يحيا السنوار
(وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا)
الأحزاب:
قَطَعَ الطريقَ على فمي اسْتِعْبَارُ
وأطافَ بي ألَمٌ له إسْرارُ
والخَطْبُ أعظمُ مِنْ تَكَتّمِ موجَعٍ
كُشِف الغطاءُ ومزّقتْ أستَارُ
أوفيتَ عهْدَ اللهِ مُتَّقَد الخُطى
فنزلتَ حيثُ يحفُّكَ الأبرارُ
أدْمَيْتَ رِجْليْ ناسِكٍ مُتَعَبّدٍ
والشّمْسُ تشهدُ أنّكَ الكَرّارُ
كأْسَ الرّدى لامسْتَها فَتَركتَها
أبَداً تُعادُ على العِدى وتُدارُ
أرْعَبتَهمْ لمّا طَلَعْتَ مُسَدِّداً
ومُسَدَّداً فكأنّك الأقْدارُ
حاضتْ نسَاءُ الغاصبينَ مهابةً
بخدورِهِنَّ، وحَشْوُهُنَّ نِفارُ
ما كنتَ فأراً في القُبور مُخَبّأً
فبثوبِكَ الأسَدُ الهصُورُ يُجارُ
كَيَدِ المنونِ مددتَ كفَّكَ نحْوَهُمْ
وعصَاكَ لَبّى أمْرَها التّسْيارُ
وكأنّما بذلَتْ، وإنّك زاهدٌ،
ممّا اشتهتْ رغباتُك الأمْطارُ
القول فيصلُكَ الذي لا ينثني
والفعلُ صيقَلُ ربّكَ البَتّارُ
والعاشقون تعلّمُوا أنّ الهوى
بيعُ النّفوسِ وربّها يختَارُ
ماذا بِمِلْكِكَ؟ سبْحةٌ .... ورصاصةٌ...
وعصا.. وكرّاسٌ به أذْكارُ ...
قالتْ وصاتُكَ، والنُّجومُ طوالعٌ
بمدارها، والنّخْلُ والأشْجارُ
أنا غزّةٌ حسبي، وحسبي غزّة
ولِهَاشِمٍ في تربها أسْفارُ
هذا هو الزُّهْدُ الذي مِنْ دونه
زُهْد الألى شغَلَتْهُم الأطمارُ
"السّامورايُ" بمطلع الشمِسِ انتضى
سَيفاً: لك الإجْلالُ والإكبَارُ
فلكُلّ سيْفٍ جُرّدتْ شفراتهُ
ضدّ الطُّغاة محبّةٌ ووقارُ
قل للذي اتّخَذَ الجيوشَ تفاخراً:
إن لم تَخُضْ ... ما ينْفَعُ الجرَّارُ؟
مَنْ لم يُقاتلْهُم ولو بفؤاده
مُدّتْ كلاليباً إليه النّارُ
سَقْطُ الورى، سِقْطُ الورى، سُقْطُ الورى
يتساءلون: أقُتِّلَ السّنْوَرُ؟
ما مثله جالوتُ إنْ يوماً سَمَا
من خلْفِ آثارِ الكُماة غُبارُ
خسئ الذينَ تترّسُوا بنِفَاقهمْ
لم يحْمِهِ نفَقٌ ولا أسْوارُ
حُجِبَتْ منَاقِبُهُ فَنَشّرها العدى
فكأنّما تَتفَجّرُ الأنْهارُ
سمّاهُ يحيى اللهُ كي يحيا، فلا
تتعجّبوا أنّ النّجومَ تَغارُ
أسْرى به الرحمنُ فاعتنَقَ العُلا
وتعلَّقتْ بِرِكَابهِ الأقْمارُ
أسْطورةٌ جُنّ الزّمانُ ببأسها
وبمثْلها تتحيّرُ الأبصارُ
ما روعةُ التصويرِ؟ ما إبداعُها؟
ما يصنع الإزميل؟ ما المزمارُ؟
