وكتب الشاعر الداعية يوسف عبيد إبراهيم قصيدة في ذو القعدة 1413هـ أيار 1993م، يقول فيها:
«تبكي عليك البواكي» قالها عُمَرٌ لمّا قضَيْتَ، ولا مالٌ ولا نَشَبُ
يا خالدَ المجدِ يفنى الدهرُ والحِقَبُ= وتَكْسِفُ الشمسُ والأقمارُ والشهبُ
وأنتَ باقٍ رفيعُ العزِّ خالدُهُ= في الأرض ذِكْرٌ وفي الفِردوسِ مُنْقَلَبُ
واختاركَ اللهُ سيفاً صارماً حُطِمتْ= به الطواغيتُ والتيجانُ النُّصُبُ
ما خضتَ معركةً إلا وكان بها = لسيفكَ النصرُ في الميدانِ والغَلَبُ
يَوْمٌ بِمُؤْتَةَ مشهودٌ لفارسها = والخيلُ تَنْقَضُّ والميدانُ يَصْطَخِبُ
وخَرَّ زَيْدٌ شهيداً فوقَ ساحتها = وصاحِباهُ، فلاحَ الموْتُ يَقْتَرِبُ
فكنتَ للجندِ نِبراساً بظلمتها= إلى النجاةِ، وزالَ الخوفُ والعَطَبُ
وفي اليمامةِ كَذّابٌ بها أَشِرٌ = يختالُ بالكفْرِ تيهاً جَيْشُهُ اللَّجِبُ
وسارَ جيْشٌ من الإيمان معتصمٌ = بالله، منتصرٌ لله، مُحْتَسِبُ
والخيل تَقْتَحِمُ الميْدانَ مرعدةً = كالسيل قد حَطَّة في جَرْيهِ صَبَبُ
والموتُ يلتهمُ الأرواحَ في نَهَمٍ = والأُفْقُ داجٍ ونارُ الحرب تَلْتَهِبُ
ألقيتَ نَفْسَكَ خلْفَ السورِ مقتحماً= وِرْدَ الشهادةِ سَلْسالاً لمن شربوا
حديقةُ الموتِ قد حطَّمْتَ رهبتها= بساعديْكَ، فخافَ الخوفُ والرَّهَبُ
كأنَّها وَهيَ غضبى في تَوَقُّدِها = عُرْسٌ دعاكَ إليه الشوقُ والطّرَبُ
يا فاتحاً فوْقَ مَتْنِ المجدِ مَرْكَبُهُ = وَمِنْ ورائِكَ جنْدُ الفتْح قد رَكِبوا
تسيرُ النورُ في يُمناك تسكبُهُ= من كوثرٍ في ثنايا الرُّوحِ يَنْسَرِبُ
فمن جبينكَ ضوءُ الشمس مُقْتَبَسٌ= ومن حسامِكَ غَيْثُ اللهِ مُنْسَكِبُ
قد جئتَهُمْ من رِمالِ البيدِ عاصفةً= يمدها الرَّعدُ والإعصارُ واللهَبُ
وجِئتَهُمْ من قضاءِ اللهِ صاعقةً= يمدها الرَّعدُ والإعصارُ واللهَبُ
فجحفلُ الرومِ من زلزالها صَعِقٌ= وعَرشُ قيصرَ مُنْدكٌ بها خَرِبُ
أبا سليمانَ واليرموكُ ما برحتُ= ذكراهُ في كل قلب خافقٍ يَجِبُ
مسطورةً بحروف النور نقرؤها= لها من الخُلْدِ في سِفْرِ العُلا نَسَبُ
أوقدْتَ جذوتَها حرباً مقدّسةً= تفورُ والرومُ في نيرانِها خَطَبُ
قد أَعْجَبَهُمْ على اليرموكِ كثرتُهمْ= وما أعدّوا ما عَدّوا وما جَلَبوا
فجلجلتْ صيحةُ التكبير تصعقُهُمْ= فزُلزِلوا في لظى الميدان واضطربوا
ضاقتْ عليهمْ فجاجُ الأرض إذْ عَلِموا= ألا نجاةَ لمن صالوا ومن هَرَبوا
لَمْ ينجُ منهمْ وهمْ في حرّ وَقْدَتِها= إلا الأسيرُ وإلا السَّبْيُ والسَلَبُ
ولّى هِرَقْلٌ فلم تنفعْهُ سطوتُهُ= ولا الجنودُ ولا الرهُّهبانُ والصُّلُبُ
وودَّعَ الشام توْديعاً بلا أَملٍ= يرجوه، وَهْوَ حَسيرُ النَّفْسِ مكتئِبُ
وزغردَ النصرُ في اليرموك تحملهُ= بُشْرَى تَهُشُّ لها الأرواحُ والهُدُبُ
أبا سليمان كم من طالبٍ أَمَداً= جاراكَ نحوَ المعالي فاتَهُ الطَّلَبُ
أفنيت عُمْرك في جَهْدٍ وفي دَأَبٍ= وما لَوى ساعدَيْك الجَهْدُ والدأبُ
سيفٌ ودِرْعٌ وتُرْسٌ عن نفاستها= تأخّرَ الدُرُّ والياقوتُ والذّهَبُ
أبا سليمان أَقْبِلْ كي ترى عَجَباً:= خُضْرُ الربوعِ على اليرموكِ تَنْتَحِبُ
