قد تراءى أبو عبيدة يحــدو

محمد التميمي

أسعفينا بالمـرهفـات العوالي = واستفزِّي امتشاقَ بيضَ الصِّقالِ

ياليالي الرجال باتت ربانا = تتأذَّى من سطوةِ الأهـوالِ

بات يسقي الثرى الأسيرَ دمــاءً = فجَّرتْها أضغانُ أهل الضَّلالِ

ياليالي أما دهاكِ شقيٌّ = من ذئابِ التضليلِ في القسطالِ (1)

أَوَمَـا جَـــرَّ فجرَكِ الوضيءَ بعيدًا = ثمَّ ألقى سلاسلَ الأغلالِ

لِيُميتَ النهارَ حتى يغنِّي = للسُّكارى دناءَةَ الأنسالِ

من زنيمِ إلى اللئيمِ ليحظى = بمَواتِ الشعوبِ في الإمحالِ

كفَّنونا من قبلِ موتِ فؤادٍ = ليس يرضى حماقةَ الضُّلاَّلِ

الأذلاءُ ما توانوا بيومٍ = عن فسادٍ لشعبنا وضلالِ

ولزيفِ الترفيه عاشوا جنودًا = فيه للعُهـرِ نخبةُ الأنـذالِ  

من محيطِ البلادِ ضجَّتْ قلوبٌ = لخليجِ ابتهاجِهم بالخَبالِ

أين قومي من الأشاوسِ كانوا = في سُمُوِّ التاريخٍ والأمثالِ !

أين أيامُ مجدِهم ماجنَتْها = ذاتَ يومٍ حقيبةُ الإهمـالِ !

الميامينُ ماتناسوا كتابًا = فاصطفاهـم في موكبِ الأبطالِ

مالوتْ أيديهِمْ زخارفُ لهـوٍ = أو عـوى كلبٌ في حِمَى الرئبالِ

أو تآخوا مع العدوِّ فهانوا = في دياجيرِ خِسَّةٍ وابتذالِ

أو أُهينوا وبالإهانةِ صاغوا = ما بأقدامهم من الخلخالِ !

ويحهم ويلهم حفاة عراة = بعدُ من ثوبِ عـزَّةٍ الأقيالِ

لهمُ المجدُ كلُّه لو أنابوا = للعزيزِ الحكيمِ ذي الأفضالِ

مالهم أمعنوا بكلِّ زهيدٍ = وارتدوا من قذارةِ الأسمالِ !

مالهم يُكرِهون أهلَ المعالي = ليُزَجُّوا في ظلمةِ الأهوالِ

وَلِــمَ الحربُ من طغاةٍ بُغاةٍ = لاعلى الأعــدا بل على الأشبال ؟

ليُميتُوا مروءةً في نفوسٍ = أوقدتْها ضراوةُ الأغلالِ

إنَّــه جيلُ أُمَّــةٍ أخرجتْها = من جحيمِ السجونِ والإذلالِ

دوَّخوها بظلمِهم وامتهانٍ = وفجورٍ يُباحُ في كلِّ حــالِ

إنَّهــم يحرقون كلَّ كتابٍ = سطَّرتْهُ أناملُ الأنجـالِ

ولقد باعوا زهوَ مجدِ شعوبٍ = نسجَتْهُ بأحسنِ المنوالِ

نَضَّدْتْهُ بصدقها في عصورٍ = برحيقِ المنــى وبالإفضالِ

نخبُ في أفعالهم عربداتٌ = دَرَنُ الفسقِ جرَّهـم للوبالِ

فتعاووا في كلِّ نادٍ تلَظَّى = فيه تُلْفَى مساوئُ الأقوالِ

مـزَّقوا حـرمةَ السَّجايا وتاهـوا = في المهاوي الرذيلةِ الأفعالِ

فترى فيهـا من زنيمٍ و وغــدٍ = يتعالى على كــرامِ الرجالِ

وغبيٍّ يحثُّـه العُجبُ زورًا = لارتكابِ الأسواءِ والإخـلالِ

ليقولوا عمَّــا جناهُ شقيٌّ = إنَّـــه المثقفُ الطويلُ المقالِ

بئسَ عصرٌ فيه الحثالةُ سادوا = واستفادوا من القبيحِ المُــذالِ

يالَعصرٍ فيه الهُــراءُ تفشَّى = ما رأيناه في العهودِ الخوالي

أولم ينته المنافقُ والمرجفُ . = . ضــلَّا وأمعنا في الضَّلالِ

مرضٌ في قلبيْهما وعمــاءٌ = أسلَمَا ما لديهمـا للزوالِ !

