفُ الحرثَ وتجتثُ الوُكونْ
وإذا الحادي ينادي أُمَّـةً = أين أبناؤُكِ أين المؤمنونْ !
تلك آثارُ خطى تاريخِهم =ليس تُطوى أو مغانيهـا سُبينْ
تعستْ كلُّ الحشودِ اندحرتْ = وبقايا المرجفين الشَّانئينْ
لـم تنم أحداقُ فرسانِ الهدى = وهـمُ الأحفادُ ركبُ النَّاشئينْ
يتراءى فيهُمُ وجهُ الضُّحى = وسنى الفتحِ على كلِّ جبينْ
بهدى الرحمنِ عاشوا قيمًـا =ومآتيها حِسانٌ مـا نُسِيْنْ
وبفتـحٍ لانتصارٍ يُرتَجَى = رغـمَ أوغادِ البرايا يحشدونْ
يرثُ الأرضَ عبـادٌ همُّهـم = في اتِّباعِ المنقذين المرسَلينْ
فهـم الخيرُ لدنياهـم وإنْ = نسيتْهم صفحاتُ الآثمينْ
تعرفُ الدنيا محيَّـاهم إذا = فاضَ بالنُّورِ طريقُ السَّالكينْ
وعليهم لم تزل تبكي الدُّنى = يوم غابوا عن قضايا القانطينْ
ليس فيهم مترفٌ أخَّـرَه = عن نداءاتِ قلوبٍ ايُّ دونْ
تهماُ الأمصارُ إنْ حلُّوا بها = فهُـمُ البِــرُّ يواسي البائسينْ
كالأزاهيرِ التي فـوَّاحُها = في البساتينِ حباهـا المحتفونْ
باقـةُ الأفراحِ في أيديهم = والهـدايا لكئيبٍ وحـزينْ
أنصفوا الناسَ فمـا في أرضِهم = غيرُ مسرورٍ تعافى من شجونْ
وعلى الــوُدِّ تصافى جمعُهم = بينَ أفـذاذِ الرجالِ المصلحينْ
جانَبُوا الحقدَ وقد فرَّقهم = وأشاعوا الــوُدَّ فاسْتُبْقِي مصونْ
لـم تجدْ فيهم فتىً يغضي على = حسرةٍ تدمي وما فيهم حرونْ
فهُمُ الأحبابُ في دِينٍ سما = بالإخـاءِ العَذْبِ والعهدِ المكينْ
فخصالُ السُّوءِ لم تنبتْ على = تربةِ الإسلامِ بين المصطَفينْ
نبذتْهـا أُمَّــةٌ مختارةٌ = من بناتٍ صالحاتٍ وبنينْ
يُنْبِئُ الحالُ الذي أكرمَهم = بمآتيهِ إلــهُ العالَمينْ
إنَّ ماتُبصرُه العينُ هنــا =صاغـه الإسلامُ لايعروهُ هُــونْ
فالسجايا فاضلاتٌ والنُّهى = بـرَّأتْ بالحـقِّ مايُملي الظنينْ
هـُنَّ يُومِئْنَ بطُهرٍ إنْ عــرا = مَن رمى إخوتَـه للمرجفينْ
وتمارى ماكرًا حرَّضه = رأيُـه المخدوعُ من ريبٍ يُدينْ
فجليسٌ صالحٌ عِشْ معه = وابتعدْ عمَّن لدنياهُ خدينْ
فأخـو الفضلِ كدوحٍ مزهرٍ = وَهْوَ للجُلَّى ويانعمَ القرينْ
فاقطفِ الزَّهرةَ من أفنانها = ودعِ الشوكَ لشأنِ الآخرينْ
لايرى الإنسانُ أنْ يؤذي ولا = أنْ يسوقَ الشَّرَّ نحو العاجزينْ
تلك إنسانيَّةٌ قد صاغها = وحيُ ربِّي من مهامِ المرسلينْ
إنَّمـا المُعْوَجُّ ما أرضعه = ثَـدْيُ مَن أصغتْ لقولِ المتَّقينْ
يصعدُ السُّلَّمَ لكنْ لـم يزلْ = أسفلَ القاعِ بديجورٍ مهينْ
فترفَّقْ أيُّها المسكينُ لا = تـرمِ بالنَّفسِ لأوساخِ السنينْ
لسـتَ أهلا للمعالي إنَّهـا = لذوي الألبابِ قومٍ عارفينْ
لـم تقدِّمْ شطرَها ذا سفهٍ = بثناءِ الأصفياءِ المخبتينْ
هكذا الأُمَّـةُ يأتي بؤسُها = من جحودِ العابثين المفلسينْ
لم تجــدْ من قبلُ مَن يزجرُه = فتمادى سفهُ الوغدِ المَهينْ
جـاءَ بالسُّوءِ ولن يرفعَه = هكذا ظنَّ الذي لايستبينْ
سيرةٌ عنه مداهـا يُزدَرَى = لُـوِّثتْ بالإثـمِ والقُبحِ المُشينْ
أهـو الصُّورةُ في مجتمعٍ = تُرْتَجَى ! بئس سجايا المفترينْ
جُمعتْ فيه خصالٌ قـد نهى = عـن مساويهـا نَبِـيُّ المسلمينْ
ومَن استعدى على إسلامِـه = باتَ كالجحشمِ بين المقعدينْ
خسرَ العمرَ فولَّـى نائيًا = وتولاهُ مصيرُ الغابرينْ
وتردَّى مفلسًا في عيشِه = والمــآلُ النَّــارُ دارُ الهالكينْ
فتأمَّلْ يا أخـا الإسلامِ في = صورةِ الإذلالِ ختمِ المُبْعَدينْ
ظنَّ أنَّ المرءَ يعلو مسرفًـا = وهـو المغرورُ من ماء وطينْ !؟