أقبِلْ فإن جموعَ الرومِ يَقْدُمُها= هِرَقْلٌ عادوا غُزاةً بعدما غُلِبوا
وعادتِ الشامُ تبكي فَقْدَ فاتِحها= والقدسُ تُسْبى ومَسرى النورِ يُسْتَلَبُ
تبكي فتوحَ صلاحِ الدين في رَجَبٍ= أغضى الجهادُ وأغضى بعدَهُ رَجَبُ
كتائبُ الفتحِ قد فُلَّتْ صوارمُها= وخيْلُها هدَّها الإعياءُ والتَّعَبُ
يا فاتح الشامِ سَلْها كيف ساكنُها= وكيفَ أضحى يباباً رَبْعُها الخَرِبُ
وسَلْ فلسطين هل غاضت مناهِلُها= وهل تَعَرّى أَسَىً بستانُها الطَّرِبُ
يا نفحةَ التينِ والزيتونَ هَلْ عَبَقٌ؟ =يا شُعْلَةَ الطورِ هل للنور مُنْقَلَبُ؟
قد صَوَّحَتْ في بروابيها حدائقُها= وحُرِّقَ التينُ والزيتونُ والعنَبُ
والنهرُ في السهلِ مسجورٌ، وقدْ نَضَبَتْ= من وابلِ الغيثِ في آفاقها السُّحُبُ
يا قائد الفتحِ أينَ الأمس نَلْمَحُهُ= طيْفاً من النور يدنو ثُمَّ يَحْتَجِبُ
نراكَ في كُتُبِ التاريخِ مكتئباً= يلوحُ في مقلتَيْكَ اللوْمُ والعَتَبُ
مَجْدٌ بسيفك قد شُدَّتْ أواصرُهُ= في كل ناحيةٍ أُمٌّ له وأَبُ
واليومَ تبصرُهُ نهباً لمن نَهَبوا= ومغنماً سائغاً سهلاً لمن رَغِبوا
ساحاتُ نصركَ أسرى تحت أرجلِهمْ= ونصل سيفكَ مسلوبٌ ومغتصَبُ
أبا سليمان والأمجادُ واجمةٌ= في كفِّ من سرقوا الأمجاد أو سَلَبوا
وأمّةٌ النورِ خلفَ الليل قابعةٌ= ثكلى يُطِل كئيباً وجهُها التَّرِبُ
أقبلْ وسَلْ قَبْلَها أطلالَ أندلس= وكيف عادت سبايا غيدُها العرَبُ
تفرقوا شِيَعاً من بعد وحدتهمْ= وأَلقَوُا من منارِ المجدِ أو نّصّبوا
وبعدما شيَّدَ الماضونَ نهضتَها== وما بَنَوْا من منارِ المجدِ أو نَصَبوا
أضاعها الكأسُ واللذات جامحةً= واللهوُ والتَّرفُ الفتّانُ واللّعِبُ
وما بَنَوْا من قصور العُهْرِ أو كنزوا= وما تَساقَوْا مِنَ الآثَامِ واكْتَسَبوا
واليوم عاد لنا التاريخ في دَمِهِ= مُضَرَّحاً وعَذارى المَجْدِ تُغْتَصَبُ
فكمْ تداعَوْا إلى ميدانِ مؤتمرٍ= وكمْ تنادَوْا وكمْ نادَوْا وكَمْ نَعَبوا
قد أَوْقَروا السمعَ من تَردادِ ما هتفوا:=سَيْناءُ والقدسُ والجولان والنقَبُ
وليس من فيلق للقدس ينصرُها= إلا الجرائدُ والمذياعُ والخُطَبُ
ألقوْا فلسطين في بشر مُعَطَّلَةٍ= وقارفوا الفَعْلَةَ الشنعاء وارتكبوا
وأقبلوا بعدها يبكون قد حملوا= قميصَ يوسف يعلوهُ الدمُ الكَذِبُ
إذا تصفحْتَ في الأوطانِ سيرتَهُمْ= يُغْنيكَ مختصرٌ عنها ومقتضَبُ
عُبّادُ آلهةٍ في قُدْسِها سجدوا= المالُ والجاهُ والألقابُ والرُتَبُ
أبا سليمان أين العادياتُ، على= سُرُوجهِنَّ يطيبُ الجَرْيُ والخَبَبُ
هَلاّ تعودُ إلينا اليومَ أجنحةً= في السُّحْبِ، تُمْطِرُ سِجّيلاً بها السُّحُبُ
طيراً أبابيل ترمي جندَ أبرهةٍ= وفوقَ مسرى الهُدى ميدانُها الرَّحِبُ
هَلاّ يعودُ بُراقُ النور يغمرُها= قد شحَّ أو كاد يخبو نورُها الشَّحِبُ
لعلَّ خفقَ جناحيْهِ يُلامِسُها= فتنجلي حالكات الليلِ والكُرَبُ
أبا سليمان يعيا كل من كتبوا= يعيا البيانُ ويعيا الشعرُ والأدَبُ
وإنما هو وَحْيٌ شاقه نَسَبٌ= للخالدين، فراحَ الحَرْفُ يَنْتَسِبُ
يَعُبُّ من صَفَحاتٍ كُلُّها عَجَبٌ= وفي سَمَواتها لا ينتهِي العَجَبُ