هي أيامُ عــزَّةٍ لقلوبٍ = مؤمناتٍ تُـدالُ للأجيالِ

ولجمعِ المنافقين وبالٌ = ماتخطَّى أيامهم بالوبالِ

ولأصنافِ المرجفينَ انتكاسٌ = لحُـلومٍ غطسْنَ في الأوحـالِ (2)

يسمعُ اللهُ هذرَهم ويرى ما = قد جنوا من كبائرِ الأفعالِ

ويجازي الديَّانُ كلَّ أثيمٍ = قد بغى والمصيرُ للإعــوالِ

هم يسيمون مَن تغنَّوا بمجدٍ = ليس يُطوَى بعاصفِ الزلزالِ

إنَّهـم جندُ دعــوةٍ قد حماهـا = بارئُ الكونِ من رزايا ثــقالٍ

وحباها من فضلِه باعتدادٍ = ماتراءى على أيادي الزوالِ

وتردَّى عدوُّهـا أَسِفًـا في = غمـراتٍ تُفضِي وراءَ الآلِ (3)

العدوُّ الملعون والنُّخبُ اهتزَّتْ . = . وألقتْ تَرَقُّبَ الآمـالِ

ماتَ زهوُ استكبارِهم وتلاشى = لاحتقارٍ مازالَ للمختالِ

يشتكون استسلامَهم لقضاءٍ = هـو مـاضٍ لطمسِ هذا الخبالِ

ولهم في الأيامِ عاقبةُ الخزي . = . فمثواهُـمُ بــدارِ الخَبــالِ (4)

شاءَ ربِّـي أن يهلكَ النخبَ انحازتْ . = . لأوكارِ فتنةِ الأجيالِ

فأقاموا للعُهرِ دورَ ابتذالٍ = لاختلاطِ النساءِ بين الرجالِ

وأتـوا بالمسترجلاتِ عرايا = باحتفالاتِ خسَّةٍ وابتذالِ

وأشاعوا سوءَ المزايا لديهم = بانحطاطِ الإعـلامِ في الإرسالِ

ألفُ وجهٍ لذا الهُـراءِ خبيثٍ = ويماري تقلُّب الأحـوالِ

ثم شدُّوا سواعدَ المكرِ شدًّا = لانكفاءِ الإسلامِ بالأغـلالِ

ليُنيموا الأبرارَ من أمَّـةِ الخيرِ . = . ويطووا مـآثرَ الأبطالِ

فاضمحلَّت آراؤُهم والأماني = وأماني اليهودِ في اضمحلالِ

قـد رآها كسنجرٌ حيثُ نادى = مَن تَوَلوا إقامةَ التمثالِ !(5)

قائلا بل محذِّرًا ليهودٍ = من سجايا جليلةِ الأفعــالِ

وهـو اليوم في الردى يتلوَّى = غضبُ اللهِ ليس للإهمـالِ

إنها الأمةُ التي قـد أُنيمتْ = وعرتْهـا نوازعُ الإذلالِ

وهي الأمةُ التي قد أفاقتْ = وصحــا ربَّانُهـا للنـزالِ

وهو الإسلامُ العظيمُ ينادي = والملبُّون اليومَ في إقبالِ

في حنايا طوفانِ غــزَّةَ ضجَّتْ = أمَّتي بالتكبيرِ بين الرحالِ

واستجابتْ شعوبُه رغم ظلمٍ = وحصارٍ قد هَــلَّ حُسْنُ الفــالِ

ماجزعنا من الخطوب ادلهمَّتْ = والمصيبات في ظلامِ الليالي

ومن الكيدِ لـم يزل في اضطرادٍ = من بقايا الفلولِ والأذيالِ

ومن المجرمين عضُّوا بنابٍ = بين حقدٍ وخسَّةٍ واختيالِ

كم رأينا من المَشَاهدِ تدوي = لانتقامٍ يفورُ في الأوصالِ

فالجثامينُ للمُشَاهدِ تروي = مالدى القاتلين من أنـذالِ

فتراهم يسترهبون أناسًا = كالنساءِ انزويْنَ والأطفالِ(6)

فلقد ساموا الآمنين عذابًا = لم تسطِّرْه مُــديةُ الأهـوالِ !

لُعِنَ البغيُ والصهاينةُ الحقدُ . = . أغرى أحفادَه بالوبالِ

فَتَلَقَّـاهُ كالجحيمِ رضيعٌ = فالرضيعُ المصابُ تحت الرمالِ

لعنةُ اللهِ لم تغادرْ يهودًا = من لَـدُنْ تيههم لهـذا الحالي

وكفى المجرمين لعنةُ ربِّي = وجدوهـا في سوءِ ذا السربالِ

عاقروا الشَّــرَّ والأذى وأباحوا = حرماتٍ قد صانها ذو الجلالِ (7)

وبرغـمِ الأوجاعِ قد غَمَرَتْني = نفحاتٌ لـم تخطُرَنْ في بالي

فتفاءلتُ بالمـُــــــرادِ يقينًـا = لاسِواهُ في صحوتي وخيالي

ربِّ فـرِّج عنَّا وأدركْ خطانا = حيثُ سارت في غمرةِ الأهـوالِ

وأجِرْها من قبلِ أن تتردَّى = ثــمَّ تُلْقى في غيهبِ البلبالِ(8)

فبسلطانِكَ استجرْنا وعشنا = لانبالي بشدَّةِ الزلزالِ

ماغَفَوْنَا وللمكارهِ خـطبٌ = في ضُحانا يجــولُ والآصالِ

والثَّكالى ياربَّنا واليتامى = والجراحاتُ ربِّ في إخْضَالِ(9)

