في رثاء العالم المجاهد الشيخ "حسن حبنكة"
16تشرين22013
محمد علي الحريري
مرثية شعرية
فقدت دمشق العالم المفاضلا
في رثاء العالم المجاهد الشيخ "حسن حبنكة"
محمد علي الحريري(*)
أيُّ المَطَالعِ تصلحُ تعيا العقولُ بما رأيتُ فما الذي ودمشقُ ثكلى ما ترى من حارةٍ فحنا عليها قاسيونُ كأنما وسألتُ ماذا قد جرى فأجبتُ قد * * * وأتيتُ للأمويّ والهفي لهُ فكأنهُ ملكٌ تدحرج تاجهُ يرنو إلى نعشٍ تصدَّر رحبَهُ وجثا يُبادلُ قبة النسر الأسى فيرى معاويةً توشَّح سيفه ويرى الوليد على أعِنة خيله ويرى صلاح الدين يهنأُ درعهُ قرنان والأعداء في الأقصى وما * * * ويرى المحدِّث بدر دين الله في قد كان يشرحُ ما الذي يجري إذا إذ يصبحُ المعروفُ أمراً منكراً * * * ويرى دمشق بقضها وقضيضها جاءت تُشيعُ عالماً قد طابقت حسناً صفاتُ الأولياءِ تجسدت العلمُ والتقوى وهل من بعدها فهما الحسامُ لمن أراد حرابةً وسرى الأذانُ بمسمعي فكأنهُ واصطف خلف النعشِ أرباب النُّهى نظروا إليك كأنهم من لُجةٍ ترنو إلى أعوادِ نعشك أمةٌ قد شيعوك وما أحسُّوا أنهم فلو ان قلباً قُدَّ من صخرٍ رأى * * * ما كُنت ضمن النعش فهو أقلٌ من بل أنت فوق النجم كُنت وإنما كالبدر كنت ونحنُ بحرٌ زاخرٌ حملتك من فوق الرؤوس ملائكٌ * * * حسدَتك تيجانُ الملوك عمامةً قد أمَّها الفقهاءُ من أقطارهم جاؤوك رغم مصاعبٍ هزئوا بها هجم الفراشُ على الضياءِ بليله ما الأمرُ لو كان الضياءُ كما نرى شرفُ العمامة أن تكون مُربياً * * * شيخي فديتك لم تمت ما مات من أخذوا عليه العلم دهراً واتقوا لكنما الأمواتُ بعدك أمةٌ ماذا أترجمُ عن جهادك هدَّني أيُّ المكارم قد عرفنا لم تكن * * * من حُجرةٍ دارُ الحديث تضُمُّها قد كان بدرُ الدين يُوقظُ أمةَ نامت على غَلَل الضياعِ فشدَّها قد كان بدر الدين عند أُتونها ويصيحُ وا لدمشق من همجيةٍ فوثبتَ كالليث الملبَّد هادراً وثبتَّ لا (غورو) استطاع بزحفه فكأن شيخك كان قبل وفاته فقضيت دهرك مثل شيخك صامداً * * * شيخي فديتك لا البكاءُ بمُسعفي وأرى المنايا خبط عشواءٍ أتت في الشام غُيِّبَ عالمٌ وبمصر أزهرُ ذُعرَ الزمانُ بفقد من يسمو به إن كان نقصُ الأرض من أطرافها لا تبتدرني بالعبوس فإنما يكفيك أنك عشت فينا زاهداً * * * جاهدتَ نفسك بالعبادة فارتضت خُضتَ البحار إلى الحقيقةِ عندما ما كُنت في ظلِّ التكايا قابعاً فصوامعُ الرهبان لم تكُ غايةً ما اختار ربُّك من وليِّ جاهلٍ وكتابنا ما كان شِرعةَ أمةٍ كلُّ الحقيقة أن تكُونَ مُجاهداً * * * جاهدت طوراً باللسان وطالما وبقيتَ رمز العُنفوان لأمةٍ قد كان رأيُك في الصعاب مُشعشعاً وأراك إن عجز اللسانُ هجرتهُ فالحقُّ يُدرك بالمقال وإنهُ * * * أبقيت للإسلام فتيةَ أمةٍ أبقيت شيخ مقارئ الشام الذي قد حرتُ بعدك بالذي أرضعتهُ نهلوا وعلُّوا ثم هاهُم خُشعاً اُنْفُضْ غبار القبر عنك وقم لهم * * * قُم أعطهم درس الثبات وقُل لهم أخشى على ثوب الحقيقةِ بعدكُم تأبى الحقيقةُ أن تعيش بصدرِ من لكن أعيذُ جُمُوع من ربيتهم * * * شعري أبى مدح الملوك وإنه فمضى يُنازعني الخطام وإنني بُعد المُصيبة فيك ليس يحدُّهُ وكنائنُ الأيام لم تنضب وكم قلبي ينازعني البكا فزجرتُهُ صلى عليه اللهُ ما هبَّ الصَّبا وسألتُ ربي أن يُثيبك خير ما وهَمَتْ عليك من