هوليوود زاغتْ من مفاتن فنّه
لِمَ لا تزيغُ لمثله وتحارُ؟
(غاندي) و(غيفارا) و(زاباتا) غَدَوْا
بعذابهم يُستجْلَب الدُّولارُ
لَيْثٌ بأقْطارِ السّماءِ عَنَانَهُ
لم يُغْرهِ في الحادثَاتِ نُضارُ
قالت له دنياه "هيتَ" فردّها
"غُرّي سوايَ" جوابُه المدْرارُ
فِرْهَادُ[1] أصغَرُ هِمّةً من عزْمِهِ
شَقُّ القَنَاةِ يُجِيدهُ الحَفّارُ
والثّائرون تضاءلوا وتصاغروا
يفْدي لِواَكَ النّشْءُ والكُبّارُ
أنت الذي أنطقَتَ كلّ حِجَارةٍ
ومن الهوى قدْ تنْطِقُ الأحْجَارُ
هبْ فِتْيَةً إزميلَ فنّ ساحراً
صوتُ الرّصاصِ نشيدهُ الجبّارُ
لو أدْرَكَتْهُ يدا أُوَيْسٍ فَاضَتا
ولرَجَّعَتْ من لحنه الأطيارُ
يا واحدَ الدّنيا، وفارسَها الذي
قد صافحتْ أنصارَهُ الأنصَارُ
لك ما تُريد من الرضا يا من مضى
وعليه شَمْلَةُ هَيْبَةٍ وشِعَارُ
لِم كالشّعَاعِ فَرَطْتَ بيْن أصَابعٍ
طَلَبَتْكَ فانْقَلَبَتْ وليسَ تُجَارُ؟
يا من سبقتَ إلى الجِنان مشمّراً
والحورُ تهتِفُ: جُدِّدتْ أسْرارُ
سمّاكَ يحيى اللهُ كي تحيا، فَهلْ
عَجَبٌ إذا غدت النّجُومُ تَغَارُ؟
قيل: ارثه، قلْتُ ارجْعوا، واستغفروا
ولقد ينالُ الغافلَ اسْتغفارُ
أنا منْه أجدرُ بالرثاءِ، قد ارتقى
وبقيتُ يَنْدبُ همّتَيَّ حِصَارُ
ولكم صبَوتُ إلى الشّهادةِ في الصّبا
لم تُصْبني عن نيلها أوتارُ
لكنْ نسيتُ: (ولو أرادوا) حَسْرةً
ما بالتمنّي تُدرك الأوطارُ
لم يبق لي عذرٌ وقدْ قيلَ: "انفروا"
لو كان ينفعُ قاعدًا أعذارُ
يا سيّدي حقّا، وقد جُزْتَ السُّهَا
هل لي إلى ما قدْ شَرِبْتَ نُثَارُ؟
حاولتُ تحْبِير القصِيدِ مُذَهّباً
لكنّها اعتذرت لكَ الأشْعارُ
نِعْمَ الجوارُ، جِوارُ ربّكَ، إن يكُنْ
قدْ عزّ في كونِ الفَسادِ جوارُ
وجمالُ وجْهِ الله نِعْمَ المنتهى
باقٍ ومُلكُ العالمين بوارُ
قال الشّهيدُ، وليس يبْلى قولُهُ
والقولُ منْهُ لآلئٌ ومَحَارُ:
يا ربّ لا أرضى سوى إن أصْبَحَتْ
أرضُ الرّباط يسودُها الأطهارُ
فَيْضُ المواجِع مؤْذنٌ بنهايةِ
أنوارُهَا ما بعِدها أنوارُ
فخذوا الوصيّةَ: جهّزوا أكْفانَكُمْ
مَهْرُ الجِنَانْ المالُ والأعْمارُ
وجدة: 16 ربيع الآخر 1416 20 أكتوبر 2024
[1] بطل أسطوري في قصة (فرهاد وشيرين) الفارسية.
وسوم: العدد 1100