والأسارى وللقيودِ أنينٌ = لرجالٍ جنوا وسامَ الرجـالِ (10)

وبيوتٌ قـد دُمِّــرَتْ والمغاني = خاوياتُ الوجوهِ كالأطلالِ

ربِّ رحماكَ لاتذرْنا حيارى = في وجـومٍ لوطأةِ الأثقالِ

قد كفرنا بكلِّ طاغٍ وحزبٍ = وبإدبارِهم وبالإقبالِ

وبكلِّ المذاهبِ اليوم بارتْ = واضمحلَّتْ ياربِّ في كلِّ حــالِ

إنَّما دينُك القويمُ هَــدَانا = وأَرَانا فضائلَ الأعمال

واجتبانا لعزِّنـا بعدَ ذلٍّ = حيثُ ذقناهُ أيَّمــا إذلالِ

ولنا الفخرُ قد وجدناهُ يُملي = سُنَّةَ المصطفَى على الأجيالِ

فتباشرْنا بالحبيبِ وقد هـلَّ . = . يواسي الأبرارَ بالإقبالِ

وكفى مَنْ نَبِيُّـهُ مصطفانا = أن يكونَ استبسالُه في النـزالِ

في ظلالِ القرآنِ والسُّنَّةِ اليومَ . = . بصدقٍ ففيهـمـا خيرُ حــالِ

سيعودُ الإسلامُ دينًا ودنيا = رغــمَ كلِّ الأوغـادِ بالإجلالِ

قد تراءى أبو عبيدة يحــدو = في حنايا مسيرةِ استبدالِ

فتوارتْ أيامُ ذلٍّ وعــارٍ = واشمخرَّتْ قوَّاتُــه بالنَّكالِ :

لعدوٍّ أرغى وأزبدَ خِبًّـا = لايبالي كالوحشِ في الأدغالِ

عاشَ بغيًا وللمفاسدِ وافى = مستخفًّا بحرمةِ الآجالِ

شرُّه نالَ أيَّ طفلٍ تثنَّى = بِيَدَيْ أمِّــــه قرينَ الدلالِ

فأتتهُ قذيفةٌ من يهودٍ = فتشظَّى بضحكةِ المختالِ

عربداتُ اليهودِ سيما جبانٍ = باتَ يخشى فيالقَ استبسالِ(12)

قد أتوهم فما لهم من مناص = فالمنايا دنتْ بلا إغفالِ

فحماسٌ جنودُها وجهادٌ = وسرايا كتائبِ الأبطالِ

لن تموتَ الثَّاراتُ هاهي هلَّتْ = في وجوهِ الأحفادِ والأنجالِ

من ثمانين والليالي ثكالى = ليس فيها الفجرُ الوضيءُ الحـالي

إنَّـه الوعـدُ يايهودُ تجلَّى = بانتصارٍ فليس من إمـهـالِ

ليس يُجدي استنجادُكم بالأعادي = فالأعادي في قبضةِ الآجـالِ

إنَّــه اللهُ يهلكُ الأُممَ اغْترَّتْ . = . ببأسِ السلاحِ والأمــوالِ

إنَّـه اللهُ ربُّنــا ما قـلانا = وسِوانا ماكان لاستبدالِ

قد طرقنا بابَ الكريمِ وعُـدنا = ببشاراتِ ربِّنــا المتعالي

فسجدْنا لله نرجو قبولا = وانتصارًا على حشودِ الضَّلالِ(13)

وعلى المجرمين في كلِّ أرضٍ = دنَّسَتْها فعائلُ الأنــذالِ

لـك طوبى أباعبيدة فاصدعْ = بالبياناتِ ومضُهـا في الصِّقالِ

فحياةُ الضعاف موتٌ بطيءٌ = لا كما قـد يُقالُ من إقلالِ

هو وهْن القلوبِ والعيشُ فيما = تشتهي النفسُ من ذميمِ الخِصالِ

فارتضوا بالخسيسِ في كلِّ شأنٍ = وتعاموا عن عــزَّةٍ للرجالِ !!!

هوامش :      

(10)الأسارى والأسرى: كلا اللفظين مأخوذ من مادة (أ س ر)، ومعناها: الحبس والإمساك. فالأسرى: الذين في أيدي أعدائهم، أما أسارى: الذين في القيد مُوثَقون، في إشارة إلى حالتهم من الضعف والإعياء تحت وطأة القيود . ( وهذه المعاملة القاسية ليست عند المسلمين ولله الحمد )

   (11) النكال : ما نكلتَ به عدوَّك كائناً مَن كان .

   (12) سيما : أي سيماء ، وسيماهم علامتهم وسحنتهم وهيأتهم .

   (13) الضَّلال :  فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ: بَعِيد عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، والضَّلاَلٍ هوالعُدُولُ عَنِ الطَّريِقِ

           الْمُسْتَقِيمِ عَمْداً أَوْ سَهْواً.

وسوم: العدد 1063