المهيمن رحمةٌ | استهلالاشردَ البيانُ فما أُّطيق أبكى المساجد قانياً سيالا إلا رأيت بها الجوى القتالا صفعتهُ كفُّ النائبات فمالا فقدت دمشقُ العَالِمَ المِفاضلا * * * يبكي فبلَّلَ لحيةً وسبالا سَلّتْ عليه النائباتُ نصالا فيُشيرُ إذ عقل اللسانُ عقالا يسترجعُ الأيام والأحوالا وأتى لمنبره يرومُ مقالا يستقبلُ العظماءَ والأقيالا ليُذيق من خان العهود نكالا عرف القُنوطُ إلى النفوسِ مجالا * * * درس الحديث محلقاً يتلالا اتخذ الأناسُ رؤوسها جُهالا أو يصبحُ الأمرُ الحرامُ حلالا * * * جاءت تسابقُ دمعها الهطالا أقواله بسلوكه الأفعالا فيه فراض الأسد والأشبالا ما يستحقُ من الورى إجلالا وهما البيانُ لمن أراد جدالا من غُصةٍ ينعى إليّ بلالا والحلمِ ذاقوا بعدك الأهوالا حلت بهم يسترشدون هلالا حشرت بساحة غيلها الأبطالا قد شيعوا بضريحك الآمالا تلك الجموع أسىً لذاب وسالا * * * أن يحتويك مناقباً وخصالا عكس الأثيرُ على الأكُفِّ ظلالا والبدرُ منعكسٌ عليه خيالا أنَّى لأيدينا تقلُّ جبالا * * * تعلو جبيناً شامخاً مفضالا يردون من بحر العلوم زلالا شوقاً ولو ركبوا إليك محالا حتى ولو كان الضياءُ ذُبالا بدراً يشعُ على السماء نُسَالا تجثو الملوك ببابه إجلالا * * * أضحى عليه الدارسُون عيالا حرَّ الهجيرِ بظلهِ قُيَّالا قد أمعنتْ في غيها إضلالا وقعُ المصاب فمزَّق الأوصالا يوماً بساحةِ ربعها حَلَّالا * * * وقف الطُّغاةُ ببابها أجيالا أخنت عليها المرجفات ثقالا بحرارةٍ كي تُدرك الأذحالا يُذكي لظى نيرانها الإشعالا رأت التمدُّنَ أن نعيش سخالا لبيكَ سوف نُحيلها زِلزالا يُرديك أو يُلقي إليك منالا أهدى إليك السِّبَّ(1) والأثمالا لم تخش طاغيةٌ ولا قَصَّالا * * * في النائبات وقد نُحلت هُزالا تختارُ منا الأغلب الرئبالا نا يُشيِّعُ شيخهُ المفضالا إذ كُنتَ لو عزًّ المثالُ مثالا فبفقدك النقصُ استدار وطالا تلك الحقيقةُ لا تُطيقُ زوالا لم تبغِ جاهاً أو تُورّثُ مالا * * * لك بالحقيقة والشريعة حالا ملأ الصغارُ من البحورِ قلالا هجر الجهاد وآثر استثقالا لمن ابتغى بعد الجهاد وصالا تأبى الكرامةُ جاهلاً محتالا عاذت بغيران الحياة خَبالا بين الأنامِ لكي نصوغ رجالا * * * قد كنت تُتقنُ بالسنان قتالا ضربت بعزة نفسك الأمثالا كالشمس تفضحُ مارقاً دجالا ورضيت سيفك فيصلاً صلّالا بالسيف أقربُ ما يكون منالا * * * شابوا وقد ربيتهُم أطفالا ورث الكتاب تلاوةً وفعالا خمسين عاماً هل يُطيقُ فصالا من حول قبرك يمنةً وشمالا ليروا عليك من الجنان جمالا * * * لا يرجعوا بعد الهدى ضُلالا في السُّوق صار ينازعُ الدلالا قد عاش ينشُدُ درهماً وريالا أن يشتروا بعلومهم أموالا * * * برثاء مثلك يرفض الإقلالا لولا الإطالةُ زدتُهُ استرسالا شعرٌ ولو بلغ السُّها أرقالا أشلتْ علينا في الحياة نِبالا لما ذكرتُ محمداً والآلا ما أعقبت بغُدُوها الآصالا جازى إماماً عالماً فعالا ليصير قبرُك روضةً مِحْلالا | مقالا
(*) نشرت في مجلة حضارة الإسلام الدمشقية في (العددين 8 – 9) السنة التاسعة عشرة – شوال – ذو القعدة 1398هـــــ.
نعيد نشرها اليوم بعد وفاة شاعرها الكبير مساء السبت – الخامس من المحرم 1435هـــــ - التاسع من تشرين الثاني 2013م.
رحم الله الراثي والمرثي.
(1) السِّب: العمامة.